د. أحمد سالمان الباحث المصرى بفريق أكسفورد
د. أحمد سالمان الباحث المصرى بفريق أكسفورد


د. أحمد سالمان الباحث المصرى بفريق أكسفورد فى حوار جديد مع «الأخبار»:

اطمئنوا.. سلالة كورونا الجديدة «غير مؤثرة» على خطط إنتاج اللقاحات

حازم بدر

الإثنين، 21 ديسمبر 2020 - 08:43 م

لم يمر سوى شهر وبضعة أيام على حوار "الأخبار" الأول مع العالم المصرى الدكتور أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات بمعهد إدوارد جينر بجامعة أكسفورد، ولكن كانت هذه الأيام حافلة بالكثير من الأحداث المتعلقة بلقاحات كورونا، لاسيما فى لقاح جامعة أكسفورد، الذى كان عنوانا رئيسيا فى كثير من التقارير والأخبار.

وتوقف العالم كثيرا خلال هذه الأيام أمام نتيجة خرجت بها المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهى أن جرعة ونصف الجرعة من اللقاح تعطى فعالية أفضل من جرعتين.

كما كان لافتا أيضا ما تم إعلانه مؤخرا من أن شركة "استرازينكا" المنتجة للقاح جامعة أكسفورد، دمجت اللقاح الروسى "سبوتنيك 5" مع لقاح أكسفورد فى تجاربها، وذلك بهدف رفع فعالية ونجاعة اللقاح، وهى خطوة بدت غير مفهومة.

حيث يستخدم لقاح أكسفورد فى إعداده نوعا من فيروسات البرد التى تصيب الشمبانزى، بينما يستخدم اللقاح الروسى نوعا مختلفا يصيب البشر.

وبينما حصلت لقاحات لم تنشر نتائج تجاربها السريرية بعد، على اعتماد المؤسسات الصحية والدولية للبدء فى توزيعها، لم يحصل لقاح أكسفورد بعد على الاعتماد إلى الآن، بالرغم من النشر العلمى لتجاربه السريرية.

وترافق مع ذلك، ظهور سلالة جديدة من الفيروس يخشى البعض أن تكون مهددة لخطط إنتاج اللقاحات، وحدث تنامٍ كبير لفئة الرافضين للقاحات.

حتى أن فنانة شهيرة تساءلت "كيف تطالبوننى بأخذ لقاح تم إعداده فى أقل من سنة، بينما العالم لم يتوصل إلى الآن للقاح لفيروس الإيدز رغم العمل على ذلك لمدة 40 عاما"..

كل هذه التفاصيل وغيرها فرضت نفسها لتجعل العالم المصرى ضيفا فى حوار ثانٍ مع الأخبار، تضمن أكثر من 20 سؤالا، وكان كريما كعادته، وأعطانا قرابة الساعة والنصف من وقته للإجابة عليها عبر تطبيق (زووم).. وإلى نص الحوار.

لقاحنا‭ ‬الأنسب‭ ‬للدول‭ ‬الفقيرة‭.. ‬وسعر‭ ‬الجرعة‭ ‬لن‭ ‬يتجاوز‭ ‬3‭ ‬دولارات

الاعتماد‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭.. ‬و30‭ ‬مليون‭ ‬جرعة‭ ‬جاهزة‭ ‬للاستخدام

لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬لم‭ ‬ننتج‭ ‬لقاحاً‭ ‬للإيدز

لا‭ ‬تركزوا‭ ‬على‭ ‬الفعالية‭ ‬فى‭ ‬التقييم‭ ‬وتتجاهلوا‭ ‬الأمان‭ ‬وسهولة‭ ‬التخزين

خطأ‭ ‬شركة‭ ‬إيطالية‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬جرعة‭ ‬ونصف‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬جرعتين

- سأبدأ معك من النتيجة التى ظهرت فى تجارب المرحلة الثالثة السريرية للقاح أكسفورد وحيرت العالم، وهى أن جرعة ونصف الجرعة من اللقاح تعطى نتيجة أعلى من جرعتين؟ هل وصلتم إلى تفسير لذلك.. وهل من الجائز علميا القول إنكم توصلتم لهذه النتيجة عن طريق الصدفة؟

يشغله الجزء الثانى من السؤال عن الجزء الأول، فيرد منزعجا: صدفة !!.. من قال إنها صدفة؟!.. القصة باختصار أن الشركة الإيطالية تعاقدت فى مارس الماضى مع جامعة أكسفورد على تصنيع اللقاح والاشتراك فى تجاربه السريرية بعد أن أظهر اللقاح نتائج إيجابية فى التجارب على القرود.

وكان من المقرر أن تقوم بتصنيع 6 آلاف جرعة، يتم منحها لـ 3 آلاف مشارك، ولكن ما حدث أن الشركة أخطأت فى تركيز الجرعات، لأسباب غير معلومة لنا، وكانت كل عبوة لقاح تحتوى على نصف تركيز، وليس تركيزا كاملا.

فكان هناك خياران، إما أن تنتظر الشركة إصلاح الخطأ أو تعديل بروتوكول التجارب، وبدلا من إعطاء المشاركين جرعتين كاملتين، يتم إعطاؤهم نصف الجرعة المتاح حاليا، ثم جرعة كاملة بعد ذلك، وهذا ما حدث.

جرعة ونصف أفضل

- المقصود بالصدفة هو أنكم وجدتم عند مقارنة نتائج تلك المجموعة التى حصلت على جرعة ونصف بالمجموعة التى حصلت على جرعتين كاملتين فى أماكن أخرى من العالم، أن الأفضل هو جرعة ونصف، وهذا أمر لم يكن فى الحسبان؟

يبدى دهشة وتعجبا تظهر واضحة على ملامح وجهه قبل أن يقول: كنا فى مرحلة تجارب، ومن الوارد أن تقودك الظروف إلى تعديل فى بروتوكول العلاج، فهذا ليس عيبا فى اللقاح، وبدلا من أن تصفها بالصدفة، يمكن أن نقول "رب ضارة نافعة"، فقد وجدنا بالفعل أن اللقاح كان فعالا بنسبة 62 فى المائة لدى الأشخاص الذين تناولوا جرعتين كاملتين بفارق شهر، لكن فعاليته ارتفعت إلى 90 فى المائة لدى مجموعة أخرى تلقت نصف جرعة أولاً، ثم جرعة كاملة بعد شهر.

- وهل وجدتم تفسيرا علميا لذلك، لأن المنطق يقول إن جرعتين يفترض أن تكونا أكثر فعالية من جرعة ونصف؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة: هناك أكثر من تفسير، ولكن التفسير الأقرب الذى أميل له يتعلق بطريقة تصنيع لقاح أكسفورد نفسه، والذى يستخدم تقنية الناقلات الفيروسية، حيث يتم استخدام أحد فيروسات "الأدينو" التى تسبب نزلات البرد عند الشمبانزى كوسيلة لحمل المادة الوراثية الخاصة ببروتين "سبايك"، الخاص بفيروس كورونا المستجد، لحقنها فى الخلايا البشرية، وهذا يختلف عن لقاحات أخرى مثل اللقاح الروسى، والذى يستخدم فيروسات الأدينو التى تصيب البشر.

وما علاقة ذلك بكون الجرعة ونصف الجرعة أفضل من الجرعتين؟

يشير بيده طالبا الانتظارلتوضيح هذه العلاقة، حيث يقول: عندما تعطى جرعة عالية فى البداية، فإن الجسم ليس لديه أى مناعة ضد الناقل الفيروسى، لأننا نستخدم (الأدينو فيروس) الذى يصيب الشمبانزى، وهذا يمنح الناقل الفيروسى الفرصة فى إحداث عدوى للخلايا البشرية بشكل أكبر لعدم وجود مناعة مسبقة ضده، ويقوم بحقن المادة الوراثية الخاصة ببروتين (سبايك)، وعندما تقوم بإعطاء جرعة ثانية، فإن الجسم يكون قد شكل مناعة ضد الناقل الفيروسى، فيضيع جزء كبير من اللقاح قبل أن يصل إلى الخلايا ويحقنها بالمادة الوراثية متضمنة التسلسل الجينى لبروتين (سبايك)، لكن عندما تعطى جرعة منخفضة فى البداية، فإن المناعة التى تتشكل ضد الناقل الفيروسى لا تكون قوية، وبالتالى يمكن للناقل الفيروسى فى الجرعة الثانية الوصول بشكل أفضل للخلايا وحقن المادة الوراثية الخاصة بالبروتين.

استخدام اللقاح الروسى

- إذا كان هناك اختلاف بين تقنية لقاحكم التى تستخدم (الأدينو فيروس) الذى يصيب الشمبانزى وتقنية اللقاح الروسى "سبوتنيك 5" الذى يستخدم الأدينو فيروس الذى يصيب البشر، فلماذا إذن أقدمت شركة "أسترازينيكا" المنتجة للقاحكم، على خطوة بدت غير مفهومة، وهى دمج اللقاح الروسى "سبوتنيك 5" مع لقاحكم فى تجارب سريرية أخرى تجريها بهدف رفع فعالية ونجاعة اللقاح؟

يبتسم قبل أن يقول: الإجابة على هذا السؤال ترتبط بإجابتى السابقة، فإذا كانت الظروف قد خدمتنا لاكتشاف أن جرعة ونصف الجرعة من اللقاح أفضل من جرعتين، فإن التجارب التى ستجرى بالتعاون مع الجهة المنتجة للقاح الروسى، تستهدف اختبار ما إذا كانت جرعة كاملة من لقاح أكسفورد ثم جرعة كاملة من اللقاح الروسى، يعطى فعالية أكبر من جرعة ونصف أو جرعتين من لقاح أكسفورد.

- وما علاقة ذلك بالإجابة السابقة؟

قلنا إن أحد التفسيرات القوية لفعالية الجرعة الثانية القليلة عند إعطاء جرعتين كاملتين من لقاح أكسفورد، هو أن الجسم يكون قد شكل مناعة ضد الناقل الفيروسى (الأدينو فيروس المسبب لنزلات البرد عند الشمبانزى) بعد إعطاء الجرعة الأولى، فكان التفكير فى أننا لو استخدمنا فى الجرعة الثانية لقاحا يستخدم ناقلا فيروسيا مختلفا، وهو اللقاح الروسى الذى يستخدم (الأدينو فيروس المسبب لنزلات البرد عند الشمبانزى)، فربما يكون ذلك مفيدا فى زيادة الفعالية، لأن الجسم لن يكون لديه مناعة ضد هذا الناقل الفيروسى، وبالتالى سيتمكن من الوصول بشكل أفضل للخلايا وحقن المادة الوراثية الخاصة ببروتين فيروس كورونا المستجد.

- ولكن على ما أذكر أنه تم الترويج للقاح أكسفورد من منطلق أن الناقل الفيروسى الذى يستخدم "الأدينو فيروس" المسبب لنزلات البرد عند الشمبانزى، أفضل من المسبب لنزلات البرد عند البشر، لأن هناك احتمالية فى الأخير أن تكون هناك مناعة مسبقة ضد الفيروس، فكيف تلجأون لتجربة ناقل فيروسى قد تكون هناك مناعة مسبقة ضده؟

يصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس قبل أن يقول: تظل الاحتمالية ممكنة، ولكن سنتأكد من أن الشخص لم يتعرض لهذا الفيروس خلال الفترة السابقة لمشاركته فى التجارب السريرية، وذلك حتى لا يكون الجسم لديه مناعة قوية ضده، ولكن فى حال استخدام جرعتين يستخدمان نفس الناقل الفيروسى، فالفترة بين الجرعتين تكون بسيطة، ويكون لدى الجسم مناعة قوية تجاه الناقل الفيروسى، لذلك فإن التجارب الجديدة التى ستجريها استرازينكا تستهدف اختبار استخدام ناقلين فيروسين مختلفين أو تأكيد نتيجة أن جرعة ونصفا من اللقاح المعتمد على نفس الناقل الفيروسى أفضل من جرعتين.

- ولكن ما أعلمه أن نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاحكم قد صدرت مؤخرا، فتحت أى إطار تجرى هذه التجارب؟

التجارب السريرية للقاح أكسفورد ضمت فى مرحلتها الثالثة 24 ألف متطوع، وتوصلت لنتيجة أن جرعة ونصفا أفضل من جرعتين، ولكن الشركة تريد أن تصل بعدد المشاركين فى تجاربها لـ 60 ألفا، لذلك ستستكمل التجارب بمجموعة من المتطوعين فى أمريكا والبرازيل وكينيا واليابان لتأكيد حقيقة أن جرعة ونصفا أفضل أم أن استخدام جرعة كاملة من لقاح أكسفورد ثم جرعة كاملة من اللقاح الروسى يمكن أن يكون أفضل.

نسبة الفاعلية

- رغم أنكم روجتم لاستخدام (الأدينو فيروس) الذى يصيب الشمبانزى باعتباره الخيار الأفضل، لأنه لا توجد مناعة للبشر تجاهه، وبالتالى فإن فرص نجاحه أقوى، إلا أن ما تم إعلانه من نسب الفعالية فى بعض اللقاحات، مثل لقاح (فايزر) يكشف أن لقاح أكسفورد لا يأتى فى المقدمة.. فهل من تفسير؟

تكتسى ملامح وجهه بالجدية الشديدة التى تعكس غيرته على الجهد المبذول فى إعداد اللقاح، ليرد قائلا: الوصول لنسبة فعالية 90 % عن طريق جرعة ونصفا من اللقاح، وهو ما تم إثباته فى تجارب المرحلة الثالثة ليس رقما بسيطا، ونسعى لتأكيده أو زيادته من خلال التجارب التى ستجرى عن طريق الدمج مع اللقاح الروسى، لكن هناك شيئا مهما جدا يجب التأكيد عليه وهو أن تقييم اللقاح يتم وفق عدة عناصر من بينها الفعالية، مثل الأمان وقلة الأعراض الجانبية وتكلفة التصنيع وسهولة التوزيع والتخزين، فلا تركزوا على الفعالية وتتجاهلون العناصر الأخرى، لأنه إذا حقق لقاح كل هذه العناصر وكانت فعاليته مثلا 70 %، فهى نسبة مقبولة جدا..كما أن الأشخاص الذين لم يحمهم اللقاح بصورة تامة ضد العدوى، لم تظهر عليهم أعراض شديدة تتطلب دخولهم المستشفى أو الحاجة للتنفس الصناعى بخلاف الأشخاص الذين لم يأخذوا اللقاح وأصيبوا بالعدوى، وكانت أعراضهم حرجة وتطلبت دخولهم إلى المستشفى. إضافة إلى قدرة اللقاح على منع انتقال العدوى إذا أصيب الشخص الذى أخذ اللقاح ولم تظهر عليه أى أعراض.

لقاحات مجربة

- أفهم من إجابتك أنك ربما تشير إلى لقاح فايزر، وهذا يقودنى لسؤال آخر، وهو أنه من بين ما قيل فى مزايا لقاح أكسفورد عند مقارنته مع الآخرين، أنه يستخدم تقنية تمت تجربتها قبل ذلك فى لقاحات أخرى، ولكن حسب معلوماتى أن أى من هذه اللقاحات التى تشير إليها لم يتم استخدامها حتى الآن بشكل تجارى، فما الذى يميزكم فى هذا الإطارعن لقاح "موديرنا" أو "فايزر"، والذى يستخدم هو الآخر تقنية جديدة، وهى "مرسال الحمض النووى الريبوزى"؟

يشير بيده اليسرى طالبا الانتظار ليقوم بفتح أكثر من صفحة على شاشة الكمبيوتر قبل أن يواصل الحديث قائلا: هذه الصفحات سأرسل لك الروابط الخاصة بها لتعرف أن التقنية الخاصة بنا مجربة منذ نحو 20 عاما، ويوجد أكثر من 20 لقاحا لأمراض مختلفة تعتمد عليها، وتم اعتماد إحداها مؤخرا، وهو لقاح الإيبولا، ولكن ربما لم تحصل هذه اللقاحات على الشهرة المطلوبة، لأن الأمراض التى تستهدفها لم تتحول لوباء عالمى مثل الذى نعيشه الآن..

بالإضافة إلى استخدام هذه التقنية فى العلاج المناعى والجينى للعديد من الأمراض السرطانية والوراثية... أما التقنية "مرسال الحمض النووى الريبى"، التى تستخدمها موديرنا أو فايزر، فهى تقنية تستخدم لأول مره فى العالم، فبدلا من استخدام ناقل فيروسى لحقن المادة الواثية لبروتين الفيروس فى الخلايا (DNA)، تستخدم التقنية الجديدة معلومات وراثية (mRNA) تسمح لخلايا الجسم بإنتاج البروتين الفيروسى فى سيتوبلازم الخلايا ثم عرضها لجهاز المناعة حتى يتم تدريبه والتعرف عليه وبناء ذاكرة مناعية ضد الفيروس.

فى إطار المقارنة أيضا مع لقاح "موديرنا" و" فايزر"، فإن هذه اللقاحات يمكن إنتاجها بشكل أسرع من لقاح أكسفورد، فإلى أى مدى سيكون عامل الوقت مؤثرا على فرصكم فى التواجد بين اللقاحات التى سيتم الاعتماد عليها فى تلقيح العالم؟

أومأ بعلامة الرفض قبل أن انتهى من سؤالى، ليرد على الفور قائلا: صحيح أن دورة التصنيع عند فايزر أو موديرنا يمكن أن تصل إلى نحو شهرين، فى مقابل ما بين ثلاثة إلى أربعة شهور لدورة التصنيع الخاصة بلقاح أكسفورد، ولكن الميزة التى ستجعل لقاح أكسفورد أسرع فى الانتشار هو أن الشركات حول العالم لديها خبرة فى تقنية إنتاج اللقاحات باستخدام الأدينو فيروس تصل لـ 20 عاما، وهو ما ساعد شركة ∩استرازينكا∪ المنتجة للقاح على إبرام تعاقدات مع شركات فى أكثر من 12 بلدا، لإنتاج 3٫7 مليار جرعة خلال عام 2021، وقد يصل هذا الرقم إلى 5 مليارات مع إبرام تعاقدات أخرى، بينما شركة موديرنا وفايزر لن يتمكنا وفق تصريحاتهما من إنتاج سوى كمية من 500 مليون إلى مليار جرعة.

الاعتماد الرسمى

- ولكن ألم تشعروا بالقلق من أن لقاحا مثل فايزر حصل على الاعتماد الرسمى، بينما لم يحصل لقاحكم عليه حتى الآن، بالرغم من أنكم تميزتم بكونكم الفريق البحثى الأول الذى نشر نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية؟

ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: فى بريطانيا الأمر يسير كما تنص القواعد العلمية الراسخة، وهو أنه يجب نشر تجارب المرحلة الثالثة السريرية قبل الحصول على الاعتماد، وقد نشرت النتائج قبل أيام، ونتوقع الحصول على الاعتماد خلال أيام، وهذا لا يسبب قلقا، لأن شركة (استرازينكا) بدأت بالفعل فى إنتاج الجرعات منذ شهر يونيو الماضى، استنادا إلى المؤشرات الجيدة التى حصلنا عليها من التجارب الحيوانية والنتائج الأولية للتجارب السريرية على البشر، ويوجد فى اللحظة التى أتحدث معك فيها الآن، حوالى 30 مليون جرعة جاهزة للتوزيع فور الحصول على الاعتماد الرسمى، منها 4 ملايين جرعة سيتم توزيعها فى بريطانيا، والباقى فى أمريكا.

- وهل من الجائز الحصول على الاعتماد للقاح قبل نشر النتائج علميا، كما حدث مع أكثر من لقاح حول العالم؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول: فى زمن الأوبئة، يجب ألا نتوقف كثيرا أمام هذه النقطة، فالطبيعى كما قلت سابقا أنك تنشر علميا ثم تطلب الاعتماد، ولكن ربما من أجل تسريع الإجراءات يمكن طلب الاعتماد، استنادا إلى أن البيانات الخاصة بالتجارب السريرية التى سيتم نشرها علميا، والتى ستخضع للمراجعة من العلماء المسئولين عن المجلة التى ستنشر البحث، هى ذاتها التى سيتم إرسالها لجهة الاعتماد مثل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، والتى يكون لديها علماء على أعلى مستوى لمراجعة بيانات التجارب السريرية.

السعر والتخزين

- أشعر أن الثقة التى تتحدث بها عن لقاح أكسفورد سببها الأساسى ليس فقط أن تقنيتكم تمت تجربتها قبل ذلك، ولكن ربما يكون السبب هو أن لقاحا مثل فايزر أو موديرنا لن يكون مناسبا لكثير من الدول بسبب صعوبة النقل والتخزين؟

تعود الابتسامة العريضة إلى وجهه قبل أن يقول: ليس فقط النقل والتخزين، ولكن السعر أيضا، فلقاح أكسفورد، هو اللقاح الأنسب للدول الفقيرة، حيث سيتراوح ثمن الجرعة الواحدة من اللقاح بين 3 و4 دولارات، بينما يصل ثمن الجرعة من لقاح فايزر إلى 25 دولارا، وموديرنا 35 دولارا، هذا فضلا عن أن لقاح أكسفورد يمكن تخزينه فى درجة حرارة الثلاجة العادية، بينما لقاح موديرنا أو فايزر يحتاج إلى درجة حرارة (−40 إلى −70 درجة مئوية)، وهذه قدرات تخزينية لا يمكن أن تتواجد فى كثير من الدول الفقيرة فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

- هذه المزايا فى السعر والتخزين قد تنهار أمام ما يتردد من أن بريطانيا أصدرت تحذيرا بشأن عدم ملاءمة لقاحكم لمرضى الحساسية، وهذا يعنى أنه لن يكون مناسبا لكبار السن والأطفال، لأن كثيرا منهم يمكن أن تكون لديهم هذه المشكلة؟

يبدى دهشة وتعجبا بدت واضحة على ملامح وجهه قبل أن يقول متسائلا: من قال أن لقاحنا يسبب حساسية؟!!.. ربما ما تقوله يتعلق بحالتين فى بريطانيا ظهرت عليهما أعراض حساسية بعد تناول لقاح فايزر، ولكنها كانت أعراضا محدودة وتم التعافى منها سريعا، ولم يثبت فى التجارب السريرية أن لقاح أكسفورد يسبب أى حساسية تستدعى دخول المستشفى، ولكنها "الحساسية المحدودة" المقبول حدوثها عند تناول أى لقاح، والتى تكون فى موضع الحقن.. ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يكون لديهم فى الأساس تاريخ مرضى مع جهاز المناعة، وهؤلاء يمكن أن تحدث لهم مشاكل، مما يستدعى وضعهم تحت الملاحظة، ولكن بخلاف ذلك، فإن لقاحنا آمن تماما على كل الفئات العمرية، بمن فيهم كبار السن والأطفال.

- فى إطار الحديث عن أمراض المناعة، هناك مخاوف من أن تتسبب لقاحات كورونا فى حدوث مرض مناعى يسمى "متلازمة غيلان باريه"...

هذه الحالة هى حالة نادرة من أمراض المناعة، وفيها يهاجم الجهاز المناعى الجهاز العصبى للشخص، ولم نرصد فى تجاربنا السريرية حدوثها، وأعود لأؤكد أنه بخلاف الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضى مع أمراض المناعة، فإن اللقاح آمن تماما.

اللقاح وكبار السن

- وهل عدد المتطوعين من كبار السن الذين شملتهم تجاربكم السريرية كاف لإصدار حكم بأن اللقاح سيكون آمنا على كبار السن؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: شملت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية حوالى ألف متطوع من سن 50 إلى 70 عاما، وحوالى 500 متطوع من سن فوق السبعين عاما حتى الـ 80 عاما، و200 متطوع فى سن فوق الثمانين عاما، وهذه أرقام مقبولة جدا.

- هل تكونت لديكم رؤية واضحة بشأن مدة استمرار فاعلية اللقاح، وهل سيكون موسميا أم لا؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة، قائلا: الذين حصلوا على اللقاح فى شهر أبريل ضمن التجارب السريرية لاتزال لديهم مناعة جيدة مستمرة، أى أننا نتحدث عن حوالى (8 شهور حتى الآن)، ولكن معرفة إلى أى مدى ستستمر هذه المناعة، فهذا يتطلب منا الانتظار، ولكن استنادا إلى قياس مستوى الأجسام المضادة الموجودة لديهم نستطيع القول إنها ستستمر إلى سنة وقد تزيد عن ذلك.. أما ما يتعلق بموسمية اللقاح، فهذا أمر يتوقف على نجاح حملات التلقيح التى ستحدث عالميا فى السيطرة على الفيروس وإنهاء الوباء، فإذا حدث ذلك فلن نكون بحاجة للتطعيم مجددا، وإن لم يحدث − وهذا وارد − فقد نحتاج للتطعيم بشكل موسمى.

- وماذا عن عدد جرعات اللقاح ومقدار الوقت الفاصل بينهما؟

لم يتم حسم إن كانت جرعة ونصف الجرعة ستعطى مناعة أفضل أم جرعتين، وإن كنت أميل كما قلت لك فى البداية إن جرعة ونصف الجرعة ستكون أفضل، حيث تعطى نصف جرعة فى البداية، وبعد ثلاثة أسابيع يتم إعطاء جرعة كاملة تعزيزية.

السلالة الجديدة من الفيروس

- بينما نتحدث الآن، يظهر أمامى على شاشة التلفاز خبر يشير إلى إعلان منظمة الصحة العالمية، أن هناك تحورا جديدا حدث بالفيروس فى بريطانيا أنتج سلالة جديدة، فإلى إلى أى مدى يؤثر ذلك على تركيبة اللقاح؟

يقابل الهلع الذى ارتسم على وجهى بابتسامة مطمئنة، أعقبها بقوله: اطمئن وطمأن الآخرين بأن التحور الذى حدث بالفيروس يمكن أن يكون هو التحور رقم 25، وكل هذه التحورات لم تنل من تركيبة الجزء المهم بالفيروس الذى تستهدفه كل اللقاحات، وهو بروتين "سبايك"، لذلك فإن هذه التحورات غير مؤثرة.

- وكيف تكون تحورات الفيروس مؤثرة؟

هناك ثلاثة مسارات للتحور، إما أن يكون تحورا بسيطا غير مؤثر على تركيبة الفيروس، أو يحدث تحور كبير فى الفيروس بالجزء الخاص بـ "سبايك" بروتين، وهو الذى يمنح الفيروس القدرة على عدوى الخلايا البشرية، وعندها يكون الفيروس قد أراح واستراح، وفقد قدرته على عدوى البشر، أو يحدث تحور كبير فى تركيبة هذا الجزء مع عدم فقد القدرة على التعرف على مستقبلاته فى الخلايا البشرية، وفى هذه الحالة يجب تعديل اللقاح، وفق التركيب الجينى للفيروس، وفى كل التحورات التى حدثت لازلنا فى المسار الأول، وإن كنا بطبيعة الحال نتمنى حدوث المسار الثانى.

إذا لا قدر الله حدث المسار الثالث الذى يتطلب تعديل اللقاح، هل لديكم نفس المرونة التى توجد لدى لقاح موديرنا أو فايزر؟

تعود علامات الدهشة والتعجب إلى وجهه مجددا، ليرد متسائلا: من قال إن لقاحات موديرنا وفايزر لديها قدر أكبر من المرونة؟ فكل الشركات المنتجة للقاحات تستطيع التحرك سريعا للتعديل، إذا تم اتخاذ قرار بذلك، وبالنسبة للقاح أكسفورد يمكن أن يتم ذلك خلال ثلاثة شهور على الأكثر.

تغريدة هيفاء وهبى

وأختم معك الحوار بتغريدة انتشرت على نطاق واسع للفنانة اللبنانية هيفاء وهبى أعلنت فيها أنها لن تتناول اللقاح، وقالت فى تفسير ذلك: ∩40 عامًا من البحث المستمر دون إيجاد لقاح للإيدز، و100 عام للسرطان وأبحاث مستمرة للبرد، ولم يوجد لقاح موحد، وفى أقل من عام وُجد لقاح لكورونا، وتريدون أن آخذه؟ شكراً لا∪.. فما تعليقك على ما ذكرته من أسباب تم تناقلها وكأنها رأى علمى معتبر؟

تظهر على وجهه ابتسامة ساخرة لم اعتدها منه قبل أن يقول: فى البداية أحب أن أبدأ ردى بمقولة الإمام الشافعى: "لو أنى جادلت ألف عالم لغلبتهم ولو أنى جادلت جاهلا واحداً لغلبنى"، فمن يريد أن يطرح رأيا فى مثل هذه القضايا لابد أن يستند على علم، وفى النهاية من يرد أن يأخذ اللقاح فليأخذه ومن لم يرد فليمتنع، فهذه حرية شخصية، ولكن يجب أن يكون القرار مبنيا على أساس علمى.

ويأخذ تنهيدة عميقة استعدادا لحديث طويل، قبل أن يقول: أما بخصوص ما جاء فى التغريدة، فاحتراما لأنك طرحت السؤال سأرد على ما جاء فيها، ولكن فى العادة أنا لا أفضل الخوض فى مثل هذا الجدل العقيم، وأبدأ بالمقارنة مع الإيدز، وفيها عدم إدراك للمقارنة بين فيروسين، ففيروس كورونا المستجد حجم البروتين الخاص به كبير (حوالى 1300 حمض أمينى)، مقابل (500 حمض أمينى) لفيروس الإيدز، وهذا يجعل هناك سهولة فى عمل لقاح لكورونا يستهدف تركيبا محددا من الأحماض الأمينية، هذا فضلا عن أن الجزء الظاهر من فيروس الأيدز (جليكو بروتين)، على عكس الجزء المعرض من فيروس كورونا (سبايك بروتين) مغطى بتركيب معين فى الكربوهيدرات لا يجعله محفزا قويا لجهاز المناعة، كى يتعامل معه، وذلك على خلاف فيروس كورونا المستجد، وإلى جانب كل ذلك فإن فيروس الإيدز لديه خاصية تمكنه بعد التكاثر داخل خلايا جسم الإنسان من أخذ جزء من تركيب الغشاء الخلوى وتغليف نفسه بها للتهرب والتخفى من جهاز المناعة والتواجد فى جسم الإنسان وكأنه من تركيب الجسم وليس مادة غريبة قد تحفز جهاز المناعة بصورة قوية، وكل هذه الأسباب تجعل هناك صعوبة فى إنتاج لقاح له، وإن كانت هناك محاولات جادة حاليا لإنتاج لقاح لا يعتمد على تركيبة الأجزاء الظاهرة من الفيروس، ولكن على تركيبة داخل الفيروس نفسه وتحفيز الخلايا التائية القاتلة بشكل أساسى بدلا من الأجسام المضادة.

أما بخصوص الحديث عن عدم تحقيق أى نجاح فى مواجهة السرطان، فهذا كلام غير صحيح على الإطلاق، ففضلا عن تحقيق تقدم فى بعض العلاجات، مثل علاج سرطان الدم عند الأطفال (لوكيميا الأطفال)، والذى قلل نسبة الوفيات بسبب المرض إلى حوالى ما بين 5 و10 %، سأفاجأ من كتب التغريدة، بأن هناك لقاحات معتمدة تمنع سرطانات عنق الرحم والبروستاتا، ولقاحات تمنع فيروس "بى" الذى يمكن أن يسبب سرطان الكبد.

وأخيرا بخصوص، عدم وجود لقاح موحد للإنفلونزا، فمن المعروف أن هذا الفيروس شديد التحور، وتختلف السلالات من مكان لآخر، فأن تكون هناك آلية للتعامل مع هذا التحور باختلاف تركيبة اللقاح من مكان لآخر ومن عام لآخر، فهذا فى حد ذاته إنجاز علمى، لا يجب التقليل منه.

وفى النهاية أحب أن أؤكد أن قرار أخذ اللقاح هو قرار شخصى، ولكن ما أرجوه أن من يأخذ هذا القرار يأخذه عن علم، وأنا بدورى أشجع الناس على أخذ أى لقاح يتم اعتماده بشكل رسمى.

جرعة‭ ‬ونصف‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬جرعتين

دمج‭ ‬لقاحنا‭ ‬مع‭ ‬الروسى‭ ‬‮«‬ممكن‮»‬‭.. ‬وتقنية‭ ‬‮«‬فايزر‮»‬‭ ‬تستخدم لأول‭ ‬مرة

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة