بوريس جونسون
بوريس جونسون


جونسون و«المفوضية» يرجحان خروجا بدون اتفاق

بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. طلاق بـ«مواقف رمادية»

محمد عبدالفتاح

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020 - 05:01 م

- المتاجر الكبرى تنصح الإنجليز بتخزين المواد الغذائية

" سيد جونسون، هل تعتقد أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق؟"
- بدون اتفاق؟! بالطبع لا هناك احتمال 1 في المليون أن يحدث ذلك"..
كان ذلك السؤال من أحد الصحفيين لرئيس الوزراء بوريس جونسون في التاسع عشر من يونيو 2019، ولم يكن الرجل وقتها سوى مرشحا لرئاسة وزراء المملكة المتحدة، التي خرجت  من قطار أوروبا الموحدة في ديسمبر 2019، بعد التصديق على الاتفاقات كافة بين لندن وبروكسل، ولم يعد سوى الخروج الفعلي في 31 ديسمبر الجاري مع غموض يحيط بطبيعة العلاقة المستقبلية بين الجانبين، علماً بأن آخر كلمات جونسون للصحفيين أمام مقر الحكم في 10 داونينج ستريت يوم الجمعة الماضي، وقبل أن يطير إلى مقر الاتحاد في العاصمة البلجيكية بروكسل للاجتماع بقادة 27 دولة لإنهاء الترتيبات النهائية للطلاق:"  من الممكن جدا ألا تتمكن بريطانيا من التوصل لاتفاق تجارة حر مرضي مع الاتحاد.. من المرجح جدا الخروج بدون اتفاق على البريطانيين أفرادا وشركات الاستعداد لذلك جيدا".

شاهد ايضا : بروكسل ولندن تتفقان على بذل المزيد من الجهد لاستمرار مفاوضات «بريكست»

المباحثات التجارية التي جرت يوم الأحد الماضي والتي وصفت بأنها "يوم الحسم" تأجلت لحين التوصل لصيغة مشتركة، ومن المتوقع أن بعد هذا الإعلان أن تجري المبادلات بين جانبى بحر المانش وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية, اى بموجب رسوم جمركية وأنظمة حصص.  وخلال زيارة إلى شمال انجلترا صرح جونسون أنه "من المحتمل جدا" أن تفشل المفاوضات التى لا تزال مستمرة.

وكشفت صحيفة صنداى تايمز أن وزراء بريطانيين نصحوا المتاجر الكبرى بتخزين المواد الغذائية وسط تزايد مؤشرات الخروج بدون اتفاق ومخاوف من حدوث نقص فى الإمدادات. وذكرت الصحيفة أنه من المقرر أن يتولى جونسون عملية التخطيط إذا اختارت بريطانيا الخروج دون اتفاق وأنه سيرأس لجنة خاصة للاستعداد لهذا الأمر. وأضاف التقرير أن الوزراء طلبوا من شركات توريد الأدوية والأجهزة الطبية واللقاحات تخزين ما يعادل استهلاك ستة أسابيع فى مواقع آمنة فى بريطانيا.

وفى نفس السياق, ذكرت صحيفة صنداى تليجراف أن وزراء الحكومة يخططون لحزمة إنقاذ "بمليارات الجنيهات" للصناعات الأكثر تضررا من البريكست بدون اتفاق. وقالت الصحيفة إن المقترحات تشمل صفقات لمزارعى الأغنام والصيادين وشركات تصنيع السيارات وتوريد الكيماويات الذين ستتعطل تجارتهم أو ستفرض عليهم تعريفات جمركية من الاتحاد الأوروبى بعد الأول من يناير المقبل.

ومن المتوقع أن تشمل الحزمة ما بين 8 مليارات و10 مليارات جنيه. وعلى الرغم من التوقعات القاتمة للاقتصاديين, يقول رئيس حكومة المحافظين إن هذا الحل سيكون "رائعا بالنسبة للمملكة المتحدة ويمكننا أن نفعل ما نريده بالضبط اعتبارا من الأول من يناير". وأضاف "ما زلنا نأمل", موضحا أنه ينتظر "اقتراحا كبيرا" محتملا أو "تغييرا كبيرا" من جانب الاتحاد الأوروبي.

وتتعلق الخلافات بثلاث نقاط رئيسية هى صيد السمك, وتسوية الخلافات فى الاتفاقية المستقبلية, والضمانات التى يطالب بها الاتحاد الأوروبى لندن حول المنافسة. وحول النقطة الأخيرة وهى الأصعب, يريد الأوروبيون التأكد من أن التقارب مع المملكة المتحدة فى المعايير الاجتماعية والبيئية والمالية العامة ومعايير المساعدة العامة, لتجنب أى منافسة تجارية غير عادلة.

بروتوكول آيرلندا

ولكن هل يجب أخذ ما يقوله جونسون على محمل الجد؟
منتقدوه في حزب العمال المعارضون لخروج بريطانيا من الاتحاد تلك المسألة التي تُعرف اختصارا باسم "بريكسيت"، يسخرون منه دوما باعتباره "رجل المواقف الرمادية"، وأن ما يقوله دوما يرتبط فقط بإطار زمني محدد، مما يجعله يغير مواقفه لاحقا، فهو الذي وعد الآيرلنديين الشماليين في نهاية 2019، بأنه لن يكون هناك "تفتيش جمركي" في بحر آيرلندا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى العكس من ذلك قام جونسون بتوقيع اتفاقية تنهي "بروتوكول آيرلندا الشمالية"، مما سيفرض ضوابط على تنقل الأفراد والبضائع.

شاهد ايضا : صور..البريطانيون يحتفلون بجواز سفرهم الأزرق 

 بعد 9 أشهر من المفاوضات المكثفة لم يستطع الجانبان التوصل لشروط تمكن الصيادين الأوربيين من الصيد في المياه البريطانية (موضوع اقتصادي هامشي ولكن له دلالة رمزية قوية)، وكذلك لم يتم التوصل لاتفاق لمنافسة عادلة بين اقتصاداتهم. وفضلا عن ذلك فإن مجموعة الدول السبع والعشرين تشرط الوصول لأسواقها الضخمة دون رسوم جمركية بأن تتوائم لندن مع معاييرها البيئية والاجتماعية.

يوم الأربعاء التاسع من ديسمبر الجاري، غادر بوريس جونسون بروكسل دون أن يتمكن من إقناع رئيسة المفوضوية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، باتفاق للمنافسة التجارية، ويوم الجمعة الحادي عشر من الشهر نفسه، قالت فون دير لاين إن احتمالية الخروج بدون اتفاق أكبر بكثير من أي اتفاق.

جونسون يقلل على الدوام من تبعات "الخروج بدون اتفاق"، بل هو يتحدث دوما عن اتفاق "على النمط الأسترالي"، وهو يقصد بذلك القواعد التجارية التي تتعامل بها كانبرا التي لم توقع على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية WTO، كما أنها لم توقع اتفاق تجاري مع التكتل الأوروبي نفسه، كما يعد جونسون مواطنيه بأن البلاد ستطور بقوة حتى بدون اتفاق تجاري مع بروكسل، ويقول أيضا، وربما هو محق في ذلك، إنه "باتفاق أو بدون اتفاق فإن أشياء كثير ستتغير بحلول الأول من يناير 2021"، ويتابع: "ستتم استعادة السيطرة على الحدود مع الاتحاد الأوروبي، وسيتم وضع نظام للهجرة قائم على النقاط، بما في ذلك الأوربيين".

غير أنه من المؤكد أن الخروج "بدون اتفاق" سيكون له تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة، بما أن التكتل الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للبريطانيين، حيث سيتم بشكل تلقائي فرض رسوم جمركية تتراوح ما بين 30 و 40% على المنتجات الزراعية و10% على قطع غيار السيارت، مما سيسبب كارثة لهذا القطاع، وخلال هذا الأسبوع حذر جون آلان، مدير سلسلة محلات تيسكو للمواد الغذئية، من أن أسعار السلع الأساسية سترتفع بنسبة لن تقل عن 5% حيث أن البريطانيين ينتجون 57% من احتياجاتهم من الخضروات و16% فقط من الفواكه التي يأكلونها.

وفقا لمكتب "مسؤولية الميزانية"، وهي وكالة عاملة مستقلة،  فإن عدم وجود صفقة قد يكلف البلاد نقطتين خصما من النمو، علماً بأن لندن من أكثر الاقتصاديات الأوروبية التي تضررت من وباء كورونا ووفقا لمنظمة التعاون والتنمية فإنه من المتوقع أن ينخفظ نمو الاقتصاد البريطاني في مع انتهاء 2020 بنسبة 11,2%. هذا فضلا عن العواقب السياسية للخروج "بدون اتفاق"، حيث من المتوقع أن يعطي ذلك أجنحة لـ كير ستارمر، زعيم حزب العمال المعارض، الذي يركز انتقاداته لبوريس جونسون على مسألة "افتقاده للكفاءة"، وأن الأمر قد يكلف وحدة المملكة المتحدة نفسها، حيث تتعالى الأصوات في إقليم اسكتلندا لتنظيم استفتاء آخر للانفصال عن المملكة، وذلك بعد استفتاء 2015 الذي أسفر عن تصويت 55% من سكان الإقليم بالبقاء داخل المملكة المتحدة ولكن على أساس أنها جزء من الاتحاد الأوروبي، وهو ما تغير الآن.

السؤال الأصعب الآن: هل تستحق استعادة بريطانيا للسيادة كل هذه المخاطر التجارية؟ حقيقة الأمر أن بوريس جونسون وحده هو من عليه الإجابة على هذا السؤال، لا سيما مع وضوح وصرامة من جانب قادة أوروبا، ولا سيما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي شددت على ضرورة "عدم انحدار المنافسة التجارية مع لندن"، مع التأكيد على أحقية التكتل في فرض ما يراه مناسبا من رسوم على الواردات البريطانية حال عدم التزم المملكة المتحدة بالقواعد الأوروبية. وبعدما كانت لهجة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مشبعة بقدر من النفاؤل خرجت يوم الأحد الماضي لتؤكد أن خروج البريطانيين غالبا ما سيتم بدون اتفاق، بالنظر إلى التباعد الكبير في وجهات النظر في مسائل حيوية وأهمها الالتزام بقواعد الحد من الاحتباس الحراري.

في النهاية، فإن العديد من المراقبين يشيرون إلى الموقف الذي يبدو متناقضا للحكومة البريطانية، التي تقول إنها رفضت طلبا "بعدم انحدار المنافسة التجارية" وفقا لمعايير الاتحاد الأوروبي، وتبدو أنها أميل إلى خروج بدون اتفاق وتحمل فرض رسوم جمركية على واردتها بدء من الأول من يناير المقبل، ولا شيئ يفسر ذلك سوى أن مسألة استعادة السيادة في قلب المشروع الأيدولوجي لمؤيدي الانفصال.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة