طارق عبيد
طارق عبيد


القاهره الرياض ابو ظبي تحالف من اجل البقاء

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 06 ديسمبر 2020 - 12:58 ص

طارق عبيد
كتب المؤرخ الفلسطيني قسطنطين زريق عن حال العرب بعد الهزيمة في فلسطين عام 1948عن معنى النكبة ، يقول ان العرب لايتعلمون إلا من خلال النكبات،هي الظاهرة الاعظم في تاريخنا المعاصر.

لكن هل كانت رؤية زريق رؤية قاتمة لواقعنا العربي ام انها كانت قراءة موضوعية لأمة ضعيفة تملك كل اسباب القوة.

 

مركز الثقل العربي وتباين الرؤى:

لسنا هنا بصدد محاكمة تاريخية لمواقف كل دولة، لكنها مجرد نظرة للوراء نحتاجها قطعا للتأسيس للحظة التاريخية التي نمر بها دون جلد للذات او التسويق لخطاب قومي عروبي تجاوزه الزمن. ظلت مصر لعقود هي قلب الامة العربية النابض،عاصمة الفنون والاداب و العلوم ، مركز الثقل البشري والسياسي في محيطها العربي، واقع فرضته مقتضيات الجغرافيا و حقائق التاريخ. مع ظهور النفط في المنطقة العربية وخاصة في المملكة العربية السعودية، صاحبة الثقل الديني  بالأساس ،تحرك مركز الثقل العربي قليلا  ناحية الرياض،هذا التحرك كان من الممكن ان يكون اضافة قوية لمفهوم الأمن القومي العربي الشامل لولا تباين الرؤى الذي وصل في بعض الاوقات  في ستينيات القرن الماضي لعداء صريح تطور الى ما يشبه الحرب بالوكالة بين الطرفين في اليمن. هذا العداء انتهى بانتهاء الحقبة الناصرية صاحبة اول مشروع وحدة عربي حقيقي، لكنه  بقليل من الموضوعية كان مشروعا مليء بالثقوب،اعتمد بالاساس على فكرة التمدد الثوري والتغيير القسري للأنظمة ، فكرة مغلفة بخطاب قومي عروبي زاعق دون مراعاة لطبيعة وخصوصية كل بلد ، وكانت النتيجة الحتمية فشل المشروع و اتسعت الفجوة بين مركزي الثقل العربي في القاهرة والرياض.

انتهى المشروع الناصري بهزيمة قاسية  تجاوز تأثيرها مجرد الخسارة العسكرية الفادحة واحتلال جزء من الارض، إلى ضرب مركز الثقل العربي في القاهرة التي حاولت لملمة نفسها بعد الهزيمة لكن يبدو ان الضرر كان اكبر من محاولات جبره ،كان لابد من معاقبة القاهرة كي لا تكرر التجربة مرة اخرى.تراجع الدور المصري بشدة، انسحاب شبه تام من معظم الملفات الخارجية على وقع الهزيمة وغاب مع انسحابها  توازن المنطقة واتزانها  بعد ان سقطت عصا سليمان في القاهرة.

اشتعلت المعارك في المنطقة، انضمت ثلاث دول عربية لقائمة الدول المحتله مصر و سوريا و ما تبقى من فلسطين. انفجرت الملفات العربية من الداخل، بدات بأيلول الاسود في الاردن وانتهت بحرب اهلية لبنانية طاحنة صاحبها تغيرات جيوسياسية حادة في إيران و تركيا وتمدد اسرائيلي حاول تعويض خسارته في حرب اكتوبر بتمدد في الجنوب اللبناني بعد دور مشبوه لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وواقع طائفي مشتعل.

لكن التحول الاكبر في المنطقة كان خطوة السلام المصرية الاسرائيلية والتي فرضت ما يشبه المقاطعة العربية الشاملة لمصر، ترتب على ذلك ضرب ما تبقى من نفوذ سياسي للقاهرة في المنطقة، حاولت بعض العواصم استغلال الفراغ الذي تركته القاهرة بخلق نفوذ لها ، من بغداد الى طرابلس، تشتت القرار العربي بين العواصم واختل الثقل وتطاولت القوى الطامعة في المنطقة مع تنامي خطر ايراني احدثته الثورة الايرانية التي خلقت نظام ديني توسعي على تخوم المنطقة العربية مارس ضدها اكبر عملية استنزاف امتدت من 1979 الى وقتنا الراهن.

لكن ظهور ايران كعدو محتمل اعاد جزء من الثقل للقاهرة مرة اخرى، اندلعت الحرب الايرانية العراقية في بداية الثمانينيات، وكان لمصر دور بارز في دعم العراق عسكريا في مواجهة ايران، اشارة بالغة الاهمية لعودة التماهي بين القاهرة والرياض في مواجهة اخطار الاقليم، تنسيق وتطابق في المواقف بلغ ذروته بعد مساهمة مصر الفاعلة في حرب تحرير الكويت والتي كانت اعلان ضمني عن عودة الثقل العربي للقاهرة ليظهر ما يمكن تسميته حلف مصر سعودي ناعم استمر حتى قيام ثورات الربيع العربي.

رمال المنطقة الناعمة و ضرورات التحالف:

قبل قيام ثورات الربيع العربي بدأت محاولات تهميش الدور المصري السعودي مستغله ترهل النظام السياسي في مصر وتراجع دور المملكة اقليميا، تسللت قطر عبر منصاتها الاعلامية للتسويق لوفاة الحلف المصري السعودي وانتقال مركز الثقل العربي للدوحة وانقرة. مارست قطر كل الخطايا في حق الدولتين، تآمرت على اسقاط انظمة حكمها ودعمت المعارضين وفتحت لهم خزائنها.ثم ركبت موجات التدمير المسماة ظلما بالربيع العربي، قدمت نفسها راعي رسمي لثورات الشعوب قبل ان يظهر وجهها الحقيقي كداعم للارهاب وراعي للجماعات المتطرفة من الاخوان المسلمين و طالبان في افغانستان الى الجماعة الاسلامية المقاتلة في ليبيا و جبهة النصرة في سوريا مرورا بالجماعات المتطرفة في الصومال ومالي ونيجيريا.

العودة للمربع صفر:

وقفت المملكة وقفة تاريخية في دعم ثورة 30 يونيو و دون ادنى مبالغة فأن الموقف السعودي والدعم الاماراتي كان من اهم اسباب نجاح الثورة المصرية ، لكن نظرا لتعقد المشهد العربي بعد ثورات الربيع العربي كان هناك اختلاف في الرؤية في بعض الملفات كان على رأسها الملف السوري، خلاف عميق بين مصر التى ترى في سقوط اي دولة انتقاص من قوة الامن القومي العربي الشامل وان الخلاف السياسي لابد ان لا يمتد لتقويض امن تلك الدول والاصرار على مبدأ عدم التدخل في الشئون الدخلية للدول، موقف مصري وعى درس التجربة الناصرية، وموقف سعودي يرى خطر ايراني يقترب بشدة وان المملكة لابد ان تتخلى عن سياستها الناعمة التي جعلت منها مطمع للكثير من القوى وعلى رأسها ايران. قررت المملكة ان تمارس تدخل خشن  في سوريا بدعم وتسليح قوى المعارضة في محاولة لحصار التمدد الايراني الداعم للنظام في دمشق ثم تدخل اكثر حدة في اليمن بعد تنامي المد الايراني الحوثي على حدودها.

حاولت ابوظبي تقريب وجهات النظر والإبقاء على الحد الادنى من دفىء العلاقات المصرية السعودية، لكن كان هناك جناح في الحكم يرى ان المملكة لابد ان تنضم للحلف القطري التركي في مخالفة صريحة للامن القومي السعودي والعربي،  لم يكتب لهذا الجناح السيطرة بعد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، و الذي كان توليه  تحول جذري في السياسة السعودية على كل المستويات، فضح المخططات التركية القطرية في المنطقة وغير وجه المملكة وازال عنها تجاعيد صنعتها ايادي المتشددين.

الحلف الرباعي العربي والفريضة الغائبة:

في خطوة غير مسبوقة وفي تنسيق عالي المستوي اصدرت القاهرة والرياض وابوظبي والمنامة اجراءات حاسمة لصيانة امنها القومي وحماية ما تبقى من الامن القومي العربي، بمقاطعة قطر وداعميها ، تلك الاجراءات التي اربكت خصومنا في الاقليم  طهران والدوحة وانقرة، وحولتنا من الاكتفاء برد الفعل لمرحلة المبادرة و فرض اولويات امننا القومي على الجميع.تنسيق ظهر بشدة في كل ملفات المنطقة من السلام العربي الاسرائيلي مرورا بالتمدد التركي في ليبيا و المتوسط و الخطر الايراني الجاثم فوق صدر المنطقة منذ قيام ثورة الملالي.

لكن هل يملك هذا التحالف من القوة التي تضمن استمراريته وتطويره بالشكل الذي يسمح بمواجهة اي تغير قد يفرضه الواقع الاقليمي والدولي؟ الاجابة معقدة بنفس تعقيد السؤال.

-         يمتلك التحالف رؤية مشتركة لتحديات المنطقة و المخاطر المحيطة بها.

-         يمتلك التحالف قوة عسكرية معتبرة تقنيا وبشريا تصلح نواه لقوة مشتركة تأخر انشائها سنوات.

-         يمتلك التحالف قوة اقتصادية هائلة يمكن استثمارها في تعظيم الفائدة المشتركة تعتمد على قوة بشرية واستهلاكية هائلة وموارد اقتصادية متنوعة و موقع استراتيجي جبار يعطينا القدرة على تشكيل جغرافيا سياسة تراعي مصالحنا.

تلك هي فريضتنا الغائبة التي يجب احيائها والعض عليها بالنواجز.

لابد ان ندرك ان هذه المميزات والقواسم المشتركة وغيرها لا تعني بالضرورة توحيد وتطابق كامل في كل الملفات، سوف يظل هناك هامش متغير للمناورة و الاختلاف دون المساس بثوابت الامن القومي العربي. لم نعد نملك الوقت ولا الفرص التي تسمح لنا بالتراخي هذه المرة، هذا التحالف هو اخر حائط صد للدفاع عن المنطقة واي تهاون او اخلال او انسحاب من تلك الرؤية المشتركة هو انتحار جماعي وتفريط  سوف ندفع ثمنة غاليا، ساعتها سنبكي كالنساء اوطانا لم نصنها كالرجال!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة