رفعت رشاد
رفعت رشاد


مواطن في دولة فيس بوك

رفعت رشاد

الثلاثاء، 01 ديسمبر 2020 - 04:59 م

ظهر فيس بوك فأحدث طفرة غير مسبوقة في عالم التواصل الاجتماعي . تقاربت حيوات الناس وعرفوا عن قرب خصال بعضهم وعرف كل منهم قوة شخصية الآخر وضعفه . صرنا نعرف المتزن والمتهور، المهذب والمتطاول، المثقف والأمي .

انكشف الناس بعضهم على بعض. صرنا نعرف عادات وتقاليد بعضنا. لا تمر مناسبة إلا ويتشارك فيها كثيرون . يموت إنسان فنجد كثيرون يواسون ويعزون. يفرح إنسان بمناسبة زواج أو عيد ميلاد أو تخرج في الجامعة فنجد محبون يهنئون ويباركون . 

كشف فيس بوك السمات الإيجابية والسلبية للجميع . أخرج من بطون ونفوس الناس ما عجزوا من قبل عن إخراجه . جعلهم يجدون في صفحاته ملاذا للفضفضة والتفريغ الوجداني . صار فيس بوك مجالًا خصبًا لعلماء النفس لتحليل البشر وتشخيص اضطراباتهم النفسية ككتاب مفتوح . من خلال فيس بوك وحسابات الملايين في الولايات المحتدة الأمريكية استطاع دونالد ترامب أن يفوز برئاسة أمريكا في عام 2016 .

بعض الشعوب يرتفع مستوى أفرادها الثقافي فيستفيدون من فيس بوك بشكل إيجابي للتواصل . شعوب أخرى يعاني أفرادها من انخفاض مستواهم الثقافي فتجدهم يتعاملون مع الموقع بطريقة عجيبة . من الناس من ينشر أدعية طالبًا من الآخرين أن يرددوا وراءه هذه الأدعية وإلا سيصيبهم الشر . آخرون ينشرون صورهم وهم مصابون _ بالواوا _ في إصبعهم الأصغر طالبين من الناس الدعاء . آخرون ينشرون أن بنت عمة خال زوج أم زميلها في الشغل مصابة ومطلوب الدعاء . البعض يستغل الموقع في نشر العزاءات والمشاطرات بصورة مبالغ فيها بما جعل صفحات فيس بوك تتحول إلى سرادق عزاء ضخم .

أحدهم نشر أن أسرته تعاني من ألم الأسنان ويرجو الدعاء . أخرى نشرت أنها ستدخل بيت الراحة فمطلوب الدعاء بالتساهيل !! واحدة تطلب أن يتمنوا لها أحلامًا سعيدة لأنها في طريقها إلى السرير . ويغلف البعض طلبه بكلمات مهذبة رقيقة فيقول _ لطفًا وليس أمرًا ... أطلب منكم أن تفعلوا كذا وكذا _ .

تحول فيس بوك إلى كيان أكبر من أي دولة في العالم . مواطنوه صاروا الأغلبية . تشاركوا في تكريس ثقافات معينة . وصار معروفًا للجميع أن أجهزة المخابرات لم تعد ترهق نفسها في عملية جمع المعلومات فالناس تكفلت بنشر كل المعلومات التي كانت أجهزة المخابرات تجند من أجلها الجواسيس وتنفق عليهم الكثير من الأموال . فيس بوك أحد أهم آليات نشر ثقافة العولمة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا . بعد فترة لن يكون هناك تزمت قومي أو وطني في دول العالم . سيتحول الفرد إلى مواطن عالمي ينتمي بثقافته إلى كل أفراد العالم . سيكون من السهل انقياد الأفراد لما سيملى عليهم ممن يوجه فيس بوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي . بل يتطور فيس بوك ليكون تفاعليًا يمكنه من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي من التفاعل والتجاوب مع مستخدمه ويعرف كيف يفكر وفيم يفكر وما رغباته وماذا يحب وماذا يكره ويعرف كذلك أعضاء المجموعات والأصدقاء ونوع الأكل المحبب .. وغير ذلك من خصوصيات الفرد .

نحن في طريقنا إلى المواطن العالمي أو العولمي منتمين إلى دولة فيس بوك .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة