محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

السؤال الذى أغضب مبارك!

الأخبار

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020 - 06:49 م

بعد لحظات توالت الكلمات منها تقريظ أو شماتة وبعضها يحمل اللوم من بعض الزملاء ومنهم من تعجب أننى تجرأت ووجهت هذا السؤال!!

عقب تكليف الدكتور عاطف صدقى بتشكيل أول حكومة برئاسته فى العام ١٩٨٦ عرض أسماء أعضاء حكومته على الرئيس الراحل مبارك خلال اجتماع فى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أثناء خروج مبارك مبتسما مملوءا بالقوة والنشاط ويسير خلفه د.عاطف صدقى محاولا اللحاق به لوداعه لكى يستقل سيارته وسط أفراد حراسته الخاصة يشقون تجمع وسائل الإعلام من مراسلى وكالات الأنباء المحلية والأجنبية والإذاعات والفضائيات والصحافة الذين كانوا فى انتظار نتائج الاجتماع.
دقة المتابعة وزيادة الاهتمام من وسائل الإعلام كان مرجعه أن تكليف د.عاطف صدقى جاء عقب إقالة حكومة د.على لطفى التى لم يزد عمرها عن عشرين شهراً. كانت حافلة بالأزمات والمشاكل والكوارث أما السبب الثانى فكان هو الوضع الاقتصادى المصرى فى أسوأ حالاته.
فى هذا العام تحديداً كان بداية عملى مراسلاً «للأخبار» ومحرراً لشئون رئاسة الجمهورية، تم تكليفى من قبل الأستاذ جلال دويدار لمتابعة أخبار تشكيل حكومة د.صدقى التى استمرت حوالى أسبوع حتى اكتملت وكان آخرها اجتماع رئيس الحكومة المكلف مع الرئيس الراحل مبارك وكنت من بين الصحفيين والمراسلين الذين كانوا فى انتظار نتائج الاجتماع!
كنت فى مقدمة صفوف المراسلين وفور اقتراب الرئيس الراحل يتبعه رئيس الحكومة بادرته بسؤال سريع وخاطف وكان الرد من الرئيس الراحل مبارك سريعاً غاضباً حيث احمر وجهه وجحظت عيناه وتحركت يداه بعصبية شديدة، مما أربكنى تماما خاصة بعد حالة الصمت المطبق التى خيمت على المكان وشدت انتباه الحرس الخاص نحوى.
أعود لكلمات السؤال الذى طرحته على الرئيس الراحل والتى مازلت أحفظها عن ظهر قلب.. والسبب فى هذا السؤال تحديداً كان مهنياً كما تعلمت واقتنعت.. لأن الدكتور عاطف صدقى حاصل على الدكتوراة فى الاقتصاد الشمولى ومصر  كانت قد اختارت نظام الاقتصاد الرأسمالى الحر والانفتاح الاقتصادى قبلها بسنوات.. وكانت أحد أسباب إقالة حكومة على لطفى هى المشكلة الاقتصادية والارتفاع الكبير فى تكلفة معيشة المواطنين!
احنا راكبين موتوسيكل!
قررت أن أطرح هذا السؤال على الرئيس الراحل لأن إجابته غاية فى الأهمية. فإما أن يؤكد أننا ملتزمون بسياسة الإصلاح الاقتصادى. ومواصلة الانفتاح الاقتصادى، أم أننا سنغير سياستنا الاقتصادية خاصة أن رئيس الحكومة الجديدة يحمل الدكتوراة فى الاقتصاد الشمولي!
بمجرد اقتراب مبارك أمامى ألقيت سؤالي: سيادة الرئيس هل سيتبع التغيير الوزارى الجديد تغيير فى السياسات الاقتصادية؟
لم أسمع سوى كلمتين فقط من الرد الغاضب من الرئيس الراحل حيث أجاب على الفور: هوه احنا راكبين موتوسيكل!!
واستكمل سيره متوجها إلى سيارته.. وبعد لحظات توالت الكلمات منها تقريظ أو شماتة من بعض الزملاء وبعضها يحمل اللوم لى والآخر يتساءل انت بتسأل ليه؟! أنت أول يوم ماكنش يجب تسأل وآخر الكلمات لزميلة أكبر منى تلومنى على ما سألت!!
لم أفهم ماذا يعنى هذا الرد تحديداً، لكن الذى حدث هو أن الدكتور عاطف صدقى استمر فى منصبه ١٣ عاما رئيسا للحكومة وسجل رقماً قياسياً فى طول البقاء مع بعض التغييرات الوزارية طوال تلك الفترة.. وللحق فإن الدكتور صدقى تحمل أعباء ضخمة وحقق انجازات ولولا حالته الصحية لما اعتذر عن عدم الاستمرار فى منصبه!
رغم تعدد المؤتمرات الرئاسية التى قمت بمتابعتها إلا أننى لم أبادر بتقديم أو طرح اسئلة لفترة ليست قصيرة ويبدو أن الرئيس الراحل قد لاحظ ذلك!
لما اقرأ.. ياباشمهندس!
عقب انتهاء الاجتماعات والمقابلات الرئاسية فى منتصف نهار أحد الأيام خرج الرئيس مبارك ووقف أمام باب سيارته فى قصر القبة مبديا السماح لنا بالحديث قائلا وهو يبتسم: ماعندكوش اسئلة ولا إيه، البعض طلب ان يتفضل الرئيس ويعطى لنا أخباراً.. فرد مبتسما ليس لدى أخبار.. فانتهزت الفرصة وطلبت منه أن يعطى لنا مضمون الرسالة التى تلقاها من الرئيس الأمريكى بوش الابن صباح ذلك اليوم كنت قد علمت بالخبر قبل أن أذهب الى العمل- فاذا بالرئيس الراحل يبتسم وهو يقول لى.. ياباشمهندس لما اقرأ الرسالة أبقى أقولك، وهم بدخول سيارته!
وتمر الأيام والسنون وأثناء جولة رئاسية أوروبية كان الرئيس مبارك يقتطع من زمن رحلات الطائرة الرئاسية وقتا ليجلس مع رؤساء التحرير المرافقين له فى الرحلة لكى يجيب على اسئلتهم وليشرح لنا الأوضاع الداخلية والخارجية والقضايا التى تشغل اهتمام الرأى العام. وفى تلك الرحلة سألت الرئيس الراحل عن موقفنا من القضية الفلسطينية التى تتعقد خيوطها يوما بعد يوم.. فأجاب الرئيس مؤكدا أننا ملتزمون بتقديم الدعم والمساعدة كلما أمكننا ذلك دون أى ضغوط أو إملاءات.. وتوالت أسئلة الزملاء من رؤساء التحرير المرافقين.. واذا بالرئيس الراحل مبارك يقول على فكرة أنا استفدت منكم واخذت أخباراً ومعلومات أكثر من التى اخذتموها منى!.. وبعد فترة استدار الرئيس مبارك ناحيتى قائلا: انت ما بتسألش ليه؟ قلت انا سألت يافندم.. فإذا به يقول اسألنى تانى..
فقلت: سيادتك ياافندم تعلم أن علاقات مصر السياسية الخارجية مع معظم دول العالم ممتازة، لكن لماذا لا تكون علاقاتنا الاقتصادية على نفس المستوى؟
فإذا بالرئيس يقول لي: احنا بنعمل اللى نقدر عليه!
سأقطع رقابكم!
فى احد اجتماعات الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى المنحل تحدث الرئيس الراحل عن أمور خارجية كثيرة تخص دول الجوار من كل الاتجاهات وعلاقاتنا الخارجية ومشاكل إقليمية، وقبل نهاية الاجتماع بدقائق لاحظ الرئيس الراحل وجودنا نحن مجموعة من محررى الرئاسة نجلس فى نهاية القاعة فأمسك الميكروفون موجها كلماته لنا.. بل تحذيراته المشددة للصحفيين قائلا:
مين اللى جاب الشياطين دول هنا.. أى كلمة من الكلام اللى اتقال حتخرج سوف أقطع رقابكم.. وتابع: أنا حأقول مقلتش وطبعا أنا صادق.. وضحك وضجت القاعة بالضحك والتصفيق!
الالتزام بالتصريحات.. أمر
فجأة تلقيت اتصالا تليفونيا من الجريدة بسرعة التوجه فوراً إلى جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية وكانت الساعة حوالى العاشرة صباحا انطلقت السيارة من شارع الصحافة بوسط القاهرة متجها إلى الزقازيق ووصلنا حوالى الثانية عشرة إلا قليلا قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة حيث يلتقى الرئيس الراحل بطلاب الجامعة وأعضاء الهيئة البرلمانية وجاء الاجتماع فور خروج تظاهرات عقب إعلان وفاة الجندى سليمان خاطر -فى محبسه-  الذى قتل وأصاب عدداً من الاسرائيليين.
بدأ الرئيس كلامه بتوجيه العتاب الى إبناء وشباب محافظة الشرقية على التظاهرات التى خرجت ونتج عنها عدم انتظام الحركة فى المدينة وتحدث عن قضايا كثيرة ومتعددة داخليا وخارجيا خاصة حرب تحرير الكويت والدور المصرى وقضية الصراع العربى الإسرائيلى والموقف من العراق وتركيا وقضايا كثيرة خطيرة استمر الاجتماع ما يزيد عن ثلاث ساعات.
الوقت يمر بسرعة وأنا أفكر فى كيفية كتابة المؤتمر وكيفية إرسال المادة الصحفية للجريدة وقد اقتربت الساعة من الخامسة اجتمع بنا صفوت الشريف وطلب منا جميعا وكان معنا أحد رؤساء التحرير الالتزام بكل كلمة وحرف من الكلام الذى سوف يقوم بإملائه علينا وتم تسجيل تصريحات الشريف وانصرفنا جميعا بسرعة، يبحث عن السيارة التى حضر بها خاصة الصحف اليومية.
طلبت من الزميل السائق أن ينطلق بأقصى سرعة بالسيارة التى كانت موديل 128 فيات حتى نصل إلى الجريدة قبل الساعة السابعة بنصف الساعة على الأقل وأثناء الطريق استطعت أن أكتب كل التصريحات كاملة. لكن مهنة الصحافة حتمت علىّ أن اسجل عدة أخبار غاية فى الأهمية اعلنت خلال اللقاء المهم جدا وألا أبالى بما سيحدث بعد النشر. مادامت لا تمس الأمن القومى المصرى.
وبالفعل سجلت حوالى خمسة أخبار كانت أهم ما فى اللقاء تقريبا أولها أن الرئيس نفى أكثر من شائعة أولها أن الرئيس العراقى صدام حسين قد طلب اللجوء السياسى إلى مصر. والخبر الثانى هو أن سليمان خاطر لم يقتل لكنه توفى. وخبر عن العلاقات الفلسطينية المصرية خاصة وأن منظمة التحرير كانت قد أيدت الغزو العراقى للكويت.
وخبر آخر أعلنه الرئيس الراحل أنه لم ينم طوال الحرب البرية لتحرير الكويت لكى يطمئن على سلامة أبنائنا من رجال القوات المسلحة الذين شاركوا فى عملية التحرير.
قدمت تلك الأخبار للأستاذ جلال دويدار رئيس التحرير التنفيذى الذى أوقف الصفحة الاولى والثالثة ونشر ثلاثة أخبار بالصفحة الأولى والباقى فى الصفحة الثالثة.. وبمجرد أن هدأت والتقط انفاسى بدأ القلق ينتابنى بشدة لأننى لم التزم بتصريحات الوزير وظللت على هذا القلق حتى الصباح ولم أنعم بالنوم واستيقظت مبكرا  وتوجهت إلى قصر الرئاسة لمتابعة عملى فى تغطية النشاط الرئاسى.
بمجرد أن وصلت إلى المركز الصحفى حتى انهالت علىّ اللعنات والشتائم من زملائى محررى الرئاسة وانطلقت اسئلتهم من أين حصلت على تلك الأخبار من الذى سمح لك بالنشر؟.. هل صفوت بك كلمك، هل الدكتور زكريا عزمى كلمك يعنى محدش قالك حاجة.. والأستاذ محمد عبدالمنعم المستشار الإعلامى للرئيس لم يكلمك؟!
قلت لهم وأنا أبتسم.. لم يكلمنى أحد على الاطلاق!
وأكملت متسائلاً هوه فيه إيه؟ يعنى انت مش عارف فيه إيه؟
أنت تسببت فى ايذائنا جميعا ومعاهم كلمتين عتاب وحشين!
لا أخفى عليكم كنت فى منتهى السعادة.. وما اسعدنى أكثر أن أحد رؤساء التحرير الكبار بجريدة قومية كبرى أجرى حديثا مع الرئيس الراحل مبارك  لم تخرج عناوينه عن مجموعة الأخبار التى انفردت بها فى معشوقتى «الأخبار» قبل شهر تقريبا!!
نجاحات مؤسسة أخبار اليوم
تحية تقدير لكل أبناء أخبار اليوم الذين شاكوا فى اخراج مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادى بهذا الشكل والمضمون الرائعين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة