صلاح جاهين والشيخ الغزالي
صلاح جاهين والشيخ الغزالي


حكاية معركة «صلاح جاهين» مع الشيخ الغزالي.. وتدخل نائب رئيس الجمهورية

نادية البنا

الأربعاء، 23 ديسمبر 2020 - 11:32 م

«قالوا السياسة مهلكة بشكل عام.. و بحورها يا بني خشنة مش ريش نعام.. غوص فيها تلقي الغرقانين كلهم شايلين غنايم .. والخفيف اللي عام.. وعجبي».. من كلمات الراحل صلاح جاهين، الذي مر بالعديد من الأزمات السياسية عبر مشواره في الشعر والكتابة والكاريكاتير.


ذاعت شهرة «جاهين» كرسام كاريكاتير في منتصف الخمسينيات، من خلال عمله في مجلة روز اليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، وغيرها من الشخصيات.
أول قضية ترفع ضده.

 

اقرأ أيضا| «صلاح جاهين» رسم البهجة بـ«الكاريكاتير» حتى أصيب بـ«الاكتئاب»


كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية مؤثرة للغاية، لدرجة أنها أدخلته في بعض المعارك القضائية في بعض الأحيان؛ وكانت أول قضية ترفع ضده بسبب كاريكاتير رسمه انتقد فيه تقريرا حول نتيجة التحقيق بشأن تلوث مياه القاهرة، الذي أثار ضجة كبيرة اهتزت الأوساط الصحفية في الوطن العربي بسببه.


وتحدث «جاهين» عنه في حوار له بمجلة "المعرفة" بعددها رقم 190 والصادر بتاريخ 1 ديسمبر لعام 1977، قائلًا: "كل الناس كانوا في صفي، وكل الناس كانوا ضد هذا الذي اسمه المدعي العام، وفي الحقيقة أنا تعودت بالنسبة للقضايا التي تثير ضجة، أن آخذ بعين الاعتبار أن يقف نصف الناس معي، والنصف الآخر ضدي، لأن الناس يمين ويسار، وأنا يساري، فيقف كل اليساريين معي، وكل اليمنيين ضدي، وهذه طبيعة الأمور، لكن في قضية كاريكاتير المياه جميع الناس كانوا معي "اليمينيين واليساريين" ضد "الراجل ده".. الناس والصحافة، حتى النيابة كانت معي ضده.. ومع ذلك بعد مرور شهر أفاجأ بأنه أصبح معي سكر في الدم وارتفاع في ضغط الدم، لأول مرة في حياتي" .


أزمته مع الإمام الغزالي


في عام 1962 انعقد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية تحت رئاسة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وشارك فيه الإمام محمد الغزالي -رحمه الله- الذي طالب في كلمته بـ"تحرير القانون المصري من التبعية الأجنبية، وتوحيد زي المصريين، وضرورة احتشام المرأة"، ورأت بعض الجهات في ذلك حجرًا وتزمتًا وخروجًا عن المواضيع الحيوية المتماسة مع واقع الشعب وآماله.


وفي اليوم التالي رسم صلاح جاهين صورة الإمام الغزالي يلقي كلمته منفعلًا بينما وقعت عمامته على الأرض، وتحت الرسم علق ساخرًا "يجب أن نلغي من بلادنا كل القوانين الواردة من الغرب كالقانون المدني وقانون الجاذبية الأرضية"، وغضب الشيخ الغزالي، وفي جلسات المؤتمر خلال اليوم التالي هاجم صلاح جاهين، فما كان من «جاهين» إلا أن رد بكاريكاتير أكثر سخونة يتندر فيه من آراء الشيخ في المرأة والزي الذي تلبسه.


رد «الغزالي» على «جاهين»


وبدوره علق الشيخ الغزالي على ذلك بالمؤتمر وشرح موقفه، وقال: إن اعتراضه منصب على تبعية الشرق العربي لقانون فرنسي لا يعبر عن هويته، وأنه لا يهاجم العلم ونظرياته الثابتة كالجاذبية، وأنه لا يقبل سخرية «جاهين» من عمته الأزهرية، وأنه لم يركز على الأزياء وإنما جاءت هذه المسألة ضمن سياق عام تكلم فيه عن أشياء عدة كان موضوع الزي من بينها، ثم ختم الشيخ الغزالي كلمته بقوله: "إن هذا المؤتمر يعطي الحق لكل فرد أن يقول الكلمة الأمينة الحرة التي يجب ألا يُرد عليها بمواويل الأطفال في صحف سيارة ينبغي أن تحترم نفسها".


واشتعلت المعركة بهذه الكلمات التي استثارت محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وقتها لينشر في اليوم التالي تحت عنوان "كلمة الأهرام" تعليقًا جاء فيه: "إن الأهرام تقدس الدين وتحترمه، لكنها ترفض محاولات الشيخ الغزالي أن يجعل من الخلاف في الرأي بينه وبين صلاح جاهين رسام الجريدة قضية دينية، وأن الجريدة تؤمن بحرية الرأي لذلك تنشر نص كلمة الغزالي احترامًا لحقه في إبداء رأيه مهما كان مختلفًا مع رأي الجريدة مع إعطاء الحق لجاهين أن يبدي رأيه هو الآخر فيما يقوله الشيخ"، وفي الصفحة السابعة من الجريدة تم نشر كاريكاتير آخر لجاهين يصور أطفالًا بؤساء وقد حملوا لافتة كتب عليها "أين الكساء يا مشرع الأزياء، لماذا لا تتكلم إلا عن ملابس النساء؟!" فيما يظهر الغزالي معترضًا طريقهم صارخًا فيهم: "مابتكلمش عنكم يا جهلاء لأنكم ذكور وما ظهر من جسمكم ليس عورة"!.


«جاهين» يتحدى «الغزالي»


وفي صباح اليوم التالي فوجئ القراء بعدد غير مسبوق من رسومات جاهين، ست صور بعنوان "تأملات كاريكاتيرية في المسألة الغزالية"، وفي إحدى الصور الغزالي راكبًا جوادًا على طريقة أبي زيد الهلالي ووجهه مصوب نحو ذيل الفرس بينما يحمل رمحًا كتب عليه "الإرهاب باسم الدين" وتحت الرسم تعليق زجلي ساخر على شاكلة أشعار السيرة الهلالية.


فقام الشيخ الغزالي بنقل المعركة إلى المنبر وألقى خطبة حماسية بليغة جعلت المصلين وأغلبهم من طلبة الأزهر يحملونه بعدها على الأعناق ثم توجهوا إلى مبنى الأهرام وتعالى هتافهم معتبرين صلاح جاهين عدوًا للإسلام، ولم يكتفوا بذلك بل رموا البناية بالطوب وكسروا واجهتها الزجاجية، فغضب هيكل من هذه التصرفات واتهم الغزالي في اليوم التالي بتحريض المتظاهرين.


وفي نفس العدد نشرت الأهرام كاريكاتيرًا لجاهين يصور فيه نفسه مع الغزالي في المحكمة وقد رشقه الإمام بخنجر كتب عليه "الإرهاب"، وكان على المسئولين بعد ذلك التدخل الفوري والحاسم لفض المعركة التي أصبحت تهدد الأمن العام، واتصل نائب الرئيس السيد كمال الدين حسين حسبما نشرت الأهرام بـ«هيكل» مطالبًا إياه تجاوز الخلاف والتأكيد على احترام الدين وإجلاله كأمر يحرص عليه الجميع، والانصراف إلى مناقشة الميثاق، كما طلب حسين وديًا إجراء مصالحة بين الغزالي وجاهين وتم الصلح بالفعل.


لكن «جاهين» بقي مشاغبًا في ميادين أخرى ومثلت رسوماته صرخة رفض للإهمال والبيروقراطية وسلبيات المجتمع حتى وفاته عام 1986.

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة