محمد صلاح عبدالمقصود
محمد صلاح عبدالمقصود


تقييم أداء بابا نويل!

محمد صلاح عبد المقصود

الأربعاء، 09 ديسمبر 2020 - 12:51 ص

مع نهاية العام ينتظر العالم كله هدايا بابا نويل، و يبيت الصغار في كل بيت في لهفة و شوق، على أمل أن يلتقوا في منامهم ببابا نويل بزيه الأحمر الداكن، و يصبحون في اليوم التالي على هداياه التي تبعث فيهم النشاط و الثقة في بدايات عام جديد من عمر الكون.

 

أما لو كنت عاملا أو موظفا في إحدى شركات قطاع الأعمال العام، أو الشركات المملوكة للدولة، فستبيت في هذه الفترة مشتتا شارد الذهن، لا تعرف هل سيأتي عامك الجديد و أنت في وظيفتك، آمن على أبسط احتياجات أسرتك، أم ستجد نفسك فريسة للمجهول نتيجة للقرارات العشوائية و الأداء العشوائي، مستعدا لتحمل فاتورة الفشل الممنهج في إدارة شئون هذه المؤسسات.

 

فمع نهاية العام تبدأ الموارد البشرية في كل المؤسسات و الشركات في تقييم أداء العاملين لديها، و هي مهمة تبدو في مثل هذه المؤسسات و كأنها عمل غامض أو سر حربي، حيث يتم أداء التقييم و كأنه عملية تجري خلف خطوط العدو، وتستهدف إسقاط أكبر كم من الخسائر به، رغم أن العدو في هذه الحالة موظف بسيط ساقه القدر لتحمل نتائج و سلبيات و عيوب كل أطراف المنظومة!

 

يجب أن نتفق أولا أنه لا يوجد أحد ضد تفعيل مبادئ الانتاجية و مكافأة المجتهدين و تحفيز العاملين على أداء أكبر عدد ممكن من المهام، أو حتى ضد تطبيق مبادئ الإدارة الحديثة في كافة مؤسسات الدولة، و هذا مبدأ هام يجب أن نتفق عليه قبل أن نتحول لتفاصيل هذه الأزمة التي تتسبب في اثارة القلق و الفتنة داخل هذه المؤسسات.

 

فتقييم الأداء في حد ذاته أداة لتحقيق أحد أهم أهداف التنمية المستدامة التي تستهدف العنصر البشري، وهو المساواة بين جميع العاملين كوسيلة لتحقيق أكبر معدل ممكن من الانتاجية للشركة أو المؤسسة، و يعتبر هذا التقييم جزء لا يتجزأ من عدة قواعد يتحتم وجودها قبل البدء في عملية تقييم الافراد.

 

فلا قيمة لتقييم أداء أفراد في مؤسسة بلا رؤية مستقبلية، و لا يعرف أحد فيها ماذا ستفعل هذه المؤسسة بعد عدة سنوات، ولا ما هي الأهداف التي ستعمل على تحقيقها على المدى القريب أو البعيد، فطبقا للأهداف المستقبلية التي تحددها المؤسسة، و طبيعة هذه الأهداف، سيخرج تقييم الأداء منطقيا و عمليا، فلو كانت هذه الأهداف مالية، يجب أن تراجع كافة القرارات ذات الصفة المالية لهذه المؤسسات قبل أن يتحمل العاملين فاتورة هذه الأهداف من مكتسباتهم البسيطة و جيوبهم الخاوية!.

 

فيما لو كان الهدف تشغيليا أو انتاجيا، يجب أن يتم أولا وضع خطة تفصيلية تستهدف جميع العاملين بأدوار محددة، ثم تدريب العاملين فيها على هذه الأدوار، و تثقيفهم و توعيتهم بأهمية تنفيذ هذه الأهداف لاستمرار المؤسسة باقية على قيد الحياة في عصر متلاطم الامواج.

 

و بعد ذلك يتحتم وضع طرق رقمية واضحة تتسم بالنزاهة و الشفافية، و ذلك لقياس مدى نجاح الافراد في تحقيق هذه الأهداف، و هو أمر لاشك في أنه سينعكس على نتائج أعمال هذه المؤسسة بالايجاب، كما سينعكس على شعور المجتمع بالرضا و القناعة نتيجة نجاح هذه المؤسسة في تلبية احتياجاته الأساسية.

 

كما يجب على القائمين على إدارة هذه المؤسسات فتح قنوات تواصل لحظية و مستمرة مع منتسبيها، و تلقي استفساراتهم و الرد عليها فوريا، دون داعي للتجاهل الذي يخلق مناخا من الريبة و الشك و القلق لدى العاملين، و يتسبب دون داع في اثارة أزمات (مجانية)، و جو من عدم الاستقرار، سيكون من السهل تجاوزهم بقليل من العمل المنظم و المتصل بالعلم و أهداف الدولة معا.

 

كل هذه الأمور يتم تطبيقها دون غرابة في كافة الشركات و المؤسسات الكبرى، حيث لم يعد الحديث عنها يستدعي كل هذا الجدل، حيث أن كل الأمور محددة بدقة، و كل الأهداف قابلة للقياس، و التواصل يتم باستمرار و بكفاءة عالية، و يمكنك بتقرير واحد أن تترجم لك الأرقام عيوب و سلبيات هذه المؤسسة، دون أي تدخل شخصي أو أهواء شخصية للحفاظ على مصالح ضيقة أو نجاح زائف على حساب المصلحة الوطنية العليا!

 

و لا تمتلك مؤسسة واحدة من هذه المؤسسات في مختلف القطاعات ما سبق عرضه من أساسيات تمثل البنية التحتية القانونية و العلمية لكي تحصل على تقييم أداء عادل و منطقي، بل مازالت هذه المؤسسات تدار دون رؤية أو رقابة أو متابعة أو تدريب أو توجيه، وأغلب المسئولين فيها يعتبرون ما سبق عرضه نوعا من "الهري" و تضييع الوقت و حجج الفشل، و لا أبالغ أبدا لو قلت بأن أغلبهم غير مؤهل لتحقيق أهداف الدولة العليا المرجوة من هذه المؤسسات! 

 

فالسيد الرئيس يتحدث عن تمدد في مختلف الأسواق، و تهيئة بيئة عمل مناسبة للابداع، في حين تنكمش هذه المؤسسات و تمتلئ بيئة العمل فيها بعدد هائل من مسببات الفشل و الفساد و الانتفاع و الكسب من وراء الوظيفة العامة، يؤكد السيد الرئيس دوما عن ضرورة اعطاء الناس حقوقهم، و تعكف هذه المؤسسات على حرمانهم منها، يكرر الرئيس في كل مناسبة على أهمية العلم، في حين تستمر هذه المؤسسات في الدجل و ممارسة النجاح الاعلامي المستهلك، و الذي لا يحمل أي جديد لا للدولة و لا لهذه المؤسسات.

 

السيد الرئيس يتحدث عن تشغيل الشباب و اتاحة فرص عمل، و هؤلاء المسئولين يفكرون في كيفية التخلص من قواهم البشرية، السيد الرئيس يتحدث عن تلبية احتياجات مجتمعية عاجلة، و هم يتحدثون عن احتياجات شخصية لا علاقة للمجتمع و لا لهذه المؤسسات بها، و كلما قارنت بين توجيهات السيد الرئيس، و بين توجهات هذه الشركات، كلما اتسع الفارق و اتضح التضاد بين أهداف و توجهات الطرفين! 

 

و لو عقدنا مقارنة سريعة بين أداء هذه المؤسسات، و بين أداء مؤسسة الرئاسة ذاتها، أو مؤسسة القوات المسلحة العظيمة، فستدرك بالعين المجردة، و دون بحث أو فحص الفارق الضخم بين الطرفين، و ستضع يدك على أسباب الفشل الإداري المستمر في هذه المؤسسات منذ سنين طويلة، و الذي لا يبدو أنه سيلقى نهاية قريبة.

 

و في النهاية، يبقى الأمل معقودا على مؤسسات الدولة المصرية القوية و الأمينة في عودة هدايا بابا نويل لـ  9 مليون عامل بهذه المؤسسات و لأسرهم أيضا، لا يريد أحد هدايا مجانية، بل إن أهم هدايا بابا نويل هذا العام ستكون عودة هذه المؤسسات للانتاج، و أن توفي احتياجات المجتمع المصري محليا، و أن تدار بشفافية و وضوح و بطريقة تناسب العصر، و ترتبط ارتباطا وثيقا برؤية مصر 2030، هذا إن أرادت هذه المؤسسات أن تستمر على قيد الحياة حتى عام 2030 من الأساس!

اقرأ أيضا: المتقاطع والمتوازي في الأمن القومي وسؤال الهوية

اقرأ أيضا:القاهرة واشنطن.. ماذا بعد؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة