صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


«الثأر على أوتار الانتخابات».. قصة صراع روسيا وأمريكا لإثبات الأقوى

منال بركات

الأحد، 06 ديسمبر 2020 - 10:42 م

في مطلع الشهر الجاري، وعقب تأكيد فوز بايدن، في انتخابات 2020، خرج ويليام بار وزير العدل الأمريكي، معلنا أنه عين جون دورهام، كمستشار خاص لضمان استمرار تحقيقه الجنائي في التدخل الروسي في انتخابات 2016، وأخطر بار الكونجرس بهذا التعيين في 19 أكتوبر، أي قبل الانتخابات الرئاسية بأقل من شهر.

وكان وزير العدل قد كلف دورهام، في مايو 2019 الماضي،بالنظر في تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي، بشأن مزاعم بوجود روابط بين حملة ترامب، وروسيا، والذي استمر قرابة عامين، وأصدر تقريرًا مطولًا من قبل المستشار الخاص روبرت مولر. 

وفيه تم توجيه لائحة اتهام إلى أكثر من 30 شخصًا، من بينهم مقربون من الرئيس دونالد ترامب، مثل رئيس حملته الانتخابية السابق لعام 2016 بول مانافورت، وصديقه روجر ستور، ومستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، كجزء من تحقيق مولر.

وكان هدف وزير العدل حين اختيار دورهان، في 2019، أن يستوثق من أن الإدارات الحكومية قد تصرفت بموجب القانون خلال المراحل الأولى من التحقيق في التدخل الروسي، وظهرت البوادر الأولي في إصدار لائحة اتهام واحدة فقط، بعد ما أقر المحامي السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كيفين كليسميث، في أغسطس الماضي،بأنه مذنب في تغيير بريد إلكتروني لدعم مراقبة مساعد ترامب، السابق في الحملة الانتخابية، كارتر بيج، وهي القضية التي سيتم الحكم بها في 10 ديسمبر الجاري.

وكما يري وزير العدل، أن دورهام، ينحصر دوره في التحقيق في "ما إذا كان أي مسؤول اتحادي أو موظف أو أي شخص أو كيان آخر قد انتهك القانون فيما يتعلق بأنشطة الاستخبارات أو الاستخبارات المضادة أو تطبيق القانون.

ظهور مزاعم من جديد بوجود روابط بين حملة ترامب، وروسيا على السطح كما أشار تقرير مولر، يجعلنا نطرح تساؤلا هاما، هل تدخلت روسيا حقا في انتخابات 2016، لصالح ترامب، ضد هيلاري كلينتون التي كانت تنافسه وقتها، وما مصلحة روسيا في فرض مرشح بعينه؟  ولماذا ترامب على وجه الخصوص.

القاعدة الذهبية المخابراتية تقول، إذا أردت أن تفسد كيان ما، عليك بوضع شخصية لا يتقن الأمور على رأسه، وعليه، سيتخذ قرارات خطأ دوما من شأنها هدم الكيان مع الوقت دون مجهود منك.

من المرجح أن الجانب الروسي لم ينس أن الولايات المتحدة في نهاية القرن الماضي ساهمت بشكل كبير، في تفكيك الاتحاد السوفيتي القديم، ولننظر إلى أوراق التاريخ، عندما تنبأ رونالد ريجان، في خطابه الشهير "إمبراطورية الشر" عام 1983 بسقوط الاتحاد السوفييتي قائلا "أعتقد أن الشيوعية هي فصل آخر حزين وغريب في تاريخ البشرية، يتم الآن كتابة الصفحات الأخيرة له".

البداية تفكيك روسيا وهدم سور برلين

تمثلت معالم سياسة ريجان، الخارجية في محاربة الشيوعية وكل أشكال الشمولية اليسارية وإنهاء الحرب الباردة، وهو ما تحقق بالفعل بعد سنوات، وأُطلق مصطلح "عقيدة ريجان" على سياسة دعم المتمردين المناهضين للشيوعية في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية.

في خطاب حالة الاتحاد عام 1985، دعا رئيس الكونجرس والشعب الأميركي إلى الوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي، وقال: "يجب أن نقف إلى جانب جميع حلفائنا الديمقراطيين. يجب ألا نكسر الإيمان بأولئك الذين يخاطرون بحياتهم، في كل قارة، من أفغانستان إلى نيكاراجوا، لتحدي العدوان المدعوم من الاتحاد السوفيتي والحقوق الآمنة التي كانت لنا منذ ولادتنا".

وهنا أطلق ريجان "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" أو "حرب النجوم" وهو برنامج لتطوير نظام دفاعي صاروخي يعتمد على أحدث التقنيات لإحباط أي هجوم قد تتعرض له الولايات المتحدة بالصواريخ البالستية. هذه المبادرة أدخلت الاتحاد السوفييت في سباق تسلح. ضمن سياسة ريجان العسكرية وساهمت في زيادة الضغط الاقتصادي على الاتحاد السوفييتي.

مع وصول ميخائيل جورباتشوف الزعيم السوفيتي المعتدل في عام 1985 إلى السلطة، وصل معدل النمو إلى صفر، وانخفضت قيمة العملة المحلية بشدة، واعقبها ا انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي في أبريل 1986، وكانت تلك لحظة رمزية للانهيار الوشيك للكتلة الشيوعية، إلى جانب سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي في 26 ديسمبر 1991.

ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه قدم القائد الجديد للاتحاد السوفييتي جورباتشوف مبادرتي بيريستوريكا لـ"إصلاحات اقتصادية وتحرر وانفتاح، وتطلب منه ذلك توجيه الموارد لخدمة الاقتصاد، وبالتالي تقديم تنازلات للولايات المتحدة في سباق التسلح والسياسة الخارجية.

في جنيف في نوفمبر 1985، التقى ريجان بجورباتشوف للمرة الأولى وناقشا خفض عدد الأسلحة النووية، وفي ديسمبر عام 1987 توصلا لاتفاق تاريخي هو "معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى" التي نصت على تقليص الترسانتين النوويتين للبلدين، وكانت تلك أول معاهدة من هذا النوع تتطلب خفضا فعليا في الترسانات النووية.

في خطابه الشهير أمام جدار برلين يوم 12 يونيو 1987، ألقى الرئيس الأميركي الأسبق كلمة تاريخية طالب فيها الاتحاد السوفييتي بهدم الجدار، قائلا "إذا كنت تسعى إلى التحرر، تعالى إلى هذه البوابة. سيد جورباتشوف، افتح هذه البوابة. سيد جورباتشوف، اهدم هذا الجدار".

الحرب الباردة لم تنتهي

قد تكون الحرب الباردة قد انتهت، من جانب الولايات المتحدة، بعد أن وجهت أنظارها إلى الشرق، والحرب على الإرهاب في سوريا والعراق وتنظيمي داعش والقاعدة.

بينما لم يغفل أو ينسي القطب القديم سلطانة وهيلمانه قبل زمن سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو ما يؤكده نافيد جمالي، ذي الأصول الباكستانية، والعميل المزدوج لمكافحة التجسس الروسي في أمريكا، في شهادته بصحيفة النيوزويك، أن الروس لم يتخلّوا أبدا عن الطابور الخامس وظلت الآلة الاستخباراتية تؤدي دورها مثلها مثل الصناعة العسكرية حتى في أشد الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرت بها موسكو في عهد جورباتشوف وبوريس يلتسن وصولا إلى بوتين، ولعل هذا ما جعل الاتحاد الروسي يستعيد تألقه ويعود إلى الساحة الدولية بقوة، وهاهو اليوم، يعود لينافس مجددا الولايات المتحدة على النفوذ. 

ويعترف نافيد جمالي، العميل السابق والذي يشغل منصبا استخباراتيا في احتياط البحرية الأمريكية، وصاحب كتاب “كيف تكشف جاسوسا روسيا” أن التهديد الروسي للأمن القومي هو تهديد فعال أفضى إلى عمليات ناجحة ضد الولايات المتحدة، وبدأ قبل وقت طويل من وصول ترامب، إلى سدة الحكم، فالروس لم يخترقوا الدائرة الضيقة للرئيس فحسب، بل استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي لترويج الشائعات والأخبار الكاذبة التي استهدفت أصوات الناخبين.

وربما قادت الصدفة للجانب الروسي لهدفهم بوجود مرشح تتسم فيه كل المواصفات الصالحة لذلك في انتخابات2016، إنه دونالد ترامب، رجل المال والأعمال، فضلا عن كونه لا يمتلك للخبرة السياسة، وقبل كل ذلك عاشق للأضواء مما دفعه لتقديم برامج تليفزيون الواقع في فترة من فترات حياته.

وربما تلك هي الفرصة الذهبية التي اقتنصها الروس، لرد الصاع صاعين لمن ساهموا في سقوط الاتحاد السوفيتي، بمسانده دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية، ضد هيلاري كلينتون فكيم كانت تبعات وصول ترامب للبيت الأبيض؟.

تفاصيل تحقيق مولر

 تحقيق مولر كان قد توصل في أوراقه كما جاء بنصها ما يؤكد على" تدخل الحكومة الروسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بطريقة كاسحة ومنهجية".. وبدأت الأدلة على عمليات الحكومة الروسية في الظهور في منتصف عام 2016

بشهر يونيو، عندما أعلنت اللجنة الوطنية الديمقراطية وفريق الاستجابة الإلكترونية التابع لها علنًا أن قراصنة روس قد اخترقوا شبكة الكمبيوتر الخاصة بها، وبدأت في نفس الشهر عمليات اختراق التي نسبتها التقارير العامة إلى الحكومة الروسية. 

وخرجت تفاصيل إضافية في يوليو من خلال تسريبات موقع ويكيليكس، مع إصدارات أخرى في أكتوبر ونوفمبر، وفي أواخر يوليو 2016، بعد فترة وجيزة من إطلاق موقع ويكيليكس للوثائق وردت معلومات لمكتب التحقيقات الفيدرالية بشأن لقاء في مايو 2016 جمع بين مستشار السياسة الخارجية لحملة ترامب جورج بابادوبولوس ومسئولين روس. 

كان بابادوبولوس قد اقترح لممثل تلك الحكومة الأجنبية أن حملة ترامب، قد تلقت إشارات من الحكومة الروسية بأنها يمكن أن تساعد الحملة من خلال الكشف المجهول عن معلومات تضر بالمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون. 

ونفذت وكالة أبحاث الإنترنت أولى عمليات التدخل الروسي التي حددها التحقيق وهي حملة وسائط اجتماعية مصممة لإثارة الخلاف السياسي والاجتماعي وتضخيمه في الولايات المتحدة، وكانت من خلال الجيش الجمهوري الإيرلندي في سانت بطرسبرج روسيا.

وأضاف تحقيق مولر، في منتصف عام 2014، استخدمت تلك الجهات حسابات وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات المصالح لبث الشقاق في النظام السياسي الأمريكي من خلال ما أطلق عليه حرب المعلومات.

وتطورت الحملة من برنامج معمم تم تصميمه في عامي 2014 و2015 لتقويض النظام الانتخابي الأمريكي، إلى عملية مستهدفة في أوائل عام 2016 تساند المرشح ترامب ضد كلينتون. تضمنت أيضًا شراء إعلانات سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء أشخاص وكيانات أمريكية، فضلاً عن تنظيم مسيرات سياسية داخل الولايات المتحدة. 

وربما يكون قد فهم الروس أن القوة لا تعني امتلاكاً في القدرات العسكرية والاقتصادية، بل في توظيف الامكانيات المتاحة وفق استراتيجية فعالة لتحقيق الأهداف المرجوة.

وكما هو مبين بالتفصيل في هذا التقرير، أثبت التحقيق الذي أجراه المستشار الخاص أن روسيا تتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 من خلال عمليتين أساسيتين، أولاً، نفذ كيان روسي حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لصالح المرشح الرئاسي دونالد جيه ترامب،ضد منافسته هيلاري كلينتون. 

ثانيًا، أجرى جهاز استخبارات روسي عمليات اقتحام حاسوبية ضد كيانات وموظفين ومتطوعين يعملون في حملة كلينتون ثم أطلقوا وثائق مسربة من البريد الخاص بالحزب الديمقراطي.

وأخيرا، حدد التحقيق أيضًا روابط عديدة بين الحكومة الروسية وحملة ترامب، وعلى الرغم من أن التحقيق أثبت أن الحكومة الروسية أدركت أنها ستستفيد من رئاسة ترامب، وعملت على تأمين هذه النتيجة، وأن الحملة توقعت أنها ستستفيد.

وجاء في التحقيق "عدم إثبات وقائع معينة لا يعني عدم وجود دليل على تلك الحقائق، إلى جانب أننا  طبقنا إطار قانون التآمر، وليس مفهوم"التواطؤ" وبذلك، أدرك المكتب أن كلمة "تواطؤ، ليس جريمة محددة أو نظرية مسؤولية واردة في قانون الولايات المتحدة، كما أنه ليس مصطلحًا فنيًا في القانون الجنائي الفيدرالي. لهذه الأسباب، كان تركيز المكتب في تحليل مسائل المسؤولية الجنائية المشتركة على التآمر على النحو المحدد في القانون الفيدرالي. 

وإذا كان تحقيق مولر أكد على التدخل الروسي في مساندة نجاح ترامب ضد هيلاري، فالأثار المترتبة على هذا التدخل عواقبه كثيرةمن شتى الجوانب، من الناحية الاجتماعية عمق وأزكي العنصرية بين جوانب الأمة، شكك في النظام الديمقراطي الأمريكي، شكك في النظام القضائي، عمل على تحلل الحقائق عبر بث معلومات غير حقيقة في جميع نواحي الحياة. وبذلك أرسي جراح في جسم المجتمع الأمريكي تحتاج لسنوات حتى يبرأ منها. 

لماذا دعمت روسيا ترامب؟

 أما العواقب السياسية التي خلفتها قيادة ترامب في السنوات الماضية يكشفها جيمس ر.كلابر، المدير السابق للمخابرات الأمريكية، في كتابه حقائق ومخاوف، حيث أشار إلى دوافع روسيا في التدخل في الانتخابات 2016، بعدما اقتنع الرئيس الروسي بوتين بأن الولايات المتحدة تتحمل على نحوٍ ما المسئولية عن تقويض انتصار حزبه في الانتخابات البرلمانية الروسية عام 2011، والتي أعقبتها احتجاجات واتهامات واسعة بالاحتيال.

ويعترف "كلابر" بأن الولايات المتحدة حاولت التأثير على الانتخابات، وتغيير الأنظمة في دول مختلفة، واستشهد بتقرير باحث جامعة كارنيجي ميلون "دوف ليفين" الذي يشير إلى جهود واشنطن للتدخل في 81 انتخابات أجنبية بين عامي 1946 و2000. 

وبعدما ضمت موسكو جزيرة القرم إلى جانب الحرب الدموية في أوكرانيا، أدى ذلك لتوقيع عقوبات على روسيا، لذا رأى بوتيند أنه لو فازت كلينتون في الانتخابات الرئاسية فإن العقوبات الدولية المفروضة عليها ستستمر، لكن على الجانب الآخر أعرب المرشح "ترامب" عن رغبته في التقارب مع "بوتين".

كل ذلك دفع روسيا إلى دعم "ترامب" بقوة من أجل تحقيق أهداف روسيا الاستراتيجية، مثل: حل حلف شمال الأطلنطي حلف الناتو، وتفكيك الاتحاد الأوروبي، بل والتشكيك في قدرة المؤسسات الأمريكية على حماية نفسها من الاختراق، والتشكيك في مصداقيتها من خلال تشكيك "ترامب" الدائم في تقارير المؤسسات الديمقراطية والأمنية الأمريكية والمخابراتية.

ويؤكد كلابر أنه أُثيرت ضد ترامب العديد من الملفات الشائكة منذ أن أعلن ترشحه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وحتى الآن، ومن أبرز ما ظهر ضده الملف الشهير الذي جمعه الجاسوس البريطاني "كريستوفر ستيل"، والذي عرض فيه بالتفصيل علاقة "ترامب" بالكرملين، ووصف المؤامرة بين الرئيس الأمريكي والروس بأنها "ضخمة للغاية"، كما أشار إلى العلاقات النسائية لـ"ترامب".

لكن الرئيس "ترامب" قرر أن يُشكك في التقرير بأكمله قبل أن يراه بشكل كامل وتفصيلي، مدعيًا أنه كان مجرد مؤامرة من قبل الديمقراطيين لتبرير خسارتهم في الانتخابات، كما شكك في موثوقية وقدرات المجتمع الاستخباراتي كله، مؤكدًا أنهم يعتمدون على معلومات غير موثوقٍ في صحتها، ولا يوجد أي إثبات عليها.


 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة