سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الأخبار

المشـير طنطـاوى

الأخبار

الأحد، 13 ديسمبر 2020 - 08:48 م

 

سمير الجمل

وسوف يسأل الناس ويجيب التاريخ:
- من أين جاء المشير حسين طنطاوى بكل هذا الهدوء ومصر على سطح صفيح ساخن

المسافة الزمنية بين المزرعة والمعمعة ٣٨ عاما.. لكن المسافة الانسانية والشخصية تبدو كأنها فركة كعب لان الرجولة والوطنية والجدعنة سمات تجرى مجرى الدم عند أصحابها.
وقد قال الحكيم قديما:
المصباح كلما ارتفع زادت مساحة نوره والانسان إذا ارتفع بالخلق والتفكير والقدرات اتسع نطاق أثره وتأثيره فى كل من حوله.
البطل فى الحكاية واحد.. لكن القصة لها أكثر من زاوية.. ويمكنك أن تحكيها حسب ما تريد.. وستصل الى نفس النتيجة.. لأن المبادئ ثابتة وراسخة رغم اختلاف المواقف والأحداث.
وبما أننا كنا من أيام فى حضرة اكتوبر المجيد هذه واحدة من روايات البطولة ويرجع تاريخها إلى ليلة ١٥ اكتوبر ١٩٧٣.. عندما حاولت قوة إسرائيلية يقودها شارون بالعبور إلى الجانب الشرقى من القناة وتحديدا عند الدفرسوار وظنوا أنهم فى نزهة.. وأن المفاجأة سوف تصيب الجيش المصرى بالذهول والتخبط.. بعد أن كان فى أيام الحرب الاولى هو سيد الموقف بلا منازع. حتى قرر السادات بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة تطوير الهجوم لدعم الجيش السورى فى جبهته وتشتيت قوة العدو.. وهذا ما يعنى أن تخرج قواتنا من تحت مظلة الدفاع الجوى التى تغطى مساحة ١٤ كيلو مترا تقريبا.. ومنعت الطيران الاسرائىلى من هجماته أو الاقتراب من قواتنا..
وعند الدفراسور.. وبالقرب من المزرعة الصينية التى أقامتها وزارة الزراعة بالتعاون مع الجانب الصينى للتجارب شمال شرق الدفرسوار.. فشل شارون  وأرسلوا إليه بفرقة مدرعة إضافية هى «أدان لفتح ممر شمال البحيرات المرة..
صمود أبطال الفرقة ١٦ مشاة أذهل العدو الاسرائيلى بل وايضا مركز القيادة المصرى فكيف نجحت فى هذا التصدى الرهيب أمام قوة تتفوق عليها فى العدد والعتاد..
وفى سجل اكتوبر سيقرأ التاريخ بطولات فرقة عبدربه النبى التى أوقفت فرقة آدان عند حدها.. بسبب صلابة الدفاعات المصرية كما فشلت ايضا فرقة «ماجن» فى تحقيق نفس الهدف.. وبدأ شارون يعيد تفكيره ويغير خطته وقد قالت الوثائق بعد ذلك إن خسائر إسرائيل فى معركة الدفرسوار وحدها تساوى مجموع خسائرها فى حربى ١٩٥٦ و١٩٦٧.. رغم وجود جسر جوى أمريكى واكد المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية ان العنصر البشرى المصرى كان هو النقطة الفاصلة التى قهرت معدات العدو وترسانة اسلحته.. وكان المقدم حسين طنطاوى أحد أبطال المزرعة مع جنوده وقد حصل على نوط الشجاعة العسكرى بعد هذه المعركة.
إلى المعمعة
هو صاحب الرقم القياسى فى قيادة الجيش من خلال توليه منصب وزير الدفاع فى ٢٠ مايو ١٩٩٠.. وحتى اغسطس ٢٠١٢ وقد شاءت الاقدار أن يكون أحد أبطال المزرعة.. هو قائد سفينة الوطن كله أثناء المعمعة.. وأقصد بها تلك الفترة التى أعلن فيها حسنى مبارك تخليه عن السلطة.. وأن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية.. ورغم حالة الارتياح العامة التى سادت البلاد لإسناد الأمر إلى الجيش الذى أعلنها صريحة أنه يحترم إرادة الشعب حتى ان بعض الدبابات ظهرت فى ميدان التحرير مكتوب عليها «أرحل» فى رسالة لاتحتمل التأويل بأن الجيش مع الشعب ولن يخذله.. وقد حاولت بعض الاصوات المتفرنجة أو المتفذلكة أو المتأخونة إهانة رجال الجيش بلفظ «العسكر» والتشكيك فى أنهم سوف يتركون السلطة كما تعهدوا للرئيس المنتخب القادم بصرف النظر عن هويته واتجاهه. وقد أوفوا بالوعد غير منقوص لكن لحظات الهدوء التى سادت بعد ابتعاد مبارك سرعان ما تحولت إلى لهب حارق.. خاصة من جانب جماعات الإخوان و٦ إبريل والاشتراكيين الثوريين وشلل سياسية أخرى ربطت مصالحها بالخارج.
وسوف يسأل الناس ويجيب التاريخ:
- من أين جاء المشير حسين طنطاوى بكل هذا الهدوء ومصر على سطح صفيح ساخن.. فيها غليان الداخل لا يقل بحال عن عواصف الخارج.. والجيش عينه على حدود يحرسها.. وبلد يفور بمصالح متضاربة وفى كل لحظة هناك فتوى سياسية للمضى نحو سكة بعينها.. حتى تكتمل أركان المؤامرة التى تجدها حولك فى العراق واليمن وسوريا وليبيا والرجل النوبى ابن اليوم الأخير من أكتوبر ١٩٣٥.. يتحلى بروح المقاتل هو ومن معه.. لا ينفرد بقرار.. ولا يتشبث برأي.. لكنه يستمع إلى الجميع ويلتقى بالجميع.. ثم ينظر إلى مصر ويختار ما يمر بها من هذا الثقب الضيق الخانق.
رأىنا لأول مرة الرئيس السابق داخل المحكمة.. رافضا كل العروض العربية لكى يفر هاربا بعائلته وأمواله وذكرياته إلى الخارج لكنه بالكبرياء العسكرى أبى على نفسه لعنة الهروب.
ولوح البعض بفكرة مجلس رئاسى مدنى وأن يعود الجيش إلى ثكناته وشكراً.. ولكن النظرة البعيدة الحكيمة تقول: لن تقوم للبلد قائمة اذا ما تشابكت المصالح والاتجاهات بين يمين اخوانى سلفى رجعى.. ويسار يشكك دائما وأبدا فى الجيش بحجة المدنية.. وينسى هؤلاء أن صناع الدول الحديثة وأبرز قيادتها فى التاريخ العالمى جاءوا من خلفيات عسكرية تعرف معنى الضبط والربط.. وان تكون مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
من فبراير ٢٠١١ إلى اغسطس ٢٠١٢ تلك الأيام التى رأينا فيها هجمات الصبيان لكسر أنف وزارة الداخلية فى شارع محمد محمود إلى حريق المجمع العلمى من عصابات الشوارع.. إلى مظاهرات الخراب.. وسيناريوهات حرق الكنائس ونشر الفتن بين أهل مصر التى لا تقبل القسمة على اثنين.
 فهى عنوان الاعتدال والوسطية.. وامتد الهجوم إلى الأزهر الشريف والقضاء.. كما ذهبت قوافل الهدم والفوضى نحو وزارة الدفاع تريد النيل من كرامتها.. لكنها سرعان ما انسحبت جريا بعد أن أظهرت رجال الصاعقة العين الحمراء.
الأيدى تعبث من هنا وهناك.. والأيام تجرى.. والدوائر تضيق وفى كل لحظة يشعر حارس البلد طنطاوى أن ابتلاع الاهانات فى سبيل العبور بمصر إلى شاطىء الأمان.. أعظم شرف.
وتحمل الرجل ومجلسه وجيشه كله.. ما فوق الاحتمال وهو يقبض على الجمر.. وعندما همس إليه البعض اقلع بدلتك الميرى.. وانزل إلى انتخابات الرئاسة لكى تفوت الفرصة على الإخوان وغيرهم.
كان جوابه الصمت وبما معناه: إنها أمانة.. ويجب الفصل فيها تماما بين الخصم والحكم وسوف نسلمها لمن يختاره الشعب.. ولما جاءت الانتخابات بمن يتبع مرشد الإخوان.. نظر إليهم مبتسما: الصبر طيب وارجعوا إلى تاريخ الشعب المصرى الذى يمسك جيدا بسيف الاعتدال ويحمل رايته.. وستكون كلمته هى الفاصلة وعندما لعب مرسى لعبته العيالى.. وصور له خياله المريض أنه يستطيع أن يضرب أسوار الفتنة بين طنطاوي - بعد أن أبعده- وبين السيسى.. نسى هو ومرشده وإخوانه ان طنطاوى هو من اصطفاه وان المجلس العسكرى فيما يشبه الاجماع كانت أعينهم على اللواء مدير المخابرات لأن رجال البدلة الميرى بعضهم من بعض.. يربط بينهم فى مصر المحروسة دون غيرها من بلاد الدنيا ذلك الحبل السرى الوطنى.. لأن جيشهم شعبهم.. وشعبهم جيشهم.
حتى إذا بلغنا 30 يونيو تحقق رهان طنطاوى على الشعب.. وعلى الجيش معا..
- سيقول التاريخ يوما بأعلى الصوت هذا الرجل لعب دورا لا يقدر عليه إلا الأفذاذ الذين تربوا فى مصنع الاخلاص والرجولة والوفاء حبا فى مصرنا.
فإذا انتقلت الكاميرا إلى وجه المشير.. ستجده مبتسما فخورا ولسان حاله يقول:
- هذا ولدى الذى راهنت عليه لأجلكم.. والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله.. انه نعم المولى ونعم النصير.
ويقول الشعب وهو ينظر إلى السيسى وطنطاوى معا:
- ما أجمل هذا التاج الذى نضعه فوق كل رأس وداخل كل قلب مكتوب عليه: جيشكم كرامتكم وعزكم.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة