د. مصطفى رجب
د. مصطفى رجب


يوميات الأخبار

هذه الوحوش الساكنة فى البيوت

الأخبار

الإثنين، 21 ديسمبر 2020 - 08:34 م

غير أن الإنصاف يقتضينا أن نقول إن الإعلان له جوانبه الطيبة وجوانبه السيئة

 إن نظرة سيدة البيت إلى هذه الوحوش الساكنة معنا فى بيوتنا مهمة للغاية!!!
هذه الوحوش المسماة بالإعلانات يجب ترويضها قبل أن تفترس ميزانياتنا ووقتنا و.... ربما صحتنا أيضا، فقد أصبح الإعلان جزءا من الحياة اليومية للأفراد والأسر، فهو ـ من خلال الشاشة - ضيف يطرق بلا ميعاد، وزائر لا يأبه بشعور من يزورهم، ولا يهمه إن كانوا له منتظرين مشتاقين، أو كانوا له ولزيارته مبغضين!! فهو إذا وثيق الصلة بالناس وبالمجتمع، لأنه يوفق ما بين فئات يتربص بعضها ببعض، ففئة المنتجين المعلنين ترى فيه سلاحها الفتاك الذى تقتنص به ضحاياها من الفئة الثانية: فئة المستهلكين المشترين من الحاليين والمستهدفين!!. استطاع الإعلان منذ ظهر أن يغتال حواس الناس، فصار يحدّد لهم ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون وما يستخدمون من عطور ومن وسائل تسلية وترفيه. ويتم ذلك كله عبر ضخ إعلامى مستعر ليل نهار؛ يستهدف فى النهاية إعادة إنتاج حواس المستهلك المسكين..!!، فإذا كانت المصانع تنتج السلع، فإن الإعلانات تنتج المستهلكين لهذه السلع حتى لو كان ذلك بالتزييف والتزوير.
فهل بمقدور سيدة المنزل أن تقود بيتها المعاصر حتى ينجو من تأثير الإعلانات فى حياته؟
إن الإعلان التجارى ظهر فى حياتنا، كوسيلة لترويج السلع والخدمات، وتزايدت ـ مع تزايد انتشاره - أفكار وكتابات شتى تدعمه أو تهاجمه.
ومن أهم العوامل التى أجّجت نار الإعلان فى حياة البشر ما يلى:
1- التوسع الصناعى غير المحدود، وما أدى إليه من إنتاج سلع وأجهزة، تتحول يوماً بعد يوم من حالة الكماليات إلى حالة الضروريات.
2- الحاجة المستمرة إلى التخلص من فوائض الإنتاج المكدس فى مخازن الشركات والمؤسسات الصناعية تجعل من الإعلان الوسيلة المثلى لتصريف الإنتاج الراكد.
3- ظهور الشركات عابرة القارات أو عابرة الجنسية التى تتخذ لها فروعاً فى دول عديدة؛ مما أدى إلى توسيع الأسواق، ومن ثم تزداد الحاجة إلى الإعلان للترويج عن منتجات تلك الشركات لتلبية احتياجات السوق الواسعة.
4- اشتداد حمى المنافسة التجارية بين الشركات فى ظل الاتفاقيات الدولية التى تحمى حقوق الشركات، أدى هذا الاشتداد فى التنافس إلى الحاجة للإعلان عن السلع المختلفة بوصفها الأرخص سعراً، أو الأيسر استعمالاً، أو الأقل استهلاكاً للطاقة.. إلى غير ذلك من المزايا.
5- ارتفاع دخول الأفراد وتزايد السَّفَه الشرائى؛ أدى إلى تزايد الإعلان لتلبية هذا السَّفَه المتزايد بفعل تراكم القوى الشرائية لدى بعض فئات المجتمع.
وللإعلان وسائل شتى يستحوذ بها على اهتمام المشاهدين منها:
1- جذب انتباه المشاهدين لما فى الإعلان من كثافة تأثيرية تتجاور فيها الكلمة المكتوبة والصورة والحركة.
2- الإقناع بما يحتويه الإعلان من معلومات عن السلعة.
3- القدرة على التأثير المتجدد، وذلك باستعمال مواد غنائية مصوغة بأساليب يسهل حفظها وتذكرها وترديدها.
4- العزف على أوتار التأثير العاطفى لدى المشاهدين.
5- استعمال لغة الحياة اليومية السهلة المعتادة.
ومنذ عرفت حياتنا الإعلان، وتفاعلت معه، وانفعلت به، واستجابت له، تغيرت حياة الناس تغيرا ملحوظا، فازداد الشراء لحاجة ولغير حاجة، وفشا الخداع فى سلوكيات الناس تأثرا بما يغلب على الإعلانات من مخادعة وتضليل، وهذا ما أثار كثيراً من الانتقادات حول الإعلان حيث لم تلق رسائله ووسائله كل الرضا من الفئات المختلفة فى المجتمع. غير أن الإنصاف يقتضينا أن نقول إن الإعلان له جوانبه الطيبة وجوانبه السيئة مما يتطلب تفصيلا لتلك الجوانب تتحقق به الموضوعية.
 الآثــار السـلبية للإعلان
1 - الإعلان يخدع أحيانا:
هناك أنواع من الإعلانات تبالغ فى تضخيم المزايا المحققة من استخدام هذه السلعة أو تلك وذلك وفى سبيل كسب ثقة المستهلكين تتفنن فى إغرائهم بالشراء، مستخدمة الخداع والغش.
2 - التلاعب فى أذواق المستهلكين:
يؤدى الإعلان الجذاب إلى تغيير أذواق المستهلكين، وذلك بتقديم المعلومات بطرق مغرية متقنة الإخراج، سريعة التأثير، فائقة الجاذبية.
3- زيادة حاجات الأفراد:
إن قوة تأثير الإعلانات تؤدى أحيانا إلى إقناع الناس بشراء سلع لا حاجة بهم إليها، أو قد تكون الحاجة إليها غير ماسة، فإذا بالإعلان يدفع المشاهدين دفعا إلى اقتنائها.
4 - شراء السلع الضارة:
كثيرا ما يشجع الإعلان الأفراد - بجاذبيته - على زيادة استهلاك بعض السلع الضارة مثل السجائر والخمور وغيرها.
5- المخاطر الصحية للإعلانات:
لم تعد العادات والنظم الغذائية تخضع للقواعد الصحية، بقدر خضوعها للضخ الإعلانى المتكرر بهدف ترويج سلع معينة، قد يكون فيها ما فيها من مخاطر صحية، كما هو الحال فى الإعلاانات الموجهة للأطفال وما يحتاجون إليه من أغذية ومشروبات.
6 - الإعلان والـذوق:
يرى المتخصصون أن الإعلانات وخاصة إعلانات الراديو والتليفزيون أدت إلى انخفاض الذوق العام بما تلجأ إليه من أساليب غير عالية الآصالة أو الثقافة
7- تراجع القيم الروحية:
لقد أدى إدمان مشاهدة الإعلانات إلى تركيز الأفراد على إشباع حاجاتهم المادية، وزيادة تطلعات الأفراد للسلع المادية المختلفة، والسعى المستمر لإشباع هذه الحاجات المادية، مما أضعف القيم الروحية فى المجتمع، وقد أعتبر المنتقدون للإعلان أنه السبب الرئيسى فى وجود هذه الحالة لما يقوم به من ترويج للسلع المادية.
8- نشر القهر النفسى:
ويرى الباحثون أن الإعلان يتسبب فى إيجاد إحباطات عند الفقراء الذين يعجزون عن شراء السلع الفاخرة المعلن عنها، مما يسبب لهم نوعا من القهر النفسى، والشعور بالهوان الاجتماعى، وهذا هو أول الطريق إلى انتشار الحقد الطبقى المدمر.
9 - مضايقة المستهلكين:
إن تكرار الإعلان واستمراره لفترات متوالية يسبب ضيقا للمشاهدين، ويترتب عليه إعراض المستهلك عن السلعة ذاتها.
 نظرة أخرى
غير أن هناك من ينظرون إلى الإعلانات نظرة مختلفة، ويرونها لا تخلو من فوائد، ويردون على هذه الانتقادات بمثل الحجج الآتية:
1- إن هناك أنواعا من الإعلان تتصف بتلك العيوب السابقة، ولكن من ناحية أخرى فإن هناك أنواعا من الإعلان تخلو من تلك الجوانب السلبية.
2 - إن درجة رشد المستهلك ونمط تفكيره، يؤثران إلى حد كبير فى درجة قبوله للمعلومات الواردة فى الإعلانات والتعرف على نواحى المبالغة فيها.
3 - إن الإعلان لا يجبر الأفراد على شراء شىء، ولا يستطيع تحويل الأفراد فى اتجاه مخالف تماماً لرغباتهم.
4 - فى وسع الدولة أن تسن مجموعة من التشريعات، تضع شروطا للإعلان: من حيث الصدق وسلامة البيانات، وعدم المغالاة فيما يورده الإعلان من معلومات، وهذه التشريعات من شأنها منع الإعلان عن السلع التى تضر بالمستهلك، أو بضرورة ذكر الضرر كما يحدث فى إعلانات السجائر التى تتضمن التحذير من أخطارها.
5 - إن الإعلانات غير المقبولة من المستهلكين، لن تلقى المنتجات الخاصة بها زيادة فى المبيعات، مما يدفع المعلن حتما إلى مراعاة ما يتفق مع ذوق المستهلكين فى إعلاناته حتى يحقق أهدافه الإعلانية.
> السيئات الاقتصادية للإعلان:
يوجه المتخصصون للإعلان انتقادات مختلفة على الصعيد الاقتصادى. منها:
1 - إن الغالب فى الإعلانات هو الإعلان عن السلع الاستهلاكية.
2 - إن المبالغة فى استخدام الإعلان تؤدى إلى ارتفاع نفقات التوزيع ارتفاعاً كبيراً، وهذا الارتفاع فى النفقات يفوق فى بعض الأحيان الإيراد الناشئ عن زيادة المبيعات.
3 - إن الإعلان المستمر والمنتظم قد يقلل من حرية المستهلك فى اختيار السلع التى لا يعلن عنها بنفس القوة أو الانتظام برغم ما قد تتمتع به من مزايا وفوائد.
4 - إن الإعلان يتسبب فى رفع أسعار المنتجات والخدمات لأنها تحتسب سعر الإعلان من ثمنها.
2 - سيطرة المعلنين على وسائل الإعلام من خلال التهديد بحجب إعلاناتهم أو التحويل إلى وسائل أخرى إذا ما نشرت تلك الوسائل مضامين قد تضر بمصلحة المعلنين.
 الحسنات الاقتصادية للإعلان
ويرى الاقتصاديون أن للإعلانات حسنات اقتصادية كثيرة منها:
1 - إن الإعلان يساهم بنصيب كبير فى رفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل القومى كما قد يساعد على تحسين نوع السلع، والتقليل من نفقات إنتاجها وأثمان بيعها.
2 - الإعلان هو السبب المباشر فى دعم المجلات والجرائد بما يدفعه لها من أجور.
1 - إن الإعلان يؤدى إلى زيادة أنواع المنتجات المعروضة فى السوق وذلك لأن زيادة الطلب الناتجة عن الإعلان تشجع المنافسة فى السوق، مما يؤدى لزيادة الأصناف الموجودة.
2 - ويرى البعض أن بإمكان المنتجين التخفيف من الكساد باستخدام الإعلان فى تشجيع المستهلكين على الإنفاق بدلا من الادخار، وتقديم سلع جديدة للسوق لتشجيع الشراء.
3 - الإعلان يعرف الأفراد بالاختراعات الجديدة ويحثهم على استخدامها مما يؤدى إلى زيادة الاستخدام التى ينتج عنها زيادة فى فرص العمل وزيادة الدخل القومى ورفاهية المجتمع ككل.
هيا يا سيدتى.....
اتخذى قرارك الآن بمصاحبة أطفالك حين يفتحون عيونهم وآذانهم ليلتهموا الإعلانات، أدركيهم قبل أن تلتهمهم، فهى وحوش كاسرة، جذابة، مغرية، فكونى بجوار أطفالك أثناء المشاهدة مشيرة، موضحة، مبصرة، مرشدة، محذرة... ولكن خذى حذرك وإياك أن تشاركى أطفالك الانبهار!!! ولو حدث هذا، فأعيدى قراءة هذا المقال.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة