الكتاب: ست زوايا للصلاة المؤلف: أميرة بدوى الناشر: أفاق
ست زوايا للصلاة: مساءلة التراث وتفكيكه
الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 01:11 م
أحمد حلمى
عادة ماتكون الأسطورة وليدة خيال جامح ينقذ المُتخيل من فوضى المجهول، ثم تتحول بعد ذلك بمرور الوقت إلى نظام (عقائدى - اجتماعي) يشكل حدودا أو قيودا لتعاملات الأفراد وعلاقاتهم وطرق التفكير الخاصة بهم، وتظل هذه النظم (الأساطير)ت قائمة ومسيطرة حتى يواجهها وعى مغاير يعمل على خلخلتها وردها للأصل الخيالى الذى نبعت منه، وتعد مجموعة است زوايا للصلاةب إحدى محاولات تلك الخلخلة ومواجهة الأسطورة بوعى جديد مغاير.
عبر اثنى عشر نصا تعرض المجموعة القصصية الأولى للقاصة والمترجمة أميرة بدوى اثنتى عشرة أسطورة مختلفة ومتشابهة فى وقت واحد. حيث نجد تيمات متكررة فى كل القصص بلا استثناء تقريبا مثل القتل/الموت، الفقد، الجنون، التحول (المسخ)، السحر، الخرافة، القهر وغيرها منها التيمات، وفى نفس الوقت يتغير الصراع (من حيث الطبيعة والمفجر) والأبطال، والأشرار (عدو البطل)، والحبكة والراوى وغيرها من مكونات القصة.
لكن قبل الدخول إلى القصص/الأساطير وتناولها من حيث الشكل والمضمون أود التوقف أمام بعض التقسيمات التى شكلت بناء المجموعة ككل واحد داخل متن كتاب مجمع يحمل رؤية واحدة مقسمة على وحداته الداخلية.
من بين تلك التقسيمات نجد أن قصص المجموعة يمكن تقسيمها حسب محور الصراع الداخلى للنص إلى أربعة أقسام متساوية من حيث عدد القصص بواقع ثلاث قصص لكل محور من المحاور الأربعة. فنجد محور التحول (المسخ بمفهوم أوفيد أو كافكا) متمثلا فى ثلاث قصص هي: البومة - الخضر - الغولة، ومحور مصارعة الوحش الأسطورى ( كما الأساطير الإغريقية) فى ثلاث قصص هي: العرسة - النعش - الأبريق، ومحور الجنون (جنون الشخصية الرئيسية كمفجر للصراع ومحرك للحبكة) فى قصص: البرص - النداهة - القط، وانتصار الخرافة على البشر كمحور أخير فى قصص: الديك - الكف - الولى.
هذه المحاور الأربعة تمثل الثيمات الرئيسية التى تنبثق منها رؤية النص الكلى الجامع المشكل للعالم القصصى والمجموع داخل المتن الكتابى للمجموعة. تساند هذه الثيمات ثيمتا الموت والفقد كلاعبين أساسيين فى كل القصص/الأساطير، حيث نجد أن عشر قصص من أصل اثنتى عشرة قصة تسقط فيهما ضحية بشرية واحدة على الأقل بين موت (بسبب لعنة أو كارثة) أو قتل عمد بسبب فاعل بشرى، أو فاعل ما ورائى، أسطورى.
وجدير بالذكر أنه رغم كون الخطاب السردى فى المجموعة ككل هو خطاب نِسوى حاد وقوى ضد المجتمع والعالم بشكل عام وليس الذكر المسيطر فحسب، إلا أننا نجد خمس قصص فقط تكون فيها الشخصية الرئيسية لامرأة بينما نجد سبع قصص يكون فيها الشخصية الرئيسية أو الرواى رجلا، وهذا يحسب للمجموعة كنقطة قوة فنية لا تتمتع بها الكثير من الكتابات النسائية والنِسوية على حد سواء. كما أنهاعلى صعيد اللغة لم تستخدم لغة نسائية (رهيفة ورقيقة بشكل منفصل عن السياق) أو لغة عدائية موجهة بشكل صارخ أو زاعق، بل كانت اللغة على حدتها وتهكمها وسوداويتها نابعة من العالم القصصى ومكوناته وواقع حبكة وأزمة النص وشخصياته.
وبالحديث عن اللغة فى نصوص المجموعة نجد أن اللغة كما أشرت سابقا قادمة من قلب العالم الخاص بالنصوص، ذلك على مستوى المفردات والتعبيرات، أما على مستوى الأسلوب فجائت اللغة متسقة مع الرؤية الفكرية للنصوص والخطاب السردى للكاتبة.
تتميز اللغة فى المجموع بسمات خاصة أهمها التناص، والاتكاء على اللهجة المحلية، فالنسبة للتناص نجد العديد من التناصات القرآنية وأخرى من التراث العربى (الفقهى والأدبى) موظفة بشكل فنى وجمالى لخدمة النص من حيث البناء وتشكيل العالم وابراز الرؤية. إلا أن التناص هنا لايقتصر على التناص اللغوى فحسب، هناك تناص آخر حكائى، حيث تتناص أحداث داخل متن الحكايات الداخلية مع حوادث من التراث الدينى العربى والحكائى العالمى، وكان أبرز تلك التناصات فى المجموعة التناصات الموجودة فى قصة االنعشب، حيث نجد التهجيرة والزحف ثم الإخاء بين الوافدين واللاجئين يتناص مع الهجرة من مكة إلى يثرب، كما نجد فى نفس القصة استدعاء للحكاية الشعبيةت الألمانية الشهيرة ازمار هاملينب الذى تحول إلى ارفاعىب يعزف الناى ليخلص القرية من الوحش عبر عزفه السحرى.
لعبة التناص الحكائى هذه هى لعبة النصوص الأساسية من حيث استدعاء الأساطير وإعادة انتاجها ومن ثم تفكيكها عبر النهايات المأساوية أو الأحداث السوداوية العبثية داخل ذلك العالم الديستوبى الذى هو نتاج هذه الأساطير.
أما بالنسبة للاتكاء على اللهجة المحلية الخاصة ببيئة النصوص فجاء ليتمم الصورة الكاملة وفى موضعه تماما، لاستكمال التكوين الخاص بهذه العالم القصص واضافة التفاصيل والرتوش الصانعة لخصوصية هذا العالم الخيالية/الجمالية والواقعيةت فى آن واحد. كما أنها فتحت الباب أو ساعدت فى ابراز النبرة التهكمية المستترة تحت طبقات اللغة الحادة والسوداوية. وهى نبرة قادمة من خلفية السرد لا تعتمد على مفردات أو الفاظ أو مواقف أنما هى نابعة من الخطاب السردى العاضب فى عموم المجموعة.
كما أشرت سابقا يشكل هذا الكتاب مجموعة من الأساطير التى بطرحها تعمل على مساءلة التراث الشعبى والثقافة المحلية وتفككها من داخلها وبنفس أدواتها وهى الخرافة والسحر والقهر. حيث تصنع ضمن ما تصنع هذه الأساطير ما يمكن تسميته بالنسخة الشعبية من الدين، حيث خلط الطقوس الدينية (الصلاة) بالطقوس الوثنية (الرقص والقربان) بالطقوس السحرية فى مشهد واحد، كما حدث فى قصة االنعشب على سبيل المثال، وكما حدث فى قصة االبومةب حيث المجلس وشيخ المجلس وتحريم القتل فى الأشهر الحرم، فمع ما يمثله هذه المجلس من دلالات تاريخية تراثية ومعاصرة على العلاقات السلطوية الاجتماعية، وما يطرحه الخطاب حول قهر المرأة كإحدى الجماعات المهمشة فى هذا المجتمع الديستوبى، نجد النص يحول القتل/الجريمة لفعل مقدس/ عبادة لها طقوسها الخاصة القبلية والبعدية والعكسية أيضا، حيث الاغتسال للاستعداد، ثم التوبة، وصلاة الرجوع والقيامة والتطهر بماء الغسل.
هذا المزج بين الطقس المقدس والطقس الخرافى لتحقيق أفعال/خطايا أو النجاة من لعنة/ كارثة يضع الوعى العام الجمعى داخل النص وخارجه أمام سؤال مزلزل ليس حول الحقيقة والخرافة فقط، لكن حول الخير والشرير من الأصل، والمتن هنا لا يقدم إجابات، هو يصنع أساطيره الجديدة المبنية على أنقاض الأساطير/المقدسات القديمة، مقدما خرافات وضحايا يلقيهم فى حِجر المتلقى ليفعل بهم ما يشاء ويتخذ منها الموقف المناسب لوعيه ورؤيته للعالم قبل وبعد قراءة النصوص.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة