عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

البناء الدستورى لدولة ٣٠ يونيو

عمرو الخياط

الجمعة، 18 ديسمبر 2020 - 08:02 م

عشية ٣ يوليو عام ٢٠١٣ لم يكن خطاب السيسى وزير الدفاع آنذاك مقتصرا على إعلان نفاذ الإرادة الشعبية التى عزلت التنظيم الإخوانى الإرهابى ومندوبه مسلوب الإرادة، بل كان خطابا ساردا لخطوات بناء الدولة الوطنية المصرية فيما عُرف بخارطة الطريق.
الخطوات المعلنة كانت تهدف لإعادة البنيان الدستورى للدولة الوطنية التى اُختطفت، ولم يكن هناك سبيل لفرض شرعية هذا البناء إلا ارتكازا على الإرادة الشعبية التى لن تنتج آثارها القانونية إلا من خلال استحقاقات انتخابية تؤدى إلى استكمال السلطات الدستورية التى تقوم عليها فكرة الدولة.

هنا هنا نكون أمام تفرد عبقرى لثورة ٣٠ يونيو التى قررت منذ لحظتها الأولى أن تسلم نفسها تسليما فوريا للدولة، فحولت المد الثورى إلى امتداد دستورى واجب النفاذ من أجل تحويل النص إلى تطبيق عملى لا يتم إلا بالممارسة العملية للإرادة الشعبية.
فى هذا التوقيت خطت الإرادة الشعبية أولى خطوات الخارطة المتفق عليها كعقد اجتماعى فرضه فعل ثورى رشيد كان يدرك ما الذى يريد وما الذى يرفض، فاتجهت إرادة المصريين لإقرار دستور عام ٢٠١٤ الذى حول العقد الاجتماعى الثورى إلى نص قانونى ملزم، استندت إليه شرعية الممارسة الانتخابية باختيار المرشح عبدالفتاح السيسى رئيسا شرعيا منتخبا للبلاد.
ولم يكن أمام الإرادة الشعبية المتجسدة فى نصوص دستورها إلا استكمال البناء سيرا فى الطريق الذى رسمته الخارطة.

واستكمالا لأعمال خطوات الخارطة، اجتمعت الإرادة المصرية على البدء فى بناء السلطة التشريعية المنتخبة التى أفرزت أول برلمان ضم ما يمكن وصفهم بمندوبى ثورة ٣٠ يونيو من كل الدوائر الانتخابية فى القرى والمدن التى كانت حاضنة للحركة الثورية والتى رسمت الطريق ثم فرضت خارطته من خلال ممارسة عملية وقانونية لتفعيل الإرادة الشعبية وتحويلها من المرحلة الثورية إلى الواقع الدستورى.
لقد أفرزت الإرادة الشعبية برلماناً لا يمكن تجاهل نكهته الثورية المستندة لإرادة شعبية حقيقية، حتى ان تنظيم الإرهاب الإخوانى عجز عن الحديث عن أى تجاوزات أو خروقات، ثم بدأ البرلمان فى ممارسة عمله ليفرز تنوعا سياسيا ظاهرا نتج عنه أصوات برلمانية معارضة نالت شهرة سياسية وإعلامية وتمكنت من إعلان مواقفها المتباينة تحت قبة هذا البرلمان الذى كان شريكا أصيلا فى مرحلة تثبيت أركان الدولة التى كانت منهكة.

الآن وقد انتهت مدة هذا البرلمان لنكون أمام فرصة حقيقية لتقييم أدائه ومنتجه مع الوضع فى الاعتبار حجم الضغوط التى كان يواجهها مع مؤسسات الدولة لمحاربة موجة إرهابية عاتية يديرها تنظيم دولى تستخدمه أنظمة رسمية ضد الدولة المصرية استخداما معلنا.
وبرغم تلك الضغوط فقد استطاع هذا البرلمان وعلى مدار ستة فصول تشريعية إنجاز ما يقرب من ٨٩١ مشروع قانون لضبط أداء مؤسسات الدولة وتمكينها من خدمة المواطن المصرى. كما ناقش البرلمان وأقر ٣٠٨ اتفاقيات دولية، ومارس دورا رقابيا كثيفا نتج عن مناقشة ٦٠٠٨ طلبات احاطة، و٤١٣٣ سؤالا، فضلا عن ١٢٧٨ بيانا عاجلا. وبهذه الأرقام الموثقة أنهى البرلمان عمله متجاوزا مع دولته مرحلة صعبة فى عمر مصر والمصريين.
لم تتوقف حركة الإرادة الشعبية بل استكملت خطواتها من أجل إعادة انتخاب برلمانها الجديد فى ظل تبلور حالة حزبية ظهرت بوضوح خلال السنوات الخمس الماضية.

لقد استطاعت الإرادة الشعبية إعادة انتخاب برلمان جديد حتما سيشهد سجالا سياسيا بعد أن حصل حزب «مستقبل وطن» على ٥٣٪ من الأصوات لتتاح باقى المقاعد لأطياف حزبية متنوعة يمكنها قيادة معارضة حقيقية تحت قبة البرلمان.
ولن ينفرد البرلمان وحده بمهام السلطة التشريعية بل ستضاف له قوة إضافية داخل مجلس الشيوخ الذى سيحقق مزيدا من الانضباط والاستقرار التشريعى.

دولة ٣٠ يونيو التى أعلنت خريطتها منذ اللحظة الأولى كانت ومازالت تدرك ملامح طريقها ودروبه، فسارت فى خطواتها الواحدة تلو الأخرى لتقول إن مصر التى تحارب معركتها ضد الإرهاب هى نفسها من تستطيع بناء مؤسساتها وتفعيل دستورها.
دولة ٣٠ يونيو لا تتوقف عن تجديد شباب إرادتها الشعبية من خلال استحقاقات انتخابية تكتسب شرعيتها بإمضاء تلك الإرادة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة