جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

متى تنتهى أزمة أمريكا؟!

جلال عارف

الجمعة، 27 نوفمبر 2020 - 10:21 م

أحد المظاهر الأساسية فى انتخابات الرئاسة الأمريكية التى مازالت محل جدل هى أنها لم تكن صراعاً بين برامج سياسية واضحة ولم تشهد أفكاراً جديدة للتعامل مع واقع أمريكا ومستقبلها كانت انتخابات تسيطر عليها سنوات حكم الرئيس المنتهية ولايته «ترامب» بكل العواصف الداخلية والخارجية التى أثارها، وتتحكم فى مجرياتها كارثة «كورونا» وآثارها المفزعة وما كشفته من عجز الإدارة عن التعامل مع الأزمات الحقيقية التى تضرب المجتمع.
والنتيجة أن الانتخابات دارت حول «ترامب» تأييداً أو معارضة لم يكن لدى «الجمهوريين» برنامج انتخابى لأن بداية المعركة «قبل كورونا» كانت تقول إنها محسومة لصالحهم بينما اكتفى الديموقراطيون بخطوط عريضة تجمع صفوف الحزب وتحاول توحيد اتجاهاته المختلفة لإسقاط «ترامب».
وإذا كانت مناظرات ترامب وبايدن «خاصة المناظرة الأولى» قد كشفت غياب الأفكار والسياسات، فإن ما حدث بعد ذلك من صراع حول نتائج الانتخابات، وما صاحبه من اتهامات بالتزوير وتشكيك فى النظام الانتخابى وتهديد بالانزلاق للفوضى مع امتناع ترامب عن الإقرار بخسارة الانتخابات.. كل ذلك فاقم من مظاهر الأزمة، وأدخل أمريكا فى حالة من عدم اليقين مازالت مستمرة حتى بعد أن بدأ «بايدن» فى إجراءات نقل السلطة واختيار كبار مساعديه فى الإدارة الجديدة.
وبعيداً عن «مناكفات» ترامب والتى كان آخرها دعوة أنصاره إلى «مقاومة» سطو الديمقراطيين على الانتخابات «وسرقتهم» لما يقول انه انتصار حققه فى الانتخابات.. فإن «بايدن» يحاول استكمال مهام المرحلة الانتقالية ويكتفى حتى الآن بإشارات إلى خطوط أساسية لبرنامج عمل إدارته فى الأيام الأولى بالتركيز فى الداخل على مكافحة كورونا والأزمة الاقتصادية التى تتفاقم، وفى الخارج على استعادة دور أمريكا القيادى بالمشاركة مع حلفائها للتعامل مع التحديات العالمية دون الانجرار إلى صدامات وحروب غير ضرورية.
يبدو الحديث هنا عن «استعادة أمريكا» وكأنه رسالة طمأنة للحلفاء «وخاصة فى أوروبا» بعودة الدفء لعلاقاتهم مع «واشنطن» ولعودة أمريكا كشريك لهم وللعالم فى المنظمات الدولية التى تركها ترامب أو للاتفاقات التى سحب دعمه لها وأهمها الاتفاقيات الخاصة بالمناخ.
ويبدو الحديث هنا وكأنه تأكيد  على رؤية لسنوات «ترامب» فى الحكم وكأنها فترة عابرة سيتم تجاوزها مع «استعادة أمريكا» لوحدتها الداخلية ولقيادتها العالمية التى يقول «بايدن» أنها تتحقق بالمشاركة مع الحلفاء وليست بالانفراد بالقرار أو بزعامة العالم.
لكن الواقع على الأرض يقول إن المهمة لن تكون سهلة وأن «ترامب» لم يكن مجرد «جملة اعتراضية» فى تاريخ أمريكا، وإنما كان تعبيراً عن تيار حقيقى يزداد فيه تأثير اليمين المتطرف والمتعصب للجنس الأبيض والمؤمن بأن «أمريكا الأعظم» هى أمريكا التى يحكمها التفوق العنصرى والدينى!!.. ترامب كانت تعبيراً عن هذا التيار الذى ينمو منذ سنوات بعيدة، وهو يدرك أنه جاء رداً من هذا التيار على وصول أوباما للرئاسة، وهو يدرك الآن أكثر أن أمريكا المنقسمة على نفسها لن تستعيد وحدتها بين يوم وليلة والأهم أن يدرك الآخرون أن كل ما جرى ويجرى قبل ترامب وبعده وهو تعبير عن أزمة داخلية طاحنة لن تنتهى برحيل ترامب عن البيت الأبيض، ولا بالتعامل الصحيح مع أزمة كورونا وتوابعها الاقتصادية والاجتماعية فقط. الأزمة أكبر من ذلك أزمة فوارق اجتماعية تزداد حدة، وصراعات تزداد وحدة وعنفاً ونظام يحتاج للتطوير الذى يتصادم مع مصالح لن تتوقف عن المقاومة.
قد تنتهى أزمة الرئاسة فى أمريكا مع الموعد المقترب فى يناير لكن الأزمة فى أمريكا ستبقى وستظل الدولة الأقوى تبحث عن وحدتها فى ظل انقسام أصبح خطيراً وتبحث عن استعادة دورها العالمى فى ظل نظام عالمى بلغ نهايته وكانت هى القائدة له ومع بحث العالم عن نظام جديد أكثر عدالة ومع صراعات مفتوحة مع الصين التى يزداد طموحها وروسيا التى يقول «بوتين» إن علاقاتها مع أمريكا «مدمرة» ومع حلفاء فى أوروبا وفى العالم يحتاجون لجهد كى يستعيدوا الثقة فى تحالفهم مع واشنطن.
ستنتهى أزمة الرئاسة فى أمريكا.. لكن الأزمة فى أمريكا ستبقى حتى تعبر انقسامها وحتى تستوعب المتغيرات التى تواجهها فى عالم يريدها شريكاً فى قيادته لا متحكماً فى شئونه.
ويبقى أفضل ما تقدمه أمريكا - بعد أزمة الانتخابات - أن تكون قد استوعبت الدرس وأدركت أن أزمتها أكبر من «ترامب» وأبعد من أن تحل بتغيير الإدارات فى البيت الأبيض!!.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة