هناك ما يقرب من مليون شخص يعمل فى قطاع زراعة الزهور والمهن المتصلة بها
هناك ما يقرب من مليون شخص يعمل فى قطاع زراعة الزهور والمهن المتصلة بها


زهور «الأهالى» تحتضر

آخر ساعة

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 12:37 م

ياسين صبرى 

اشتهرت مصر منذ القدم بزراعة أنواع مختلفة من الزهور والورود، وكان الفراعنة أول شعوب الأرض التى برعت فى زراعة الزهور وتنسيقها ولا أدل على ذلك من وجود شعار زهرة اللوتس على كثير من المسلات وجدران المعابد وقد امتد هذا الحب كإرث تتوارثه الأجيال عبر العصور وبقى متجدداً فى وجدان المصريين.

بعض المناطق والمدن فى مصر أصبحت متخصصة فى زراعة ورعاية الورد والزهور بمختلف أشكالها  مثل ∀عزبة الأهالى∀ التى تقع فى مدينة القناطر الخيرية فأصبحت قبلة لزراعة الزهور بمختلف أنواعها، منذ سبعينيات القرن الماضى، ومع تخصصها فى زراعة الورد البلدي، هذه القرية نالت شهرة واسعة فى هذا المجال بعد أن وجد إنتاجها طريقه إلى مختلف الأسواق العربية والأوروبية. 

ورغم أن البداية كانت بزراعة الأصناف المحلية، إلا أن  المزارعين من أهالى القرية، ومع تطور المهنة توسعوا فى زراعة أنواع وأصناف أخرى لم تكن معروفة فى مصر مثل ∀الدالي، الياسمين، البنفسج، التيوليب، والهايرنجا والسبيداجو∀، وأصبحت سوقا رائجا لزراعة وبيع الزهور بل ولا نبالغ إن قلنا إنها كادت أن تكون بورصة لتحديد أسعار الزهور وكل ما يتصل بها.

لكن دوام الحال من المحال فتلك القرية باتت تشهد خلال السنوات الماضية أزمات متعددة لعل آخرها جائحة كورونا التى كانت بمثابة ضربة قاصمة لتلك المهنة التى تعتمد فى الأساس على المناسبات والأعياد والمواسم الخاصة.

∩آخر ساعة∪ قامت برحلة إلى عزبة الأهالى وبمجرد الوصول إلى جسر القناطر الخيرية الشهير والتوغل فى الطريق المؤدى الى ∩العزبة∪ استقبلت أعيننا عالماً خلاباً من الألوان المتعددة حيث تنتشر المشاتل على جانبى الطريق إلى جانب مزارع زهور القطف بمختلف أنواعها كالليليوم الى جانب الأصناف المحلية التقليدية كزهرة القطيفة.

على مقربة من الطريق المؤدى إلى عزبة الأهالى يجلس معوض سيد إبراهيم داخل محله لبيع الزهور ونباتات الزينة.. ويعتنى بما فى المحل من زهور ونباتات بإزالة الزوائد منها وتقطيع أطرافها بأنامل خبيرة إلى أن يقوم برصها فى النهاية ضمن تشكيلات بديعة فى بوكيهات مبهجة المنظر.

∀الزهور عمرها قصير وكل ما تراعيها تلاقيها∀.. بهذه العبارات بدأ معوض حديثه معنا وهو يعتبر الزهور كنزه الصغير −على حد تعبيره− وكما الفنان التشكيلى المبدع يشرح لنا عملية تشكيل باقة الزهور وأنها ليست مجرد تجميع لباقة زهور بل هى لوحة ترسم وتبدأ باختيار أنماط متقاربة فى الشكل والطول ثم يتم تنقيتها من الشوائب لتوضع بعد ذلك فى الماء لمدة أسبوع فى فصل الشتاء أما فى فصل الصيف فتظل أربعة أيام فقط  وبعد ذلك يتم تنسيقها فى ∀كاشبوه∀ − باقة − أو تغليفها بالبلاستيك أو توضع فى أصص فخار ثم تطعم بالنباتات الخضراء.

ومع قرب حلول رأس السنة الميلادية يأمل معوض فى حدوث حالة من الرواج لبيع الزهور تساعده على تجاوز آثار الفترة الماضية بعد أن تراجع الطلب بنسبة وصلت إلى 70 % جراء ∀الكورونا∀ التى تسببت فى تدهور زراعة الزهور والمهن التى تعتمد عليها. 

أكملنا بعد ذلك السير فى الطريق إلى أن استوقفتنا لافتة صغيرة تحمل اسم ∀بورصة الزهور∀ والتى كانت تشير إلى مخزن ملحق به ثلاجات للتبريد.. وعند الدخول إليها كان فى استقبالنا المهندس عصام عبد العال أحد أبناء العزبة الذى شرب حب مهنة زراعة الزهور من والده  مما حدا به إلى استكمال مسيرته فى تطوير هذا المجال اعتمادا على جهوده الذاتية.

يقول: مصر كانت تستورد فى البداية أنواعا متعددة من زهور القطف من الخارج بالعملة الصعبة ومن هنا بدأت فكرة توطين زراعتها، إلا أن العقبة التى واجهت المزارعين فى بداية تنفيذ الفكرة هى احتياج هذه النوعية من الزهور إلى برامج رعاية خاص علاوة على ضرورة وجود تجهيزات كاملة داخل الأراضى التى تزرع بها لإتمام عملية التزهير مثل ضرورة وجود صوب مغطاة يتم دعمها بوسائل إنارة ونظام رى داخلى وتغطية صناعية داكنة لحماية النبات من الحشرات، ومع ذلك نجحت عملية زراعة هذه الأصناف بعد تجارب متعددة قام بها مزارعو عزبة الأهالى لأقلمتها على المناخ المصرى.

النجاح فى التجربة دفع المزارعين إلى إقامة أول بورصة مصغرة فى مصر أسوة بتلك الموجودة فى هولندا وقد نجحت هذه التجربة نجاحا ملحوظاً فأصبحت بمثابة تجمع لمزارعى الزهور فى مصر.

رعاية الدولة لفكرة بورصة الزهور من الممكن أن يحولها إلى بورصة عالمية تكون بمثابة واجهة لتصدير المنتجات المصرية فى هذا المجال إلى مختلف دول العالم حسبما يوضح المهندس عصام عبد العال: ∩حجم صادرات مصر من زهور القطف ونباتات الزينة حتى الآن يتعدى 32 مليون دولار وهناك ارتباط باتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبى تتيح التصدير دون وجود سقف محدد لحجم الصادرات وفى المقابل هناك دول أفريقية أخرى مثل أثيوبيا يزيد حجم صادراتها من الزهور عن 200 مليون دولار سنويا∪.

يتابع: مدينة القناطر الخيرية بها أراض ضخمة تابعة لمركز البحوث الزراعية ويصلح جزء صغير منها لإقامة بورصة عالمية للزهور خاصة أن هذه المنطقة تضم 90 %من مزارعى الزهور على مستوى الجمهورية ومن الصعب نقلهم إلى مكان آخر.

ويضيف: صادرات الزهور كانت تسير وفق معدلات طبيعية فى بداية العام الجارى إلى أن ظهر وباء كورونا لتتأثر زراعة الزهور على مستوى العالم أجمع وليس فى مصر فقط  مما حدا بأصحاب المزارع والمشاتل إلى التخلص من المحصول بطرق مختلفة نظرا لتوقف حركة التصدير وانعدام الطلب المحلى المرتبط بالحفلات المتنوعة..وإن حدثت إنفراجة فى شهر 7 الماضى تمثلت فى عودة حركة البيع بنسبة 20% ثم استمرت فى الارتفاع تدريجيا إلى أن وصلت إلى 50% حالياً.

انتقلنا بعد ذلك إلى أحد المزارع المتخصصة فى زراعة زهور القطف، وكان من الملاحظ أن المزرعة مقسمة إلى عدة أجزاء، الجزء الأكبر منها مخصص لزراعة زهرة الجرزنتم، ويحفها على الأطراف شجر زينة صغير الحجم من أبرز أنواعه شجرة ∀البونسيانا∀ الشهيرة التى تتميز بزهورها الحمراء المشربة باللون الأبيض صيفا ويتم زراعتها بالحدائق والشوارع العامة.

عند أطراف المزرعة يقف على أحمد، عامل جمع للزهور ليراقب تنقية الأرض بعد جنى محصول الورد البلدى، حيث تتم عمليات تطهير مستمرة للتربة من الحشائش الضارة والنباتات الطفيلية التى تتغذى على الأسمدة والمياه الخاصة بالزهور ما يؤدى إلى عدم اكتمال نموها بالدرجة المطلوبة.

ويشعر على أحمد بالأسى لتراجع أحوال مهنة زراعة الزهور فى عزبة الأهالى فلا يوجد أى دعم موجه لها ما أدى انخفاض عدد العمالة داخل المزرعة التى يعمل بها. 

صاحب المزرعة وهو مصطفى جمال عبدالوهاب أوضح لنا أن: قطاع الزهور فى مصر والصناعات القائمة عليه مثل التغليف والتنسيق والنقل يعمل به قرابة مليون شخص فى دورة تستمر 6 أشهر وعند انتشار وباء الكورونا كان أصحاب المزارع والمشاتل يتهيئون لبيع إنتاجهم فى موسم عيد الحب وعيد الأم لكن تطبيق إجراءات الحظر أدى إلى توقف كامل لعمليات الإنتاج وهو ما تسبب لى شخصيا  فى خسارة تقارب أربعمائة ألف جنيه.

نحن لا نريد أى دعم من الدولة ولكن نريد منها تشديد الرقابة على سوق الأسمدة والمبيدات لانتشار الأنواع الرديئة والمغشوشة وهذا مرده رغبة بعض التجار فى المكسب السريع بغض النظر عن جودة المنتج الذى يقدم لمزارعى الزهور.

الدكتورة بشرى عبدالوهاب، رئيس قسم بحوث الزينة وتنسيق الحدائق بمعهد بحوث البساتين، تقول: إن إنتاج الزهور يتراجع فى فصل الشتاء فى أوروبا لتساقط الثلوج لذلك تلجأ دول القارة العجوز إلى تلبية احتياجاتها من دول أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا، فى حين أن مصر تمتلك جميع المقومات التى تمكنها من المنافسة على إنتاج زهور القطف من مناخ معتدل وتربة خصبة إلى جانب توافر الأيدى العاملة.

أضافت، يمكن إنتاج شتلات زهور القطف التى يتم استيرادها من هولندا محليا عن طريق التقنيات الحديثة كالزراعة بالأنسجة مع أقلمته مع البيئة المصرية مثل الجالديوليس وعصفور الجنة والتيوليب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة