صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«مليونيرات التسول» 600 ألف جنيه حصيلة يومية «للشحاتين»

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 29 نوفمبر 2020 - 04:39 ص

تحقيق| شيماء مصطفى


قديماً اعتدنا علي رؤيتهم  بالملابس المهترئة، والعاهات المستديمة، يفترشون الشوارع ، وينادون (لله) يا مُحسنين  لجلب استعطاف المواطنين، ولكن الآن أصبح التسول مهنة تحدث نفسها من وقت لأخر بوسائل متطورة من طرق الإقناع حتي لا يمل المواطن من تسولاتهم المتكررة .

 باتت أعدادهم فى ازدياد ملحوظ، ولكن هذه المرة نرى أشكالاً مختلفة للتسول لأسر كاملة تفترش الشوارع وتدعي أنها بلا مأوي ، وعندما تصل إليها حملات وزارة التضامن يرفضون الانتقال لدار تأويهم .

في أحيان أخري تجد سيدة ترتدى ملابس عادية ورجل يرتدى ملابس يعتقد الجمهور أنه شخص عادى ولا يتسول، حتى يبدأ بسيناريو درامى يجذب انتباه كل شخص حوله، تعددت القصص والسبب واحد..

كشفت دراسة حديثة صادرة عن المركز للبحوث الاجتماعية والجنائية صدرت نهاية عام 2019 عن وجود 8 أنواع للتسول منها المباشر والموسمى، والإجبارى، فضلاً عن وجود 6 أسباب لتزايد الظاهرة منها زيادة معدلات الفقر والبطالة..

«سيدة ثلاثينية تصطحب أبناءها طفل وطفلة لا يتعدى أعمارهما عن 10 سنوات، يرتدون ملابس أنيقة، لا يشك أحد بأنهم يتسولون، تقف فى وسط إحدى عربات مترو الأنفاق بثبات شديد تشرح حكايتها المأساوية عن مرض زوجها الشديد الذى يجعله طريح الفراش، لا يستطيع العمل، قائلة: «أنا مش بشحت ولولا الحوجة مكنتش طلبت مساعدة منكم، محتاجة بس أجمع مبلغ لعلاج زوجى»، وبعد سرد حكايتها تبدأ بالتحرك فى العربة للحصول على المساعدات من خلال الأطفال الصغار، فهم وسيلة جيدة لاستعطاف الركاب»، كانت الحكاية الأولى التى رصدتها «الأخبار المسائي» عن المتسولين.

وفى إحدى الأتوبيسات العامة، خط شبرا الخيمة والتحرير، وقف شاب فى العقد الثلاثينى من عمره أمام الركاب، يرتدى ملابس عادية، بدأ حكايته قائلاً: «أمى ماتت ومش معايا حتى فلوس خارجتها، وسبتها فى مستشفى الجلاء، ومحتاج فلوس عشان أقدر ادفنها»، بالطبع كانت كلمات رنانة على أُذن كل راكب، وكل شخص أخرج من جيبه ما يستطيع مساعدته به، لأن إكرام الميت دفنه.

وبعد أيام معدودة وفى نفس خط الأتوبيس، ظهر نفس الشاب، بملابس أنيقة، وبدأ بسرد نفس قصة والدته المتوفية، والتى لا يوجد معه ثمن لدفنها، وكان من سوء حظه وجود أشخاص كانوا متواجدين فى المرة السابقة، فقال أحدهم: «هو أنت لسه مدفنتش أمك من الأسبوع اللى فات»، كان بعض الركاب بدأوا بالفعل مساعدته بما يستطيعوا، وعند سماعهم هذه الجملة توقفوا عن الدفع، والمتسول شعر بالخوف وترك الأتوبيس فوراً.

وفى أحد شوارع منطقة الهرم، تقوم سيدة مُسنة فى العقد الستينى بإيقاف المارة قائلةً: «مرات ابنى سابتنى فى الشارع من غير فلوس، عشان كنت بنصحها زعلت منى وسابتنى، ومش عارفه أرجع البيت، محتاجة 15 جنيه بس عشان اركب»، هذا السيناريو يتكرر مع كل المارة فى الشارع، منهم من يقوم بالفعل بالمساعدة، وآخرون يمرون دون النظر لها.

الدكتورة إيمان عبد الله أستاذ علم النفس والعلاج الأسرى أكدت أن المتسولين زادوا بشكل ملحوظ فى الشارع المصرى، ولكن شكلهم اختلف عن الشكل التقليدى المتعارف عليه، من ارتداء ملابس قديمة وانتشار عاهات مستديمة فى أنحاء الجسم، مضيفة أن ظاهرة التسول موجودة فى جميع المجتمعات، ولا تتعلق بالفقر أو من عدمه بالدرجة الأولى، فحتى المجتمعات الغنية يوجد لديها متسولون.

«المتسولون أصبح لديهم جرأة وماء وجههم مكشوف، ولديهم مهارة وحيل عديدة وذكاء كيفية استعطاف الناس والحصول على مبالغ مالية، ويستغلوا الأطفال فى تسولهم»، هكذا وصفت «عبدالله» المتسولون، موضحة أن الجمهور أصبح لديه وعى عن «الشحاتين» التقليديين، لذلك لجأوا لأساليب جديدة مبتكرة، وأصبح تسولهم يتناسب مع عصر العولمة والتكنولوجيا، وطرقهم الجديدة بها إخفاء تام لذاتهم وكبريائهم، وهذه الطريقة لا تلفت الأنظار عليهم وحماية أنفسهم من المسؤولية القانونية.

وأوضحت أستاذ علم النفس أن التسول مهارة وفن، فهم يقومون بسرد حكايات مأساوية وسيناريوهات درامية تستعطف من حولهم، مشيرة إلى أن دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أكدت أن عدد المتسولين وصل إلى 11059 متسولاً، وشوارع القاهرة تحتل المركز الأول وعددهم يقرب من 4333 متسولاً، وفى الإسكندرية 1572 متسولاً، فضلاً عن أن 75% ممن يتسولون يحملوا صفة التسول فى المواسم، من أعياد وشهر رمضان وغيرها، والعدد الأكبر فى الأطفال وكبار السن، فالأطفال يتم استئجارهم أو خطفهم، فهم الأكثر فئة استعطافاً، ويصل دخلهم إلى 600 ألف جنيه يومياً، يحصلون عليها من جيوب الغلابة.

ومن الناحية النفسية أكدت استشارى العلاج الأسرى أن هناك أسباب نفسية لا تنطبق عليهم جميعاً، ولكن هناك فئة منهم تعانى من اضطرابات نفسية، وآخرون يلجأون للتسول لضيق العيش.

هناك أسباب نفسية تدفعهم للتسول منها مشاكل الأسرة سواء فقر أبويهم أو المعاملة السيئة منهم، أيضاً هناك أمراض نفسية وعقلية تجعلهم يتجهوا للتسول منها الاكتئاب المزمن والفصام والخلل العقلى، بالإضافة إلى ممارسة أفعال منافية مثل الاتجار بالمخدرات والإدمان والدعارة وغيرها، فالتنشئة المجتمعية والاضطرابات النفسية تساعدهم فى ممارسة الأخطاء، هذا ما أوضحته عبد الله عن المتسولين.

وأضافت قائلةً: «فى ناس مُهددة فى حياتهم ولا يشعرون بالأمان، لذلك يجدوا فى اقتناء الأشياء التى لا قيمة لها أمان حتى إذا كانوا يحصلون عليها من القمامة فى الشوارع، وتعتبرها حيلة نفسية تعطى لها جزء من الأمان، وهناك من يقتنى الأشياء القيمة».

قالت عبدالله: المتسولون يعتبروا من الفئات المهمشة، وعلى الدولة توجيه النظر لهذه الفئة، فأغلبهم سيكوباتيين عدوانيين على مجتمعهم ولكن بشكل راقِ، ويحصلون على الأموال التى ترضى نفسيتهم عن طريق تسولهم، فالمتسولون لديهم صراعات نفسية عديدة.

وأكدت على ضرورة التكاتف إعلاميا وجميع المؤسسات المعنية سواء مؤسسات اجتماعية أو دينية أو تربوية تهتم بهذا الموضوع، وعدم التعاطف معهم لتقليل الظاهرة ، مع دراسة الأسباب لظهورها وانتشارها وعمل دراسات عنهم، ومحاولة تأهيلهم واستثمار طاقتهم.

اقرأ أيضا| حكايات مبكية من دور إيواء المشردين.. ضحايا عقوق الأبناء

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة