الشيخ د. عبدالغنى عبدالعزيز ، الشيخ رمضان عبدالمطلب
الشيخ د. عبدالغنى عبدالعزيز ، الشيخ رمضان عبدالمطلب


علماء دين يقدمون روشتة لدرء المفاسد: «ابدأ بنفسك ومن تعول»

سنية عباس- نادية زين العابدين

الخميس، 17 ديسمبر 2020 - 09:07 م

الفساد سبب كل تخلف يصيب الأمم، لمخالفته دعوة الأنبياء والرسل عليهم السلام للإصلاح في الأرض، ولذلك تنظم الدول على قائمة اهتماماتها مواجهات جادة للتصدي، وفى مقدمتها الاستراتيجية الوطنية المصرية لمكافحة الفساد، ويتم حاليًا تنفيذ مرحلتها الثانية.

ويتزامن مع هذه الاستراتيجية احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي مر يوم 9 ديسمبر، واختيار دولي لتستضيف مصر أكبر مؤتمر لمكافحة الفساد نهاية عام 2021 تقديرا لإنجازاتها الرائدة في هذا المجال، وهذه رؤية شرعية لمنهاج الإسلام الصالح لكل زمان ومكان للتحذير من الفساد وأسبابه وعلاجه، مع توضيح دور المرأة في مكافحته باعتبارها نصف المجتمع وصانعة أجيال المستقبل.

يقول الشيخ د. عبد الغنى عبدالعزيز عودة من علماء الأوقاف: أوضحت الشريعة الإسلامية أسباب الفساد فى الدنيا ومنها ضعف الوازع الديني فلا تخشى النفس الفارغة من الله والدار الآخرة، ولا تبالي بارتكاب المحرمات تحت مسميات ترضى عنها مثل استبدال لفظ الرشوة بالهدية، وما يلازمها من سلوكيات محرمة كالكذب والنفاق وخيانة الأمانة متناسية قول الله تعالى : (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)، تدعمها سيطرة القيم الاستهلاكية على حساب القيم الإيجابية، وفقدان صمام أمان المجتمع المتمثل في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتمسك أصحاب المناصب بالكراسي فيميلون للاختلاس والمحسوبية لإقصاء أهل الحق وتقريب المعاونين على استكمال صفقات الفساد وغيرها من أسباب تبدأ من فساد الاعتقاد والعبادة.

عقاب وثواب

ويضيف: الفساد عنوان كل شقاء ومن آثاره شؤم المعصية قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، فيمسك الله المطر ويهلك الحرث وتنتشر الأمراض المستحدثة ولا يفلح مرتكب المعصية في أي عمل لحرمانه من محبة الله قال تعالى: (إن الله لا يحب المفسدين)، فضلا عن التغاضي عن المخاطر، التي تلحق بالناس في المأكل والمشرب ومرافق التعليم والصحة والأمن، وتدني مستوى الخدمات العامة وتعثر المشاريع وضعف الإنتاج، وتراجع الولاء للحق وتوسع ظاهرة البطالة والفقر، وهروب رءوس الأموال المحلية وهجرة الكفاءات وغياب الثقة فى أجهزة الرقابة والمساءلة.

وتابع: "لذلك دعا الإسلام لنجاة المجتمع بالتصدي للفساد وعدم تبريره فإذا نزل البلاء يعم الصالح والطالح"، حيث قالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ولي أمر المسلمين لم يمنح ابنته فاطمة رضي الله عنها خادما من السبى تورعا رغم شكواها من عدم قدرتها على أمور بيتها.

وقال لها: (ما كنت لأعطيكم وأدع أهل الصفة تلوى بطونهم من الجوع)، في حين يبشر الله تعالى من يتوب ويبتعد عن الفساد بحسن العاقبة في قوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).

ويتابع: وضع الإسلام منهجا لمكافحة الفساد بتدابير وقائية عملا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وتشمل الترغيب بما عند الله والترهيب من عدم الثبات على الحق، وهما أسلوبان يتوافقان مع الفطرة التي تحب الخير والأمن والعدالة الاجتماعية في توفير احتياجات الناس فضلا عن محاربة الفقر بطلب العمل والرزق.

كما فرض الإسلام الزكاة لحماية المجتمع من الفساد فتطيب نفس الفقير تجاه الغنى ولا يسعى للسرقة أو الاختلاس ويحمى المال العام الذي يعود عليه بالنفع عندما يحصل على حقه في الزكاة، بالإضافة إلى فتح قنوات بين الحاكم والمحكوم فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمتنع عن لقاء الناس للوقوف على مشاكلهم ومع التطور التكنولوجي الهائل أصبح هذا التواصل أمرا يسيرا، والتوسعة على الموظفين في الأرزاق حتى لا تضطرهم الضغوط المعيشية لمد أيديهم على ما لا يستحقونه.

وقال: "حينما تولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه الخلافة دخل عليه ابن أبى زكريا وقال: (يا أمير المؤمنين بلغنى أنك ترزق العامل من عمالك 300 دينار ولم ذلك؟! قال: أردت أن أغنيهم عن الخيانة)".

رقابة مشتركة

ويؤكد: "لمقاومة الفساد لا غنى عن الرقابة المجتمعية باللين والموعظة الحسنة وليس بالعنف قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، يواكبها جهود الأجهزة الرقابية ودعمها بالكفاءات فقد أسس عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظام الحسبة وكان للمحتسب كافة الصلاحيات لمراقبة مرافق الدولة، ولكي تثمر جهود الأجهزة الرقابية في أي زمان على كل إنسان أن يبدأ بنفسه عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم من تعول) لإصلاح ما اعوج من سلوكيات المجتمع، وتبدو مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو أنصف الناس لاستراح القاضي) وكأنه يرى ما يحدث الآن من طغيان وحب الذات الجالبة للفساد ومصادرة كثير من حقوق العباد، وللإعلام دوره في نشر الوعي بحجم أضرار الفساد فلا تكون مكافحته مقصورة على وظيفة أو جهة بعينها بل مسؤولية مشتركة تدعمها النزاهة والشفافية والعدالة في تكافؤ الفرص على أساس الجدارة والاستحقاق وهو ما يحفظ هيبة الدولة قال تعالى: (إن خير من استأجرت القوى الأمين).

مواقف مشرفة 

ويضيف الشيخ رمضان عبد المطلب من علماء الأزهر: للمرأة مواقف مشرفة في درء الفساد عن بيتها وعن وطنها وكتب السيرة عرضت لنا نماذج كثيرة مشرقة من بينها زوجات الصحابة اللاتي كن يودعن أزواجهن عند خروجهم للعمل بهذه الكلمات (اتق الله فينا.. إياك والكسب الحرام فإننا نصبر على الجوع والعطش ولا نصبر على حر النار وغضب الجبار)، وهذه زوجة بشير بن سعد قد تزوجها وله أولاد من زوجة أخرى وأنجب منها ولده النعمان وأراد أن يجاملها بأن يكتب لابنها حديقة دون أخواته فأبت، لأنها لا ترضى بأن تأكل من حرام ولا ترضى لزوجها آن يقع فى الحرام.

ويؤكد: يجب ألا ننسى الابنة التي طلبت منها أمها غش اللبن بالماء ليزيد بحجة أن الخليفة عمر لن يعرف فكان رد الابنة: إذا كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا. 

ويقول: "ليس هذا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل في كل العصور، كانت المرأة حريصة على الحلال الطيب والبعد عن الفساد".
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة