ياسر رزق
ياسر رزق


ورقة وقلم

دردشة مع رئيس الوزراء.. عن أولويات عام يقترب

ياسر رزق

السبت، 05 ديسمبر 2020 - 07:23 م

الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬جرعات‭ ‬لقاح‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬تصل‭ ‬فى‭ ‬إبريل‭ ‬وتوزع‭ ‬مجاناً‭.. ‬واستراتيجية‭ ‬كبح‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬تعلن‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬ومدتها‭ ‬10‭ ‬سنوات

مع رحيل عام وميلاد عام، تنتعش آمال، وتستيقظ أحلام، وتدب الحياة فى قلوب متعبة، وتسرى الحيوية فى أجساد منهكة، وتتدفق الهمة إلى نفوس مرهقة، اتكأت على جدار سنة تنصرف، تستريح من اللهاث وراء زمن يعدو..!

يلوح فى الأفق شعاع دافئ، آت من أحد المشارق، ينبئ بقدوم نهار جديد، يتثاءب وهو يفرد ذراعيه ويتمطع، نافضاً عنه بقايا نوم مازالت عالقة، كأنها زغب ثلج يذوب عند ملامسة ضوء الشعاع..!

تلك مشاعر ديسمبرية، تنتاب المرء مع نهاية سنة وبداية أخرى، وتراود الناس فى كل عام زاهراً كان أو يابساً، سيما فى سنوات تتوق أنت فى لهفة لفراقها، قبل أن تترك عليك جراحاً أعمق وأوجاعاً أشد وهى تبتعد..!

< < <

العام المنصرف، هو من الأعوام التى تبقى فى ذاكرة الأفراد والشعوب والأوطان، ليس لأنه مميز فى تناسق أرقامه (2020)، إنما لأنه جمع شتات الدنيا فى صف واحد وفى وقت واحد، لمواجهة خطر داهم فى هيئة أصغر كائن حى، أوقع فى شباكه أكثر من 66 مليون مصاب، وفتك بأنفس أكثر من مليون ونصف المليون إنسان حتى الآن.

يبدو اللقاح المضاد للمرض فى متناول يد البشرية بأكثر من وصفة وتركيبة مع حلول العام الجديد.

غير أن الموجة الثانية لڤيروس كورونا التى تظهر من بعيد، تهدر فى سرعة هائلة نحونا، كتسونامى مرعب، يهدد البشرية بخطر غير محدود..!

< < <

كان العام الفائت، هو عام الدروس المستفادة للفرد والجماعة والدول والمجتمع الدولى بأسره.

تعلمنا الكثير، لكن بثمن غالٍ.

ثمة عادات شخصية واجتماعية ينبغى لها أن تزول، وثمة سياسات حكومية لابد لها أن تتغير، وأولويات يجب أن يعاد ترتيبها أو تتبدل، وتبادلات تجارية وعلمية وأوجه تعاون أخرى يلزم من أجل صالح الشعوب والدول أن تسود.

.. كان هو عام المفارقة الإنسانية، والتحريض على إمعان التفكير وراء الأشياء ونقيضها.

فالتقدم العلمى والاقتصادى الهائل فى الولايات المتحدة، لم يمنعها من تصدر قائمة الدول المضارة من ڤيروس كورونا، ولم يحل دون سقوط ما يزيد على ٢٨٥ ألف قتيل ضحية للڤيروس.

بينما ميراث الحروب والدماء وتردى الأوضاع الاقتصادية فى بوروندى، لم يجعل هذه الدولة الإفريقية الفقيرة فريسة لهذا الڤيروس، فلم يسقط إلا قتيل واحد فقط ضحية لكورونا من بين سكان هذه الدولة البالغ عددهم 12 مليون نسمة.

.. كان عاماً ثقيلاً على دول كبرى ناءت اقتصاداتها، بأحمال فوق طاقاتها، فتراجعت معدلات نموها إلى ما دون الصفر، وتحولت المعدلات إلى السالب. كان عاماً أسود على شركات ضخمة أفلست أو كادت، وعلى منشآت متوسطة أو صغيرة أغلقت، وعلى عشرات الملايين من البشر، فقدوا وظائفهم وانسدت مصادر أرزاقهم، بسبب الضربة الأولى لڤيروس كورونا فى الشهور العجاف لعام ٢٠٢٠.

< < <

عناية الله وفى ظلها حسن التدبير وسلامة التخطيط وكفاءة الإدارة وتنوع روافد الاقتصاد الوطنى، حمت مصر من مخاطر عديدة، جاءت خلف الڤيروس تنذر بأضرار لا يمكن تداركها.

كان المقدر لمصر أن تحقق بنهاية عام ٢٠٢١ معدل نمو يتجاوز ٦٪، لكن آثار الموجة الأولى أدت إلى انخفاض معدل النمو لنحو ٣٫٥٪ فى عام (٢٠١٩/٢٠٢٠) وإلى حدود نفس النسبة تقريباً فى عام (٢٠٢٠/٢٠٢١)، وهو مع ذلك معدل عال للغاية بالمقارنة بدول كبرى واقتصادات ناهضة، انخفضت معدلات النمو الاقتصادى فيها إلى ما دون الصفر بكثير.

ولعل النجاح الذى حققته مصر فى احتواء الآثار المدمرة للڤيروس على الاقتصاد المصرى، كان محل تقدير بالغ لصندوق النقد الدولى فى مراجعته لبرنامجه مع مصر وإشادة خبرائه بالأداء الذى فاق توقعاتهم للاقتصاد المصرى بالرغم من جائحة كورونا بفضل الإدارة الرشيدة للحكومة والإجراءات التنشيطية السريعة والشاملة والمتوازنة التى اتخذتها.

وفى أحدث تقرير عالمى عن أداء اقتصادات الدول، صنفت وكالة بلومبرج فى تقريرها أول أمس مصر ضمن أفضل ١٠ اقتصادات عالمية خلال عام ٢٠٢٠ من حيث معدلات النمو.

< < <

وفى مكالمة تليفونية مطولة مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء تناولت معه أولوياتنا فى العام الجديد، فى حوار أقرب إلى الدردشة، منه إلى الحديث الصحفى.

وفى الحقيقة، فإننى أكن شخصياً للدكتور مصطفى مدبولى كل تقدير واحترام، لدماثة خلقه وإخلاصه فى كل مهمة تولاها، وكفاءته منقطعة النظير، ودأبه المشهود له، والذى عرفته عنه منذ تعرفت عليه وهو رئيس لهيئة التخطيط العمرانى، ثم وزير للإسكان والتنمية العمرانية، ثم رئيس للوزراء، وأجدنى فى كل مرة اعتبره نموذجاً للأداء فى هذا المنصب الصعب وتلك المهمة الشاقة.

عن الموجة الثانية لجائحة ∩كورونا∪، شدد الدكتور مدبولى على أننا نلاحظ زيادة أعداد الإصابات، وأننا نتعامل مع المسألة بأكبر قدر من الحذر، وقال إن فى مصر كباقى دول العالم، يعالج أغلب المصابين فى منازلهم، وأن نجاح أى دولة فى مواجهة الڤيروس مرهون بوعى المواطن والتزامه بالإجراءات الاحترازية.

الحكومة تعاقدت على جرعات من اللقاح المضاد للمرض، تكفى ٢٠ مليون شخص، وتم إقرار ذلك فى مجلس الوزراء والتعاقد مع الشركات، حسبما يقول رئيس الوزراء، موضحا أن مؤسسة ∩جافى∪ التى تتبع منظمة الصحة العالمية تقوم بتوفير اللقاح للدول النامية أو ذات الدخل الأقل بأسعار مدعمة، وتحدد 4 شركات وتترك لكل دولة الحق فى أن تختار من بينها من تتعاقد معه. وسوف يتم توزيع هذه اللقاحات مجاناً.

ومن المنتظر −يقول رئيس الوزراء− أن يبدأ وصول هذه الجرعات فى إبريل أو مايو المقبلين، بعدما تنتج الشركات اللقاحات وترسلها إلى بلدان العالم.

ويجرى الآن التفاوض مع دول أخرى منتجة للقاحات مثل روسيا والصين، لأن هدف الحكومة هو توفير ما لا يقل عن ٣٠ مليون جرعة إلى ٤٠ مليون جرعة.

< < <

قضية القضايا المنتظر أن تشغل بال المصريين خلال العام الجديد هى قضية الزيادة السكانية، التى تعتبر أكبر تحد تواجهه البلاد فى مسيرتها التنموية، وأضخم عقبة أمام المشروع الوطنى لبناء الدولة الحديثة.

هناك لجنة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، تعكف على وضع استراتيجية شاملة لضبط الزيادة السكانية، من المنتظر أن تتبلور الاستراتيجية قبل نهاية ديسمبر الحالى. يرفض الدكتور مدبولى الإفصاح عن ملامح هذه الاستراتيجية، لأنها لم تكتمل بعد. لكنه يقول إنها تنطوى على حوافز تشجيعية وإجراءات لكبح هذه الزيادة، ويمتد نطاق عمل الاستراتيجية ١٠ سنوات، وتكتمل بحلول عام ٢٠٣٠، والهدف هو النزول بمعدل الزيادة السكانية إلى النصف، لينخفض من ٢٪ سنوياً إلى 1٪ فقط.

العمل الذى يجرى على أرض مصر فى كل مجالات الإنتاج والخدمات والمرافق وغيرها، ضخم بكل المقاييس، وكان من الممكن أن يشعر المواطن بتأثيره الحقيقى ويلمس حجمه، لو كانت الزيادة السكانية فى معدلات معقولة، مثلما يقول الدكتور مدبولى.

فحينما يتم تنفيذ الخطوات التى تتضمنها الاستراتيجية، بحيث نجد ترشيداً ملموساً فى الزيادة السكانية، فسوف نلمس فى فترة بسيطة أننا ننجز ضعف ما يتم إنجازه الآن.

الدكتور مدبولى يقول إن دول العالم التى انتهجت سياسة ضبط الزيادة السكانية استغرقت عقوداً طويلة لتحقيق هذا الهدف، لكننا نستهدف الوصول إلى ترشيد الزيادة السكانية فى غضون ١٠ سنوات، ولنا أن نتخيل لو انخفضت نسبة هذه الزيادة تدريجياً عاماً بعد عام، وفى نفس الوقت زاد معدل النمو عاماً بعد عام، ما ستكون عليه صورة مصر عام ٢٠٣٠.

توقعات المؤسسات الدولية كانت تشير إلى أن مصر سوف تحقق نسبة ٧٪ خلال عامين، لولا جائحة الكورونا.

ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات تتوقع أننا سنحقق نسبة 6.5٪ اعتباراً من عام ٢٠٢٢، وأننا فى الأعوام التالية سوف نتجاوز نسبة ٧٪ ونقترب من 8٪.

< < <

قضية الزيادة السكانية، سمعت الرئيس السيسى أكثر من مرة، فى أكثر من حوار معه، يعتبرها أخطر ما تجابهه مصر. وأشار مرات فى خطبه ومداخلاته إلى تأثيرها على التنمية.

فعندما تستقبل البلاد فى كل عام 2 مليون مولود جديد، فإن ذلك يعنى مئات الآلاف سنوياً من الوحدات السكنية معظمها مدعوم، ويعنى مئات الآلاف الإضافية من المقاعد فى الفصول الدراسية، ويعنى توفير لا أقول 2 مليون فرصة عمل سنوياً، وإنما على الأقل ما يزيد على ثلاثة أرباع هذا الرقم، ومعنى هذا الرقم أن المطلوب هو الضغط على شبكات الصرف الصحى ومياه الشرب والكهرباء مما يتعين زيادة الإنفاق عليها لتوسعتها، وكذلك زيادة الدعم المخصص للسلع وبطاقات التموين.

وعلى كل حال.. لست فى مجال حصر تأثير الزيادة السكانية على الخدمات والمرافق وإضافة أعباء جديدة على الموازنة العامة.

وحينما سمعت الدكتور مدبولى يتحدث بتصميم وعزم على مجابهة هذا التحدى بما يستحق من إجراءات ابتداءً من العام الجديد، أدركت أن هذه المرة تختلف عن غيرها من مرات سمعت فيها حكومات سابقة خلال عقود مضت تتحدث عن الزيادة السكانية ومخاطرها، دون أن نجد فى معظم الأوقات صدى لذلك على الأرض.

< < <

من آثار ∩الكورونا∪، أن خطة انتقال مؤسسات الحكم إلى العاصمة الجديدة، قد أرجئت من هذا العام حسبما كان مخططا إلى العام الجديد.

متى سيتم الانتقال الفعلى؟!

يجيب الدكتور مدبولى بأن الانتقال إلى العاصمة سيكون متاحاً وممكناً فى أى وقت بعد ٣٠ يونيو المقبل، فى الذكرى الثامنة للثورة المجيدة. وسيتم الانتقال لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والبرلمان بمجلسيه.

وسيتم إخلاء كل المبانى التى تشغلها الوزارات وجهات أجهزة الدولة التى ستنتقل للعاصمة الجديدة، عدا بعض الهيئات التى لا يرتبط عملها بصورة مباشرة بعمل الوزارات التى تتبعها.

وهناك دراسة تجرى لاستغلال المبانى التى سيتم إخلاؤها، أما ذات الطبيعة الأثرية منها، فلها معالجة خاصة تتناسب مع قيمتها الأثرية.

فى سياق الحديث عن مبانى الوزارات التى ستخلو بعد الانتقال إلى العاصمة الجديدة، سألت الدكتور مدبولى عن مبنى مجمع التحرير، فقال إن هناك أكثر من دراسة لاستغلاله فى أكثر من نشاط، بمعنى أن تخصص بعض طوابقه لنشاط تجارى مثلاً وبعضها كفندق كبير، وهكذا.

< < <

انطلاقة العمران، لا تشمل العاصمة الإدارية فحسب. هناك كما يقول رئيس الوزراء 22 مدينة جديدة، أحدثها هى مدينة رأس الحكمة التى سيبدأ تدشينها فيما بعد.

أما أكثر تلك المدن رواجاً فى طلبات الحصول على أراض ووحدات سكنية وتجارية بها، فهى المنصورة الجديدة التى ستمتد على ساحل البحر المتوسط من جمصة، إلى قرب مدينة دمياط.

على نفس المنوال هناك مدينة الجلالة الجديدة، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، وكذلك مدينة ناصر غرب أسيوط التى ستكون كبرى المدن الجديدة فى صعيد مصر.

< < <

برغم التحديات الداخلية والإقليمية والخارجية التى تجابهها مصر، يبدو الدكتور مصطفى مدبولى متفائلاً بالعام الجديد، ومتطلعاً إلى واحد من أهم احتفالات مصر فى هذا القرن، وهو الاحتفال العالمى بافتتاح المتحف المصرى الكبير المقرر أن يتم العام المقبل بحضور زعماء وشخصيات دولية.

ويبدو رئيس الوزراء متفائلاً أيضاً بأن تعود معدلات النمو إلى مستوياتها قبل جائحة كورونا فى العام بعد القادم، بإذن الله، إذا تمت السيطرة على انتشار الڤيروس، وقد نقفز حينئذ إلى ٦٫٥٪ سنوياً، لتزداد وتيرة العمل فى بناء مصر الجديدة.

هذا التفاؤل مبنى على جهد وعمل وعرق، مسبوق بالاستعانة بالله.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة