الفرعون «حور عحا»
الفرعون «حور عحا»


كل ما لا تعرفه عن أول ملوك مصر المحاربين الفرعون «حور عحا»

شيرين الكردي

الخميس، 17 ديسمبر 2020 - 04:15 ص

عرفت مصر القديمة العمران منذ أقدم العصور، وكانت مدينة "إنب حدج" أو "الجدار الأبيض" هي أول عواصم مصر القديمة الموحدة في بداية عصر الأسرات وبداية التاريخ في مصر في أواخر الألف الرابعة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام.

 

يقول د. حسين عبد البصير مدير متحف الآثار مكتبة الإسكندرية، إن وحدة حدثت مصر بالتدريج من الجنوب إلى الشمال؛ إذ تم توحيد أجزاء مصر حضاريًا ثم سياسيًا تحت راية المعبود الأزلي حورس الذي قُدس في مدينة الكاب بالقرب من مدينة إدفو في محافظة أسوان الحالية.

 

ولعب التجار الجنوبيون دورًا كبيرًا في نقل ثقافتهم ونشرها في الشمال، وكان الصعيد اتحد تحت حكم واحد ولواء واحد وراية واحدة بعد سلسلة من الحروب وبفضل عدد من التحالفات السلمية، ثم اتحد الشمال والجنوب سياسيًا معًا إلى أعلن ملك مصر العليا والسفلى، الملك المؤسس مينا أخيرًا الوحدة السياسية والأبدية للبلاد المصرية.

 

وقد أسّس هذه المدينة الجديدة، انب حدج، الملك الموحد "حور عحا" أي"حورس المحارب"، الذي حمل لقب "مِنِيِ" بمعني "المُثَبِّت" أو"المُدِّعم" لأركان وحدة مصر الجديدة، والذي يعرف في زمننا الحالي باللفظ الشائع "مينا"؛ ذلك الملك الذي نظر إليه المصريون في كل العصور التالية بعين الإجلال والإكبار؛ نظرًا لكونه أول ملوك مصر الموحدة، والملك الوحيد الذي نجح في توحيد البلاد بعد محاولات عديدة من قبل ملوك كثيرين والقضاء على الصراع السياسي والتناوش العسكري اللذين استمرا فترة طويلة من الزمن قبل عهده المجيد.

 

وأضاف عبد البصير أن الملك مينا قام بإنجازات عديدة كان أهمها توحيد مصر وتأسيس هذه العاصمة الجديدة للبلاد إنب حدج، ويقول أبو التاريخ هيرودوت أن كهنة العاصمة حدثوه بأن مينا كان أول من حكم مصر من البشر وبنى ذلك الملك "القلعة البيضاء" أو "الدار البيضاء" يعني مدينة "إنب حدج" عند رأس الدلتا لتكون عاصمة للمملكة المتحدة وأوجد جسرًا لحماية العاصمة؛ إذ كان النهر كله يجرى بحذاء الهضبة الرملية من جانب الصحراء وجفف المجرى القديم وحول مجرى النهر لينساب بين الهضبتين.

وتقع هذه العاصمة الجديدة على البر الغربي للنيل وتبعد حوالي أربعة وعشرين كيلو مترًا إلى الجنوب من عاصمة مصر الحالية، مدينة القاهرة.

 

وهي في موقع استراتيجي بين وادي النيل والدلتا، وفيه يلتقي الصعيد بالدلتا، وكذلك طرق التجارة، ويشير الدليل الأثري إلى أن موقع هذه العاصمة المختارة كان موجودًا منذ عصر ما قبل الأسرات.

 

وكان من أبرز ملامح هذه العاصمة المباني الإدارية مثل المبنى الأبيض الذي احتوى على المقر الملكي ومكاتب الحكومة، ومثلت هذه المدينة مركز الوحدة وميزان الأرضين، أرض مصر السفلى وأرض مصر العليا، واختار الملك بذكاء ذلك المكان المتوسط، والذي سوف يكون أغلب الوقت المكان الأبدي الذي سوف تُحكم منه مصر، باستثناء مدينة الإسكندرية التي اتخذها البطالمة والرومان من بعدهم كعاصمة لمصر حتى تكون قريبة من بلادهم الأصلية.

 

وأكد «عبد البصير» ، إن أول ملوك مصر المحاربين هو الفرعون حور عحا أي "الصقر المحارب" الذي يظهر اسمه طبيعة الفترة التي عاش فيها، وأطلق عليه اسم "مِنِيِ" أو "مينا" بمعنى «المثبِّت» أي الذي ثبَّت أركان الوحدة المصرية، كما سلف القول.

 

وشهد هذا الملك في فترة حكم والده الملك "نعرمر" أو نارمر آخر ملوك عصر الأسرة صفر، عصرًا طويلاً من الصراعات السياسية والعسكرية عبر الأرض المصرية ككل.

 

ومن الجدير بالذكر أنه تم توحيد الأرض المصرية حضاريًا ودينيًا تحت راية المعبود حورس الذي حارب تحت رايته أتباعه إلى أن تم استكمال الوحدة السياسية من الجنوب إلى الشمال على مراحل وصلت نهايتها إلى أعماق الدلتا المصرية، كما أشرنا من قبل.

 

والملك حور عحا أو مينا هو أول ملوك مصر وهو الذي وحّد القطرين وأنشأ الدولة المركزية في حوالي عام 3200 قبل الميلاد، كما سلف الذكر، وكانت القوة العسكرية في عهد هذا الملك المؤِّسس تقوم على توحيد أرض مصر تحت قوة واحدة وتحت راية واحدة والدفاع عن الحدود المصرية ضد أي عدوان خارجي، مع بسط نفوذ مصر في الجنوب في بلاد النوبة وفى الشمال الشرقي في بلاد الشام.

 

ويشير نقش على بطاقة مصنوعة من العاج من منطقة أبيدوس في محافظة سوهاج في صعيد مصر إلى حملة عسكرية قام بها الملك حور عحا ضد بلاد النوبة، وتمت تسمية هذا العام بـ "عام السيطرة على إقليم تا-ستي أي بلاد النوبة".

 

وتوضح بقايا آنية من منطقة عين باصور في جنوب فلسطين المحتلة أن هذه المنطقة كانت مركزًا نشيطًا في فترة حكم هذا الملك، وأنه كانت هناك مراكز عسكرية وإدارية مصرية في هذا الجزء من جنوب فلسطين لحماية وتأمين طرق التجارة المصرية.

 

وامتد الملك حور عحا بحدود وسيطرة ونفوذ مصر إلى منطقة جبيل في جبل لبنان على الساحل الفينيقي، وأمدتنا مقبرة الملك حور عحا، ضمن مقابر ملوك الأسرة الأولى بأبيدوس، ببقايا أوانٍ من جنوب بلاد الشام، هذا فرعون قاتل من أجل نشأة أمة وتأسيس دولة، وتلك هي مصر المحاربة التي علمّت العالم مبادئ العدل والحق والقوة وعدم العدوان والدفاع عن الأوطان منذ فجر التاريخ.

 

وهذا هو الملك الذي أسس مدينة إنب حدج أو "الجدار الأبيض" لتكون واحدة من أبرز ثمراته وإنجازاته والتي سوف تكون في أغلب الأوقات مقر وعاصمة وحكم مصر الأبدي بسبب توسط موقعها الجفرافي المميز؛ مما يؤكد على حسن أختيار هذا الملك لهذا المكان الممتاز كي يكون عاصمة متميزة وأبدية للبلاد.

 

اقرأ أيضا : «مؤامرة الحريم» تحاول اغتيال الفرعون «رمسيس الثالث»
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة