إيفان بونين
إيفان بونين


انتشلته جائزة نوبل من الفقر:

روسيا تحتفل بمرور 150عاماً على ميلاد إيفان بونين

أخبار الأدب

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 01:35 م

د‭. ‬مكارم‭ ‬الغمرى

احتفلت‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬وخارجها‭ ‬بذكرى‭ ‬مرور‭ ‬150‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬ميلاد‭ ‬الشاعر‭ ‬والكاتب‭ ‬إيفان‭ ‬بونين‭(‬١٨٧٠‭ ‬ذ‭ ‬١٩٥٣‭ )‬أول‭ ‬أديب‭ ‬روسى‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬1933‭.‬

بدأ‭ ‬بونين‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬السابعة،‭ ‬ولم‭ ‬يكمل‭ ‬تعليمه‭ ‬الجامعى‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬فى‭ ‬أسرة‭ ‬إقطاعية‭ ‬نبيلة،‭ ‬لكن‭ ‬أسرته‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬الإفلاس‭. ‬مع‭ ‬ذلك،تميز‭ ‬بونين‭ ‬بغزارة‭ ‬المعارف‭ ‬وتنوعها،‭ ‬وبمعرفة‭  ‬كبيرة‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مكنته‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية‭. ‬عبر‭ ‬بونين‭ ‬عن‭ ‬صلته‭ ‬الحميمة‭  ‬بالشعر‭ ‬حين‭ ‬أشار‭ ‬اولدت‭ ‬لأكون‭ ‬شاعرًاب،‭ ‬وظهرت‭ ‬باكورة‭ ‬قصائده‭ ‬عام١٨٨٧،‭ ‬أما‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية‭ ‬فظهرت‭ ‬فى‭ ‬١٩٠١‭ ‬بعنوان‭ ‬اسقوط‭ ‬الأوراقب،‭ ‬ومعها‭ ‬بدأت‭ ‬شهرة‭ ‬بونين‭ ‬بوصفه‭ ‬شاعرا‭ ‬للطبيعة‭.‬

يكتسب‭ ‬المنظر‭ ‬الطبيعى‭ ‬فى‭ ‬أشعار‭ ‬بونين‭ ‬سمات‭ ‬محددة،‭ ‬ويخيم‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬فى‭ ‬أشعاره‭ ‬جو‭ ‬الخريف‭ ‬والفناء،‭ ‬ويكتسى‭ ‬المنظر‭ ‬بنغمة‭ ‬من‭ ‬الحزن،‭ ‬وخصوصا،‭ ‬فى‭ ‬أشعاره‭ ‬التى‭ ‬تتناول‭ ‬وصف‭ ‬انهياراعروش‭ ‬النبلاءا‭: ‬الموضوع‭ ‬الأثير‭ ‬فى‭ ‬إبداع‭ ‬بونين‭ ‬الشعرى‭ ‬والنثرى‭. ‬إن‭ ‬المخرج‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬يجده‭ ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬التواجد‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة؛‭ ‬التى‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬السلوى‭ ‬وسكينة‭ ‬النفس،‭ ‬هكذا‭ ‬نجد‭ ‬الطبيعة‭ ‬فى‭ ‬قصائد‭ ‬بونين‭: ‬اتنمو،‭ ‬تنمو،‭ ‬أعشاب‭ ‬القبرب،‭ ‬اسيحل‭ ‬يوم‭ ‬أتوارى‭ ‬فيهب،‭ ‬وغيرها‭. ‬وتلتحم‭  ‬صورة‭  ‬الطبيعة‭ ‬بصورة‭ ‬الوطن‭ ‬الأم،‭ ‬كما‭ ‬تمتزج‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬بعناصر‭ ‬الفولكلور‭ ‬والموتيفات‭ ‬الدينية‭ ‬التى‭ ‬تشغل‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬إبداع‭ ‬بونين‭. ‬ويتميز‭ ‬إنتاج‭ ‬بونين‭ ‬الشعرى‭ ‬بالقالب‭ ‬المهندم‭ ‬والجرس‭ ‬الموسيقى‭ ‬الذى‭ ‬عبر‭ ‬بونين‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬الحميمة‭ ‬به،‭ ‬كما‭ ‬يخصه‭ ‬الغنائية‭ ‬والرؤية‭ ‬الفلسفية‭ ‬المتأملة‭.‬أما‭ ‬إنتاج‭ ‬بونين‭ ‬النثرى‭ ‬فقد‭ ‬جسد‭ ‬جانبا‭ ‬كبيرًا‭ ‬منه‭ ‬ظاهرة‭ ‬سقوط‭ ‬عروش‭ ‬النبلاء‭ ‬التى‭ ‬أخذ‭ ‬بونين‭ ‬يبكيها‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬قصصه‭ ‬مثل‭ ‬االقاع‭ ‬الذهبىب‭ ‬اتفاحات‭ ‬أنطونياا‭  ‬االلقاء‭ ‬الأخيرب‭  ‬اكأس‭ ‬الحياةب،‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬بعض‭ ‬نقاده‭ ‬إلى‭ ‬وصفه‭ ‬بـ‭ ‬امنشد‭ ‬الإقطاع‭ ‬الآفلب‭.‬ارتبط‭  ‬موضوع‭ ‬زوال‭ ‬عالم‭ ‬الإقطاع‭ ‬فى‭ ‬إبداعه‭ ‬بالمرحلة‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭  ‬كان‭ ‬بونين‭ ‬شاهدًا‭ ‬عليها،‭ ‬مرحلة‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادى‭ ‬والتاريخى‭ ‬لطبقته‭ ‬النبيلة‭ ‬الإقطاعية،‭ ‬وهى‭ ‬مرحلة‭ ‬اتخذت‭ ‬مدارها‭ ‬فى‭ ‬ثمانينات‭ ‬وتسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬19،‭ ‬وقد‭ ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬فى‭ ‬اهتمام‭ ‬بونين‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭  ‬أصول‭ ‬الكاتب‭ ‬الطبقية‭ ‬والتحامه‭ ‬بعالم‭ ‬النبلاء‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬الذى‭ ‬خرج‭ ‬منه‭ ‬وتشرب‭ ‬ثقافته‭.‬

رواية‭ ‬االقريةب‭ ‬

االقريةب‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬رواية‭ ‬قصيرة‭ ‬لـ‭ ‬بونين،‭ ‬وهى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬مؤلفاته‭ ‬التى‭ ‬عكست‭ ‬صورة‭ ‬القرية‭ ‬الروسية‭ ‬وتناولت‭ ‬وصف‭ ‬الإقطاع‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وتعكس‭ ‬علاقة‭ ‬الكاتب‭ ‬الوثيقة‭ ‬بعالم‭ ‬القرية،‭ ‬وهى‭ ‬علاقة‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬االصلة‭ ‬الحية‭ ‬مع‭ ‬القرية‭ ‬الروسية‭ ‬كانت‭ ‬دوما‭ ‬منبع‭ ‬الإلهامب‭. ‬تميزت‭ ‬الرواية،‭ ‬كما‭ ‬القصص،‭ ‬بالوصف‭ ‬المقتصد‭ ‬وواقعية‭ ‬التفاصيل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لدقة‭ ‬اللغة‭ ‬والولع‭ ‬بالتحليل‭ ‬النفسى‭ ‬للشخصيات‭ ‬التى‭ ‬تتجسد‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬بكل‭ ‬سماتها‭ ‬الفردية‭ ‬المميزة‭. ‬ويتغلب‭ ‬مزاج‭ ‬االخريفب‭ ‬الذى‭ ‬ميز‭ ‬طابع‭ ‬أشعاره‭ ‬على‭ ‬نتاجه‭ ‬القصصى‭.‬

من‭ ‬الأيام‭ ‬الملعونة‭ ‬للمهجر

حين‭ ‬قامت‭ ‬الثورة‭ ‬البلشفية‭ ‬كان‭ ‬بونين‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الرافضين‭ ‬والمعارضين‭ ‬لها‭. ‬بعدها‭ ‬كتب‭ ‬االأيام‭ ‬الملعونةب‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬١٩١٨ذ١٩٢‭ ‬فى‭ ‬موسكو‭ ‬وأوديسا،‭ ‬وخرجت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬يوميات‭ ‬تسجل‭ ‬فيها‭ ‬الأحداث‭ ‬العاصفة‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬إبان‭ ‬الثورة‭ ‬وأحداث‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التى‭ ‬أعقبتها‭.‬عكست‭ ‬اليوميات‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬وتضارب‭ ‬المشاعر‭ ‬والمآسى‭ ‬التى‭ ‬صاحبت‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬كما‭ ‬جسدت‭ ‬قلق‭ ‬بونين‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬روسيا‭ ‬ومستقبلها‭. ‬وجه‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسى‭ ‬نقده‭ ‬لسلطة‭ ‬البلاشفة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬تشككه‭ ‬فيها،‭ ‬وحاول‭ ‬كشف‭ ‬ممارسات‭ ‬العنف‭ ‬التى‭ ‬مارستها‭ ‬الثورة‭ ‬فى‭ ‬موسكو‭ ‬واوديسا‭ ‬فى‭ ‬تلك‭  ‬الفترة‭ ‬،‭ ‬وشاهد‭ ‬فى‭ ‬الثورة‭ ‬كارثة‭ ‬قومية‭.      ‬

فى‭ ‬عام‭ ‬١٩٢٠‭ ‬رحل‭ ‬بونين‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬ضمن‭ ‬موجة‭ ‬الهجرة‭ ‬الأولى‭ ‬للمثقفين‭ ‬الروس‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬ثورة‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ولم‭ ‬يتقبلوا‭ ‬ظروف‭ ‬الحظر‭ ‬والرقابة‭ ‬المشددة‭ ‬والملاحقات‭ ‬التى‭ ‬طالت‭ ‬المعارضين‭. ‬تشكلت‭ ‬مراكز‭ ‬الهجرة‭ ‬الروسية‭  ‬فى‭ ‬مدن‭ ‬أوروبية‭ ‬وأمريكية،‭ ‬واستقر‭ ‬المقام‭ ‬ببونين‭ ‬فى‭ ‬باريس‭. ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬صارت‭ ‬باريس‭ ‬مركزًا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬الهجرة‭ ‬الروسية،حيث‭ ‬استقرت‭ ‬جالية‭ ‬روسية‭ ‬كبيرة‭ ‬تضم‭ ‬صفوة‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬التشكيليين‭ ‬والفلاسفة‭ ‬والعلماء،‭ ‬وقد‭ ‬نشأت‭ ‬فى‭ ‬اباريس‭ ‬الروسيةب‭ ‬المدارس‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العلمية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمهاجرين‭ ‬الروس،‭ ‬وتكونت‭ ‬الجماعات‭ ‬الأدبية،‭ ‬وأسهم‭ ‬بونين‭ ‬بدور‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬مساعدة‭ ‬الأدباء‭ ‬المبتدئين‭ ‬وفى‭ ‬إسداء‭ ‬النصح‭ ‬والإرشاد‭ ‬لهم‭ ‬بخصوص‭ ‬مهارات‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية،‭ ‬وكان‭ ‬يقص‭ ‬عليهم‭  ‬تجربته‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬ويروى‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬لقاءاته‭ ‬مع‭ ‬تولستوى‭ ‬وتشيخوفوجوركى‭. ‬عانى‭ ‬الأدباء‭ ‬الروس‭ ‬فى‭ ‬ظروف‭ ‬المهجر،‭ ‬ومنهم‭ ‬بونين،‭ ‬من‭ ‬العوز،‭ ‬وقد‭ ‬أنقذ‭ ‬بونين‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬المبلغ‭ ‬المالى‭ ‬الذى‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭  ‬من‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬١٩٣٣،‭ ‬وتبرع‭ ‬بجزء‭ ‬منه‭ ‬لمساعدة‭ ‬الأدباء‭ ‬المحتاجين،‭ ‬وتشكلت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬لجنة‭ ‬لتنظيم‭ ‬التصرف‭ ‬فى‭ ‬المبلغ‭.‬

إبداع‭ ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬المهجر

شغلت‭ ‬موضوعات‭ ‬الحب‭ ‬والموت‭ ‬والطبيعة‭ ‬والذاكرة‭ ‬ومغزى‭ ‬الحياة‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬إبداع‭ ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬المهجر،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفاته‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬ززهرة‭ ‬أريحاب‭ ‬احب‭ ‬ميتياب‭ ‬اضربة‭ ‬شمسب‭ ‬احياة‭ ‬ارسينيفب‭ ‬اتحرير‭ ‬تولستوىب‭ ‬واالدروب‭ ‬الظليلةب‭ ‬وتعتبر‭ ‬االدروب‭ ‬الظليلةب‭ ‬و‭ ‬احب‭ ‬ميتياب‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفاته‭ ‬التى‭ ‬تناولت‭ ‬موضوع‭ ‬الحب‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتخذ‭ ‬وصف‭ ‬الحب‭ ‬فيها‭  ‬منحى‭ ‬مأساويا،‭ ‬وهو‭ ‬قرين‭ ‬الصلة‭ ‬بالموت‭ ‬والفراق‭. ‬وتعد‭ ‬الرواية‭ ‬البيوجرافية‭ ‬احياة‭ ‬أرسينيفب‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أعمال‭ ‬فترة‭ ‬المهجر،‭ ‬وهى‭ ‬رحلة‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة‭ ‬عبر‭ ‬الأنا‭ ‬والوطن‭ ‬الضائع،أما‭ ‬دوافعها‭ ‬كما‭ ‬كتب‭  ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬تصديره‭ ‬االأشياء‭ ‬والأعمال‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭ ‬تغلفها‭  ‬الظلمة،‭ ‬وتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مقبرة‭ ‬النسيان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬عنها‭ ‬تبعث‭ ‬بالإلهامب‭. ‬

يتوقف‭ ‬بونين‭ ‬عند‭ ‬محطات‭ ‬حياتية‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬بطله‭ ‬الرئيسى‭ ‬أرسينيف‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬جانبا‭ ‬منه،‭ ‬وتستوقفه‭ ‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬خاصة،‭ ‬حيث‭ ‬تلتحم‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة‭ ‬بصورة‭ ‬الوطن‭ ‬والأرض‭ ‬والحقول‭ ‬والطبيعة‭ ‬والكون‭. ‬ويكتسى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬بنغمة‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬االضائعةب‭. ‬وبالتوازى‭ ‬مع‭ ‬سرد‭ ‬حياة‭ ‬أرسينيف،‭ ‬يصور‭ ‬لقطات‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬فى‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬19‭ ‬وبداية‭ ‬ال‭ ‬ـ20،‭ ‬كما‭ ‬تعكس‭ ‬تأملاته‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬والثورة‭ ‬والثقافة‭ ‬والموت‭ ‬والحياة‭ ‬والطبيعة‭.‬

وتعتبر‭ ‬اتحرير‭ ‬تولستوىب‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬المهمة‭. ‬يجمع‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬الدراسة‭ ‬البيوجرافية‭ ‬وأدب‭ ‬المذكرات‭ ‬والدراسة‭ ‬النقدية‭ ‬والعمل‭ ‬الفنى‭. ‬

ينطلق‭ ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬تولستوى‭ ‬من‭ ‬حبه‭ ‬العميق‭ ‬لتولستوى‭ ‬الإنسان‭ ‬والمفكر‭ ‬والأديب‭ ‬ومن‭ ‬تأثره‭ ‬بأفكار‭ ‬تولستوى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بونين‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬مريديه‭ ‬وأحد‭ ‬أتباع‭  ‬الحركة‭ ‬التولستوية‭ ‬التى‭ ‬ظهرت‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬فى‭ ‬١٨٨٠‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬فكر‭ ‬تولستوى‭ ‬وفلسفته،‭ ‬حيث‭ ‬تبنت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭  ‬أفكاره‭ ‬فى‭ ‬الزهد‭ ‬وحب‭ ‬الطبيعة‭ ‬ونبذ‭ ‬الحروب‭ ‬والعنف،‭ ‬والدعوة‭ ‬للحب‭ ‬العام‭ ‬والتسامح‭ ‬والعمل‭ ‬اليدوى‭.‬

‭  ‬بناء‭ ‬النص‭ ‬فى‭ ‬اتحرير‭ ‬تولستوىب‭ ‬غير‭ ‬تقليدي،‭ ‬فأحيانا‭ ‬يتقاطع‭ ‬صوت‭ ‬بونين‭ ‬مع‭ ‬صوت‭ ‬تولستوى‭ ‬نفسه،‭ ‬كذلك‭ ‬نجد‭ ‬بونين‭ ‬يتخلى‭ ‬أحيانا‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬بوصفه‭ ‬السارد‭ ‬الرئيسى‭ ‬ويترك‭ ‬المجال‭ ‬لروايات‭ ‬أفراد‭ ‬عائلة‭ ‬تولستوى‭ ‬و‭ ‬المقربين‭ ‬وبعض‭ ‬المعاصرين‭ ‬لتولستوي‭. ‬ويتكشف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رواية‭ ‬بونين‭ ‬والآخرين‭ ‬ملامح‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬تولستوى‭ ‬وعاداته‭ ‬اليومية‭ ‬ومأكله‭ ‬ومشيته‭ ‬وتعبيرات‭ ‬وجهه‭ ‬وطريقة‭ ‬حديثة‭ ‬وهواياته‭ ‬وصفحات‭ ‬من‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭: ‬تولستوى‭ ‬الضابط‭ ‬المحارب‭ ‬فى‭ ‬معارك‭ ‬سيباستوبل،‭ ‬تولستوى‭ ‬الأديب‭ ‬المبدعوالإنسان،‭ ‬والمفكر‭ ‬الذى‭ ‬انشغل‭ ‬طويلا‭ ‬بالتفكير‭ ‬فى‭ ‬مغزى‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭ ‬والوجود‭ ‬الانسانى،‭ ‬وهى‭ ‬نفس‭ ‬القضايا‭ ‬التى‭ ‬شغلت‭ ‬فكر‭ ‬بونين‭ ‬نفسه‭.   ‬

يروى‭ ‬لنا‭ ‬بونين‭ ‬فى‭ ‬اتحرير‭ ‬تولستوى‭ ‬ب‭  ‬عن‭ ‬تأثره‭ ‬العميق‭ ‬بتولستوى‭ ‬الانسان‭ ‬والأديب‭ ‬والمفكر،‭ ‬وعن‭ ‬لقاءاته‭ ‬معه،‭ ‬وتشجيع‭ ‬تولستوى‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬طريقه‭ ‬الأدبى‭ ‬،‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬انتابه‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬الكتابة،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬تولستوى‭ ‬السابقة‭ ‬مع‭ ‬بونين‭ ‬هى‭ ‬الدافع‭ ‬لتشجيع‭ ‬بونين‭ ‬للكتاب‭ ‬المبتدئين‭ ‬فى‭ ‬المهجر‭. ‬ويتزامن‭ ‬صدور‭ ‬ترجمتى‭ ‬العربية‭ ‬لـ‭ ‬اتحرر‭ ‬تولستوىب‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬اكلمةب‭ ‬مع‭  ‬الاحتفالات‭ ‬بمرور‭ ‬150عامًا‭ ‬على‭ ‬ميلاده‭.‬

ثقافات‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب

يتميز‭ ‬إنتاج‭  ‬بونين‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬ويعتبر‭ ‬إيفان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأدباء‭ ‬الروس‭ ‬اهتماما‭ ‬بالشرق‭ ‬العربى،‭ ‬وقد‭ ‬سافر‭ ‬بونين‭ ‬إلى‭ ‬دول‭  ‬عربية‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وفلسطين‭ ‬والأردن‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والجزائر،‭ ‬وكتب‭ ‬من‭ ‬وحى‭ ‬زياراته‭  ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬والاستطلاعات‭ ‬الأدبية،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬تناولت‭ ‬فى‭ ‬كتابىامؤثرات‭ ‬عربية‭ ‬وإسلاميةب‭ ‬التأثير‭ ‬العربى‭ ‬والإسلامى‭ ‬فى‭ ‬إبداع‭ ‬بونين،‭ ‬وتناولت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬اهتمام‭ ‬بونين‭ ‬بحضارة‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬وتقديره‭ ‬العميق‭ ‬للأثر‭ ‬الحضارى‭ ‬الباقى‭ ‬الذى‭ ‬تركته‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرعونية‭.‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة