رفعت سلام
رفعت سلام


ذلك الطفل الذى لم يكبر

أخبار الأدب

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020 - 05:40 م

موسى حوامدة

كانت المرة الأولى التى رأيته فيها، أول التسعينيات، فى مهرجان جرش فى الأردن، وأعترف أن ما أخذنى فيه تلك المرة، كان بعيدًا عن الشعر، رأيت مصر الثائرة، رأيت جيفارا، رأيت عبدالناصر، رأيت السد العالى، والأهرامات، رأيت الفدائيين الفلسطينيين، رأيت الكبرياء العربى، والنخيل الباسق، رأيت شابًا مصريًا، يتدفق عزة وشموخًا، وقد كان شعره الأبيض الطويل والكثيف، قد كون على رأسه إكليلًا ضخمًا من الزهو، بينما كانت وقفته وملامح وجهه تدل على اعتداد بالذات، وافتخار ما، لربما كان الشعر بالنسبة له وسيلة ما، ليشير إلى نفسه بالبنان، ويؤكد على هذا الكبرياء الداخلى، والاعتزاز بالذات. لم أنتبه الى الكلمات، بل شغلنى الحضور، وهل القصيدة كلمات فقط؟
لم يكن شغوفا بطباعة مجموعة شعرية مبكرًا، تأخر ذلك حتى صار عمره ستة وثلاثين عامًا، وحين أصدرها أخلص للشعر، كما أخلص لطفولته الفقيرة فى قرية «منية شبين» وحمل تلك القيم البريئة، فلم يتزلف ولم يهادن وظل مناضلًا صلبًا، ولم يرضخ بل ظل معتدًا بنفسه متحملًا تلك الآلام الرهيبة.
وفى مسلسل النفور لم يجد أن القصيدة وحدها تعطيه الرضا الكامل، فشحذ معرفته باللغات الأجنبية، وترجم الشعراء العالميين الكبار، كان يطمح إلى تقديم ترجمة رفعت سلام، ولم تكن الترجمة تسلبه شاعريته بل صب فى ترجماته روحه وتقمص أبطاله، وكان حين ينفر منهم يعود إلى قصيدته.
والمتتبع لمجموعاته سيلحظ هذا النفس الحر، لكن الإخلاص للترجمة وسعة الثقافة لديه وسعت ينابيعه، فلم يكن الشعر أعنى كتابة الشعر فضاءه الوحيد، ولهذا نهل من شعرية العالم.
كلما التقيته نظرت إلى ملامح وجهه وأتذكر صورته الأولى، كان قد خفف كثيرًا من شعره وبدأت ملامحه أكثر رسوخًا، لكنه لم يفقد ثقته فى نفسه وفيما ينجز، وقد صارت قصائده وترجماته حاضرة، وكانت المرة الأكثر تأثيرًا، حين اصطحبه د.جابر عصفور إلى حفل ختام مؤتمر القاهرة للقصيدة العربية، وأعلن عن شفاء رفعت سلام.
وحين رأيته فى ندوته فى معرض القاهرة الأخير للكتاب، وجدته نضج أكثر، وصارت كلماته محسوبة بدقة، وتبين أن الكتابة والترجمة والشعر والحياة، صارت ملامح أساسية من شخصيته واعتداده بنفسه، لكن خلف كل تلك الملامح والسنوات، ظللت أرى صورة الطفل العائش فى تلك القرية الريفية البسيطة، ذلك الطفل الذى لم يكبر، ولم يفقد البراءة والأصالة، والاعتداد بالذات.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة