جمـال حسـين
جمـال حسـين


من الأعماق

«البوسطجى اشتكى من كتر المراسيل.. فألقاها فى القمامة!!

جمال حسين

الأربعاء، 23 ديسمبر 2020 - 06:36 م

قد يكون عنوان المقال صادمًا للكثيرين وأنا منهم، وقد يكون صادمًا لرئيس هيئة البريد نفسه وللكثيرين من موظفى البريد الشرفاء.. لكنها للأسف حقيقة مؤلمة عايشتها بنفسى ومعى جيرانى، خلال الأسابيع الأخيرة، وكلنا ألمٌ وحسرةٌ لما آل إليه حال هيئة البريد؛ بسبب ممارسات بوسطجى أعطى ضميره إجازةً وخان الأمانة، وأفرغ ما فى حقائبه من خطابات ومراسلات فى الخرابات ومقالب القمامة؛ حتى يوفِّر على نفسه عناء الطواف على البيوت؛ لتوصيل الأمانات إلى أصحابها، ولا أدرى كيف يعود مثل هذا البوسطجى إلى منزله راضيًا مرضيًا ويُمارس حياته بشكلٍ طبيعىٍ، وهو الذى يحصل على راتبه لقاء هذا العمل؟!!
بداية الحكاية، أننى لاحظت أثناء مرورى عبر ممرٍ ضيِّقٍ يفصل العمارة التى أُقيم بها وقطعة أرض فضاء مجاورة لها، وجود خطابات كثيرة مُلقاة ومُبعثرة هنا وهناك.. دفعنى فضولى لتصفُّح الخطابات، وكانت المفاجأة أنها جميعاً خطابات حديثة، بينها مراسلات من جهات حكومية وبنوك، وبينها خطابات لمصالحات عن تقنين مخالفات مبانٍ، وخطابات من محاكم وغيرها، ربما تحمل الكثيرَ من الأهمية لأصحابها، وربما يُصيب أصحابها ضررٌ أو تضيع حقوقهم، فى حالة عدم وصولها إليهم!
جمعت اتحاد ملاك العمارة، وسألنا البواب عن مصدر هذه الخطابات، وجاء رده صادمًا لنا.. قال إن ساعى البريد يأتى يوميًا على مدى أكثر من ٣ شهور حاملاً حقيبة، ويّفرغ ما بداخلها من خطابات فى صندوق القمامة حينًا، وداخل الممر أحياناً ويُغادر، وعندما يسأله يرد قائلاً: هارجع آخدهم، ويتكرر ذلك يوميًا، وعندما احتج البواب قال له: «ولع فيهم، أنا تعبان ومش قادر أطوف على البيوت»..
انتظرنا أنا وثلاثة من جيرانى؛ هم اللواء طارق رسلان، واللواء طارق زايد، ورجل الأعمال محيى شعبان، قدوم ساعى البريد، وبعد أن فعل فعلته الشائنة استوقفناه، وقلنا له لماذا تفعل ذلك؟ ولماذا تخون الأمانة؟ ولماذا تُلقى بمصالح وخطابات الناس هكذا بكل سهولةٍ فى الشارع؟
أُصيب بالاضطراب، وتلونت ملامح وجهه، وأخذ يسوق لنا أعذارًا غير مقبولةٍ، بأن والدته مريضةٌ، ويترك الخطابات حتى يذهب لها بالمستشفى، وطلب منا السماح ووعدنا بعدم تكرار ذلك، فاشترطنا عليه أن ياخذ هذه الكمية الكبيرة من الخطابات، والتى يُقدَّر عددها بالآلاف؛ لتوصيلها لأصحابها، فوافق.
ومر أسبوعٌ على تعهده ولم يفِ بوعده، وقال للبواب: «فكك منهم، وولع فى الخطابات أو تخلَّص منها مع الزبالة»!!
أبلغه البواب أننا سنبلغ هيئة البريد، فأحضر جوالاً ووضع داخله الخطابات، وحملها معه حتى يُلقيها فى مكانٍ آمن.
وعبر جريدة «الأخبار»، أُقدِّم للسيد رئيس هيئة البريد بلاغًا عن هذه الواقعة، ونتمنى أن تعود لنا الصورة الذهنية الجميلة لساعى البريد، أو البوسطجى الأمين، الذى غنَّى له كبار المطربين «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلك»، لكن شيئًا فشيئًا، بدأ يختفى من حياتنا، وتحوَّلت مهنة «ساعى البريد» تدريجياً، لتصبح واحدةً من المهن التراثية٠٠ صارت الرسائل تأتى عبر البريد الإليكترونى»الإيميل»، ومعظم الدعوات والمعايدات وبرقيات التعازى تصل إلينا عبر الواتس آب وغيره من التطبيقات الإليكترونية.. لقد ذاب ذلك الجزء من حياتنا الذى كان اسمه البريد فى الضوء الإليكترونى، ولم يعد أحدٌ ينتظر أن يقرع ساعى البريد باب منزله إلا قليلاً..
أعتقد أن ذلك لن يُرضى الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والدكتور شريف فاروق، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد، التى تُعد من أعرق المؤسسات المصريَّة، باعتبار أن مصر أول دولةٍ فى منطقة الشرق الأوسط، تُنشئ مصلحةً خاصةً بالبريد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة