معرض فنى
معرض فنى


بصلة المحب فى معرض فنى

أخبار الأدب

السبت، 12 ديسمبر 2020 - 05:42 م

منى عبد الكريم

«قالوا فى الأمثال» .. كثيرا ما نستمع إلى تلك العبارة أو كما تقال فى التعبير الدارج الذى تستخدمه الأمهات والجدات « قال على رأى المثل... » ، إذ لا يكاد  يمر يوم من حياتنا  إلا ونستمع من الأم أو الجدة  إلى أحد تلك الأمثال التى تعبر عن حكمة، أو تلخص موقف ما، ولطالما كانت الأمثال ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نحمله كميراث عبر حكايات ومواقف ونتعلم منها العبر.
وعلى الرغم من ارتباط الأمثال بالمحتوى اللغوى بالأساس، إلا أن جاليرى تام اختار الأمثال الشعبية لتكون هى محور المعرض الجماعى الذى اختتم مؤخرا بمقر الجاليرى، والذى تناول الفنانون المشاركون من خلاله بعض هذه الأمثال بمنظور إبداعى من خلال أعمالهم التى تعكس تحليلهم لمعانيها التى توارثوها عبر العصور.
خرج المعرض تحت عنوان «بصلة المحب خروف» وهو أحد الأمثال المصرية الشهيرة الذى  يُقال للتعلية من شأن المحبة فى العلاقات؛ يقول الفنان علاء أبو الحمد: إن الأمثال الشعبية واقع تراثى متعايش معنا بصفه فيها استمرارية فى ظل التطورات المعاصرة، وهو ما كان دافعى للعمل على بعض الأمثال الشعبية التى تتلاقى مع مفهوم أعمالى الفنية أو مع مفرداتى البصرية المستلهمة من الجنوب، والتى تحتفى كذلك بدور المرأة فى معظم تجربتى، وقد اختار أبو الحمد ثلاثة أمثال ليقدمها من خلال لوحاته وهى «القفه أم ودنين يشلوها اتنين»، و«اللى قلبه على حبيبه يدور عليه ويجيه»، و«خد الأصيلة وتنام حتى على الحصيرة» ..
على الرغم من  اختيار الفنان أحمد حمدى عبد الجواد مثل «القط ميحبش إلا خناقه» إلا أن مفهوم العمل الذى خرج تحت عنوان مختلف قليلا عن المثل  الأصلى «القُط بيحب خنّاقه» جاء ليكشف رابطا بين المثل وظاهرة ستكوهلم النفسية، وهى ظاهرة نفسية  - كما تذكر ويكيبديا- تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف.
يقول الفنان: إن  المثل يعكس العلاقة بين شخصين يجمهعما ترابط قوى، غالباً ما تكون العلاقة بينهما تحمل نوعا من المداعبة والمشاكسة من أحد طرفى هذه العلاقة أو من كليهما، ويكون هذا الحب بعيداً عن الحب الرومانسى الهادئ، إذ يوجد بيننا الكثير ممن يحبون من الشخص الذى معه أن (ينكشه) بصفة دائمة وهذا يخلق لهم أجواء حب مختلفة، وهذه الصفات تتسم بها القطة. ويضيف عبد الجواد: إن اختيارى لهذا المثل جاء من دافع حبى لتناول الحيوانات فى أعمالى والذى يأتى غالبا بشكل غير واقعى أقرب للأسطورى، حيث أحب رسم ملامحهما من اندهاش أو حزن أو تعب أو ضحك.
ولعل أحد الأمور التى تميز هذا المعرض كون كل فنان اختار من الأمثلة ما يعبر عن الموضوعات التى يتناولها فنيا فى الغالب، إذ اختار الفنان السكندرى عمر سنادة  المثل الشعبى «كل عقدة ولها حلال»، إذ غالبا ما تتناول أعماله فكرة المدينة والتهالك العمرانى، إذ يقول: أرى الحال الذى وصلت له المدينة يوما بعد يوم من هدد للمبانى الأثرية وظهور مبانى عملاقة قبيحة الشكل، ولكنى أرى أن هناك أملاً كما يقول المثل وأنه لابد من حل فأنا لست يائساً من حل كل مشاكل البناء المخالف فى الإسكندرية على أمل أن يتحسن الوضع.
ونظرا لارتباط الأمثال الشعبية بالحكى وبالقصص وبالوعاء اللغوى، خرجت الكثير من الأعمال لتوظف الحروف والكتابات العربية من بينها أعمال الفنان محمد الجنوبى الذى عكست كثير من أعماله تأثره بالتراث الصعيدى من عادات وتقاليد وطقوس ترتبط بمختلف المناسبات، كما وظفت كل من إنجى همام وزياد فايد وفاطمة أبو دومة  وأسماء بخيت الكتابات كل بطريقته.
إذ يظهر فى أعمال الفنانة أسماء بخيت التأثر بالجذور العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص، وتحرص على  دمج الأصالة بالمعاصرة، وذلك منذ بداية تجربتها الفنية الخاصة بتجربة الماجستير والدكتوراه، إذ تناول موضوعها لنيل الماجستير «الحرف العربى كمثير تشكيلى عند فنانى الطبعة الفنية العرب والغربيين». وذلك قبل حصولها على الدكتوراه عن موضوع «التقنيات الفنية الطباعية التعبيرية كوسيلة لمساعدة الشخص الكفيف وضعيف البصر لفهم العمل الفنى التشكيلى» .
وعن معرض «بصلة المحب خروف» تقول أسماء بخيت: الفكرة ذاتها رائعة، فتراثنا غنى، ويمكننا استلهام الكثير والكثير منه ، فقد اخترت ثلاثة أمثلة شعبية منها «آكل مسنى ولا كبابك اللى قتلنى» والذى يعبر عن أن أقل الأشياء بكرامة أفضل بكثير من أغلى وأثمن الأشياء وكسب المال بدون كرامة وضرب مثالاً بالكباب، و«أخيط بسلاية ولا المعلمة تقولى هاتى كراية «إذ يعبر المثل عن المرأة المصرية وحسن تدبيرها، و«عصفور باليد خير من عشرة على الشجر» الذى يعبر عن أن الطمع يضيع كل شىء. وتضيف بخيت: لم أختر تلك الأمثلة فقط، حيث حفزتنى فكرة المعرض للبحث عن الأمثلة الشعبية جميعها كمصدر للإلهام، حيث أشارك فى معرض «كايرو أرت فير» بجاليرى تام بعملين  آخرين مستلهمين من المثل الشعبى «ياما جاب الغراب لأمه» و «بصلة المحب خروف» وقد عبرت عن تلك الأمثلة بنفس أسلوبى الفنى.
أما الفنانة فاطمة أبو دومة فقد قدمت تصورا مغايرا لبعض الأمثال التى ترى فيها أفكارا بحاجة للمراجعة ومنها مثلا «يا مخلفة البنات..  يا شايلة الهم للممات «لتقدم تصورا مختلفا قائلا «يا مخلف البنات، يا دايق الحنية والنبات والتبات» .. إذ تقول الفنانة فى كلمتها عن المعرض إن  الأمثال الشعبية تعبر عن الموروث الثقافى لأى مجتمع، وبالتالى قد تحتوى قيما وأفكاراً تتعارض مع الحداثة والعصر.. وخضوع منتج فكرى كالأمثال للنقد المستمر، هو نقد للأفكار التى يقدمها المثل، ولا يمثل أى انتقاص من الثقافة أو الجماعة البشرية التى أنتجته، الأمثال موضوع اللوحات، هى وليدة ظروف وأزمنة ، اعتبرت المرأة فيها عنصراً ثانوياً وناقصاً فى المجتمع، وكان لزاما عليها أن تسعى للكمال أو فرص الحياة من خلال الالتحاق بكفالة رجل، أب ، أخ، زوج وفى أحيان سيد. وكان الطريق لهذا الهدف، يمر عبر انصياع المرأة لقوالب محددة سلفا لكيف يجب أن تعيش وتبدو وتتعامل فى أكثر حياتها، ماذا يجب أن تتوقع وأن تسعى نحوه فى الحياة.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة