الإخوان حاولوا استغلال العلاقة مع قادة ثورة يوليو للسيطرة على الحكم
الإخوان حاولوا استغلال العلاقة مع قادة ثورة يوليو للسيطرة على الحكم


الإخوان .. فى بئر الخيانة «١-٤»

«الإرهابية».. فى خدمة الاحتلال البريطانى!

د. أسامة السعيد

الإثنين، 30 نوفمبر 2020 - 09:18 م

حالة التهليل والترحيب التى انتشرت فى أوساط جماعة «الإخوان» بعد إعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، تكشف حالة عميقة من التبعية الإخوانية للقوى الدولية، ومحاولة لتقديم نفسها كأداة يمكن أن تستخدمها تلك الدول لتحقيق مصالحها فى المنطقة العربية.
والحقيقة أن تلك الحالة من التبعية، والاستعمال من جانب القوى الأجنبية لجماعة «الإخوان»، هى حالة ليست جديدة أو مرتبطة بالظروف التاريخية التى تعيشها المنطقة حاليا، بل إن تلك الحالة لها جذورها العميقة فى تاريخ الجماعة وفى فكرها، فقد كانت نشأة الجماعة فى الأساس استجابة لفكرة طرحها الاستعمار البريطانى خلال وجوده لمصر، عندما سعى إلى استغلال المشاعر الدينية عقب سقوط الخلافة العثمانية عام ١٩٢٤ فى اختلاق جماعة دينية تساهم فى شق الصف الوطنى المصرى، وكان الاحتلال البريطانى أول المتبرعين لتأسيس جماعة «الإخوان» فى الإسماعيلية عام ١٩٢٨.

إنجلترا أول من تبرع لتأسيس الجماعة .. والمخابرات الإنجليزية تآمرت معها لاغتيال عبد الناصر

لندن فتحت أبوابها لقياداتهم واستثماراتهم وتريزا ماى منحتهم حق اللجوء السياسى

وثائق سرية تكشف دور «الإرهابية» فى إفشال المنطقة وإغراقها فى الصراعات

عندما ضعفت شوكة الاحتلال البريطانى لصالح صعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العالمية، وجد الإخوان لأنفسهم مكانا وسط الاستراتيجية الاستخباراتية الأمريكية لمقاومة الشيوعية، واستطاع أبناء المرشد أن يقنعوا الأمريكان بإمكانية لعب دور فى مواجهة تمدد النفوذ الشيوعى فى العالم خلال الحرب الباردة، فى محاولة للفوز بدعم «العم سام» لجماعتهم من أجل الوصول إلى السلطة. وكانت تلك بداية لعلاقة ممتدة إلى اليوم بين أبناء المرشد وواشنطن، بلغت ذروتها خلال حكم إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الذى اعتبر «الإخوان» أداة فاعلة لتفكيك المنطقة العربية عقب ما عرف بـ «ثورات الربيع العربي».

وإذا كانت التبعية الاخوانىة للقوى الكبرى قد ارتبطت بظروف وتحولات تاريخية بالمنطقة، فإن تلك التبعية تحولت إلى جزء من الفكر الاخوانى بشكل عام، حتى لقوى أقل نفوذا وقوة من بريطانيا والولايات المتحدة، فنجد تلك التبعية تمتد إلى دول مثل إيران وتركيا، وهى دول إقليمية تبنى مصالحها على حساب المصالح العربية ومحاولة مص دماء وثروات العرب.. وهكذا تتحول جماعة ”الإخوان“ الإرهابية إلى ”حصان طروادة“ لأية قوة تستهدف المصالح العربية، لتواصل الجماعة مسلسل السقوط على كل المستويات.

فى هذه الحلقات نكشف جانبا من تاريخ العمالة الإخوانية لمعظم المشروعات الخارجية التى سعت إلى الهيمنة على المنطقة العربية، والسيطرة على مقدراتها واستنزاف ثرواتها، لندرك أن سقوط تلك الجماعة فى مستنقع العمالة والخيانة للمصالح المصرية والعربية لم يكن وليد اليوم، لكنه كان قديما ومتأصلًا فى الجذور الفكرية والتنظيمية لتلك الجماعة الإرهابية.

أفضل الأعداء!!
ارتبطت جماعة «الإخوان» ببريطانيا منذ الأيام الأولى للجماعة، فبريطانيا كانت دولة الاحتلال لمصر، وصاحبة المصلحة الأولى فى تفتيت الصف الوطنى المصرى بأية صورة ممكنة، وقد أدركت صلابة النسيج الوطنى المصرى عقب ثورة ١٩١٩، والتى كشفت الوحدة الوطنية فى وجه الاحتلال والمطالبة الشعبية والسياسية بالاستقلال، ومن هنا لجأت بريطانيا إلى تطبيق قاعدة «فرق.. تسد»، والتى أجادت استخدامها طيلة تاريخها الاستعمارى فى المنطقة، وبدأت فى التفكير فى ضرورة شق الصف الوطنى المصرى عبر إشعال فتيل التطرف الديني، من خلال جماعات تحيل القضية المصرية من قضية متفق عليها وطنيا، إلى قضية مختلف عليها دينيا!


وتفضح العديد من المؤلفات المهمة التى رصدت تاريخ العلاقة بين البريطانيين وبين «الإخوان» الكثير من الأسرار التى ظلت طى الكتمان لعقود ممتدة، ومن بين تلك الكتب المهمة فى هذا الصدد كتاب أستاذ التاريخ الانجليزي مارتن فرامبتون، والذى يحمل عنوان «الإخوان المسلمين والغرب.. تاريخ من العداء والمشاركة» وهو أول تاريخ شامل للعلاقة بين الجماعة والقوى الغربية التى هيمنت على الشرق الأوسط فى القرن الماضى وهما بريطانيا والولايات المتحدة.

ويوضح الكتاب أن فترة العلاقات بين الإمبراطورية البريطانية «١٩٢٨-١٩٥٢» والإخوان المسلمين شهدت بروزا لفكرة البراجماتية فى إدارة العلاقات السياسية، حيث يشير «فرامبتون»إلى نظرة المسئولين البريطانيين للحركة باعتبارها متناقضة مع مصالح الإمبراطورية البريطانية، ولكن هذه النظرة غير الإيجابية لم تقف عائقا أمام تطوير علاقاتهم المتبادلة خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما يتوافق مع سياسة «أفضل الأعداء» التى أقرتها الحكومة البريطانية فى تعاملها مع مستعمراتها فى الشرق الأوسط.

ويعترف فرامبتون أن الغرب كان ينظر بنوع من التوجس لتنظيم الإخوان منذ الثلاثينيات بسبب أيديولوجيتهم التى وصفها البريطانيون بـ «الظلامية»، أو «المنغلقة»، والمعادية للآخر، إلا أن ذلك لم يحل دون استخدام القوى الاستعمارية لتنظيم الإخوان، فقد اعتبر المسئولون البريطانيون أن فكرة التواصل مع الإخوان تقوم على تحقيق مصالح سياسية آنية تتعلق بإضعاف الحركات المناوئة لهم.

تمويل وتآمر


وبحسب الكاتب الإنجليزى مارك كيرتس مؤلف كتاب «العلاقات السرية» الصادر عام ٢٠١٠، ويكشف جوانب مهمة من العلاقات الخاصة جدا التى جمعت بين الإخوان وبريطانيا، فقد مولت بريطانيا جماعة «الإخوان المسلمين» فى مصر سرا، وعبر أكثر من مرحلة، بدأت مع السنوات الأولى من عمر الجماعة، حيث كان من أوائل التبرعات التى تلقتها الجماعة تبرعا من شركة قناة السويس، التى كانت تهيمن عليها بريطانيا وفرنسا فى ذلك الوقت، لكن التمويل الأكبر والأخطر كان من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبدالناصر.

كما يكشف الكتاب جانبا مهما من العلاقات السرية التاريخية بين الجماعة والمخابرات البريطانية، حيث عملت الجماعة فى بداية نشأتها لصالح الاستعمار البريطانى، حيث أشار الكتاب إلى وجود صلات قوية بين الإنجليز، والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضى، ويتحدث من خلال وثائق بريطانية رفعت عنها السرية قبل عدة سنوات، حول توطيد العلاقات من خلال التمويل والتخطيط لإفشال المنطقة العربية والإسلامية.
ويكشف الكتاب أنه فى الأربعينيات ومع مهادنة حكومة الملك فاروق لحسن البنا مؤسس الجماعة، بدأت بريطانيا فى تمويل جماعة الإخوان بسخاء، حيث رأى فاروق أنه من المفيد التحالف مع قوى سياسية أخرى، ضد الأحزاب السياسية «العلمانية» التى كان يمثلها حزب الوفد.

إفشال المنطقة العربية
ويشير تقرير للمخابرات البريطانية عام ١٩٤٢، إلى أن القصر الملكى قرر أن جماعة الإخوان جماعة مفيدة لهم، ومن هنا بدأت رعاية القصر الملكى لهم، وحتى يومنا هذا تم رعاية العديد من المجتمعات الإسلامية فى مصر من قبل الحكومة البريطانية، لمعارضة خصوم له أو لتعزيز مصالحهم،وتجاوزت أهداف التعاون بين بريطانيا والإخوان حدود الدولة المصرية، فامتدت إلى المنطقة العربية والإسلامية عبر أذرع الجماعة التى جرى التوسع فى تأسيسها بدعم وتمويل خارجي، ومن خلال توطيد العلاقات بالتمويل والتخطيط سعت بريطانيا عبر جماعة «الإخوان» لإفشال المنطقة العربية والإسلامية وإدخالها فى أتون المعارك السياسية والحزبية الطاحنة بهدف تفتيت المنطقة وإدخالها فى دوامة من الفوضى اللانهائية.

ويوضح الكتاب أن التمويل البريطانى للجماعة تعاظم بوضوح مع نمو دور الإخوان على الساحة السياسية فى أربعينات القرن الماضي، وفى الخمسينيات - وفقا للكتاب نفسه- تآمرت بريطانيا مع الجماعة لاغتيال عبدالناصر، وكذلك الإطاحة بالحكومات القومية فى سوريا.

ويؤكد الكاتب الإنجليزى أنه فى عهد عبدالناصر اعتبرت بريطانيا الجماعة بمثابة المعارضة لهذا النظام، التى يمكن استخدامها لتقويضه، وعقد مسئولون اجتماعات مع قادة الجماعة كأداة ضد النظام الحاكم فى مفاوضات الجلاء، وخلال العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ على مصر أجرت بريطانيا اتصالات سرية مع الإخوان، وعدد من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبدالناصر أو اغتياله، وكان اعتقاد المسئولين البريطانيين فى ذلك الوقت يركز على احتمالية تشكيل الإخوان الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعبدالناصر على أيدى البريطانيين، وفى مارس ١٩٥٧ كتب تريفور إيفانز، المسؤول فى السفارة البريطانية، الذى قاد اتصالات سابقة مع الإخوان قائلا: إن اختفاء نظام عبدالناصر ينبغى أن يكون هدفنا الرئيسي.

حق اللجوء
واستمر الدعم البريطانى بعد وفاة عبدالناصر، رغم استخدام الرئيس الراحل أنور السادات الجماعة لتدعيم حكمه وتقويض تواجد اليسار والناصريين فى الشارع المصرى، واستمرت بريطانيا فى اعتبار الجماعة «سلاحاً يمكن استخدامه».
ووصل الأمر إلى أن تحولت العاصمة البريطانية لندن لتكون المعقل للأساسى للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، فقد ساهمت بسخاء فى توفير الملاذ الآمن سواء لقيادات الجماعة أو لأموالهم، وبلغ الأمر أن أصدرت تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا فى شهر أغسطس عام ٢٠١٥، قرارا يتيح لعناصر الإخوان حق الحصول على اللجوء السياسي.

وفى مقابلة صحفية أجراها كمال الهلباوي، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان فى لندن فى فترة التسعينيات من القرن الماضي، مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، أكد الهلباوى أن التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان تعد سمة ثابتة من سياسة بريطانيا.

وقال الهلباوى إنه خلال منتصف عام ١٩٩٠ عندما شن الرئيس الأسبق حسنى مبارك حملة على الجماعات الإرهابية فى مصر فإن الحكومة البريطانية وفرت اللجوء السياسى لأغلب أعضاء هذه الجماعات، وعرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذى كشفت عنه سلسلة الوثائق التى كشفها الصحفى مارتن برايت المحرر السياسى بجريدة «الجارديان»البريطانية عام ٢٠٠٥، والتى أكدت أن المسئولين فى المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقود الماضية.

وبالحديث عن حجم استثمارات جماعة الإخوان فى بريطانيا وكيفية تحرك عناصرها داخل لندن بهذه الحرية، ترجح تقارير إن جماعة الإخوان تمتلك فى لندن ثروة مالية ضخمة تتراوح بين ٨ إلى ١٠مليارات دولار، إضافة إلى الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للإخوان فى العاصمة البريطانية.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة