دير الأنبا أنطونيوس من الخارج
دير الأنبا أنطونيوس من الخارج


«آخر ساعة» كانت هناك التسابيح فى «الأنبا أنطونيوس» أقدم دير بالعالم

آخر ساعة

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 09:48 ص

 

محمد مخلوف

هنا أقدم دير فى العالم، حيث بدأت حياة الرهبنة فى دير الأنبا أنطونيوس بمحافظة البحر الأحمر، والذى أقامه القديس أنطونيوس (251−356)، أول راهب فى العالم ومؤسس حياة الرهبنة وصاحب لقب ∩أبو الرهبان فى كل العالم∪. وبالتزامن مع شهر ∩كيهك∪ الذى يسبق موعد ميلاد السيد المسيح، رصدت ∩آخرساعة∪ أجواء الصلوات والتسابيح فى هذا المكان العتيق الذى يشع بالروحانية.

فى زيارة قامت بها ∩آخرساعة∪ إلى محافظة البحر الأحمر، رصدنا أجواء التسابيح داخل دير الأنبا أنطونيوس، والتى بدا أن فيروس كورونا فرض قوانينه عليه، حيث لا يُسمح بالدخول إلا بارتداء الكمامة، وقام المسئولون عن الدير بفرض إجراءات احترازية مشددة منعاً لانتشار فيروس كورونا، وللمرة الأولى تُجرى الصلوات مع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعى بين المصلين، وكذلك جرى تقليل أعداد الزائرين وساعات الزيارة.

ويستقبل الدير يومياً ضيوفاً من المصريين وغالبية دول العالم بالآلاف، بخاصة فى الإجازات الرسمية والصيفية أثناء النهار، فيما عدا أوقات الصوم ليجد الرهبان وقتاً مناسباً للاعتكاف والعبادة، وزار الدير مؤخراً عدد من السائحين الأجانب، سُمح لهم بالدخول فى الأوقات المحددة، وتجولوا داخل الدير وكنائسه المختلفة وحرصوا على التقاط صور تذكارية فى الدير كونه الأقدم فى العالم.

وبوجه عام، تبدأ الحياة داخل هذا الدير فى الرابعة صباحاً بفترة التسبيح، التى تستمر إلى السادسة، وتعقُبها صلوات القداس، بعدها يتجه كل راهب إلى عمله المُكلف به، كلٌ حسب تخصصه واحتياج الدير.

ويعيش الرهبان داخل الدير وفقاً لمبدأ كل الأديرة القائم على أهمية العمل اليدوى للراهب، حيث يجب أن يقوِّت نفسه ويصونها من مساوئ الفراغ والبطالة وأن يكون له ما يعطيه للمحتاجين. أما الزوار والعابرون فيُقدم لهم الدير خدمات مجانية من دون أى مقابل فى إطار واجبات الضيافة، بل يصل الأمر إلى تقديم الخدمات الصحية حسب الإمكانيات لجميع المارين من دون تفرقة.

وفى الوقت الحالي، علقت الكنيسة الأرثوذكسية الزيارات إلى الكنائس، واقتصرت الصلوات على الرهبان فقط الموجودين داخل الأديرة والكنائس، مع نقل صلوات مسجلة لشهر التسابيح على القنوات الدينية المسيحية.

من ناحية أخرى، تواصلنا مع القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، لإلقاء الضوء على شهر كيهك والتسابيح التى ترتبط به، حيث قال: ينتظر المسيحيون فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شهر ديسمبر والأسبوع الأول من يناير من كل عام، لأن فيه تسبِحة شهر كيهك أو ما يُسمى بـ∩تسبِحة سبعة وأربعة∪، حيث إنها فترة مليئة بالتسابيح والصلوات المبهجة.

ويوضح متحدث الكنيسة: تبدأ الاحتفالات بشهر كيهك وفقاً لتقاليد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر وكنائسها بالعالم تمهيداً للاحتفالات بأعياد الميلاد التى تشهد تسابيح خاصة تمتد من السبت مساء إلى فجر الأحد، وتنتهى بقداس إلهي، ومن المعروف أن التسبحة الكيهكية تتلى خلال ساعات الليل والفجر.

أما تسمية الشهر بـ∩تسبحة سبعة وأربعة∪ فالمقصود بها هنا هو سبعة ثيؤطوكيات على مدار الأيام بسبعة لبش (كلمة قبطية تعنى تفسير) وأربعة هوس (كلمة قبطية تعنى التسبحة)، واعتاد الأقباط قضاء ساعات طويلة فى التسبيح، وتكون الكنائس القبطية مزدحمة بالمصلين فى مصر والعالم، لكننا علقنا الزيارات فى كنائس القاهرة والإسكندرية بسبب كورونا أما الأبرشيات فى المحافظات فكل حسب الظروف الصحية الخاصة بمنطقة كل أبرشية.

فيما يقول الأنبا يسطس، رئيس دير الأنبا أنطونيوس: تتكون السنة القبطية من 13 شهراً، بحيث يتكون الشهر الثالث عشر والأخير من خمسة أيام أو ستة أيام فى السنة الكبيسة وهى ∩توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، نسى∪، ويُعرف شهر كيهك بـ∩الشهر المريمى∪، وهو مخصص لذكرى السيدة العذراء مريم وطلب شفاعتها عن طريق إقامة الصلوات والطقوس وسهرات التسبيح، التى نُظمت خصيصاً للاحتفالات الروحية التى تقام على مدار الشهر.

ويشير إلى أن السيدة العذراء مريم تتمتع بمكانة خاصة لدى أبناء الكنائس الشرقية، فمنذ القدم تُكرم العذراء فى الطقوس والصلوات الكنسية، والآباء الشرقيون يشيدون بقداسة العذراء، حيث ورد عن قول القديس مار أفرام السريانى أن البتول مريم هى التابوت المقدّس، والمرأة التى سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفساً وجسداً، وكلية الطهارة، فهى رمز النقاء والطهارة والسلام ووالدة السيد المسيح.

ويتابع: تتمتع الأديرة القبطية بالسهرات الروحية طوال السنة، وخصوصاً فى هذا الشهر المبارك، فالسهر فى تسبيح رب القوات خالق الكل، هو الهدف والغاية الأسمى التى خرج من أجله الرهبان وانعزلوا عن العالم لأجله، فالسهر والتسبيح هو اشتراك مع الملائكة والقديسين فى تمجيد رب القوات، وتدريب على الوجود فى حضرته باستمرار، فالراهب الذى يحرص على إتمام قانونه الروحى فى السهر والتسابيح يتمتع بخصائل روحية يكون قد استمدها خلال فترة انعزاله مع الله، تنعكس على كل من يتعامل معه، فنجده هادئاً، وديعاً، متواضعاً، حكيماً بشوشاً ومحباً للجميع من دون تمييز، فالله الذى خلقنا على صورته ومثاله، لا يمنع صفاته عن الإنسان متى عاش الإنسان فى وجوده.

ولا شك أن السهر فى بدايته يكون عبئاً على الإنسان وشيئاً ثقيلاً عليه، ولكن مع جهاد الإنسان وتخطيه هذه المرحلة، تنتهى هذه المرحلة بالمحبة غير المحدودة، والانطلاقة الروحية التى لا يساويها شيء، وهى أن يقضى الإنسان ليله فى التسبيح والشكر وتقديم صلوات تصل إلى الله ضابط الكل، فيتحول السهر داخل الإنسان من شيء ثقيل إلى عادة شهية لذيذة، يتمتع بها، ولا يستطيع فيما بعد أن يتخلى عنها أو يفضل النوم عليها.

وتحتوى تسبحة كيهك على أربع صلوات تُسمى ∩الهوُسات∪، وهى كلمة قبطية تعنى ∩تسبحة∪، فالتسبحة (الهوُس) الأولى: عبارة عن تسبحة موسى النبى والشعب كله عندما عبروا البحر الأحمر، وهى المسجلة بالتفصيل فى سفر الخروج. وتُقال بلحن ونغمة ترمُز إلى الانتصار، فالكنيسة كل يوم ترتل ترنيمة الغلبة وهى عابرة بحر هذا العالم − كما عبر موسى النبى − لتؤكد لنا نصرتنا على العالم وشهواته، ولترفع من أرواحنا المعنوية فى جهادنا وحربنا غير المنظورة مع قوات الشر الروحية ضد أى خطايا∪.

ويتابع: أما التسبحة (الهوُس) الثانية فهى عبارة عن مزمور النبى داود الـ(135)، والمليء بكل آيات الشكر والعرفان بفضائل الله ومعونته، فهو الذى أنقذنا عندما عبر بنا بحر الموت، وقد أعالنا، ويعولنا حتى اليوم فى برية العالم، كما أعال الشعب فى البرية أربعين سنة.. وثيابه لم تُبلَ، ونِعال رجليه لم تتهرأ، وأعطاهم المَنْ من السماء، ثم تأتى بعد ذلك تسبحة (الهُوس) الثالثة، هى عبارة عن تسبحة الثلاثة فتية القديسين (وهذه التسبحة مدونة فى الكتاب المقدس)، وملخصها أن الملك أمر بإلقاء الثلاثة فتية القديسين فى أتون النار المتقدة، فرغم أن النار لم تنطفئ فإنها لم تمسهم بأى أذى، ثم بعد ذلك اكتشف الملك وجود شخص رابع (شبيه بابن الآلهة) يتمشى معهم وسط الأتون.. وهذا الهوس ترتله الكنيسة بنغمة الابتهاج والفرح، لتعلن لنا هذه المعانى الروحية السامية وهي: أن السلام الداخلى لا يعنى زوال التجارب والآلام عنا، بل يعنى وجود الله معنا فى وسط نيران العالم، فمفهوم التجربة فى المسيحية هو أنها لا تحل بزوالها، ولكن باجتياز الرب معنا فى هذه التجربة، أى الوجود الدائم معنا.

وأخيراً يُقال تسبحة (الهُوس) الرابعة، وتتكون من ثلاثة مزامير للنبى داوود هى: (مز148، 149، 150)، هذه المزامير كلها عبارة عن تسبيح، وهذا التسبيح هو عمل الملائكة، وهو عمل الكنيسة الدائم فى السماء، وعمل القديسين وكل الخليقة أياً كانت، إنساناً أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً.. الكل يمجد الله فى صورة منقطعة النظير.

ويظل شهر كيهك على هذا الطقس الروحانى الجميل إلى أن يحل يوم 29 كيهك، حيث تحتفل الكنيسة بميلاد السيد المسيح، وهكذا تكون الكنيسة كلها استعدت طوال الشهر لاستقبال مولد كلمة الله (السيد المسيح)، وكما أن موسى النبى تطهر وصام أربعين يوماً لاستقبال كلمة الله على لوحى الشريعة، كذلك تتطهر الكنيسة وتصوم 40 يوماً لاستقبال كلمة الله، وتتمثل الكنيسة فى قداس العيد، بما حدث أيام موسى. فكما استقبل الشعب موسى النبى وهو نازل من الجبل، حاملاً لوحى الشريعة على يديه بفرح وتهليل، كذلك يدخل الأب البطريرك أو الأسقف وهو حامل البشارة المفرحة على يديه، ويستقبله الشمامسة والشعب بالصلاة المُلحنة المشهورة لدى الأقباط: (إبؤورو إنتى تى هيرينى موى نان إنتيك هيرينى، سيم نى نان إنتيك هيرينى كانين إنوفى نان إيفول) والتى تعنى ∩يا ملك السلام أعطنا سلامك، قرر لنا سلامك، واغفر لنا خطايانا∪.

ويؤكد رئيس دير الأنبا انطونيوس أن للآباء الرهبان طقوسهم الإضافية فى الاحتفال بالأعياد، ولأن من أبرز قوانينهم الرهبانية الحفاظ على المحبة الأخوية وإضافة الغرباء، فإنهم يحافظون على هذه التقاليد الرهبانية، فنجدهم يجتمعون جميعهم على مائدة واحدة تُسمى الأغابي، وهى كلمة قبطية تعنى المحبة، أى (مائدة المحبة) فهم يجتمعون يأكلون سوياً مهنئين بعضهم بعضاً بالعيد، ثم ينصرفون إلى خدمتهم التى يقدمونها لإضافة الغرباء والبدو الذين يأتون لزيارة الدير، وتقديم واجب الضيافة من المأكل والمشرب لهم بالمجان، ومن هنا تأتى عظمة شهر كيهك، شهر التسابيح، لأنه شهر الاستعداد بتقديم توبة مع التسابيح، اللذين يصلان بالإنسان إلى أبهى صور السلام والمحبة والفرح، فالذى يداوم على تسبيح الله الظابط الكل وتقديم توبة مستمرة، لا يفرُغ قلبه من المحبة، لأن الله محبة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة