عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

الإنسانية جوهر الإسلام

عمرو الخياط

الجمعة، 11 ديسمبر 2020 - 07:30 م

 فى شعاب مكة حيث نزلت الرسالة الإسلامية، هناك حيث تنزل الوحى على الرسول الكريم فى محيط اجتماعى كان يعانى أزمة انسانية معقدة، فى السنوات الأولى من عمر الدعوة انتشر الإسلام انتشارا واسعا كان سببه الخطاب الإنسانى الذى تبنته الرسالة لتؤكد أنها جاءت لإنقاذ الإنسانية من كل ممارسات امتهانها وتشويهها.
فى ظل مجتمع كان وقتها يعانى عنصرية طبقية وصلت إلى حد تصنيف طبقات اجتماعية ووصفها بالرقى اطرادا مع ما تقدمه من ممارسات تقوم فى مجملها على تحويل الانسان إلى سلعة تباع وتشترى، فظهر الإسلام وبدأت حركته فى مسارين شديدى الوضوح لتحقيق قيمتى الرحمة والمساواة.

كانت الإرادة الإلهية شديدة الإلهام عندما اصطفى المولى عز وجل نبياً كريماً من بنى هاشم نشأ وتربى فى بيت قرشى عريق كفل له رصيدا من الأخلاق والإشباعات المادية والنفسية فكان مكونه الإنسانى شديد الاستواء، وبالتالى لم تقم الرسالة فى الأصل على أى نوع من المظلومية إنما بدأت من أجل رفع الظلم عن المظلومين وعن المستضعفين.
تتجلى هنا الإنسانية كمكون رئيسى بل وجوهر ساطع للرسالة الإسلامية التى جاءت لتقنين منظومة المبادئ والأخلاق وتحويلها من ممارسة اجتماعية بشرية تخضع لحسابات الطبقية، إلى منظومة تشريع إلهى ملزم هدفه الأساسى هو اضفاء قيمة القدسية على كل ما يكفل حماية الإنسان ويحرم كل أشكال امتهان كرامته.
منذ اللحظة الأولى كانت الإنسانية هى القيمة العليا التى جاءت الرسالة لحمايتها بداية من صون وجودها مرورا بكافة تفاصيل تكريمها وتحريم وتجريم المساس بها من خلال مفهوم شامل عنوانه «حقوق الإنسانية»، هدفه هو الإنسان وليس استخدام الإنسان، هدفه حماية الإنسان وليس استخدامه سياسيا لتحدث المفارقة الغريبة التى كشفتها منظمات دولية لحقوق الإنسان تتعامل بشكل انتقائى ممنهج مع القيم الإنسانية باعتبارها أدوات سياسية لابتزاز الدول بينما تتغاضى عن أبشع الممارسات فى تلك الدول التى تمولها، لتكون بذلك قد تورطت عن عمد فى رد انسانية أعادت تحويل القيمة الإنسانية إلى سلعة قابلة للبيع والشراء وعادت بها إلى عصور الفوضى القبلية التى تستخدم الان غطاءات الدبلوماسية.
نفس ممارسات الابتزاز التى أصبحت تقليدية حاول سماسرة الإنسان وحقوقه استخدامها فى مواجهة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى عاصمة «النور» باريس، لكن الرجل القادم من عاصمة «التنوير»، الرجل القادم من أقدم دولة فى التاريخ كان شديد الثبات وجاء رده كاشفا وشارحا، جاء كاشفا لحالة التربص المجهزة مسبقا من أجل الضغط على أعصاب الدولة المصرية ودفعها نحو مسارات التنازلات التى لن تنتهى إن بدأت حتى تفرض واقعا يمس السيادة المصرية دون مبالاة بحقوق الإنسان المصرى.
كما جاء شارحا لمفهوم حقوق الإنسان فى ذهنية الدولة المصرية والتى أعلنها السيسى بوضوح فى خطاب الولاية الرئاسية الثانية بعنوان «بناء الإنسان»، فاتجهت جهود الدولة إلى صحة المصريين وانطلقت حملة «١٠٠ مليون صحة» ولازالت مستمرة، ثم أعلنت الدولة مشروعها القومى لبناء جامعات خاصة تابعة للجامعات الحكومية، ثم أطلقت المشروع القومى لتوفير السكن الكريم، لتعلن مصر منهجها الواضح الذى يقول إن أول خطوة فى حقوق الإنسان هى إنقاذ إنسانيته وإيقاف جرائم الاستغلال السياسى لها.
لم ينته المتربصون بل حاولوا العبث فى مساحة بينية عندما تصوروا أن خلافا بدا فى وجهتى النظر بين الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أعلن أن التعاليم الدينية تمثل أعلى مرتبة فى مفهوم الإلزام لدى المصريين والمسلمين، بينما عقب الرئيس ماكرون بأن الإنسان هو أعلى قيمة ليؤكد على نفس المفهوم الذى ذكره الرئيس السيسى عندما قال إن هذا الإنسان الذى تعتبره أوروبا فوق كل قيمة هو من منحه الإسلام حماية مقدسة فأصبحت تعاليم الإسلام التى تحمى نفس الإنسان وماله وعرضه فى أعلى مراتب الإلزام الدينى لدى عموم المسلمين، بل أصبحت حماية الإنسان هى جوهر الإسلام ومقاصد شريعته.
لم يكن الأمر ملتبسا لدى الرئيس السيسى بل كان الرجل جريئا لأن حديثه فى هذه اللحظة تحديدا كان موجها لعموم المسلمين دفاعا عنهم واعتذارا لهم، فلم يتحدث بلسان دبلوماسى ولكنه تحدث بلسان المسلم القادم من بلد الأزهر الذى يشارك جموع المسلمين آلامهم الناتجة عن الاساءة لرسول الإنسانية محمد .
وهو نفسه الذى لم يكن مزايدا أو مستغلا لمشاعر المسلمين بل تحدث بوضوح عن مسئولية المسلم الغاضب لرسوله، والتى تتمثل فى وجوب التحلى بأخلاق وسلوك هذا الرسول العظيم، ليؤكد أن تقديم النبى الكريم كنموذج إنسانى عظيم هو فرض عين حال على كل مسلم.
كان السيسى جريئا بما فيه الكفاية ليقول إن من أساء للنبى لم يكن يقصده لا لأنه لم يره ولا يعرفه، لكنه رأى سلوكا وتطرفا من بعض المسلمين كان دافعا لتلك الاساءة.
وضع السيسى يده على بيت الداء ليقول إن من أساء للنبى هو كل من قدم سلوكا مشينا ثم نسبه للإسلام، وهو كل من قرر أن يمتهن الإسلام ويحوله إلى أداة فى ملفاته السياسية.
فى باريس وقف السيسى مرتكزا على شرعية اعتلائه لمنصبه الرئاسى والمستمدة من الإرادة الشعبية، لكنه كان مدركا لحجم وطنه المصرى القادر على أن يكون رقما حاكما فى المعادلات الاقليمية والدولية.
إدراك السيسى لقيمة دولته ومسئولية منصبه فرض نفسه على حفاوة الاستقبال التى جاءت بعد أن أدرك المضيف قيمة الضيف وامتلاكه لأدواته وسيطرته عليها وقدرته على استخدامها.
سيكتب التاريخ أن السيسى وضع لبنة ساطعة لإيقاف عمليات تسييس الإنسانية ولبنة أخرى لأنسنة السياسة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة