صلاح
صلاح


صلاح فضل.. أيقونة الحداثة والتنوير

أخبار الأدب

السبت، 12 ديسمبر 2020 - 05:50 م

د. رضا عطية

تمثل مسيرة شيخ النقاد العرب ورئيس مجمع الخالدين، مجمع اللغة العربية، الدكتور صلاح فضل العلمية وإسهاماته المعرفية سفرًا خالدًا فى تاريخ الثقافة العربية والنقد الأدبى بما قدّم من عطاءات ثرية شكَّلت وثبات معرفية فى مسارات الدرس النقدى العربى، أسهمت فى الانتقال بالنقد العربى من طور النقد الانطباعى والنقد التاريخى أو الدرس المعتمد على البلاغة القديمة المعنية بقشور الظواهر الجمالية والخصائص السطحية للتعبير إلى جعل النقد علمًا يعتمد على المناهج الحداثية التى عرفتها الثقافة الغربية وسادت فى الفكر الثقافى والإنسانى العالمى استجابة لأحدث التحولات والتطورات فى المعارف الفلسفية والعلوم الإنسانية.

كان الجيل السابق من النقاد كطه حسين والعقاد ولويس عوض ومحمد مندور ومحمد غنيمى هلال قد أنجز مهمته العظيمة فى حدود ظرفه التاريخى بتعريف الثقافة العربية بفنون الآداب العالمية ومدارسها الجمالية وتياراتها الجمالية، وكان النقد الأدبى عندهم يركز أكثر على السياقات التاريخية والاجتماعية للأدب، فكان التحدى الأكبر الذى واجه النقاد العرب وعلماء الأدب الجدد فى سبعينيات القرن العشرين هو كيفية تجديد الفكر النقدى العربى وإثراء الدرس الأدبى ، فكان صلاح فضل فى طليعة هذا الجيل ومعه كمال أبو ديب وجابر عصفور ومحمد برادة وعبد السلام المسدى وسيزا قاسم وغيرهم، فى استرفاد النقد العربى بمنجزات العقل النقدى الحديثة وتثوير الدرس المعرفى النقدى بأحدث المناهج كالبنيوية والنقد الثقافى والماركسى والأسلوبية والسيميولوجية والتفكيكية وعلم الخطاب.
مناهج الحداثة النقدية
يأتى صلاح فضل صاحب النصيب الأكبر والجهد الأوفر بما قدَّمه من مناهج حيث افتتح عطاءاته المنهجية فى العام 1978 بتقديم منهجين نقديين شديدى الأهمية والتأثير بكتابين شكلا علامة باقية فى ذاكرة الكتابة النقدية العربية: نظرية البنائية فى النقد الأدبى ومنهج الواقعية فى الإبداع الأدبى   وإذا كانت النظرية البنائية هى ابنة الثقافة الرأسمالية الغربية فى جانبها العملى المنظم فى تشريح النص الأدبى وتمثُّل العناصر المهيمنة فى بنائه والعوامل المشغِّلة لآلياته التعبيرية، فقد أبرز فضل فى تقديمه لنظرية البنائية عن تعددية المعنى الذى تنتجه الآثار الأدبية، باعتبار أنَّ العمل الإبداعى نص، وإن كان يستخدم عناصر اللغة، فهو شكل إبداعى تدخل فيه البصمة الإبداعية لمؤلِّفه- فإنَّ منهج الواقعية هو منهج القراءة الثقافية للأدب، وابن الفكر اليسارى، ويكشف هذا التوزع فى الجهود النقدية للدكتور صلاح فضل بين منهجين يكاد يمثلان قطبين مقابلين فى مرجعياتهما عن أصالة وعى فضل المنهجى وعدم وقوعه فى شرك الانتماء الأيديولوجى الذى قد يطغى لدى كثيرين مشوشًا على بوصلتهم المعرفية ومضللاً لهم فى توجهاتهم الرؤيوية مثلما كان حال عدد كبير من أدباء ومثقفى اليسار ونقاده بالوقوف عند حواف المعارف التى تزخر بإشباع شعاراتى لمعتقداتهم وتكرِّس لخطاباتهم الأيديولوجية دونما استكشاف للنص الإبداعى وربط بين شكله التعبيرى ونسقه الجمالى وخلفياته الأيديولوجية وسياقاته الاجتماعية وأطره الثقافية، حيث كان نقاد اليسار يرفعون من شأن بعض الكتاب وقيمة بعض النصوص لمجرد أنَّها تلتزم بأيديولوجيتهم حتى لو كانت هذه النصوص رديئة فنيًّا وكتَّابها بلا جدارة إبداعية، لكنَّ صلاح فضل قد كشف عن المنظومة التقنية للنقد اليسارى والبنية العلمية والخلفيات الفلسفية للنقد الثقافى وهذا ما أضافه صلاح فضل فى كتابه منهج الواقعية فى الإبداع الأدبى، فضلاً عن كونه أول ناقد عربى يقدِّم جابريل جارسيا ماركيز وأدب الواقعية السحرية قبل حصوله على نوبل بأربع سنوات فى 1982، لقد قدَّم فضل فى هذا الكتاب نسخه أكثر حداثية وعمقًا من النقد الثقافى والماركسى من النقاد اليساريين والشيوعيين والماركسيين أنفسهم.
يبدو الدور المهم والتأثير الكبير لصلاح فضل فى تاريخ النقد العربى أنَّه استطاع باقتدار بارع أن يطوِّع اللغة العربية ممهدًا الطريق الفكرى ومعبدًا أرضية النقد العربى عبر جهاز مفاهيمى لذا فالدكتور صلاح فضل صاحب الجدارة الأوفر بما أعطاه للثقافة العربية ولغتها لتحديثه خطاباتها النقدية ومساهمته الكبيرة فى جعل النقد العربى علمًا مؤسسًا على بنية منهجية.
ومما كرس له فضل هو جعله النقد علمًا وفقًا لمنجزه ووعيه المؤسس بضرورة أن يكون المنهج النقدى واضحًا بأطر وإجراءات منهجية تمثَّل أدوات الباحثين فى تطبيقه، أى تقديم خرائط منهجية تمثِّل مسارات استرشادية تهدى الباحثين فى استخدامات المناهج وكيفيات تطبيقها، فضلاً عن ربطه المكونات النظرية للمناهج بالتطبيق، كما حدث فى دراسته البارعة عن مقطوعة غزلية لأمير الشعراء أحمد شوقى عندما قدَّم فى مجلة «فصول» عام 1987 دراسة بعنوان «نص وثلاث قراءات» تناول فيها سبعة أبيات لشوقى كانت مفتتحًا غزليًّا لإحدى قصائده المدحية، تبدأ بالبيت القائل:
خدعوها بقولهم حسناء     والغوانى يغرُّهن الثناء
مطبقًا عليها منهج القراءة الاجتماعية ثم منهج القراءة النفسية وأخيرًا منهج القراءة البنيوية، ليصل إلى نتائج مختلفة واستخلاصات متنوعة ومتمايزة باختلاف مناهج القراءة فكان درسًا بارعًا وبيانًا عمليًّا يجلى الإجراءات الخاصة بكل منهج على النص نفسه ما ييسر استيعاب كل منهج على حدة وجلاء التمايزات المنهجية بين المناهج الثلاثة.
وجاء كتاب شفرات النص ليقدِّم صلاح فضل من خلاله دراسات تطبيقية للمنهج السيميولوجى فى قراءة النصوص الأدبية، هذا المنهج الذى يدرس النص الجمالى باعتباره منظومة من العلامات ذات تأشير إحالى، كشفرة التسمية، مثلاً، فى رواية أولاد حارتنا، فى الموازاة التمثيلية بين الحكاية فى أولاد حارتنا وقصة الخلق الأسطورية، حيث يحيل أدهم عبر شفرة التقارب والتشاكل الصوتى إلى آدم، و«إدريس» إلى إبليس، أما جبل فيحيل إلى موسى اعتمادًا على طريقة المجاز المرسل فى التشفير لتجلى الرب لموسى فى مشهد الجبل، رفاعة إلى المسيح لأنَّه رُفِع إلى السماء اعتمادًا على أبرز معالم التسمية، أما «قاسم» تحيل إلى «محمد» الذى كان يُدعى أبا القاسم فى بعض أسمائه، وكذلك إلى طبيعة رسالته المميزة لأنَّها قاسم مشترك بين جميع الأجناس والعصور، أما «عرفة» فتحيل إلى المعرفة وطريق العلم. كما يصل الدكتور صلاح فضل إلى كون شخصية الجبلاوى مزيجًا من الألوهية والفتوة، من الأزلية والحدوث، من الديمومة والفناء، مجليًّا التشاكلات والتخالفات فى آنٍ، فى التمثيل الكنائى الأوليجارى بين حكاية أولاد حارتنا وقصة الخلق، مبرزًا تجاوز محفوظ لمجرد التقليد أو الاستنساخ للحكاية الدينية بالرغم من أنَّه يوظِّفها لكنَّه يبنى ملحمة سردية كبرى تبدو أسطورة الخلق الوجودى مكونًا رئيسيًّا فيها ينضاف إليه عدد من المكونات الأخرى فى تخليق جمالى استطاع فضل جلاء شفراته وفك أكواده.
وإذا طالعنا المناهج الأسلوبية فى النقد لنجد أنَّ صلاح فضل صاحب جهد تاسيسى فارق فى هذا المضمار، سواء على صعيد تنظيرى بكتابه المؤسس، علم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته الذى أجلى فيه منظومة القواعد الفارقة لعلم الأسلوب والإجراءات اللازمة للتحليل الأسلوبى، أو على صعيد تطبيقى وتصنيفى، ككتابه أساليب الشعرية المعاصرة، الذى قسَّم فيه أساليب التعبير الشعرية إلى الأسلوب الحسى الذى يتسم بطغيان العنصر الموسيقى والإيقاعى كالقافية، فى مقابل انخفاض درجة التشتت الدلالى ويضع فيه صلاح فضل نزار قبانى وإلياس أبو شبكة كنموذج دالين على هذا الأسلوب، ثم الأسلوب الحيوى الذى يوسِّع المسافة بين الدال والمدلول نسبيَّا، مع الاحتفاظ بقدر مناسب من الإيقاع وبخاصة الداخلى دونما وقوع فى التشتت الدلالى، مع استخدامه أقنعة تراثية وأسطورية، ويمثِّل لهذا الأسلوب بشعر أحمد عبد المعطى حجازى والسياب وأمل دنقل، ثم الأسلوب الدرامى الذى يعتمد على تعدد الأصوات والمستويات اللغوية مع ارتفاع درجة الكثافة نتيجة لغلبة التوتر والحوارية فيه كشعر صلاح عبد الصبور، ثم الأسلوب الرؤيوى الذى تنحو فيه التجربة الحسية إلى التوارى خلف طابع الأمثولة الكلية، ما يؤدى إلى امتداد الرموز فى تجليات عديدة ويفتر الإيقاع الخارجى بشكل واضح وتنحو شبكة الصور لنسج غلاف شف عن رؤية كلية بارزة، كشعر سعدى يوسف وخليل حاوى والبياتى.
أما فى مجال السرد الروائى فلصلاح فضل كتابان فى التصنيف الأسلوبى: الأول، أساليب السرد فى الرواية العربية، الذى قسم فيه السرد إلى الأسلوب الدرامى والأسلوب الغنائى والأسلوب السينمائى، والثانى أنساق التخييل الروائى  الذى يقسِّم فيه صلاح فضل السرد الروائى إلى سبعة أنساق تخييلية هى: التخييل الذاتى والتخييل الجماعى والتخييل التاريخى والتخييل الأسطورى والتخييل الفانتازى والتخييل البصرى والمشهدى والتخييل العلمى، فى تصور أرحب استيعابًا لتطور وتنوع الأنساق السردية، وتكشف هذه القدرة التصنيفية لصلاح فضل عن استيعاب وافٍ للكتابات الجديدة وطرائقها التعبيرية واستراتيجاتها الأدائية، كما يعنى بهذا التصنيف غلبة سمات خاصة بكل نسق فى نص سردى ما يؤدى إلى ترجيح انتمائه إلى نسق أقرب إليه، فى تصوير محدِّث ومطوِّر لمبدأ العنصر المهمين ليصبح منطومة الخصائص التعبيرية الغالبة فى نص ما والمرجِّحة لتصنيفه فى نسق أسلوبى معين. وعمومًا فإنَّ إنجاز صلاح فضل لمثل هذه الدراسات الأسلوبية القائمة على التصنيفات المميزة لأنساق التعبير الجمالى فى النوع الواحد بناء على معايير فارقة وطرائق أدائية مميزة تكشف عن وعى علمى ممنهج واستبصار رؤيوى قادر على إعادة ترتيب المشهد الإبداعى وفقًا لتأسيس نقدى قائم على تصنيف مشروط.
التوازن الرؤيوى
كان لصلاح فضل الناقد وأستاذ الأدب والمنظَّر عدد من المواقف التى تؤكِّد اتسامه بالتوازن الرؤيوى خصوصًا فى مواقفه من الخيارات الجمالية المتباينة والتيارات الفنية المتقابلة أو المتمايزة والأنواع الإبداعية المختلفة، فنجده يخصص فصلاً من كتابه، أساليب الشعرية المعاصرة، لقصيدة النثر ولتجربة أحد روادها محمد الماغوط، كذلك يكتب فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين عن فاطمة قنديل وإيمان مرسال حول تجربتهما الأولى فى كتابة قصيدة النثر، فضلاً عن تناوله لعدد من تجارب شعراء قصيدة النثر خصوصًا من الشباب فى تلك الفترة مثل جيهان عمر وجرجس شكرى وتامر فتحى وموسى حوامدة وغيرهم، ما يؤكِّد اتساع أفق صلاح فضل وتقبُّله التجارب الجديدة بوعى طليعى، لكنَّه فى الوقت نفسه، يرفض المزايدة باسم التجريب والطليعية، رافضًا موقف كثيرين ممن يكتبون قصيدة النثر فى محاولتهم إقصاء الشعر الموزون والقصيدة التفعيلية من حيز الشعر فى مغالاة متعصِّبة ومغالطة مزيِّفة؛ إذ لا يمكن بتر تاريخ الشعر الذى يمثِّل فيه الشعر الموزون رافدًا جماليًّا ونوعًا إبداعيًّا أصيلاً.
غير أنَّ ثمة موقفًا جسورًا لفضل فى إنصاف اللغة العامية وآدابها فى كتابه الأحدث، شعر العامية: من السوق إلى المتحف، كسرًا لتواطؤات الاستعلاء النقدى الأكاديمى ضد الآداب العامية، فى مجافاة لفنون لها حضورها الواسع وتقديرها الجماهيرى، ويواجه سلفية المحافظين من علماء اللغة، فيقول فضل: “لهجات العامية كما هو معروف ذات مستويات متعددة، يتزوَّد المستوى الأعلى فيها بكلمات وصيغ وأساليب وطرائق ومجازات من اللغة الفصحى باستمرار، وتقوم بدورها فى تطوير المستوى الفصيح وتقريبه من إيقاع الحياة.. هذه العلاقة الجدلية الحميمة بين اللهجات العامية والمستوى الفصيح لا بد أن نعترف بها، ونكف عن اعتبار اللهجات تهديدًا للفصحى ومظهرًا للانتكاس وشرًا لا بد التخلُّص منه. آن لنا أن نقيم سلامًا وصلحًا وتقاربًا بين لهجاتنا العامية ولغتنا الثقافية العليا.. وما تزخر به العاميّات من أشعار بليغة وسرديّات ممتعة وأمثال حكيمة ثروة لغوية لا ينبغى إهدارها ولا تجاهلها، فالأدب الشعبى مظهر عبقرية الشعوب ومكنز ذخيرتها الوجدانية، بل إنَّ بعض النماذج الرفيعة منها طالما غذَّت اللغة الفصحى وفنونها بأساليب القول وأنماط التعبير، سرديات «ألف ليلة وليلة» مثلاً باختلاطها وأشعارها وفصيحها والعامى فيها أهم كنز للخيال البشرى، ذلك الكنز الذى أفادت منه جميع اللغات الحية وصبَّت فيه عصارة الثقافات الشرقية والغربية ذخيرتها ومكنوزها».
يكشف موقف صلاح فضل المدافع عن الآداب باللهجات العامية عن وعى تقدمى ورحابة رؤيوى واستيعاب مرهف لقوانين الحياة قواعد الوجود وروح الفنون وجوهر الآداب الذى يتأسس على التمازج والتفاعل الحى بين أشكال وطرائق التعبير المختلفة والانصهار بين مستويات الأداء اللغوى فى فنون الآداب التى تستعمل اللغة، فى استيعاب واعٍ لحيوية اللغة وتطورها وقابليتها للتلاقح الخلاق بين مستويى اللغة الفصيح والعامي، فيدحض فضل حجج المتشددين من علماء اللغة الذين أصابت مواقفهم الراديكالية اللغة بالجمود فى محاولتهم المتعسفة لمحاربة العاميات وتهميش آدابها، تعاميًّا عن حقائق وجودها المترسِّخ فى وعى الجماهير وحياتها المتجددة فى وجداناتهم، فيسعى فضل لإقامة مصالحة بين ما يُعرف بالآداب العليا فى مقابل الاداب الشعبية التى يعدها بعض المتشددين آدابًا دنيا، كما يؤكِّد على إدراك فضل لحيوية اللغة وتطوُّرها وكذلك الأدب برفده من العاميات كتابات رفيعة المستوى.
الحريات الإبداعة والسياسية ووثائق الأزهر
لصلاح فضل دور كبير فى الخطاب المجتمعى الذى أسس إلى الدعوة إلى الحريات سواء السياسية أو الإبداعية، فقد شارك بدور فعال فى الجهود التى بذلتها مكتبة الأسكندرية فى القيام بحوار مجتمعى يضم النخب الفكرية والسياسية حول سبل الإصلاح السياسى، إذا شارك فضل فى عقد مؤتمر الإصلاح فى مارس 2004، وكان قد حرر المسودة الأولى لوثيقة الإسكندرية للإصلاح، أما الدور الأكبر لصلاح فضل فكان بعد الخامس والعشرين من يناير فى المشاركة فى تحرير الدستور فى 2012 و2014، والمشاركة فى حوار «الأزهر» حول حريات الإبداع وهوية الدولة بعد يناير 2011.
شارك صلاح فضل فى وضع وصياغة وثائق الأزهر حول الحريات ومنها «حرية الإبداع» التى كان نصها الذى صاغه فضل بعد حوارات دارات بين عدد من المثقفين وعلماء الأزهر:
يتمثل الإبداع الأدبى فى إنشاء الأجناس الأدبية المختلفة من شعر غنائى ودرامى وسرد قصصى وروائى ومسرح وسير ذاتية وفنون تشكيلية بصرية من رسم ونحت وتصوير وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية وأشكال أخرى مستحدثة فى كل هذه الفروع والتقنيات الجديدة.
تستهدف الآداب والفنون فى جملتها تنمية الوعى بالواقع وتنشيط الخيال وترقية الإحساس الجمالى وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد هذا المجتمع أحيانًا والحلم بما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدى فى حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنمية الفكر وملكات الخيال وتلتقى فى جوهرها مع الأهداف العليا للأديان السماوية، وتعد من أبرز مظاهر الحضارة الإنسانية وأشدها قابلية للتبادل والخلود على مر الزمن.
ولقد تمايزت اللغة العربية بتراثها الأدبى وبلاغتها المشهودة، حتى جاء القرآن الكريم فى الذروة من البلاغة والإعجاز فزاد من جمالها وأبرز عبقريتها، وتغذت منه فنون الشعر والنثر والحكمة وانطلقت مواهب الشعراء والكُتَّاب من جميع الأعراق التى دانت بالإسلام ونطقت بالعربية تبدع فى كل الفنون بحرية على مر العصور، دون حرج بل إنَّ العلماء القائمين على الثقافة العربية والإسلامية من شيوخ وأئمة كانوا هم رواة الشعر والسرد بجميع أشكاله.
والقاعدة الأساسية التى تحكم حدود حرية الإبداع هى قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد فى الإبداع الأدبى والفنى من ناحية أخرى، مع الاسترشاد برأى الخبراء والنقاد والعارفين بهذه الفنون وعدم التعرُّض لها ما لم تمس المشاعر الدينية أو تؤذى القيم المجتمعية. ويظل الإبداع الأدبى والفنى من أهم مظاهر ازدهار منظومة الحريات الأساسية وأشدها فعالية فى تحريك وعى المجتمع وإثراء وجدانه، وكلما ارتفع سقف الحرية فيه كان ذلك دليلاً على تحضره، فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات وتعبيرٌ صادقٌ عن ثوابتهم ومتغيراتهم وصورة ناظرة لطموحاتهم فى مستقبل أفضل.
تشف إسهامات صلاح فضل فى صياغة وثائق الحريات عن دور آخر فاعل يضطلع به كمثقف يحمل رؤية هادفة إلى حماية الإبداع ومواجهة تعنت القوى الظلامية المعادية لحريات التعبير والفنون الجمالية نتيجة قصور الوعى بآليات التعبير الجمالى وطرائق الإنتاج الفنى، ما يؤكِّد على قيمة الإبداع فى الارتقاء الحضارى بالأمة والسمو الفكرى بالمجتمع، بنسف مزاعم المتطرفين بأنَّ ثمة تعارضًا بين الفنون والآداب من ناحية والدين والأخلاق من ناحية أخرى. فيتبدى الدور التنويرى الذى قام صلاح فضل فى محاولة التوفيق بين النظرة الدينية والرؤية الجمالية للفنون والإبداع.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة