الكاتبة آنا فيبر
الكاتبة آنا فيبر


برواية عن مناضلة فرنسية تفوز بجائزة الكتاب الألمانية:

آنا فيبر: بطلتى واجهت فرنسا لصالح الجزائر

أخبار الأدب

الخميس، 10 ديسمبر 2020 - 04:15 م

ترجمة: ياسمين يحيى

أعلنت جائزة الكتاب الألمانية فوز رواية «أنيت ملحمة بطلة» للكاتبة آنا فيبر لدورة هذا العام. تدور الرواية حول قصة حياة المناضلة الفرنسية آنا بومانوار، التي أفنت حياتها في النضال ضد الظلم. وصف النقاد الرواية بأنها تشبه في سردها «التشانسون»، وهو نمط من الغناء الفرنسي كان سائدًا في العصور الوسطى وعصر النهضة.

هنا حوار مع آنا فيبر، تكشف فيه كواليس كتابة روايتها.


• فى عام 2017 ، أُدرجت روايتك «كيريو» فى القائمة القصيرة لجائزة معرض الكتاب فى لايبتسيج، وهى عن بطل يفضل التحرك على يديه ولا يمكنه تحمل «اللا سلطة»، انتهى به المطاف فى كهف بمكان ما فى الجنوب ليتحدث مع النباتات والطيور، قصة أخرى تأخذ القارئ معها إلى الخيال فى مناطق قد تبدو غريبة جدًا بالنسبة للبشر. وفى كتابك الجديد، الذى لا تسمينه رواية بل ملحمة، تحكين قصة المقاتلة آنا بومانوار. اخبرينا كيف تعرفت عليها؟


• كانت اللحظة التى تعرفت فيها إلى بومانوار من اللحظات التى تدرك فيها مدى سخافتك وغبائك، جلست وقتها كما يفعل الناس فى العادة بحلقات النقاش، طُرحت على بعض الأسئلة وأجبت عنها، ولكن لم تكن إجابات، بل كانت هراء، فلم يكن لدى أى فكرة عن تلك الأسئلة، ثم تقدم أحد الحضور وساهم برأيه بصورة تجذب الانتباه والاهتمام أكثر منى بالطبع، فقد كان شاهدًا على أحداث النازية وأخبرنا بأشياء لافتة. لكن الحق أقول إنى انجذبت لشخصية آنا بومانوار منذ البداية، التفت إلى مظهرها وطريقتها فى الكلام، ما وضعنى تحت تأثير سحرها، فبدأت أروى حياتها فى الكتاب بترتيب زمنى يبدأ عند ولادتها،لتظهر فقط فى النهاية عندما قابلتها وهى فى التسعين.


• بومانوار مناضلة فرنسية لكن صيتها لم يذع فى ألمانيا، رغم أنها لا تزال على قيد الحياة وعمرها 96 عامًا، فما رأيها الآن وقد أصبحت بطلة ملحمة؟
• عندما أعطيتها المخطوط لتقرأه أبدت إعجابها به، ولكنها عادت لتقول إن أنيت فى الرواية تخصني، وإنها تختلف عن آنا بومانوار، فشعرت ببعض القلق واختلط على الأمر، اعتقدت أن صورة آنا بومانوار التى رسمتها ستفشل، ولكن بعد الكثير من التدبر أدركت أن الصورة لا يمكن أن تكون خلاف ما كتبت، ببساطة أنا أرسم وجهة نظرى فى حياتها، وليست حياتها من وجهة نظرها. إنها لا ترى فى نفسها شيئًا من البطولة، وأنا أتفهم وجهة نظرها وأحترم جمالها، لكن ببساطة كتابى هو وجهة نظرى فى هذه الحكاية.


• لماذا فكرت فى الكتابة عن شخصية رغم علمك بأن بطلتك كتبت سيرتها الذاتية من قبل، فربما يتساءل البعض عن جدوى الرواية ما دام شيء قد قيل بالفعل من قبل؟
• فى الحقيقة لم أكن أنوى كتابة رواية عن الشخصية قبل التعرف إليها، ما حدث أنى قابلتها بالمصادفة ثم تسلل إليّ شعور يدفعنى لمعرفة المزيد عن حياتها وقصتها، فقمت بزيارتها عدة مرات فى بريتانى وجنوب فرنسا، فى أشهر الشتاء التى تقضيها هناك، وحدثتنى عن كتابها وقد أثار الكتاب اهتمامى فورًا، لكنه فى النهاية كتاب يكتبه شخص لأحفاده أو أبنائه، فـ آنا بومانوار ليست كاتبة، لذا فكرت فى أنه لا بد من وجود سرد أدبى آخر للحكاية.


• بنيتِ روايتك على شكل أبيات شعرية حرة، كيف اتخذت قرار سرد القصة فى صورة ملحمة شعرية؟


• سألت نفسى كثيرًا: كيف تكتبين قصة عن شخص حقيقي، بل ولا يزال على قيد الحياة ويعيش بيننا؟ الفكرة نبعت من أن آنا ليست مجرد شخصية خيالية اختلقتها، أدركت على الفور أنى لن أتمكن من بنائها فى صورة كلاسيكية؛ حيث أخترع مواقف وأفكارا وحوارات من بنات أفكاري، ثم أعيد تشكيل الشخصية وأرسمها بصورة معينة لتهيئة جو ممتع  للقارئ، وإن سألتنى لماذا أعجز عن فعل ذلك، سأجيب بأنى لا أستطيع جعلها تتفوه بكلمات لم تنطقها، ما جعلنى فى غاية التردد والحيرة، لأن تلك الأسئلة كانت نابعة من ضميري، وظللت أفكر فى ما أستطيع القيام به حيال ذلك، فأنا مؤلفة كتب خيالية ولا أميل إلى الكتابة الموضوعية، كما أنى لا أرغب فى كتابة سيرتها ولا أستطيع كتابتها حتى. بعدها تذكرت الشكل الأدبى القديم للقصص التى تروى المآثر الجريئة لأبطالها، ظهرت منذ زمن سحيق بصورة ملحمة بطل، ثم حولتها أنا إلى ملحمة بطلة.


• وما المآثر التى قامت بها آنا بومانوار؟
• لم تقم بمجرد عمل جريء فى حياتها، بل كانت حياتها سلسلة من الشجاعة والإقدام؛ لقد خاطرت بنفسها وبحياة عائلتها وفقدت عائلتها بالفعل بسبب تلك الشجاعة؛ فخلال اشتراكها بالمقاومة الفرنسية بباريس قامت بإنقاذ شابين يهوديين، وكان ذلك خارج نشاط المقاومة؛ لأن المقاومة كانت تمنع وبشدة فكرة المبادرة بإنقاذ أى شخص فجأة وبلا تخطيط مسبق لما فى ذلك من خطر على الشبكة بأكملها فى ظل تلك الظروف، فإذا وقع الإنسان فى الأسر وسقط فى قبضة التعذيب، فربما يخون الآخرين. لقد بادرت وأنقذت الشابين على أية حال، ولم تتوقف عند ذلك بل تحركت لإنقاذ طفل فى اليوم التالي.


• من وجهة نظرك، ما الدافع الذى كان يحرك تلك السيدة طيلة هذه السنوات؟
• أعتقد أن الشعور بالعدالة شيء متأصل فى نفس بومانوار، فقد رأت بأم عينيها قمع المحتل الألمانى للشعب الفرنسي، ثم عادت لترى قمع فرنسا للشعب الجزائري، ظلت تلك المشاهد تقتحمها بلا هوادة، كان من الصعب عليها تحمل فكرة أنهم تحولوا إلى ظالمين فى احتلالهم للجزائر، بل وتحمل حقيقة أنها هى نفسها فى الأصل عضو فى ذلك الكيان الظالم فى الجزائر، ولم تتوقف حين داهمتها الشيخوخة، ظلت تذهب إلى المدارس وتخبر الطلاب بفكرة العصيان المدني، وواصلت نشاطها السياسى رغم أن الوضع يختلف اختلافًا جذريًا عما كان عليه قبل عقود قليلة، ولذلك فأنا أعدها بطلة حقيقية فى مطلق الأمر، ليست بطلة كتابى فقط.


• إلى أى مدى تهتمين بالكتابة عن المرأة؟
• لقد صممت على وصف روايتى بأنها «ملحمة بطلة» مستندة على الشكل القديم للملاحم البطولية، ولكن البطل فى الملاحم القديمة يرتبط بالذكور والحروب، لقد أحببت تغيير الوضع وجعلها بطلة للملحمة، وسعدت لأنى استطعت استخدام كلمة بطل على الشكل الأنثوى فى القرن الماضى حتى وإن كانت دلالتها سيئة فى ذلك الوقت.


• إذن فأنت ترين فيها نموذجًأ يجب أن تحتذى به النساء فى عصرنا؟
• بالطبع أعتقد ذلك! فقد أظهرت المرأة مواقف غاية فى الشجاعة والإقدام على مدار حياتها، ليس مرة واحدة، ولكن كانت حياتها سلسلة من المقاومة والشجاعة، لقد ضحت بنفسها لإنقاذ حيوات أخرى، وبالطبع نأمل أن نقوم بمثل فعلها إذا سقطنا فى ظروف مشابهة.


• فى هذه الأيام نناقش أحيانا فكرة أننا نعيش فى عصر ما بعد البطولة. هل ما زلنا نحتاج إلى أبطال وبطلات؟
• فى الحقيقة لا أعرف، فأحيانا نمر بأوقات لا يسمح فيها بوجود أبطال، ولكن ما دمنا لا نمتلك أبطالا، فبوسعنا أن نسعد لوجود أشخاص يخاطرون بحياتهم من أجل حياة الآخرين، كما فعلت آنيت فى الروية، بل ونتساءل: هل فى وسعنا أن نفعل ذلك بدلا منهم؟ أو نتخيل رد فعلنا فى وضع مماثل لهم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة