ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


حكاية رئيس التحرير الذي تبرع بتحويشة عمره للحرامي التائب 

ممدوح الصغير

الجمعة، 18 ديسمبر 2020 - 12:25 ص

 

حلت علينا الذكرى الأولى لوفاة الكاتب الصحفي الكبير محمود صلاح، ملك صحافة الحوادث في العالم العربي، ورئيس تحرير آخر ساعة، وأخبار الحوادث، التي كان صدورها فكرته، بعد عودته من رحلة عمل بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ خلال وجوده هناك طالع صحيفةً معظمها أخبارها عن عالم الجريمة وساحات العدالة، وفور وصوله لمكتبه بأخبار اليوم كانت أقدامه تقوده لمكتب أسطورة الصحافة العربية وأشهر نجومها الراحل إبراهيم سعدة؛ الذي بمجرد أن سمع الفكرة، طلب منه إنجازها، وخرجت للنور بعد عامٍ من التجارب، وكانت سببًا في ولادة نجومٍ من شباب الصحفيين معظمهم الآن قيادات للصحف.

وربح إبراهيم سعدة رهانه عندما علا صوت مطابع مؤسسة أخبار اليوم؛ لطبع عدد أخبار الحوادث، وتوافد العشرات من كبار موزعي الصحف للحصول على نسخٍ إضافيةٍ بعد نفاد الكميات الموزعة، واستمر طبع العدد الأول 48 ساعة، وكانت المفاجأة التي أدهشت  كبار الصحفيين، أن توزيع الجريدة قارب المليون نسخة بعد 4 أعدادٍ فقط من صدورها.

,استمرت رحلة الراحل مع أخبار الحوادث حتى وفاته، ورغم تركه رئاسة التحرير، فإن قلمه كان تحت أمر الجريدة إلى أن لقي ربه، كان يُسعده الإشادة بمستوى تلاميذه رؤساء تحريرها، وساندني ودعمني كثيرًا طوال 6 سنوات كنت فيها رئيسًا لتحرير أخبار الحوادث ومعشوقته التي كان يغار عليها، مثلما كان يغار قيس على ليلى.

مِهنيًا يُعتبر محمود صلاح واحدًا من أفضل الموهوبين في الصحافة المصرية، وكان أول صحفي حوادث يخطف الأضواء والنجومية من كبار الكُتَّاب، يعرفه الضابط والقاضي، وأيضًا اللص الذي كان يشغله ماذا سيقول عنه قلم محمود صلاح بعد ضبطه، وعلى المستوى الإنساني، كان صلاح قلبه رقيقًا مثل العصفور، لا يعرف سوى الحب  لمن حوله، ولم يعش وتستوطن فيه الكراهية أبدًا، حنونًا مع كل من تعامل معه، يُفرِّق بين العمل والمعاملات الإنسانية، فبعد نهاية عملك معه يكن لك بمثابة أخٍ أكبر وصديقٍ مُقرب وكاتم أسرارك.. لصلاح نصائح غالية منحها  لبعض تلاميذه، بعضهم  يسير عليها حتى اليوم، وبعضهم تخلَّى عنها؛ لأنها لا تُحقق لهم المكاسب كونها مثالية في زمنٍ ندر فيه الوفاء.

كلمات قصصه تُبكي مَنْ قرأ سطورها، وكانت دموعه قريبةً، تتساقط من بين أهداب عينيه حال سماعه قصةً مُبكيةً، وسبق له أن منح تحويشة عمره للصٍ تاب عن عالم الجريمة، وورَّث عددًا قليلًا من تلاميذه حُب الغير ومساعدة الآخرين دون أن انتظارٍ لكلمة شكر.. رحل محمود صلاح ولم يُحقق ثروةً تُناسب شهرته، لكنه ورث حب الناس الذين يتذكرونه لمواقفه الإنسانية، رغم أنه أخلص للمهنة، وتألق بين صفحات صُحفها، شرقًا وغربًا، ولكن عندما  أُحيل للتقاعد من المناصب لم يصحبه سوى مرضه وكلمات الثناء من أخلص تلاميذه الذين لم ينكروا جميله.. رحم الله أستاذي محمود صلاح.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة