محمد المنسى قنديل
محمد المنسى قنديل


أطباء.. ضحايا

أخبار الأدب

الأحد، 20 ديسمبر 2020 - 08:41 ص

محمد المنسى قنديل

الأسوأ لم يأت بعد، وأتمنى ألا يأتى، وقياسا هذا النمط الذى نسير به حياتنا الآن ستكون العواقب وخيمة، ففيروس » كورونا» الضئيل الذى لايرى حتى تحت عدسة الميكروسكوب العادى قد أثبت مدى قوته وسرعة تحوله من شكل إلى آخر، يضرب حيث لا يتوقع أحد، ويستولى بسرعة على الجهاز التنفسى لأى إنسان ليقطع عنه أهم امدادات الحياة، ورغم وجود أمل فى وجود لقاح إلا أنه مازال بعيدا عنا، لن يصل إلينا إلا بعد أن يكتفى الآخرون منه، وهكذا ندفع ثمن تخلفنا العلمى مرتين، مرة لأننا غير قادرين على انتاج هذا اللقاح، وأخرى لأننا لا نملك الثمن الذى يدخلنا فى المنافسة حول شرائه، ورغم نقص الامكانيات فالأمل كبير فى أن ننجو من هذه الجائحة رغم موجتها الثانية، لأننا تاريخيا قد نجونا من أوبئة أكثر قوة وفداحة، هاجمتنا دائما ونحن غير مستعدين، ولكن هناك من يساعدوننا دوما على النجاة..
 يقول نجيب محفوظ  إنه فى كل مجال فى مصر يوجد رجال أشبه بالرهبان، يعملون فى صمت لتضبيط الامور السائبة، لا يسعون لمقابل ولا يستنيمون لراحة، ولكنهم يريدون مصر خالصة، هؤلاء هم سر بقائها وفقا لرؤية نجيب محفوظ، وهى رؤية صحيحة،  وفى محنة هذا الوباء كان الاطباء ورفاقهم من بقية اعضاء الكوادر الطبية هم الذين تحملوا عبء هذا البقاء، كانوا عزلا تقريبا حين فوجئوا بأفواج المرضى وهى تتدفق على المستشفيات، كانوا لا يتمتعون بأى نوع من الحماية حين أصبحوا محاصرين بكل اصناف العدوى الفتاكة، لم تتوافر لهم الثياب الواقية ولا الاقنعة المتخصصة وكانت اعدادهم غير كافية لمواجهة هذا الطوفان المفاجئ، لم يعترف فيروس كورونا بأى سن ولا تخصص، لذلك تساقط العديد من الاطباء أمامه، بعضهم كان ينجو ويستعيد عافيته والبعض كان يدفع حياته ثمنا دون أن يستطيع الصمود، 210 أطباء مصريين كانوا ضحية الوباء بخلاف الذين سقطوا من بقية الكوادر الطبية، وهو اكبر عدد تم سقوطه فى دول العالم كما اعترفت بذلك منظمة الصحة العالمية، معظمهم كانوا صغار السن، يتحايلون على ظروف الحياة بالعمل فى المناوبات الليلية الطويلة وربما فى بعض العيادات الخارجية، وبالتالى فمعاشهم الرسمى قليل، لقد ضحوا بحياتهم دون انتظار للثمن، ولكنهم تركوا خلفهم زوجات وأولادا وعائلات كانوا هم مصدر دخلها الوحيد. لقد قدر رئيس الدولة هذه التضحيات، وأطلق عليهم دون تردد لقب الشهداء، وهم بالفعل شهداء للواجب والانسانية، فقدوا ارواحهم لينقذوا ارواح الآخرين، لكن يبدو أن بعض اعمدة البيروقراطية المصرية لا يعترفون بذلك، بل يرفضون أن يروا الوقع المؤلم الذين تعيشه اسر هؤلاء الضحايا، الذين لم يفجعوا برحيل عائلهم الشاب فقط ولكنهم يعانون ايضا من ضيق ذات اليد، و لم يستجيبوا حتى لدواعى الوفاء لأرواح هؤلا الضحايا، إن وصول الدفعة الاولى من اللقاح الصينى يبعث ببريق من الامل فى تخفيف العبء عن الأطباء الذين مازالوا يقاومون الوباء فى الصفوف الامامية، ولكن ماذا على الذين رحلوا، ربما كانت البيرقراطية تغل يد الحكومة حتى الآن، ولكن ماذا عن المجتمع المصرى الواسع، ماذا عن الذين سقط هؤلاء الاطباء وهم يدافعون عنهم ، لماذا لا يتقدم رجال الاعمال الى مشاركة الدولة فى تحمل هذا العبء، إن الامر هنا اسمى من أن يتعلق بالانفاق على لاعبى كرة القدم ولا الصرف على احد المهرجانات، ولكنه تكلفة بسيطة لمشاعر الوفاء والامتنان للذين وقفوا فى وجه الجائحة كى يدفعوها عنا جميعا وكان الثمن هو حياتهم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة