نسرين موافي
نسرين موافي


‏بنت أبوها

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 17 ديسمبر 2020 - 01:45 ص

تُري هل تعلم أنك قد تكون ملك متوج في قلب لن ينزع عرشك أبدا ؟! 
‏هل تعلم أن هذا القلب هو قلب ابنتك
‏نعم
‏فأنت في حياة ابنتك فارس أوحد ، سواء عظيماً كنت او بسيطًا ، غنيًا او فقيرًا، انت في عينيها ملك بلا حدود لقوتك أو سطوتك أو غناك، في عينيها أنت محور الكون و أساس الحياة فقط إن أحسنت اليها. 

‏فعلاقة البنت بأبيها علاقة شديدة الخصوصية شديدة التعقيد،  فهي تتعرف علي عالم الرجل من خلال أبيها ترسم صورة فارس أحلامها من نسج نظراته، بإبتسامته، يضيق الكون و يتسع بين ذراعيه، تتشكل خلايا ثقتها بنفسها علي عتبات قلبه هو  جسرها نحو حياة صحية بلا ثقوب أو ندبات.

اقرأ أيضاً|في كنز الرضا

‏علاقات الأولاد بأمهم أسهل لأن الأم  بطبعها تعبر عن نفسها غضباً و فرحاً، صعوداً و هبوطاً، تمطرهم بالحب كما تمطرهم بالإتهامات، فيعتادوا علي تقلبات بحرها، و لا يبقي بداخلهم إلا حبها و تفهُم تقلباتها.
‏لكن الأب يحتاج لإظهار حبه، يحتاج لأن يعبر عن نفسه  ويحتاج كثيراً أن يقول لهم كم يحبهم.

‏الأب في عيون ابنته هو المعني الأوحد للأمان بدون أن تحدد هي ذلك فهي لا تستشعر هذا الإحساس إلا بين ذراعيه و بدون أن تعبر له عن مدى احتياجها له.
‏ تستطيع بسهولة أن تري علاقتها بأبيها بمجرد وجودهما معا فان تبدل حالها فزادت سعادتها ، شجاعتها و صخبها فأعلم  انك امام طفلة - مهما كان عمرها- آمنة في حمى ملكها فالعلاقة السليمة لا وجود للخوف فيها ... فقط حب خالص غير مشروط .

‏علاقتها به تحدد بل و تتحكم في علاقاتها بكل البشر ،
‏فهو بدايات كل الأشياء ... هو أولها و هو سبب ردود أفعالها هو بداية أحاسيسها و أحلامها ، دائرة أهتمامها الأولي ... فهي تولد و بداخلها حنان الأم  و الابنة  سويا لأبيها و هو وحده القادر علي توجيه هذه المشاعر إما باتجاهه او بالعكس .
‏علاقته بها إما  أن تكون بر أمانها و إما  أن تكون أول و أعمق خيباتها و انكساراتها .

‏بطبيعتها كانثي هي تفطر علي حب المدح و الاهتمام و الاطراء ،  لكن كل كلام الأرض المعسول لا يساوي أن تري في عين أبيها نظرة فخر و إعجاب ،  تبذل في سبيلها الغالي و النفيس بل و تستطيع أن تعمل ليل نهار من اجلها فقط و من أجل أن لا تفقدها .

‏وحده يختار  ان يجعلها تنهل من حبه و حنانه و اهتمامه ، يشاركها التفاصيل و يبدي اهتمام حتي بالصغائر  ليصلها  اليقين ان في هذا  الحضن كل الأمان  مهما حدث ، و ان هذا الحب غير مشروط لا بكونها اي شيء غير كونها حبة القلب التي لا مثيل لها في الكون .

‏أو أن يجعلها  تعيش عمرها تتوق لهذا الإحساس و لا تجده ابدا ، فلا شيء يضاهي إحساسها بأبيها و لا احساس يملا فراغ نفسها كحبه و اهتمامه .
‏فوجود أكثر الرجال حباً و حناناً  لا يعوض حنان و أمان الأب  ابداً ،  فتظل في جوع مستمر له و في شك و ريبة مستمرة في اي علاقة مهما بلغت قوتها .

‏عِشتُ  عمراً في كنف أب حازم قليل الكلام ، يفعل و لا يتكلم ، رجل قانون بمعني الكلمة ، الكلمة و التصرف بحساب .
‏عمله فرض عليه طباع الشك و البحث عن الحقيقة لم يتواني يوما في ان يعلمنا من الحياة ما تعلم هو ، و  لم يفكر يوما أن يتكلم بمشاعره بل في بعض الاحيان ظننته لا يعرف أن الأحاسيس خلقت معنا و من ضمن مكوناتنا . 

‏مراقبا جيدا يري ما نحتاجه و ينفذه دون ان يتكلم كثيراً فكانت لسنوات طويلة علاقة تقليدية جدا بدون إحساس إلا إنه يفعل كل ما يوكل اليه ، لا نخاف من بطشه و لا ننتظر عودته بلهفة .
‏ مشاعر محايدة جدا ، حتي يوماً فاصلاً ، كان قد قُدر له الله ان يُشفي من وعكة صحية قاتله ، و لا اعرف كيف بدأ الحديث بيننا ، لأجده يقول ما عجزت عن استيعابه أو تخيل معه أن يكون المتكلم  أبي ! 
‏قال كل ما تمنيت ان أسمعه منه يوما ، و ظللت عاجزة عن تصديق انه يقوله اليوم بعد كل هذه السنوات . 
‏قالي لي كيف كان يراني ، و كيف لم اعرف! و كيف لم يقول لي ! لماذا انتظر كل هذا ! 
‏لماذا لم يخبرني قبلاً لأنعم  بكل هذا الحب وقتا أكثر!! 
‏ و تغيرت علاقتنا تغييراً أدهش الجميع  و أنا معهم استحال الجليد بيننا  لحب جارف و شعرت بداخل حضنه بشعور الإستغناء عن كل ما سواه ، شعرت بالأمان و راحة البال فهنا لا مجال لان يؤذيني شيء فأبي سيتولي هذا عني ،و لم اكن صغيرة لكن البنت في حضن ابيها و ان كانت جدة هي طفلة ، في حضنه لا احتاج ان افعل أنا شيء فأنا  في أمانه .
‏و بالرغم من أني لم احظي بأكثر من سنوات قليلة قبل رحيله الا أن عرشه في قلبي لا يملؤه الا وجه و هو ينظر برضا الي و يكفيني .
‏كم كنت اتمني ان اعرف طعم هذه العلاقة أطول و أظنني لم أكن لأشبع منها أبدا . 
‏ لكني راضية بما  حظيت به حتي و لو كان  لدقائق فبالتأكيد هذا أفضل بكثير من لو أني لم اختبرها يوما .

‏من اجل ذلك دائما هناك وقت.. مجال و لو لدقائق لتقول لأميرتك أنها حبك، أنها كل ما تمنيت ، أنها أجمل من رأيت ، تقول لها كم تحبها و كم تتمني سعادتها تقوله و ليس فقط تفعله ، و تذكر دائما هي  تحب  بأذنها و هي تحتاجك وحدك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة