صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«الأخبار» تكشف الوجه القبيح للمصطلحات السياسية المغرضة

قاموس الدم.. الوجه القبيح للمصطلحات السياسية المغرضة

ياسمين سامي

الإثنين، 14 ديسمبر 2020 - 08:04 م

ساحات قتال، أو حلبات للصراع، هكذا تتحول بعض المدن والبلاد الكبيرة بتأثير من الكلمات، فهى أسلحة الحروب الحديثة فى هذا القرن الذى نعيش فيه حين صارت القوى الناعمة أكثر فتكًا بالأمم مقارنة بالأسلحة الثقيلة والقوى الخشنة، لم تعد شريطة الغزو أن تستخدم دبابات أو طائرات على أحدث طراز، بل أصبحت الحروف كالرصاص الذى يملأ به أعداء الوطن خزائن بنادقهم ليصيبوا بها عقولاً وقلوباً تنبض بحب الوطن لتخدعهم فى الحقائق وتزيف الرؤى..

هذا ما يدركه طيور الظلام وكل متربص بالوطن العربى وخاصة مصر، التى يسعى أعداؤها للنيل من وعى شعبها، من خلال نظرية دس السم فى العسل، واستخدام كلمات ومصطلحات تبدو فى ظاهرها تحمل خيرًا وتبنى وطنًا، لكن فى باطنها السوء والهدم والدمار، فالمصطلحات السياسية التى يتبناها الإعلام المعادي، لا تقال هباء بل تحمل مدلولا كبيرا تريد ترسيخه لتحقيق مكاسب وأطماع، وهذا ما حرصت "الأخبار" على رصده فى السطور التالية.

سر‭ ‬خرائط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير والفوضى‭ ‬الخلاقة

اللواء‭ ‬سمير‭ ‬فرج‭:‬‮«‬شرق‭ ‬المتوسط‮»‬‭ ‬مصطلح‭ ‬يحمل‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬خريطة‭ ‬لمواقع‭ ‬الغاز‭ ‬والبترول

إسلام‭ ‬الكتاتنى‭: ‬قيادات‭ ‬الجماعة‭ ‬يعرفون‭ ‬الحقيقة‭ ‬ويقولون‭ ‬عكسها

فى عام 2006، اختلقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" وذلك خلال حديث لها فى "تل أبيب"، حيث أعلنت عن خطتها لإعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد، وتم تقديم مشروع "الشرق الأوسط الجديد" علانية من قبل واشنطن وتل أبيب، مع توقع أن يكون لبنان نقطة الضغط لإعادة تنظيم الشرق الأوسط بأكمله.

لم تكن هذه المرة الأولى التى يتم فيها طرح هذا المصطلح لكن فى عام 1996 أصدر شيمون بيريز، الرئيس الإسرائيلى الأسبق، كتابًا بعنوان "الشرق الأوسط الجديد،، ونبعت أهميته من التطبيق العملى والذى أشار إلى أنه ليس مجرد كتاب يحمل بين ضفتيه أفكارا ومقترحات، وإنما خطة عمل يتم تطبيقها على مراحل ويستهدف تقسيم المنطقة العربية وإسقاط أنظمتها كما حدث فيما يطلق عليه بـ "الربيع العربي" بداية من 2011 ولازالت المنطقة العربية تعانى منه حتى هذه اللحظة.

ونقلت وسائل الإعلام العربية والإقليمية هذا المصطلح عن الوسائل العالمية وكذلك بعد تكراره فى الخطابات السياسية الصادرة عن المسئولين والمؤسسات العالمية التى ظلت تؤكد عليه حتى أصبح شائعًا.

يذكر أن الشرق الأوسط له أكثر من تعريف تعتمده هيئات ومؤسسات عالمية، ومن أبرزهم تعريفه بأنه تقسيم سياسى يشمل الجزيرة العربية بما فيها الشام إضافةً إلى العراق مصر وإيران وتركيا، وتطل منطقة الشرق الأوسط على البحر الأحمر والخليج العربى والبحر الأبيض المتوسط وبحر العرب، ويُقال إن أول من أطلق اسم "الشرق الأوسط" كان ضابط البحرية الأمريكى ألفرد ماهان فى بواكير القرن الماضي. هذا الاسم الذى نظّر فيه أخيراً الكثيرون من السياسيين والباحثين الذى حاولوا صياغة رؤية جديدة لخارطته التى تشكلت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى (سايكس ـ بيكو).

الفوضى الخلاقة 

لإنشاء شرق أوسط جديد والذى روجت له وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، كان لابد من الترويج لمصطلح ∩الفوضى الخلاقة∪ والذى أشارت له فى أكثر من خطاب سواء فى إسرائيل أو بيروت أو حتى أثناء خطاباتها فى البيت الأبيض ذاته، وأصبح معتادًا منها على تكرار هذا المصطلح وبالتأكيد مقترنًا بمصطلح الشرق الأوسط الجديد، والذى ظهر فى البداية بأنه يحمل قيما سامية ويدعو إلى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن اتضح فيما بعد أن كل ذلك ماهو إلا قناع يخفى وراءه الوجه القبيح للسياسة الأمريكية القديمة التى هدفت إلى تدمير الوعى العربى وإسقاط الحكومات وتدمير الشرق الأوسط بأكمله.

وهذه "الفوضى الخلاقة"، تولد من خلال استخدام ظروف العنف والحرب فى جميع أنحاء المنطقة، بحيث يتم إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وفقًا لاحتياجاتها وأهدافها الجغرافية الاستراتيجية، وذلك من خلال خلق قوس من عدم الاستقرار والفوضى والعنف الممتد من لبنان وفلسطين وسوريا إلى العراق والخليج الفارسى وإيران وحدود أفغانستان، وهو ما حدث بالفعل منذ عام 2011.

الخريطة الجديدة

"الحدود الدوليّة لا تكون أبدًا عادلة بشكلٍ كاملٍ. وتختلف درجة الظلم التى توقعها هذه الحدود على الجماعات البشريّة التى يُفرَض عليها الانفصال أو الاندماج بموجبها، بنفس درجات الاختلاف بين الحرّيّة والقهر، وحكم القانون والإرهاب، والحرب والسلام".

هذا جزء من نص المقال الذى تم نشره فى يوليو 2006، فى المجلة العسكرية الأمريكية "آرمد فورسز جورنال" ويحمل خارطة جديدة للشرق الأوسط وضعها الجنرال الأمريكى المتقاعد رالف بيترز تصف وضع الشرق الأوسط بشكل أفضل −على حد وصفه− وذلك فى مقالة عنونها "حدود الدم" وفى هذه المقالة والخارطة المرفقة معها قسم فيها بيترز الشرق الأوسط على أسس عرقية ودينية وطائفية.

وقد برر الجنرال الأمريكى لهذا التقسيم بأن هناك أقليات مضطهدة ومظلومة وأن منطقة الشرق الأوسط تستحق وضعاً أفضل مما هى فيه وأن تقسيم سايكس بيكو قد ظلم شعوب هذه المنطقة، وأن التقسيم الأفضل لها يجب أن يكون على أسس عرقية وإثنية وطائفية وأن الصراعات الطائفية والتصفيات العرقية الحاصلة فى بعض البلدان لن تنتهى إلا إذا تم إعادة تقسيم المنطقة على هذه الأسس.

ويقول بيترز إن هذا التقسيم لن يحدث إلا بعد أن تسفك دماء مئات الآلاف من أبناء المنطقة، وأن لا محالة من إراقة هذه الدماء وجاء نصًا فى مقاله: إذا لم يتمّ تعديل الحدود فى الشرق الأوسط الكبير لتعكس روابط الدم والروابط الدينيّة الطبيعيّة، فإنّ بحار الدماء فى المنطقة ستستمرّ، بما فيها دماؤنا نحن∪.

وأضاف بيترز "ربّما يكون تعديل الحدود بشكلٍ يعكس رغبات الناس مستحيلًا الآن، لكن مع الوقت، وبحار الدماء المتأهِّبة التى لا يمكن منعها، ستُظهر حدودًا جديدة وطبيعيّة"، وهذا ما حدث بالفعل منذ 2011 حيث ظهرت المطالبات بالتقسيم فى بعض الدول وانقسم بالفعل السودان إلى شمال وجنوب وتتجه بعض الدول إلى الانقسام هى الأخرى بحثًا عن حلول للصراعات الدموية القائمة فيها، بالإضافة إلى ما حدث فى سوريا من دمار وحروب أودت بأهلها وكذلك بالعراق واليمن، ومحاولات داعش المستمرة فى نشر الذعر والخوف وتشويه الدين، وكذلك تمكن الإخوان فى مصر ولكنها فى 30 يونيو تمكنت من الخلاص من حكمهم، وأيضًا تونس التى ثارت ضد جماعة الإخوان الإرهابية، وبالتأكيد لا يمكن إغفال ما حدث فى ليبيا والمطامع فى ثرواتها،

كانت خريطة "الشرق الأوسط الجديد" عنصرًا رئيسيًا تم ذكره فى كتابات رالف بيترز سواء فى المجلات أو فى عدد من المؤلفات الشهيرة، وقد نُشرت الخريطة الخاصة بالشرق الأوسط الذى تم إعادة رسمه بين طيات كتابه الذى حمل إسم حدود الدم، ويناقش فيه كيف سيبدو الشرق الأوسط أفضل ولكن بعد إعادة تقسيم حدوده وتغيير روابطه على أساس دينى وعرقى وطائفى وغيرها من التقسيمات.

ونشر مركز جلوبال ريسيرش البحثي− خريطة لـ∪الشرق الأوسط الجديد∪، مستندة إلى العديد من الخرائط الأخرى، بما فى ذلك الخرائط القديمة للحدود المحتملة فى الشرق الأوسط، والتى تعود إلى عهد الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون والحرب العالمية الأولى، وقد عُرضت هذه الخريطة على أنها من بنات أفكار الكولونيل المتقاعد بالجيش الأمريكى رالف بيترز، الذى يعتقد أن الحدود المعاد تصميمها الواردة فى الخريطة ستحل بشكل أساسى مشكلات الشرق الأوسط المعاصر وتقضى على التطرف والإرهاب من وجهة نظره.

وأشارت تقارير صادرة عن مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، وهى إحدى المؤسسات الأمريكية البحثية ومقرها واشنطن، إلى أن الخطوة الأولى نحو صوغ سياسة جديدة فى فهم حقائق الشرق الأوسط الجديد، كانت تكمن فى ملاحظة مجموعات، أو ساحات الدول الثلاث المؤلفة من الساحة العراقية − الإيرانية، والساحة اللبنانية − السورية، والساحة الفلسطينية − الإسرائيلية، ومعها قضايا ثلاث حساسة ومتداخلة تتمثل بالانتشار النووى، المذهبية، وتحدى الإصلاح السياسي. وهذه الساحات والقضايا تحدد مجتمعة معالم الشرق الأوسط الجديد.

تقول د. نهى بكر، أستاذ العلوم السياسة بالجامعة الأمريكية، أن مصطلح الشرق الأوسط الكبير ظهر من أحد مراكز الفكر فى أمريكا وتبنته السياسة الأمريكية وقت الرئيس الأسبق باراك أوباما، وكانت له أغراض محددة وواضحة ظهرت لاحقًا، سواء فى ضم إيران وتركيا للصورة وكذلك فيما حدث فى الدول العربية بما يسمى ثورات الربيع العربي− ومازالت بعض الدول متأثرة بتلك الثورات حتى الوقت الحالي.

وأضافت أستاذة العلوم السياسية، أن مصطلح الشرق الأوسط الكبير يختلف عن شرق المتوسط والذى يعد مصطلحًا جغرافيًا فى الأساس لكنه يرمز لمناطق الغاز والبترول والتى أبرمت تركيا اتفاقية − غير قانونية− مع ليبيا، رغبة منها فى وضع يدها على الثروات المتواجدة فى المنطقة العربية تحديدًا منطقة شرق المتوسط، حيث ترغب تركيا بأى شكل وبأى ثمن فى السيطرة والهيمنة داخل منطقة شرق المتوسط، وهذا يعتبر سبب كبير فى مهاجمتها لمصر بسبب حقل غاز ظُهر وتحاول كسب العلاقات مع اليونان وقبرص والتى يشملهم نفس المصطلح.

بحيرة غاز

بالتأكيد تغيير أحرف صغيرة وتبديلها يحمل مغزى سياسيا كبيرا ولا يحدث ذلك هباء، فهى لعبة الأحرف وحرب الكلمات التى يستخدمها السياسيون فى العالم للترويج والتمهيد لتنفيذ مخططاتهم، فمصطلح شرق المتوسط يختلف كثيرًا فى مضمونه وأهداف ترويجه واستخدامه أيضًا فى وسائل الإعلام عن مصطلح الشرق الأوسط وكذلك الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، فشرق المتوسط يحمل أطماعًا مختلفة تستهدف ثروات بعض المناطق العربية على وجه التحديد.

فى بداية عام 2016، ظهر مصطلح شرق المتوسط، كمصطلح جيوسياسي، لأول مرة، فى التقرير الاستراتيجى السنوى، السرى للغاية، الذى عرض على الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، بشأن رؤية الولايات المتحدة عن الأوضاع فى مختلف مناطق العالم. وقد أكد ذلك التقرير، أن منطقة "شرق المتوسط"، تطفو فوق بحيرة من الغاز الطبيعى والبترول، محدداً أن المقصود بتلك المنطقة، كل من ليبيا ومصر، وفلسطين، وإسرائيل، ولبنان، وسوريا، وقبرص، واليونان.

يقول اللواء أركان حرب سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق والخبير الاستراتيجي، أنه اطلع بنفسه وقتها على هذا التقرير السرى الذى تم عرضه على الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى كشف أن مصر ستكتفى ذاتياً من الغاز الطبيعي، بحلول 2018، وستبدأ فى تصدير فائض إنتاجها فى 2020، وهو ما شهدناه بالفعل خلال الأعوام الماضية.

وأشار إلى أن التقرير أوضح أن وضع مصر الاقتصادى سيتحسن بصورة ملحوظة، وستحقق مصر معدلات نمو مرتفعة اعتباراً من عام 2022، بسبب اكتشافات الغاز الطبيعي، أمام سواحلها على البحر الأبيض المتوسط، مرجعاً الفضل فى ذلك، إلى قيام الرئيس السيسى بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ومع قبرص واليونان فى خطوة استباقية أتاحت للدولة لاحقاً حرية التعاقد مع الشركات الأجنبية للبدء فى أعمال الحفر والتنقيب.

وأوضح اللواء سمير فرج، أن مصطلح شرق المتوسط ما هو إلا خريطة للأطماع التركية فى الغاز والبترول المتواجد فى دول بعينها وهى تطلق على ليبيا ومصر، وفلسطين، وإسرائيل، ولبنان، وسوريا، وقبرص، واليونان، وهى المنطقة التى يوجد بها كم كبير من الثروات التى تطمع فيها تركيا.

وأكد أنه فى ظل المطامع المحيطة فى المنطقة خاصة من تركيا − التى أبرمت اتفاقية غير قانونية لترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، للاستيلاء على ثروات ليبيا −، لم تغفل الإدارة السياسية فى مصر عن تأمين الاتجاه الاستراتيجى الجنوبي، وذلك من خلال تكوين الأسطول البحرى الجنوبي، بهدف تأمين المجرى الملاحى فى البحر الأحمر، خاصة بعد سقوط اليمن فى أيدى الحوثيين، المدعومين من النظام الإيراني، وسيطرتهم على مضيق باب المندب، الذى يعتبر البوابة الجنوبية لقناة السويس.

وأشار إلى أن القرارات التى اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ 2015، كانت تهدف لدعم القوات المسلحة ورفع كفاءتها، والتى تبين لاحقاً أنها لتأمين المصالح الاقتصادية المصرية، خاصة فى منطقة شرق المتوسط؛ فتم دعم القوات الجوية بطائرات الرافال الفرنسية المقاتلة، إضافة إلى حاملات المروحيات، وتم دعم الأسطول البحرى بأربع غواصات، ألمانية الصنع، من أحدث الطرازات الموجودة بالترسانات العسكرية، وصلت الثالثة منهم، إلى ميناء الإسكندرية، تمهيداً لتأسيس الأسطول البحرى الشمالي، المعنى بتأمين الاستثمارات البترولية، فى شرق المتوسط، وحمايتها من الأطماع المحيطة بها.

مصطلحات مغرضة

"مقاتلون، مسلحون، إرهابيون، إسلاميون، وجهاديون.. مقتل ومصرع واستشهاد∪، وهناك من الكلمات فى اللغة العربية ما لا تعد ولا تحصى لوصف من قام بالقتل ووصف المقتول فى حادث ما، وتستخدمه القنوات ووسائل الإعلام بحسب سياساتها ورؤيتها وتوجه الدولة التى تتبعها، فاللعب بالألفاظ والكلمات هو أكبر سلاح قد تمتلكه دولة، وهو قوة ناعمة يتم بها السيطرة على الفكر وتوجيه الرأى العام، وهناك بالطبع فارق كبير بين إرهابى وإسلامى كمصطلح يتم استخدامه، وكذلك الفارق يتسع بين مقاتل وجهادى، لكن يبقى من قتل الأبرياء وروعهم إرهابيا، ويبقى المدافع عن أرضه ووطنه شهيدا.

وهذا ما يعلق عليه د. حسن عماد مكاوى، عميد كلية إعلام القاهرة الأسبق، أنه لا يوجد إعلام محايد فى أى مكان فى العالم، وأن كل دولة تستخدم المصطلحات المُعبرة عن سياستها وحسب المصلحة الموجهة والقائمة عليها، كما تهدف للتأثير على الجمهور المستهدف وإقناعه، حيث تتنافس كل جهة فى اتباع السُبل الأكثر إقناعًا لضمان أكبر قاعدة من الجمهور وكذلك فى ابتكار مصطلحات سياسية تخدم مصالحها.

وأضاف أن هذا ما تتبعه الدول المعادية لمصر أو الطامعة فى الوطن العربى باستخدام مصطلحات مغرضة، معللًا ذلك بأنها محاولات مستمرة لتوظيف الكلمات المسمومة لدسها وسط الكلام المعسول فى ظاهره والذى يحمل فى باطنه نوايا أخرى، ويمر بشكل عابر وبحسن نية على المواطن البسيط، وتحيل عقله لتربة خصبة تمهيدًا لإنبات أفكار شيطانية تهدف لخدمة مصالح تلك الدول المعادية والتشكيك فى المؤسسات الوطنية الهامة مثل ما تفعله قنوات الإخوان التركية والقطرية، وفشلوا فيه بسبب وعى المصريين.

وضرب مكاوى المثل باستخدام القوات المعادية التى تستخدم مصطلح ( إرهابي) على كل من يهاجم أى فرد من دولتها أو جماعتها حتى ولو كان هو من بدأ بالاعتداء، وكذلك تصف من يسقط من جماعاتهم بالشهيد.

ويتابع مكاوى أنه حتى الإرهابيون يطلقون كلمة جهادى وهى الكلمة التى تستخدمها − مع الأسف− قنوات إعلامية ومؤسسات عالمية كبرى، على من يقوم بعمل إرهابى وهو الأمر الذى نختلف معه، لذا لا يوجد مصطلحات ثابتة مستخدمة وإنما هى دائمأً مرتبطة بالسياسات الدولية والجماعات المختلفة، وكل على حسب عقيدته وقناعاته.

العزف على أوتار العاطفة

لا توجد كلمات يتم استخدامها سواء فى الدعاية السياسية أو الترويج لفكر محدد بمحض الصدفة، لكنها تتم بشكل مقصود ولأهداف تحقق مصالح أو مطامع، حتى الأسماء والألقاب السياسية يتم اللعب بها لتعطى انطباعا وصورة ذهنية سبق رسمها لدى الجمهور، ولعل أكبر مثال على ذلك استخدام أسلوب ∩الكنية∪ فى تسمية أعضاء تنظيمات إرهابية مثل داعش أو جماعة الإخوان الإرهابية، وذلك من الأمور التى يعد لها مغزى هام سياسى يجعل أعضاء الجماعات الإرهابية تستخدم هذا الأسلوب.

وهذا ما يوضحه د. جمال فرويز، أستاذ علم النفس السياسي، عن تأثير هذه الأسماء فى نفس المتلقي، حيث تستخدم الجماعات الإرهابية دائمًا كلمات رنانة وتحمل طابعا دينيا مثل الجهاد أو الاستشهاد فى سبيل الله، وينادون بعضهم البعض بـ ∩أبو فلان∪ وابن فلان∪. فيستغل ويستعطف قلوب المتدينين، أو يلقى فى قلوبهم الشعور بالهيبة اتجاه أعضاء جماعتهم الإرهابية لاستشعارهم بأسماء الصحابة والأولياء المذكورين فى السنة النبوية والمحببين لقلوب المسلمين، على الرغم من أن ما تفعله تلك الجماعات لا علاقة له بالصحابة أو الجهاد أو الدين، لكنهم يختبئون فى رداء الإسلام وما هم منه فى شئ.

وأوضح فرويز أن الإعلام المعادى عادةً ما يستغل الجانب العاطفى عند الجمهور، كالشعب المصرى بطابعه فهو يميل للعاطفة والمشاعر لذلك يعرف الإعلام المعادى ثغرة كل شعب ويتناولها جيدًا حتى يتمكن من أن يغلغل أفكاره إلى عقول الجمهور المستهدف وإقناعه من خلال بعض استخدام بعض المصطلحات التى تعبر عن اتجاهات الدولة وإعلامها الموجهة، وهذا ما فشل فيه الإعلام الإخوانى والمعادى بشكل عام بسبب وعى المصريين الذى أفشل جميع مخططاتهم.

ويضيف أستاذ علم النفس السياسى أن الشعب المصرى يتأثر بالدين وهو الوتر العاطفى الذى استغلته الإخوان الإرهابية فى البداية مرتدية عباءة الدين لتؤثر فى شريحة كبيرة، ولكنه أيضًا فشل فى الاستمرار فى التمثيل فيه وخداعه وسرعان ما ثار ضده وأطاح به ومنعه من استكمال مخططه فى هدم مصر.

وأوضح أن الغرض من المصطلحات التى يوجهها الإعلام المعادى هو إحداث الفتنة بين أفراد الشعب، مختبئاً فى زى المسلمين، فينطق بمصطلحات مثل استشهادى، الجهاد فى سبيل الله، وكذلك تستخدم القنوات الإرهابية كلمة (الطواغيت) و(المستنصرين) ليصدروا إلى الشعوب التى تجهل الدين الإسلامى الصحيح مصطلحات تعبر عن سياستهم ووجهة نظرهم، معبرًا عن أسفه فى أنه لا أحد يتحرى تلك المصطلحات وسلبية توجيهها لمختلف المجتمعات.

يقول عالم اللغويات (آلان ميتكالف) فى كتابه "التنبؤ بألفاظ جديدة" أن هناك عدة عوامل لا بد منها لظهور أى مصطلح سياسى واستمراره فى لغة ما، وهي: التكرار المستمر للمُصطلح، والقبول بمعنى أن يكون المصطلح متداولا يسهل حفظه، وأن يتوافر عامل التنوع فيتوافر فيه قابلية استخدامه من قبل فئات عديدة من الناس وبه إمكانية اشتقاق أشكال ومعان جديدة: فعلى المصطلح أن يكون مرنًا، مع تنوع طرق استخدامه، وكذلك توافر عامل الثبات إذ ينبغى أن تكون دلالةُ المصطلح ثابتةً تدوم طويلا.

اسم على غير مسمى

المصطلحات السياسية التى تستخدمها الجماعات الإرهابية والتى تخلطها بالدين لتؤثر فى نفوس العامة وتحاول استقطابها لأفكارهم المتطرفة، تختلف عما يدور فى الكواليس وخلف الستار بين أعضاء تلك الجماعات خاصة القيادات منهم، فلا يصرح أئمتهم لشبابهم بالحقائق وإنما يصرحون بما يخدم مصالحهم ويجعلهم يتبعون نظام السمع والطاعة بشكل آلى دون تفكير، لذلك فإن التلاعب بالألفاظ والمصلحات التى تبث الحماس فى نفوس أفرادهم قبل العمليات الإرهابية خاصة الانتحارية، تحمل كلمات ومبادئ مختلفة تماما عما يتحدثون به فى أبواق الإرهاب الإخوانية فى القنوات التركية والقطرية، ومنها أيضًا توظيف الأحاديث والآيات القرآنية فى غير مواضعها بما يخدم أهدافهم، بل وتفسير كلام الله على أهوائهم.

هذا ما قاله إسلام الكتاتني، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان الإرهابية، بأنه لا يوجد أى مصطلح سياسى تستخدمه القنوات الإعلامية الإخوانية يتم بثه دون هدف أو سبب، فهم دائمًا ما يتعمدون التشكيك فى مؤسسات الدولة المصرية والعربية خاصة الوطنية منها، ويحاولون من خلالها زرع تلك الأفكار خاصة فى شباب الإخوان وتحريضهم عليها، حتى وإن كانت القيادات تعلم أن الحقيقة عكس ما يقولون لكنهم ينتهجون مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، ويستشهدون ببعض الآيات القرآنية التى نزلت فى مواقف معينة ويقومون بتعميمها وخداع الناس بمعانيها والتبرير لتطرف أفكارهم وأغراضهم السياسية الطامعة فى الحكم خاصة فى مصر وعامة فى الدول العربية.

وأوضح عضو الجماعة المنشق أنه يوجد مصطلحات لا غنى عنها فى إعلامهم الذى يخرج عن إطار المهنية وأسس أى منهج للإعلام، وعلى رأسها وصف جماعة الإخوان بـ "الإسلامية" على الرغم من أنها جماعة سياسية وليست دينية وشوهت ثوب الدين الذى ارتدته، وكذلك تصدير شعارات كاذبة مثل الحرية والعدالة، على الرغم أن العام الذى استطاعت فيه الوصول للحكم لم يتحقق من تلك الشعارات شئ.

وأوضح الكتاتنى أنهم حاولوا أيضًا تصدير مصطلح للإعلام العالمى له أغراض معادية لسيناء وهو وصفها بـ الولاية" لدرجة تأسيس تنظيم "ولاية سيناء" ليتم تداوله خارج وداخل مصر، إلا أن قوة الجيش المصرى قضت على هذا المصطلح وعلى معظم التواجد الإرهابى فى سيناء، كما تصدت الإرادة المصرية أيضًا لمصطلح "الشرعية" الذى ظل محمد مرسى المعزول عن حكم مصر يردده فى جميع خطاباته وحتى عزله وسجنه، ومازالت القنوات الإخوانية تركز على قول "الرئيس المصرى المنتخب والشرعي" وأنكروا الملايين التى نزلت إلى الشوارع والميادين فى 30 يونيو اعتراضًا على حكمه ورغبة فى عزله ومحاكمة جماعته ومخططاتهم فى الانتقام تحت شعار "القصاص" من كل من لا ينتمى إليهم.

سر إيميلات هيلارى

ما يؤكد أن كل ما حدث فى منطقة الشرق الأوسط منذ 2011 وحتى الآن وما سيحدث فى الفترة المقبلة لم يكن غير مرتب أيضًا، رفع السرية عن جميع الإيميلات التى أرسلتها هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية خلال فترة السنوات الأربع (2009−2013)، التى قضتها المرشحة الرئاسية السابقة إلى جوار الرئيس أوباما الديمقراطى كوزيرة خارجيته فى دورته الأولى، والتى كشفت أمام العالم خطة التقسيم والتى استخدم فيها السياسيون والإعلام العالمى مصطلحات غرست فكر الثورة والحماس فى نفوس الشباب لكن حملت فى طياتها الخراب والدمار.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة