صورة موضوعية
صورة موضوعية


الحقيقة الكاملة حول نشأة أسرة رمسيس في «هليوبوليس القديمة»

شيرين الكردي

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020 - 03:12 ص

خلال مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد وفي المنطقة الممتدة بين مدينتي هليوبوليس وأواريس عاصمة الهكسوس القديمة في شرق الدلتا، نشأت أسرة مصرية عظيمة أنتمي أفرادها قلباً وقالباً إلى الجيش المصري الذي خدموا فيه كضباط وقادة .

 

يقول د.محمد رأفت عباس، باحث في علم المصريات، أن تلك الأسرة اشتركت خلال عهد الأسرة الثامنة عشرة في الحملات الحربية التي كانت تخوضها مصر في بلاد كنعان « فلسطين» وسوريا، وذلك من أجل الحفاظ على نفوذ الإمبراطورية المصرية المترامية الأطراف، والتي كانت تمتد من بلاد النوبة جنوبًا وحتى أطراف الفرات في سوريا شمالا.

 

وتابع قائلًا: كانت هذه الأسرة هي أسرة الرعامسة العظيمة، والتي جاء من نسلها الملوك الرعامسة أي الذين حمل معظمهم الأسم رمسيس، والذين حكموا مصر في الفترة الممتدة من عام 1295 إلى عام 1069 قبل الميلاد، وكان رأس هذه الأسرة هو القائد " با رعمسو"، الذى قد صار فيما بعد الملك رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشرة وأول ملوك عصر الرعامسة، وكان جدا لملك مصر العظيم والشهير رمسيس الثاني.

 

وقال أنه مما لا شك فيه أن قصة صعود القائد " با رعمسو " أو رمسيس الأول إلى حكم مصر هى تجسيد حقيقى للاخلاص والوطنية التى تمثلت فى أسرة الرعامسة العظيمة ، والتى قد حملت عبء النضال فى سبيل استرداد أملاك الإمبراطورية المصرية فى سوريا وكنعان بعد أن فقدت فى عهد العمارنة أى خلال فترة حكم الملك إخناتون.

 

وأشارت المصادر التاريخية إلى أن والد رمسيس الأول أو القائد " با رعمسو " كان يدعى " سيتى " ، وقد كان أحد رجال السلك العسكرى ، وكانت عائلته من تقاليدها ربط أسمائهم بالمعبود ست إله مدينة أواريس فى شرق الدلتا – وهى منطلق القوافل إلى أرض كنعان منذ عهد الدولة الوسطى وعهد الهكسوس – وقد التحق منذ شبابه بالجيش المصرى ، على الأرجح فى سنوات حكم أمنحتب الثالث أو فى السنوات التى أعقبتها من حكم إخناتون.

 

وقد أنجب " سيتى " ولده " با رعمسو " الذى التحق بالسلك العسكرى مثل أبيه ، وقد حاز – على مدار تاريخه العسكرى – على مناصب عسكرية رفيعة أبرزها " قائـد القـوات " ، و" المشرف على قلعة ثارو " ، و" المشرف على مصبات النيل " ، و" المشرف على الخيل " ، و" سائق عربة جلالته الحربية " ، و" قائد جيش سيد الأرضين " .

 

جدير بالذكر أن قيادة " با رعمسو " لقلعة ثارو الحدودية ذات الموقع الاستراتيجى المهم فى شمال سيناء كان يعنى مسئوليته فى الدفاع عن حدود مصر الشرقية وعن قيادته لنقطة التجمع الاستراتيجى للجيوش المصرية قبل انطلاقها نحو الشرق إلى بلاد كنعان وسوريا فى الحملات الحربية المختلفة عبر طريق حورس الحربى.

 

وشاءت الأقدار أن تكون ثكنات الجيش المصرى وقلاعه الحدودية هى الطريق الذى يسلكه " با رعمسو " قبل وصوله إلى عرش الكنانة ، والذى كان من خلاله تتشكل رؤيته السياسية والاستراتيجية لما ينتظر أمته العظيمة من تحديات جسيمة فى منطقة الشرق الأدنى القديم ، والتى كان أهمها مجابهة إمبراطورية الحيثيين الطامعة فى أملاك إمبراطورية مصر الأسيوية ، ومن ثم فقد أورث " با رعمسو " أو رمسيس الأول كل تلك الرؤى والأفكار لولده الضابط " سيتى " ( الذى حمل نفس اسم جده ) والذى سيكون خليفته على العرش يوما ما ، والذى سيقود جيوش مصر من جديد فى سوريا وكنعان لاستعادة مجد مصر الحربى السالف وأملاك الإمبراطورية المصرية المفقودة والذى سيحقق انتصارات حاسمة على الحيثيين والاموريين ودويلات المدن الكنعانية.

 

واستحوذ " با رعمسو "على مكانة رفيعة لدى صديقه ورفيق سلاحه القائد حور محب الذى اعتلى عرش البلاد وأصبح آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة ، والذى قام بترقيته – خلال فترة حكمه – إلى منصب الوزير ثم قلده المنصب الرفيع " نائب الملك فى الجنوب والشمال " .

 

كما أنه اختاره ليكون ولى عهده وخليفته فى حكم البلاد فى السنوات الأخيرة من حكمه بعد أن منحه منصب " الأمير الوراثى على كل البلاد " ، ويبدو أن أسباب هذا الاختيار تعود إلى أن " با رعمسو " كان إداريا حاذقا ومنتميا إلى المؤسسة العسكرية التى كان يثق فيها حور محب ثقة مطلقة ، بالإضافة إلى أن " با رعمسو " كان لديه ذرية تتمثل فى ولده القائد العسكرى " سيتى " ، الأمر الذى قد يمنع حدوث أى مشكلات مستقبلية بالنسبة له فى خلافته على العرش ، حيث لم يكن لحور محب وريث من أبناؤه.

 

ولقد كان " سيتى " ابن " با رعمسو " مثله مثل من سبقوه من أفراد أسرة الرعامسة قد نشأ نشأة عسكرية ، حيث كان قد التحق بالسلك العسكرى منذ صغره ، وتزوج " سيتى " فى شبابه من فتاة من نفس مستواه الاجتماعى تدعى " تويا " ، وهى ابنة قائد كبير بسلاح المركبات الحربية يدعى " رايا " ، وقد نتج من هذه الزيجة ميلاد الملك العظيم والشهير رمسيس الثانى.

 

وبحلول العام 1295 قبل الميلاد ، وفى أعقاب وفاة الملك العظيم حور محب آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة ، اعتلى " با رعمسو " أو الملك رمسيس الأول عرش مصر ليكون أول ملوك الأسرة التاسعة عشرة وعصر الرعامسة ، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن صعود رمسيس الأول إلى العرش قد رسخ لدى الشعب المصرى حكم الملوك العسكريين القادمين من المؤسسة العسكرية والذى بدأ باعتلاء القائد العام للجيش المصرى حور محب عرش البلاد ، حيث لم يكن حور محب يرتبط بأى صلة دم بملوك الأسرة الثامنة عشرة على الرغم من أن المؤرخين قد وضعوه كآخر ملك لهذه الأسرة.

 

كما أن رمسيس الأول مع وصوله لحكم البلاد كان يتأسى ويتتبع خطى الملك العظيم أحمس الأول محرر مصر من الهكسوس ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة والإمبراطورية المصرية ، وقد اعتبر نفسه خليفته الذى تبدأ به أسرة جديدة هى الأسرة التاسعة عشرة ، بل واتخذ لنفسه ألقابا مستوحاة من ألقاب مثله الأعلى .

 

كما اتخذ أحمس الأول اسما ملكيا هو " نب بحتى رع " أى " سيد القوة هو رع " ، سمى رمسيس الأول نفسه " من بحتى رع " أى " دوام القوة هو رع ".

 

وعلى الرغم من أن رمسيس الأول لم يحكم سوى فترة قصيرة لا تزيد عن عامين ، إلا أنه استكمل مسيرة سلفه العظيم حور محب فى تحقيق الأمن والاستقرار الذى كانت تحتاجه البلاد بعد الفترة العصيبة التى عاشتها مصر فى عهد العمارنة أثناء حكم إخناتون المضطرب ، وترك لنا بعض التماثيل التى تمثله على هيئة الكاتب الجالس فى الوضع المعروف للكتبة عند المصريين القدماء ، وقد كشف عنهم فى الكرنك عام 1913م.

 

وأقام رمسيس الأول قدس أقداس فى أبيدوس أتمه ولده سيتى الأول ، وعثر فى وادى حلفا على لوحة محفوظة الآن بمتحف اللوفر بباريس ومؤرخة بالعام الثانى من حكمه ، يتحدث فيها عن إقامة معبد فى بوهن وتقديمه القرابين للمعبود " مين – آمون ".

 

وعثر كذلك للملك رمسيس الأول على لوحتين بسرابيط الخادم بسيناء تشيران إلى قيامه بأعمال التعدين داخل مناجم الفيروز بسيناء .

 

كما ذكر اسم الملك رمسيس الأول على بعض الآثار بالقرب من الصرح الثانى بالكرنك مما يؤكد بأنه كان أول من قام بتنفيذ بهو الأساطين العظيم بالكرنك.

 

جدير بالذكر أن بعض المصطلحات المسجلة على إحدى لوحات الملك سيتى الأول بأبيدوس تشير إلى أنه كان هناك نوعا من الحكم المشترك بين الملك رمسيس الأول وولده وخليفته سيتى الأول قد بدأ منذ العام الثانى من عهد رمسيس الأول .

 

وقام رمسيس الأول بحفر مقبرة بسيطة لنفسه فى وادى الملوك بالبر الغربى بطيبة تحمل الآن الرقم 16 ، وهى لم تكن معدة عند وفاته ، وقد اكتشفها جيوفانى بلزونى .

 

وفي العام 1294 ق.م رحل الملك العظيم رمسيس الأول رأس الملوك الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة ، واضعا مصر الخالدة على بداية عهد جديد فى كافة المجالات السياسية والحضارية ، وربما لم تسعفه فترة حكمة القصيرة لتحقيق المزيد من الانجازات التى كان يطمح إليها ، ولكنه ومن خلال حياته الحافلة بالنضال كرجل دولة من الطراز الأول فى المجالين العسكرى والسياسى أستطاع أن يكون علما خالداً فى تاريخ مصر القديمة ، وقد تجلت هذه الحقيقة التاريخية فى ولده وخليفته سيتى الأول الذى ستبدأ به مصر عهداً مجيدا فى تاريخها العظيم ، والذى سيكون محاربا عظيما فى استعادة مجد مصر الحربي في الشرق الأدنى القديم ، وبناءا عظيما تشهد آثار مصر على عظمة إبداعاته المعمارية والحضارية التي لا تزال تبهر القاصى والداني إلى يومنا هذا !

اقرأ أيضا

«بردية آني» الأبرز.. مقتنيات فرعونية معروضة بالمتحف البريطاني
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة