عصام السباعي
عصام السباعي


حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬الرياضة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬رصاصة‮»‬‭!‬

عصام السباعي

الثلاثاء، 08 ديسمبر 2020 - 05:24 م

يبدو أن الوقت حان لإطلاق صيحة تحذير عالية، من تزايد حالات الانفلات فى مجال الرياضة، لا أقصد بذلك العناصر المعروفة فى أى لعبة، بل الجمهور أيضا بمن فيهم الذين يتابعون المنافسات الرياضية فى بيوتهم عبر الشاشات، لن أتحدث هنا عن الرياضة والسياسة، ذلك الارتباط الأزلى بينهما منذ بدء الحياة ، فكم من حروب وعلاقات دولية بدأتها أو أنهتها الرياضة، وكم من شعوب تم اختراقها من بوابة الرياضة، ولن أعيد هنا ما كان عبر التاريخ الأوليمبى الطويل الممتد عبر قرنين من الزمان، سأحاول أن أتعدى كل ذلك إلى ما يهمنا هنا فى بلدنا الجميل، فى التنمية، فى السلوك، فى زرع القيم والحفاظ عليها، وكلها أمور اعتبرتها الأمم المتحدة، سواء الرياضة نفسها، أو تلك القيم، من مكونات التنمية المستدامة التى دعت لها المنظمة الدولية والتزمت بها الدول الأعضاء.

أؤكد لكم أن الرياضة مهمة جدًا لصحة المواطن، وهى أيضا مهمة لسلامة جسد الوطن، وكما أن الرياضة والأخلاق جزء لا يتجزأ، وكذلك فأى انحراف أخلاقى فى الرياضة يؤثر فى الكيان الكبير للبلد، فالكل لا يتجزأ، فعندما تمسك الكرة وتقذفها بيدك، أو تركلها بقدمك، لا تتحرك عضلات اليد، ولا القدم فقط، بل كل عضلات الجسم تتخذ وضعها للقيام بتلك الضربة، وبالطبع يتم كل ذلك بأوامر من المخ، ويحدث نفس الشيء فى المجتمع، وكما أن رفع اللياقة البدنية مهم جدًا بل وضرورى لممارسة اللعبة، أيضا المجتمع يجب أن يرفع مستوى قدراته الأخلاقية والسلوكية، ليكون البلد لائقا بدنيا وسلوكيا وأخلاقيا وذهنيا، لأن الرياضة ياسادة أحد المؤشرات الرئيسية للحياة.

أقول لكم إننى لم أبدأ الكتابة فى الرياضة إلا عندما سمعت وشاهدت الأخلاقيات وهى تنتحر على يد البعض فى الحملة الضخمة التى تعرض لها الكابتن محمود الخطيب وكل مجلس إدارة النادى الأهلى، ويالها من حرب، تم فيها هتك الأعراض والتعريض بالأمهات والشقيقات والذمم، وبألفاظ وحكايات تدعو للخجل والعجب وكل كلمات الدهشة، ربما ينتظر البعض العقاب السماوى الذى حتما سيأتي، ولكننى هنا أتحدث عن خسائر أخرى، فالرياضي، وأى رياضي، هو قدوة للأجيال الجديدة، ومثال يحتذى به فى السلوكيات، وهو أمر لو نعلم تأثيره عظيم على الكيان الكبير وهو الوطن!
أكتفى هنا بمجرد إشارة إلى أن الأمم المتحدة نفسها أكدت فى سياق أحد قراراتها الدور الكبير للرياضة فى تعزيز التقدم الاجتماعى، ودورها الكبير فى ترسيخ التسامح والاحترام وتمكين المرأة وذوى الإعاقة والشباب والأفراد والمجتمعات، وتحقيق الأهداف التنموية فى قطاعات الصحة والتعليم والاندماج الاجتماعى، وتنشئة الأطفال على تلك القيم، وخاصة روح العمل كفريق، واللعب النظيف، واحترام القانون والآخرين، والتعاون، والانضباط، والتسامح.

أعترف أن إدراكى لتلك الأهمية، وإحساسى بتلك الخطورة التى قد نتعرض لها، كان سبب فرحى بفوز الأهلى ببطولة دورى الموسم الماضى، وفوزه بثلاثية الدورى والبطولة الأفريقية وكأس مصر الموسم الحالى، ليس بدافع الانتماء ولا التعصب لذلك الفريق، ولكن انحيازا للمصالح العليا للمجتمع، وهو ما قدمته إدارة ذلك الفريق، ممثلة فى مجلس إدارة النادى الأهلى، من التزام بالقيم الأخلاقية فى مواجهة الانفلات الرياضى والإنسانى والسلوكى الذى تعرضوا له، لدرجة أنهم تعرضوا للوم وللانتقادات الحادة والألسنة الحداد لتمسكهم بتلك القيم، وكانت الفرحة مضاعفة لأن الجهات المعنية انحازت هى الأخرى لنفس القيم، دون انحياز لطرف على آخر، ولكن لمعايير القانون وقواعد العمل، حتى لو طالت مجلس إدارة النادى الأهلى نفسه، وأى جهة أخرى، وقدمت رسالة قوية للمجتمع بأن السيادة للقانون وقواعد المنافسة العادلة وموازين السلوك الأخلاقى والاجتماعى، وهــو ما يستحـق توجــيه التحــيـة والتقـــديـر لوزيـــر الشـــباب والرياضــــة د.أشرف صبحى.

أرجو من الجميع أن يرسخوا القيم النبيلة للرياضة، أن يتصدوا للذين جعلوا الانتماء لهذا النادى أو ذاك وكأنه دين جديد أو مثل العشيرة أو وطن بديل يدينون له بالولاء والفداء، وهنا الكارثة التى يجب أن نتنبه لها، فالرياضة هنا تتحول إلى رصاصة فى قلب الوطن، رغم أنها مجرد طوبة فى بنائه، وعضلة أساسية فى جسمه، وشريان يصل بالدماء إلى عقله وذاكرته، وقيم تتوارثها الأجيال فى العمل كفريق من أجل الوطن، ويتحمل الإعلام بكل أشكاله، والإعلاميون المسئولية الأولى، ولا يجب التهاون فى أى تجاوز للأكواد والمعايير الإعلامية التى وضعها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وصاغها بدقة.

أدعو الجميع إلى ممارسة مسئولياته، واحترام القيم الخاصة بالمجال والقطاع الذى يعمل فيه، وتطبيق أقصى درجات النزاهة والشفافية والمحاسبة، لتفادى أى انحراف للرياضة عن مسارها، لأنه فى النهاية سينحرف بمركب الوطن والمواطن عن الطريق الصحيح.

أناشد الجميع طى صفحة الماضى وما كان فيها، وترك الكلمة الأولى والأخيرة فيه للقانون، ولا يمكننا أبدا اجترار المهازل التى حدثت، وخلق معارك هزلية من خلالها، وأكتفى بمثال واحد، فعندما حدث الاتفاق المحمود على استنكار ورفض السلوك الحقير الذى تم مع أحد اللاعبين، شاهدنا قلة تعيد الشريط، وتخرج لنا بموقف مشابه تعرض له لاعب آخر، فى وقت سابق، أرجوكم أفيقوا فنحن نشعل النار فى ضمير أطفالنا ومستقبلنا، ومعظم النار قد يأتى من الرياضة، تلك الجميلة التى شوهناها بسلوك البعض، وسكوت البعض الآخر!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة