«الإخوان»..فى خدمة «السلطان» الأحمق
«الإخوان»..فى خدمة «السلطان» الأحمق


«الجماعة الإرهابية».. فى بئر الخيانة (٤-٤)

«الإخوان».. فى خدمة «السلطان» الأحمق

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020 - 07:19 م

من يتابع تفاصيل تلك العلاقة الآثمة التى تجمع بين الإخوان وبين نظام السلطان المزعوم ،رجب طيب أردوغان، يندهش من حجم وطبيعة تلك العلاقة، صحيح أن المصلحة تربط بين الطرفين فى التآمر على الشعب المصري، ومحاولة تصدير سيناريوهات الفوضى والخراب سعيا وراء إشغال مصر بمشكلاتها الداخلية لتتاح أمام الأتراك فرصة العبث بالمنطقة والهيمنة على ثرواتها، إضافة إلى معاقبة المصريين على تحركهم التاريخى بثورتهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتى أطاحت بمشروع التمكين الإخواني، واطاحت معه أيضا بمشروع العثمانية الجديدة، التى كانت ولا تزال حلما لسلطان أنقرة الأحمق، والذى ارتكب فى سبيل تحقيق ذلك الحلم الكثير من الجرائم، ليس فقط بحق شعوب المنطقة فى سوريا وليبيا والعراق، بل أيضا بحق شعبه الذى يستيقظ يوميا على كوابيس انهيار اقتصادى وكراهية دولية متنامية.

ما أشبه اليوم بالبارحة، فمن ينظر إلى ممارسات جماعة الإخوان وقياداتها وأبواقها المروجة للغزو العثمانى الجديد للمنطقة العربية، لن يجد فارقا كبيرا بين ما فعله خاير بك وجان بردى الغزالى وحسن مرعي، وهم قادة المماليك الذين تآمروا وباعوا أنفسهم للغازى التركى قبل أكثر من 500 سنة، وبين ما يفعله ،الإخوان, اليوم.. بل ربما حاول الخونة الثلاثة قديما التوارى بجريمتهم، وأحيانا التكفير عنها، بينما يتباهى بها «الإخوان»، ويدعون الناس إلى مشاركتهم فى ذلك السقوط الأخلاقى والدينى والوطني، تحت مزاعم شتى، فيجاهرون بتأييد الغزو التركى لسوريا وليبيا والعراق، واحتلال أراضى تلك البلدان المسلمة، كما يهللون لإقامة «الغازي»التركى لقواعد عسكرية على الأراضى العربية، والأفدح أنهم لا يخجلون عندما يعلنون علانية أنهم سيقفون إلى جانب تركيا الأردوغانية فى أية مواجهة عسكرية مع مصر!!

علاقة قديمة

العلاقة بين جماعات الإسلام السياسى وبين العثمانيين تعود إلى سنوات طويلة سابقة، فقد استخدم العثمانيون ورقة الدين، والمشاعر الدينية بكثافة، لا سيما فى عصور انحطاطهم وتدهور دولتهم، فى محاولة للسيطرة على المعارضة المتصاعدة لحكمهم فى الكثير من الولايات التابعة، وسعى العثمانيون إلى تصوير المعارضة السياسية أو الاجتماعية لحكمهم على أنها نوع من الخروج عن الدين، بل وصل إلى حد وصفها بـ»الكفر».
وتتشابه تلك المنطلقات الفكرية مع الدعائم التى تقوم عليها جماعات الإسلام السياسى وفى القلب منها جماعة ،الإخوان، الإرهابية، فهذه الجماعات تخلط بين الدين كسلطة روحية، وبين أهدافها السياسية، وترهن الالتزام الدينى بتحقيق تلك المصالح الساعية إلى السلطة، وقد جاء تأسيس جماعة «الإخوان»عام ١٩٢٨ كرد فعل على زلزال سقوط الدولة العثمانية وإنهاء دولة «الخلافة»رسميا على يد أتاتورك عام ١٩٢٤، وبالتالى فالروابط التى تجمع بين العثمانيين الجدد سواء من أنصار حزب العدالة والتنمية فى تركيا، أو من أعضاء جماعة «الإخوان»تتجاوز العلاقات التنظيمية، والدعم المتبادل فى إطار التنظيم الدولى للإخوان، إلى الاتفاق الأيديولوجى ومحاولة إحياء الماضى العثمانى للهيمنة على المنطقة.وقد جاءت تحولات ما عرف بـ»الربيع العربي»لتخلق مرحلة جديدة من التنسيق بين العثمانيين الجدد وبين جماعة الإخوان وروافدها فى المنطقة العربية، فتجاوز الأمر مسألة الإعجاب وترويج تجربة حزب «العدالة والتنمية»فى تركيا، باعتباره نموذجا لما يمكن أن يقدمه حكم إسلامى يجمع بين قيم الأصالة والحداثة، وتحولت العلاقة إلى ما يشبه الرعاية والتبنى من جانب حزب أردوغان للتنظيمات الإسلامية، فتلك الجماعات هى المطية التى يمكن لـ»السلطان التركي»أن «يغزو»من خلالها المجتمعات العربية مرة أخرى، بعد خمسة قرون من غزو سليم الأول لها.

مشروع «العثمانية الجديدة»

كما أن وصول جماعة الإخوان للحكم فى مصر، مثّل الخطوة الأبرز فى إعادة بناء مشروع «العثمانية الجديدة»بالمنطقة، من خلال تنصيب نظام تابع فكريا وسياسيا ومصالحيا لأنقرة، وبالتالى يمكن من خلال ذلك التعاون تحقيق أهداف الهيمنة العثمانية بأقل تكاليف ممكنة، فالأمر لا يتطلب غزوا أو تحركا عسكريا، فوجود تلك الأنظمة العميلة كفيل بأن يمكن العثمانيين الجدد من جنى الثمار دون جهد يذكر، بل إنهم يمكن استخدام تلك الأنظمة التابعة لإخضاع دول أخرى للمشروع العثماني، على نحو ما كان يتم الترتيب له من استخدام قدرات مصر العسكرية لحسم الأمور فى سوريا لصالح مشروع التمكين الإخواني.

وتسبق العلاقة بين الإخوان وبين نظام أردوغان أحداث الربيع العربي، فقد كانت هناك العديد من العلاقات السرية والعلنية، ولا ننسى أن بعضا من نواب وقيادات الإخوان كانوا جزءا من مسرحية سفينة ،مافى مرمرة، بزعم كسر الحصار عن غزة، وتم إلقاء القبض من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلى على بعض أولئك النواب، ومنهم محمد البلتاجى وسعد الكتاتني، وهو ما يكشف أن الجماعة الإرهابية كانت تتلقى التعليمات من نظام أردوغان حتى قبل ٢٠١١.

وربما جاء تنحى مبارك وتغير نظام الحكم فى مصر عقب ٢٥ يناير ليكون بمثابة الهدية الأكبر لتركيا الأردوغانية، وكان بديهيا فى تلك الفترة أن تحظى القاهرة بالجانب الأهم من اهتمام أنقرة، خاصة مع الصعود السياسى لجماعة «الإخوان»، وتولى محمد مرسى منصب الرئاسة، فقد تجسدت الرعاية التركية لنظام «الإخوان»على أكثر من مستوى، منها ما هو حزبي، من خلال التوأمة بين حزب «الحرية والعدالة»الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا. ومنها ما هو سياسى من خلال تدخل أنقرة ودعمها المباشر للنظام الإخوانى ومساعدته فى تجاوز العديد من عثراته السياسية والاقتصادية، ومنح الحكومة الإخوانية قروضا ميسرة.

ولاية عثمانية!!

وتحولت القاهرة بعد ٢٥ يناير وفى زمن «الإخوان»إلى الوجهة المفضلة لزيارات أردوغان، فقام بأكثر من زيارة، كان أبرزها زيارته فى سبتمبر ٢٠١١، وفى تلك الزيارة خالف أردوغان عرفا سياسيا ثابتا فى تركيا، وهو أن تكون أولى زيارات أى رئيس وزراء عقب فوزه بالانتخابات إلى جمهورية قبرص التركية، التى لا تحظى سوى باعتراف أنقرة، باعتبار ذلك نوعا من الدعم لإحدى المناطق التابعة للسلطة التركية، وينتقل بعدها رئيس الوزراء إلى زيارة أذربيجان، التى تحظى أيضا بدعم تركى واضح فى مواجهة أرمينيا التى تجمعها علاقات متوترة دائما مع أنقرة على خلفية مذابح الأرمن، والدعم التركى لأذربيجان فى النزاع الحدودى على إقليم ناجورنوكارابخ. لكن أردوغان الذى فاز حزبه قبل أسابيع بالانتخابات التشريعية، اختار أن تكون زيارته الأولى إلى القاهرة، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى تحول النظرة التركية إلى المناطق التى تنوى ضمها لتبعيتها!!

وقد تكرست تلك الإشارات خلال الزيارة التى قام بها أردوغان إلى القاهرة فى نوفمبر ٢٠١٢، وفى تلك المرحلة كان «الإخوان»قد أحكموا قبضتهم على السلطتين التنفيذية (الرئاسة والحكومة)، والتشريعية (البرلمان)، وقد حاول أردوغان خلال تلك الزيارة أن يكرس صورته كسلطان عثمانى يزور إحدى الولايات التابعة، فقد التقى مرسي، الذى استقبله بحفاوة مبالغ فيها، كما صحبه كبعثة شرف العديد من الوزراء وكبار المسئولين، وتم توقيع أكثر من ٢٧ اتفاقية تجارية فى عدة مجالات، كما أصر أردوغان على إلقاء خطاب فى جامعة القاهرة، حضره قيادات جماعات «الإخوان»وأنصارها، على غرار الخطاب الشهير الذى ألقاه الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمخاطبة العالم الإسلامى من جامعة القاهرة عام ٢٠٠٩!

ويروى السفير عبد الرحمن صلاح، آخر سفراء مصر لدى أنقرة، فى كتابه المتميز «كنت سفيرا لدى السلطان»العديد من المواقف من كواليس تلك الزيارة ومن كواليس زيارات المسئولين المصريين إلى تركيا، ما يشير إلى أن فكرة تكريس العثمانية واعتبار مصر ولاية تابعة كانت حاضرة بقوة فى أسلوب تعامل المسئولين الأتراك مع نظرائهم المصريين، والعكس صحيح! وقد أجريتُ مقابلة مطولة مع السفير صلاح، نشرت فى جريدة الأخبار كشف فيها عن الكثير من المشاهد الفجة التى كان يتعامل بها مسئولو حكومة أردوغان مع حكومة «الإخوان»واعتبارهم مصر القطعة الأهم على رقعة الشطرنج التى يتحكم فيها العثمانيون الجدد.

تضليل البسطاء

وجاءت تحولات المشهد بعد ثورة 30 يونيو 2013م فى مصر لتقضى على طموحات العثمانية الجديدة، ولتكشف عن أوجه خاير بك والغزالى ومرعى الجدد، فاستضافت تركيا معظم قيادات جماعة الإخوان وأبواقها الإعلامية، التى تحولت لمنابر تبث سموم الخيانة، وتمارس الحرب النفسية يوميا، وهو دور لا يختلف كثيرا عما فعله الخونة الثلاثة فى موقعة «مرج دابق، عام ١٥١٦!

ولا يقتصر دور تلك المنابر والأبواق الإعلامية على مجرد بث الدعاية والشائعات ومحاولات التحريض الدائم، لكنها تمارس دورا أكثر خطورة فيما يتعلق بتزييف التاريخ، والترويج لأمجاد ،العثمانية،المزعومة، ومحاولة تضليل البسطاء وخداعهم باسم الدين والخلافة الإسلامية.

ووقائع سقوط الإخوان فى الأحضان التركية أكثر من أن تحصى أو تعد، وتشهد عليها تلك الممارسات الفجة على شاشات التحريض والكراهية التى تبث من تركيا صباح مساء للهجوم على الدولة المصرية وما تحققه من إنجازات، فى مقابل تجاهل وصمت تام على الصفعات المتوالية التى يتلقاها النظام الأردوغانى اقتصاديا بانهيار أسعار صرف العملة المحلية، وتراجع قيمة الاقتصاد التركي، او سياسيا عبر العقوبات الدولية وحملات المقاطعة التى تنتشر فى العديد من دول المنطقة وأوروبا ردا على الاستفزازات والحماقات التركية.

مجرد أدوات

ولا تقتصر عمالة وخيانة ،الإخوان، لخدمة السلطان الأحمق، والتمهيد لمشروع العثمانية الجديدة على جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر، بل تمتد إلى فكر الإخوان كأيديولوجية سياسية، ويشهد على ذلك استخدام أنقرة لجميع أذرع ،الإخوان، فى المنطقة لخدمة مصالحها وأهدافها، فإذا كان إخوان مصر قد فشلوا فى الحكم، وفقدوا السلطة، فإن هناك تابعين آخرين من أنصار «العثمانية الجديدة»لا يزالون متشبثين بالسلطة فى دول عدة، منها تونس وليبيا واليمن على سبيل المثال، ويمكن من خلال دعم أولئك الحلفاء التابعين، تحقيق انتصار ما يحافظ على جمرة المشروع العثمانى مشتعلة بالمنطقة، بعدما كادت ثورة المصريين فى 30 يونيو 2013 أن تطفئها إلى الأبد.

وتقف حركة النهضة التونسية فى مواجهة رغبات الغالبية العظمى من أبناء الشعب التونسي، الذى كافح لنيل استقلاله، وكافح أكثر من أجل الحفاظ على استقلاليته، ويصر قادة الحركة، وبخاصة زعيمها راشد الغنوشى على أن يلقى بالبيض كله فى السلة التركية، فيتخذ من المواقف والمغامرات ما يجعله فى صدام مع قطاعات واسعة من الشعب التونسي، الرافضين لنهج حركة «النهضة»الذى يستهدف الأسلمة التدريجية للدولة الوطنية التونسية، وتحويل بلادهم إلى قاعدة عسكرية للإطباق على ليبيا، ومحاصرة مصر، والولوج إلى عمق أفريقيا.

ولم يكن غريبا أن أولى كلمات الغنوشى فى مطار تونس فى ٢٠١١ عندما عاد إليها عقب الثورة كانت الدعوة إلى الاقتداء بنموذج حزب العدالة والتنمية التركى فى الحكم على أساس أنه وفق بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد، دون أن ينظر إلى كيفية تحول هذا الحزب إلى حزب شمولى حاكم، يقوده سلطان مستبد، حول بلاده إلى أكبر سجن لكل من ينتقده بشهادة معظم المنظمات الدولية المعنية بالحريات والحقوق.

ويزور الغنوشى تركيا مرارا سرا وعلانية، يعقد جلسات مغلقة مع أردوغان، يبحث معه تطورات المعارك فى ليبيا والأوضاع فى منطقة المغرب العربي، ويتلقى التعليمات وكأنه موظف تابع للحكومة التركية، وليس رئيسا للبرلمان التونسي، وعندما ينفجر الشارع التونسى غضبا، وترتفع الأصوات الوطنية المطالبة بمحاسبته، تتحرك الجيوش السرية لحركة النهضة الإخوانية، وتوجه التهديد تلو التهديد للشخصيات الوطنية وتلوح بمصير الشهيدين بلعيد والبراهمي، اللذين لا يزال مقتلهما لغزا غامضا، والاتهامات تلاحق حركة النهضة.

كما يجد المشروع الأردوغانى للعثمانية الجديدة فى حكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا بقيادة فائز السراج والميليشيات التابعة لها فى طرابلس نقطة ارتكاز لتحقيق حلمه، كما يجد الإخوان فى مشروع ،السلطان الأحمق، فرصة نادرة للهيمنة على مستقبل ليبيا، بعدما فشلوا فى تحقيق اية نجاحات سياسية تذكر عبر الانتخابات، وبالتالى فهم لا يترددون فى التضحية بمستقبل ليبيا، وتركها ارضا محروقة، طالما بقوا هم فى السلطة، وهو ما يكشف جانبا مما فى الفكر الاخواني، الذى لا يتورع عن التضحية بكل غال ونفيس من أجل السلطة، حتى ولو كان الوصول إليها عبر هدم وتخريب الأوطان، أو إراقة دماء الأبرياء.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة