مبروك عطية
مبروك عطية


يوميات الأخبار

الفرق بين الالتزام والتيسير

الأخبار

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 09:44 م

بقلم/ مبروك عطية،،

 وهكذا الدين يسر كله، لكنه لا يجيز قصر الصلاة فى مسافة قصيرة، ولا يجيز إعطاء الزكاة بالبركة

 بين الخطاب الدينى الموجود والمهجور

السبت:

فى ظل الخطاب الدينى الموجود لم يفرق الناس بين الالتزام والتيسير، فكل التزام عندهم شدة، وكل تيسير عندهم تفريط، وتضييع، أما الخطاب الدينى المهجور الذى ينبغى أن يعود؛ لأنه الصحيح أن بين التيسير والالتزام ترابطا شديدا، فالتيسير سنة الدين، حيث قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" ويقول جل فى علاه: "ولو شاء الله لأعنتكم
وفى الحديث: "إن هذا الدين يسر" والالتزام منوط بالميسر، ولا يعنى أنه مطروح عند التيسير بحال من الأحوال، ولتوضيح ذلك أقول: لقد أباح الشرع الحنيف للمريض والمسافر فى رمضان الإفطار، لكنه قال: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" أى عليهما وغيرهما أن يفطرا رحمة بهما، حيث حلت المشقة بالسفر، والتعب بالمرض لكن عليهما ألا ينسيا عدد الأيام التى أفطروا فيها فى رمضان لقضائها بعده حين يحل العود والاستقرار بعد السفر، وتحل العافية فى الأبدان بعد العلة والمرض،
وقاعدة الفقه تقول: القضاء عين الأداء، فهما فى صيام الأداء كأنهما فى رمضان، أى ليسا فى صيام سنة، وإنما فى صيام فريضة، هى قضاء ما عليهما، وكذلك المرأة الحامل والمرضع، وأما الهرم أو المريض بمرض طمزمن فعليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطر فيه، فإن قال قائل: فإن كان لا يجد ما يطعم به؟ فالجواب أنه فى رقبته متى رزقه الله تعالى أدى ما عليه، فإن مات بائسا فقيرا قبل أن يقضى ما عليه من إطعام فهو بين يدى الرحمن الرحيم، وأمره إليه، وكل الأمل فى عفوه وغفرانه، "ويعفو عن كثير".

 لكن ذلك التيسير لا يعنى الطرح والإسقاط، وفى الحديث يقول النبى صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليؤدها إذا ذكرها فمن التيسير ألا يؤاخذ النائم والناسى، لكن جاء فى الحديث "رفع القلم" لفظ حتى، ومعناه إلى أن، أى رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، أى إذا استيقظ وجب عليه الأداء، والتمام، وكذلك عن الناسى حتى يذكر، ولابد له أن يذكر.

هذا، وقد شاع بين الناس فى الخطاب الموجود أن من قال: لا أدرى فقد أفتى، أو فقد أجاب، لكنه فى الخطاب الدينى المهجور لابد فيه من حتى، أى من قال لا أدرى فقد أجاب حتى يدرى، فالجواب الأول مؤول بحالا، لكن أن يستمر على لا أدرى فهو من الضلال، والدعوة إلى التخلص المذموم، وقد سأل عمر رضى الله عنه رجلا عن شيء؛ فقال: لا أدرى، فقال له الفاروق رضى الله عنه: لا دريت، يوبخه لأن مثله كان عليه أن يدرى، وقول من لا يدرى فى الحال: لا أدرى تيسيرا عليه فى تلك الحال، لكن لابد له أن يدرى بعد، وكم سئل الأئمة الكبار،

وقالوا: لا ندرى، واعتكفوا على كتبهم حتى دروا، وإذا بهم يبحثون عمن سألهم، وأجابوه بعد أن قالوا له حين سألهم: لا ندرى، لكن الخطاب الدينى المهجور لا يذكر ذلك هو يريد لا أدرى إلى الأبد، وهذا ليس من الدين، وكم تكرر فى الكتاب الكريم: ويسألونك، يذكر السؤال، ويبين له بم يجيب من سألوه، وليس فى سؤال واحد: فقل لا أدرى.

 وإنما كان "صلى الله عليه وسلم" يقول بمعنى لا أدرى أو ما أراك إلا أن كما جاء فى حديث الخلع حتى ينزل الوحى، أى حتى يأتيه الجواب وحيا من ربه عز وجل، وبعدم التفريق بين التيسير والالتزام وجدنا عللا فى تعاملات الناس الذين يزعمون أن الدين مادام يسرا فلا التزام، وإذا وجد المدين دائنة رجلا سمحا أكل ماله ظلما وعدوانا، وغره إنظاره له، وأوحى إليه بعدم السداد نهائيا، ووجدنا آفة شرسة فى مسألة الزواج الميسر، بأن يتلاعب الرجل الذى يسر عليه أهل العروس أمر زواجها منها يتلاعب بها، ولا يعطيها حقها كما ينبغى دينا وخلقا، أما التى عسر عليه أهلها، وأرهقوه، وسألوه المطلوب، وغير المطلوب، وكتبوا عليه المؤخر المحترم، والقائمة الباهظة، فهو يعاملها بكل احترام وتقدير، ويعمل لغضبتها ألف حساب، حتى وضع الناس ما يشبه القاعدة؛ فقالوا: "من جه بلاش راح بلاش" ولو أن الخطاب الدينى لم يهجر لقالوا من جه بلاش صناه بأرواحنا، وحملنا ترابه فوق رءوسنا، لأن التيسير لا يعنى التفريط، وإنما يعنى القمة فى الالتزام.

منتهى الالتزام 

الأحد

 وقد تأملت آية التحريم: "وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به، وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبئنى العليم الخبير".  والشاهد أن أم المؤمنين قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا؟ فكان جوابه نبأنى العليم الخبير، ولم يكن جوابه وفق سؤالها، أى لم يقل لها أنبأنى كما قالت فى سؤالها من أنبأك، ورأيت أن هذا العدول منه صلى الله عليه وسلم يمثل منتهى الالتزام بكلام الله تعالى له لا بكلام زوجته، وسنة لغته، والله عز وجل فى جميع القرآن الكريم يخاطبه بنبىء لا أنبىء، كما فى قوله سبحانه: نبئ عبادى أنى أنا الغفورالرحيم وأن عذابى هو العذاب الأليم" وفى الآية بعدها من سورة الحجر: "ونبئهم عن ضيف إبراهيم".

 حتى فى هذه الآية من سورة التحريم يقول الله فلما نبأت ما قال: أنبات، ويقول سبحانه: فلما نبأها به، ولم يقل: فلما أنبأها به، هكذا فكيف يقول صلى الله عليه وسلم: أنبأنى!

وبغض النظر عن الفرق بين أنبأ، ونبأ الذى يدل على الكثرة، تقول أنباته بخبر، ونبأته بأخبار، بغض النظر عن هذا الفرق نقول: إنه الحرص التام من قبل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتباع الوحى، ومن كان حريصا كل هذا الحرص كان حريصا على كل ما أمر الله به، ونهى عنه، فيؤدى ما أمره الله به، وينتهى عما نهاه،
ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أتقاكم لله"، ونحن لم نجد أستاذا يخاطب تلميذه، ويستمع إليه بتلك الدقة منبها إياه لحرف خالف به، فى تعبيره، ولو أوقفه فى مثل هذا الحرف لأوقفه فيما هو أخطر منه سلوكا وخلقا، وبدعة، الأمر الذى عرفناه بالتسامح والتجوز، حتى فى هذا الباب الذى أخذ حقه فى دراسات الأئمة لم يجوزوا التسمح أو التجوز على الإطلاق، وإنما تحدثوا عنه فى بعض الأمور التى يكون فيها استغناء لفظ عن لفظ، وفيما كثر استعماله، وفيما يكون الفصل فيه كلا فصل، لأنه قريب من أحد المفصولين، وأعنى به من الدرجة الأول المتضايفين أى المضاف والمضاف إليه، كما فى قولهم يا سارق الليلة أهل الدار، وكما حكى عن الكسائى رحمه الله رأس المدرسة الكوفية، وأحد القراء السبعة أنه قال الفصل بالقسم والجار والمجرور كلا فصل.

 وهذا الباب من أدلة العلماء على التيسير فى اللغة، وكما هو معروف أن اللغة العربية لغة اليسر لا العسر، لكنها مع هذا فى منتهى الالتزام بمواضع الوجوب والمسوغات لما خالف مظان الوجوب فيها؛ فلا يجوز لك أن تقول: الامتحان متى؟

 لأن اسم الاستفاهم "متى" له الصدارة؛ فيجب أن تقدمه قائلا: متى الامتحان؟

 وهكذا الدين يسر كله، لكنه لا يجيز قصر الصلاة فى مسافة قصيرة، ولا يجيز إعطاء الزكاة بالبركة، بل لابد من الحساب فيها لكل نصاب، وكل ما يخرج، ولا يجوز إعطاؤها لأى إنسان، وإنما للأصناف الثمانية المذكورة فى آية التوبة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم".

 ولا يجوز تأخير الصلاة عن أول وقتها إلا لعذر، وما أكثر ما لا يجوز، وما من شك فى أن هذا الامتثال يسفر عن تحقيق إقامة الدين فى الحياة، أى تحقيق حياة حقيقية لا حكمية، طيبة لا خبيثة، جميلة راقية، يجد الإنسان فيها نفسه مخلوقا راقيا، وذلك لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".

 أى أنه سبحانه وتعالى لا يدعونا تعسيرا علينا، ولا يحملنا مشقة فى ديننا، وإنما يدعونا إلى كل فضيلة من شأنها أن تحيينا، والله عز وجل لا يدعونا إلى حياة الدون والمعاناة، ونقص الاقتصاد، والحرب نخوضها بداع، وغير داع، إو إلى أن نقتل أنفسنا، وما ضيع معالم تلك الحياة منا إلا تفلتنا عن الالتزام، الذى نراه فى التهرب من الضرائب التى هى واجبة لأن فى المال حقا غير الزكاة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، وفى عدم إتقاننا لما نعمل، وإهمالنا فى أداء كل واجب.

 هكذا يجب أن نكون

الاثنين:

 كان فى قريتنا من قديم رجل ملتزم كل التزام بخروجه من داره إلى حقله، إلى درجة أن الناس كانوا يقولون فيه إذا رأوه: اضبط ساعتك، كما كانوا يقولون فى القطار حين كان يمر فى ساعته لا يتخلف عنها، ولا يتأخر، وما عرف الناس ذلك الرجل إلا بالنجاح فى كل زرعة يخضر بها أرضه، وذلك من ثمار الالتزام.

 وإنك لتجد عجبا فى آية تتلوها من سورة يوسف، حيث يقول ربنا تعالى حكاية عن يعقوب حين قال لنبيه عليه وعليهم السلام: "لتأتننى به إلا أن يحاط بكم" ومعناها وهى الميثاق الذى أخذه عليهم قبل أن يرسل معهم أخاهم بأسلوب ميسر: الشيء الوحيد الذى يجعلكم لا تأتوننى به هو أن تموتوا.

 ونحن لم نستثمر تلك الآية فى حياتنا، ولو حدث أن استثمرناها لقرأنا الفاتحة على روح كل من ضرب لنا موعدا ولم يأت، نقول: ما منعه إلا الموت، لكنا وجدناه حيا كالقرد، ويتعلل بما نعرف جميعا، أنه راحت عليه نومة، أو أن المرور هو السبب، أو عطله فلان، أو.. أو.. مئات الأعذار مع التوكيد بأيمان التى لا يشك مخاطبه أنها كلها أو معظمها أيمان غموس، ليس صادقا فيها، كم أعمالا عطلت؟، وكم من مكاسب راحت؟، وكم من قضايا ماتت؟، وكم من إشراقات أظلمت بسبب عدم الالتزام، الذى يباهتك من لم يلتزم بقوله: حصل خير، ووالله ما حصل خير، بل حصل شر وسوء، وصدق الله العظيم حيث يقول: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" لكن بدل أن نقول ذلك سوءا من أنفسنا، وقد عقدنا النية على التوبة النصوح منه، ونسأل الله أن يغفر لنا ما فات، ولن نعود إليه أبدا تفلسفنا قائلين: تتعوض، وهى الدنيا طارت، وما تبقاش قلبك حامى، وروق، ووحد الله ، وصل على النبى، وغير ذلك مما يمكن جمعه فى مجلد كبير أقترح أن يكون اسمه أساليب التخلف والدمار، والله الذى ينصح لنا أن نوحده أمرنا بالالتزام، والنبى صلى الله ع عليه وسلم الذى نصح لنا أن نصلى عليه كان قمة فى الالتزام إلى درجة أنه لم يجب زوجته على نحو قولها ومنوالها، فلم يقل لها أنبأنى، وإنما قال لها نبأنى ملتزما بالوحى، فمتى نفيق!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة