إحدى إبداعات الفنان الهولندي الكبير فنست فان جوخ
إحدى إبداعات الفنان الهولندي الكبير فنست فان جوخ


بعد مرور 130 سنة على رحيله..

هل انتحر «فان جوخ» بسبب قطع أذنه؟!

د. طارق عبدالعزيز

السبت، 28 نوفمبر 2020 - 08:41 م

- مازالت شخصيته مثيرة للجدل حتى الآن !

- لم يشتهر إلا بعد رحيله

- لوحته «دكتور جاشيه» بيعت بـ 83 مليون دولار عام 1990

 

رغم رحيله فى سن مبكرة إلا أنه نال شهرة واسعة لم يحظ بها فنانون كبار عاشوا أكثر منه.. إنه الفنان الهولندى الكبير فنست فان جوخ الشهير بـ«فان جوخ».. ولد فى 30 مارس 1853 فى جروت زندت فى هولندا، ورحل أثر إصابته بطلق نارى فى سن السابعة والثلاثون وبالتحديد فى 29 يوليو 1890، وبالفعل كان لهذا الفنان تأثيره الواضح على الفن التشكيلى فى القرن العشرين.

 

 

ورغم مرور 129 سنة على رحيله إلا أن قيامه بقطع أذنه اليسرى بشفرة مازال لغزًا محيرًا للجميع، وبالتالى انتحاره بإطلاق النار على نفسه بعد تلك الواقعة بعام ونصف تقريبًا وهو يرسم لوحة من لوحاته، ومعاناته قبلها بعدة اضطرابات نفسية أدت إلى إيداعه بإحدى المصحات النفسية.. كان فان جوخ فنانًا عظيمًا دائمًا مثيرًا للجدل فى حياته الخاصة وأيضًا الفنية وفى العديد من أعماله، حتى بعد رحيله مازال لغزًا مستمرًا وتحتاج جوانب حياته تسليط الضوء عليها لمعرفة خباياها.

 

عاشق المعارض

 

فان جوخ ترك، دراسته وهو صبى فى سن الخامسة عشر، بسبب تعرض عائلته إلى مشاكل مالية كبيرة، وعمل فى متجر خاله الذى كان يبيع المنتجات الفنية ويتعامل مع تجار اللوحات الفنية من مختلف الجنسيات، مما كان له الفضل عليه فى تعلم عدة لغات مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية بخلاف لغته الهولندية، انتقل بعد ذلك إلى فرع الشركة فى لندن وأعجب بالثقافة الإنجليزية وأصبح عاشقًا لزيارة المعارض الفنية.

 

وكان أبوه «قسًا» أنجب عدة أبناء، كان أكثرهم تأثيرًا فى حياة فان جوخ أخاه «ثيوه» الذى كان يتاجر فى الأعمال الفنية أيضًا، ثم تعرف فان جوخ على سيدة بريطانية ووقع فى غرام ابنتها «ايوجينى» التى كانت تشجعه على زيارة متاحف لندن، ثم التقى وتعرف على الأديبة الشهيرة «جورج إليوت»، وأيضًا تعرف على الروائى «تشارلز ديكنز».

 

 

 وبرغم أن الشركة نقلته إلى فرعها فى باريس إلا أنه لم يستمر وعاد إلى إنجلترا وانطلق بعد ذلك إلى تعليم الشباب فنون الرسم المختلفة، ودرس الإنجيل وأصبح يلقى الخطب الدينية بالكنائس، لكنه فشل فى تعلم علم اللاهوت، ثم اتجه للعمل فى المناجم وأحب العمال وتعاطف معهم جدًا وظهر ذلك فى العديد من لوحاته.

 

آكلو البطاطس

 

عاد فان جوخ إلى هولندا بعد فشله فى إيجاد وظيفة تناسبه، وساعده أخوه «ثيو» بمبلغ مالى من أجل دراسة الفن فى بروكسل، وظهر إنتاجه الذى اتسم بالتعبيرية، وأحدثت ضربات فرشته الغريبة فى هذا الوقت أثرًا بالغًا فى ظهور تقنية مختلفة فى فن التصوير وضح تأثيرها على جيل كامل من الفنانين، وبدأ فن التصوير تظهر عليه الألوان الصريحة الأساسية بعيدًا عن الألوان الهادئة الميتة الشائعة التى كانت محفوظة بطابعها الأكاديمى.

 

 

بعد ذلك بدأ جوخ يتأثر بالعلاقات النسائية التى طرأت على حياته فقد كان لها تأثير سلبي بعض الشىء، حاول فان جوخ الاقتراب عاطفيًا من إبنة عمه "كورنيليا" بعد أن أصبحت أرملة لكنها رفضته رغم أناقته وحيويتة، فكان رد فعله المجنون هو أن أمسك بلهيب الشموع حتى يتألم ألمًا ينسيه ألم الحب!!، ثم تعرف على فتاة تدعى "موف" ساعدته كثيرًا وبدأ إنتاجه الفنى يظهر بالعديد من اللوحات المؤثرة.

 

وتعددت علاقاته بعد ذلك، وقرر فجأة أن يعيش حياة البوهيمية، وبدأ يتابع ويهتم ببسطاء الفلاحين وينقل حياتهم إلى لوحات فنية رائعة من خلال تنقله بين المزارع وبيوتهم البسيطة.. ومن أشهر اللوحات التى رسمها فى هذا الوقت لوحة "آكلو البطاطس".. 

 

 

البساتين المثمرة

 

انتقل بعد ذلك فان جوخ بتوجيه من أخيه "ثيو" إلى فرنسا وامتزج بالريف الفرنسى ومناظره الطبيعية الخلابة، وبدأ فى رسم العديد من اللوحات عن الطبيعة هناك، وتأثر بالإنطباعيين الذين صادفهم فى تلك الفترة مثل رينوار، وبيسارو، كما تأثر بالفن اليابانى الذى كان يهتم ويميل إلى عشق الطبيعة، ثم ألتقى بعد ذلك بالفنان "بول جوجان" الذى استضافه فى بيته، وأعجب بأعماله ولوحاته وتأثر بها جدًا حتى ظهر ذلك التأثير على أعمالهما التى شابهت بعضها كثيرًا.

 

 وفى عام 1888 تعرض فان جوخ لإضطرابات عصبية شديدة دخل على أثرها مصحة نفسية ومكث فيها عدة أشهر للعلاج، وقد أجمع الأطباء أنه عانى من عدة إضطرابات نفسية مثل الهلوسة والأكتئاب والصرع، ورسم داخل المصحة لوحته الشهيرة "ليلة النجوم"، و"لوحات البساتين المثمرة"، كما رسم المقاهى وعباد الشمس، ورسم حذاءه وغرفة نومه ومقعده وبعض الزوارق والكبارى.

 

 

قطع أذنه

 

تعتبر حادثة قطع أذنه هى الأشهر فى مسيرته الفنية ولكن هذا اختلفت فيه الأقاويل، أقربها للحقيقة أنه كان يفتقد الحب خلال حياته فهو شخصية فريدة ولم يجد الإنسانة التى تحيطه برعايتها، مما أصابه بالاكتئاب والكبت، وحينما قالت له إحدى بنات الهوى انها معجبة بأذنه، كانت المفاجأة أنه قطعها بشفرة وأرسلها إليها!!

 

وفي رواية أخرى أنه كان دائم الاختلاف مع صديقه جوجان الذى كان يسخر منه كثيرًا ولكن فان جوخ أصيب بنوبة عصبية جعلته يقطع أذنه بدلًا من مهاجمة جوجان!..، وفى مقولة أكثر غرابة نشر بعض المؤرخين الألمان كتبًا ذكروا فيها أن جوجان هو من قطع أذن فان جوخ، ولكن بعد الواقعة أدعى جوخ أنه من فعل ذلك فى نفسه خوفًا من معاقبة صديقه بالسجن.

 

دكتور جاشيه

 

فى عام 1890 رسم فان جوخ لوحة تعد من أشهر لوحاته وهى لوحة "بورتريـه الدكتـور جاشيـه"، وتعبر هذه التحفة الفنية عن امتنان وإخلاص فان جوخ لطبيبه الخاص الدكتور جاشيه، واكتسبت تلك اللوحة شهرة كبيرة لأن فان جوخ رسمها فى الأشهر الأخيرة من حياته، كما أنها ظلت مثيرة للجدل فترة طويلة، ولعل السبب الثالث والأهم لشهرة اللوحة عندما بيعت لثري ياباني بنحو 83 مليون دولار بعد ثلاث دقائق فقط من طرحها في مزاد فني في عام 1990، والمعروف أن جوخ رسم لوحتين للدكتور جاشيه، الذى كان يعالجه فى فرنسا من نوبات الصرع العنيفة التى كانت تنتابه كل حين، ولهذا أصبح جاشيه من أصدقائه المقربين، وبالعودة للوحة نجد أن فان جوخ وضع أمام الدكتور جاشيه نبتة "قفاز الثعلب" التي اشتق منها، عقار"الديجيتاليس" في إشارة منه لكفاءة هذا الطبيب ومهارتهالفائقة.

 

 

انتحار جوخ

 

ربما ما رسمه فان جوخ فى لوحة د. جاشيه كان إشارة منه إلى أنه كان يعالج بذلك العقار قبل أن يقدم على الانتحار بعد جلسة طويلة مع جاشيه ليلة التاسع والعشرين من يوليو 1890.. عندما كان يتأرجح بين الألم والرسم فأطلق على رأسه الرصاص، ومات فى فراشه، ودفن فى باريس، ومات أخوه بعده بستة أشهر فقط.

 

اقرأ أيضا : فيديو| لحظة سرقة لوحة «فان جوخ» من متحف بهولندا

 

وبالنظر لأعمال هذا الفنان العظيم نجد اهتمامه بالألوان الصريحة النقية وقدرته التعبيرية فى ضرب فرشاته بطريقة مختلفة تتميز بالنظامية، كما وضح اهتمامه بالنواحى الهندسية والمعمارية فى العديد من لوحاته، وهذا ما ظهر جليًا عندما رسم غرفة نومه وبعض المبانى والكبارى والزوارق.. بالفعل قدم فان جوخ الهولندى الكثير من الإبداعات والعديد من الأساليب المتنوعة فى أعماله التى مازالت تتطلب من المتخصصين البحث فى أعماقها.

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة