السوشيال ميديا
السوشيال ميديا


«السوشيال ميديا» تهز عرش الناقـد الأدبي

آخر ساعة

الخميس، 10 ديسمبر 2020 - 09:36 ص

 

حسن حافظ

مضى الزمن الذي كان ينتظر فيه القراء دراسة أو مقالة الناقد الكبير ليشرح لهم ويبين مواضع الأهمية والقوة أو الضعف والركاكة في رواية أو ديوان شعر، فالقارئ في اللحظة الراهنة بات ينتظر المراجعات التي تظهر على صفحات التواصل الاجتماعي من قراء مثله يقدمون انطباعاتهم عن هذه الأعمال فور صدورها والانتهاء من قراءتها، وهو اتجاه عززه موقع "جودريدز" المتخصص في استعراض آراء القراء في الكتب والمؤلفين، وهنا يعطي الموقع مساحة أكبر لانطباعات القراء التي باتت العملة الأكثر رواجًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تعبأ هذه الانطباعات بآراء النقاد التي توارت ولم يعد ينتظرها القارئ.

 

بعد أن أصدر الناقد الأدبى الفرنسى رولان بارت، مقالته الشهيرة بعنوان "موت المؤلف" عام 1967، التى دعا فيها للفصل بين المنتج الأدبى والمؤلف وهويته، تتعالى الأصوات الآن بشعار "موت الناقد" أو "موت النقد"، فالملاحظ أن ذائقة القارئ لا تتفق مع الناقد فى الكثير من الأحيان، ولم يعد هناك أى وصاية أو هيمنة من النقاد على القراء، فمثلا يهاجم النقاد عادة الكثير من الأعمال الأدبية للأجيال الجديدة من أمثال أحمد مراد، لكنه يظل من أكثر الكتاب مبيعا، بل إن الكاتب أحمد خالد توفيق، تعرض للتجاهل التام من الحركة النقدية، فى حين أنه كان معشوق أجيال من الشباب الذين قالوا عنه إنه علمهم القراءة، بل إن التجاهل النقدى طال شخصية بقامة نجيب محفوظ الذى تجاهلته الحركة النقدية باستثناء أصوات معدودة، لكن الفوز بجائزة نوبل عام 1988، فجر الكتابات النقدية حول أعماله، ليصبح أكثر الأدباء الذين كتبت عنهم الدراسات النقدية فى القرن العشرين.


وعلى مدار القرن العشرين ارتبط ازدهار الحركة الأدبية على مستوى الرواية والشعر، بوجود حياة نقدية قوية، فظهر نقاد بقامة سلامة موسى ومحمد مندور ومحمود أمين العالم وغالى شكرى ورجاء النقاش وجابر عصفور، الذين ارتبطوا بأشهر المعارك الأدبية، ويظل كتاب "فى الثقافة المصرية" الذى ألفه العالم بالاشتراك مع صديق عمره عبد العظيم أنيس، أحد أهم الكتب النقدية الذى تناول أعمال العديد من المبدعين الكبار، ولا يفوقه شهرة إلا كتاب "الديوان فى الأدب والنقد"، لعباس العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني، كما دخل لويس عوض ومحمود شاكر فى سجال نقدى طويل، كان أحد المعارك النقدية الكبرى، وكان من ثماره كتاب شاكر الشهير "أباطيل وأسمار".


ومن أشهر المعارك النقدية تلك التى جرت بين الدكتور جابر عصفور والدكتور عبدالعزيز حمودة، بعد تأليف الأخير لكتابه الشهير "المرايا المحدبة.. من البنيوية إلى التفكيك" والذى هاجم فيه مفكرى الحداثة، الأمر الذى دفع عصفور وهو صاحب كتاب "المرايا المتجاورة"، إلى الرد فى سلسلة من المقالات، فى معركة فكرية وصفت بأنها معركة نهاية القرن العشرين بين اثنين من كبار نقاد الأدب، لكن بعدها خفت تأثير نقاد الأدب وتراجع حجم تسليط الضوء عليهم، على الرغم من استمرار أجيال النقاد فى تناول الأعمال الإبداعية بصورة مستمرة إلا أن أضواء السوشيال ميديا انسحبت نحو صفحات مخصصة لاستعراض انطباع القراء لتجربتهم مع الأعمال الإبداعية، الأمر الذى أدخل النقد الأدبى فى مأزق بعدما لم يعد موجها للقارئ فى اختياراته، فى حين يتمسك تيار آخر بأن النقد ضرورى وأساسى فى أداء دوره فى استكشاف جوانب متعددة للعمل الإبداعى تغيب فى أحيان كثيرة عن المؤلف والقارئ معا.


الدكتور حسين حمودة، قال لـ"آخرساعة": "الحديث الآن عن (أزمة النقد)، أو (موت النقد)، أو (نقد المجاملات)، أو (نقد الانطباعات)، ليس حديثًا جديدًا، فكل هذه التعبيرات كان لها حضور فى الحياة الأدبية المصرية منذ عشرات السنين، ومع ذلك، فهذا الحديث الآن لا يخلو من مبررات وأسباب جديدة، ووجيهة، تجعله حديثًا واقعيًا وحقيقيًا إلى حد بعيد، هناك طبعا كتابات نقدية كثيرة تسمح بها وسائط الاتصال الحديثة للجميع، بما يشكّل ظاهرة إيجابية، وإن كانت هذه الظاهرة بحاجة إلى إعادة نظر فى نتاجها، وبحاجة إلى غربلة هذا النتاج، والتمييز فيه بين ما يستحق البقاء وما لا يستحق".


وتابع حمودة: "كذلك هناك كتابات نقدية مهمة، لنقاد معروفين ومحترمين، فى عدد من الصحف والدوريات، كلها تتابع النتاج الأدبى الراهن، ولكن هذه الكتابات لا تستطيع، بحكم الكمّ على الأقل، أن تتابع كل ما يستحق متابعته من أعمال أدبية، وهى أعمال شهدت غزارة كبيرة، خصوصا فى مجال الرواية، خلال العقدين الأخيرين، ثم هناك كتابات نقدية أكاديمية، وهذه تواجه مشكلات أخرى خاصة بما يمكن أن يكون نوعا من العزلة، بسبب عدم انتشارها بين عموم القراء، وبسبب تعقيد أدواتها ومصطلحاتها، وربما بسبب تركيز قطاع كبير منها على ظواهر وأعمال أدبية لا تعبر تماماً عن الحركة الأدبية الراهنة".


أما عن سبل تدارك الموقف والعودة بالنقد الأدبى إلى الواجهة، رأى الدكتور حسين حمودة، أن هذا مرهون "بأشياء كثيرة، منها إتاحة المزيد من المنابر النقدية فى الإعلام، وبثّ روح النقد فى مقررات التعليم بمراحله المتنوعة، وفى المجتمع كله بوجه عام، بالإضافة إلى مسألة النظريات والتصورات النقدية المنهجية، والبحث فيها عما يمكن أن يكون أكثر قدرة على التعامل مع الأعمال والظواهر الأدبية الجديدة".


الدكتور عبدالسلام الشاذلي، أستاذ الأدب والنقد، عبر عن استيائه الشديد من ظاهرة الانطباعات التى تملأ الفضاء الإلكتروني، وتتهجم على علم النقد، وأضاف فى تصريحات لـ"آخر ساعة": "هذه الظاهرة السيئة انتشرت بكثافة على صفحات التواصل الاجتماعي، كأنها بورصة لتسويق بعض الأسماء التى لا ترتقى أبدًا لمستوى التقييم الأدبي، فهذا يطلق على ذاك لقب أمير الشعراء، وأخرى يطلقون عليها أميرة الرواية والقصة، كأننا فى بار من البارات، والجميع فى لحظة سكر ونشوة وبحث عن الانتصارات الوهمية".


وتابع: "هذه الكتابات غير العلمية تعكر المناخ والجو الأدبي، فبدل الكتابة ونقد الأعمال التى تستحق، نجد أننا نضيع الوقت فى أعمال لا تستحق، وهذا بسبب انتشار العشوائيات الثقافية التى ملأت الوسط الثقافى وأفسدته، فنجد أن هناك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تحتفى بكتابات رديئة وتدعو الشباب لقراءتها، لذا يجب أن يتكاتف النقاد مع الإعلام الجاد فى مواجهة هذه المعايير المختلة، وإعادة الأمور إلى نصابها، ولا يعنى هذا أن بعض النقاد لا ملامة عليهم، فالبعض منهم لا يمتلك القدرة على متابعة المشهد الروائى ولا يمتلك الأدوات النقدية".


من جهته، قال الدكتور شريف الجيار، أستاذ النقد والأدب المقارن بجامعة بنى سويف، إن "هناك أقاويل تتكرر بتراجع واقع النقد الأدبى فى مصر منذ حوالى عامين بشكل مكثف، لكننى أرى أن النقد الأدبى لا يزال على قيد الحياة ويمارس دوره الموضوعى والعلمى داخل الأكاديمية المصرية وخارجها، من خلال وجود أجيال نقدية مثل جيل جابر عصفور وصلاح فضل ومحمد عبد المطلب، وجيل مدحت الجيار وحسين حمودة وسامى سليمان، وجيلى وفيه هيثم الحاج على ومحمد سليم شوشة، وهم يمارسون عملهم داخل أسوار الجامعات وخارجها".


وأشار الجيار إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن فى قلة عدد النقاد الذين يمارسون عملهم خارج أسوار الجامعة، ويشاركون فى الندوات والمؤتمرات الثقافية ويتابعون المنجز المصرى الكبير كما وكيف، وهنا الأزمة فى أن عدد النقاد بهذه المواصفات يظل محدودا مقارنة بضخامة المنجز الأدبى روائيا كان أو شعريا، وهنا على الجميع دعم النقاد ودعوة البعض منهم للخروج والاشتباك مع الواقع الأدبي، لأن بعض النقاد يشعرون بالإحباط بسبب حالة التجاهل لما يقومون به من عمل نفسى فى قراءة النص وتقديم النقد له باستخدام أساليب وأدوات متعددة.


ودعا الجيار إلى "الخروج من أزمة النقد الأدبى الحالية عبر خطة عمل كاملة، تقوم أساسا على خروج أساتذة الجامعة من نطاق الأكاديمية وأبحاث الترقية إلى شارع الحياة الأدبية الواسع، مع الاعتراف بالدور الذى يقوم به الناقد الذى يؤسس عمله على موهوبة أصلية مصقولة بالدراسة والاطلاع الواسع على مدارس النقد الغربية وعلاقتها بالنقد العربي"، محذرا من "الناقد الانطباعى الذى لا يمتلك الموهبة الحقيقية ولا يؤسس معرفته على دراسة علمية للنقد، وبالفعل هو من يعود بالنقد إلى الخلف، والخطورة أن نعطى لهم مساحات فى الصحف ووسائل التواصل ما يعطى صورة خاطئة عن النقد الأدبي".

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة