عبدالفتاح الجمل
عبدالفتاح الجمل


رحلة البحث عن الرواية المفقودة

«مواسم العصافير»

أخبار الأدب

الإثنين، 21 ديسمبر 2020 - 11:24 م

كتب: عائشة المراغي

البساطى عن نشرها فى سلسلة «أصوات أدبية»
لكن أزمة الروايات الثلاث حالت دون ذلك

«كان البساطى يعرف أن هناك أعمالًا كتبها عبدالفتاح ولم تُنشر، فطلب أن يصعد معى إلى الشقة بعد وفاته وصار يخرجها من بين مقتنياته، كان كشكولًا مليئًا بالصفحات المكتوبة بخط يده». هكذا أخبرنى المهندس محمد سناء، زوج أخت عبدالفتاح الجمل، فاستقرت المعلومة فى عقلى ولم تبرحه، وحاولتُ أن أصل لمزيد من التفاصيل حول الأمر، لكن دون جدوى، وتساءلتُ حينها: «هل تلك المخطوطات هى نفسها الخاصة بخرافات أيسوب المصرى التى نُشرت بعد وفاة الجمل، أم أنها لازالت مجهولة فى مكان ما؟».
ظل التساؤل عالقًا معى، نسعى سويًا للوصول إلى معلومة أكيدة تقود إلى تفسير أو إجابة، إلى أن نشر الكاتب محمد رفاعى تعليقًا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يقول فيه: «حين كان البساطى رحمه الله رئيسًا لتحرير لسلسة أصوات أدبية التى تصدرها الثقافة الجماهيرية كان ينوى نشر كتاب لـ «عبدالفتاح الجمل» باسم «مواسم العصافير».... ترك البساطى السلسلة بعد أزمة الروايات الثلاث... وفى بعض كتب السلسلة تنويه على أن الكتاب صدر برقم 311. ومرت سنوات لم يُنشر الكتاب ولم يعرف مصيره».
فى تلك اللحظة علا الصوت الخافت بداخلى، وقررتُ تلمس الطريق لمعرفة ذلك المصير المنشود.
>>>
بدأتُ رحلة البحث من مكتبة والدى، بين المتاح فيها من إصدارات سلسلة أصوات أدبية، وبعد ساعات من التنقيب خرج بين يدىّ كتابان على التوالى؛ الأول هو رواية «صمت الكهنة» لصبحى موسى ورقمها (332) أى بعد الرقم المذكور عاليه ـ والجارى البحث عنه ـ بأكثر من عشرين إصدار، فانتقلتُ فورًا إلى الصفحات الأخيرة أطالع العناوين التى صدرت مؤخرًا عن السلسلة، وبعدما وصلتُ إلى الإصدار (308) انقطع التسلسل بشكل مفاجئ، لأجد أن الرقم التالى له (312).
بعد ثوانٍ من الحيرة غمرنى الأمل مجددًا، إذ وجدتُ أن الكتاب الآخر فى يدى هو رواية «أحلام محرمة» لمحمود حامد، صاحب الرقم (312)، وفى نهايته قائمة بالإصدارات الأخيرة، بما فيها الأرقام الثلاثة المفقودة من 309 إلى 311، وهى على الترتيب: «يبدأ هكذا» جمال القصاص، «مختارات» ماجد يوسف و«مواسم العصافير» عبدالفتاح الجمل.
«أحلام محرمة» هى إحدى الروايات الثلاث التى تسببت فى أزمة مدوية بوزارة الثقافة مطلع الألفية الثالثة وتمت مصادرتها، لذا عُدت لصفحات الكتاب الأولى لأتعرف على هيئة تحرير السلسلة، فظهر لى اسم محمد البساطى رئيسًا لتحريرها، وجرجس شكرى مديرًا للتحرير. التقطتُ هاتفى للاتصال بالشاعر جرجس شكرى مستفسرة عن «مواسم العصافير»، فنفى أمر نشرها، مؤكدًا أنه لا يتذكر كتابًا قد صدر عن السلسلة لعبدالفتاح الجمل، بل أنه لم يره قط، ولا حتى مخطوطًا، ربما كان بحوزة البساطى فأعلن عنه، لكنه لم يسلّمه إلى الهيئة أو المطبعة.
ولمزيد من التأكد؛ اتصلتُ بشبيهه فى الاسم الكاتب عبدالفتاح عبدالرحمن الجمل، رغم معرفتى بعناوين جميع أعماله الصادرة، لكنى آثرتُ التيقن من أن «مواسم العصافير» لا تخصه على الإطلاق، فكان لى ذلك، إذ نفى وجود عمل له بهذا الاسم.
>>>
أدركتُ أننى فى حاجة إلى زيارة دار الكتب والوثائق، للاطلاع على الإصدارات السابقة واللاحقة لرواية محمود حامد، ربما أجد مزيدًا من التفاصيل.
وبالفعل؛ بدأت الأمور فى دار الكتب تتضح سريعًا، لأن الحظ حالفنى واهتديتُ إلى البدء بالإصدارات اللاحقة، فجاء ديوان «ذلك البيت الذى تنبعث منه الموسيقى» لرنا عباس، والحامل لرقم (313)؛ بتفسير مباشر، إذ تغيّرت هيئة تحرير السلسلة على ترويسته إلى د.عبدالمنعم تليمة رئيسًا، وسحر سامى مديرًا، وفى نهايته حُذفت أربعة أرقام من تسلسل الأعمال الصادرة، وكُتب فى الصفحة التالية تنويهًا، نصه: «الأعداد رقم 307، 309، 310، 311 لم تصدرها هيئة التحرير السابقة نظرًا لظروف خاصة ونحن إذ نستكمل بعد آخر عدد صدور وهو برقم (312) فذلك حرصًا على التتابع الزمنى لإصدار السلسلة».
أما الإصدارات السابقة، فأخذتُ أعود بها إلى الوراء حتى ظهر أمامى الإعلان الأول عن اسم عبدالفتاح الجمل، داخل المجموعة القصصية «بيت النجار» لعبدالحكيم حيدر، الصادرة فى أغسطس 2000 برقم (299)، وتحمل فى صفحتها الأخيرة 15 عملًا تحت عنوان «الأعداد القادمة»، يحمل كل رقم اسم العمل وأمامه اسم الكاتب، فيما عدا رقم (13) الذى لم يُذكر بجانبه سوى نقاط وأمامها اسم عبدالفتاح الجمل.
يشير ذلك بوضوح إلى وجود عمل إبداعى للجمل لم يُنشر، ظل بحوزة محمد البساطى منذ وفاة عبدالفتاح الجمل حتى لحظة الإعلان عن نشره، ربما لم يكن للمخطوط اسمًا وتحمّل البساطى تلك المهمة ومنحه عنوان «مواسم العصافير»، أو ربما كان العنوان موجودًا بالفعل لكن البساطى لم يتذكره لحظة كتابته لقائمة الأعداد القادمة؛ كلها احتمالات لا تجيبنى عما أبحث عنه.
>>>
كانت محطتى الأخيرة فى البحث هى أسرة الكاتب الراحل محمد البساطى، إذ هاتفتُ زوجته الدكتورة سناء لسؤالها عن مخطوط الرواية المفقودة للجمل وإن كان هناك احتمالًا لوجودها ضمن أوراق البساطى أو مكتبته، فنفت الأمر تمامًا، وأحالتنى إلى الكاتب خالد عاشور للتأكد أيضًا، باعتباره عليمًا أكثر منها بأمور البساطى الأدبية وما يخصه من أوراق، فأكّد لى ـ مثلها ـ أنه لم ير ذلك المخطوط أبدًا، بل ولم يسمع عنه قط من محمد البساطى قبل وفاته.
إلى هنا؛ ظل أمر الرواية مبهمًا، لا أعرف عنه شيئًا سوى عنوان «مواسم العصافير» غير المعلوم مصدره، إلى أن قرأتُ رسائل الأصدقاء للجمل ـ المنشور بعضًا منها بالصفحات السابقة ـ وفيها يسأله حسين عيد عام 1992 عن «رواية أبو قير»، وقبل ذلك بعشر سنوات يسأله نبيل السلمى عام 1982 عن «أبو إسكندر» وإن كان قد انتهى من كتابته، وهو ما يدلل على أن هناك رواية لعبدالفتاح الجمل ـ وربما أكثر ـ كان أمرها معلومًا لدى أصدقائه.
ومما تشير إليه الرسائل ـ كذلك ـ أن الرواية تدور أحداثها فى الإسكندرية، وتحديدًا أبو قير التى قضى فيها الجمل سنوات شبابه الأولى بعد التخرج، بين أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وهو ما يطرح احتمالًا آخر بأنها، ربما، كانت تتضمن بعضًا من أشعاره أو كتاباته السردية التى خطّها فى أبى قير وظل محتفظًا بها لما يزيد على أربعين عامًا دون أن يفقدها أو ينشرها، وعندما أحس بقرب الأجل بعث بها لصديقه الأمين كى يجنِّبها الضياع، مع تأكيد بأنه سيرسل جزءًا آخر من الأوراق والمخطوطات، لكن القدر كان له السبق، ليبقى مصير الرواية مجهولًا إلى إشعار آخر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة