ياسر رزق
ياسر رزق


ورقة وقلم

تأملات على عتبات عام جديد

ياسر رزق

السبت، 26 ديسمبر 2020 - 08:26 م

عام الموجة الثانية للكورونا، واستمرار التخبط العربى فى خماسين ربيع السنوات العشر، ومعافرة مصر من أجل التقدم والإصلاح برغم التحديات.

حين كنت فى سن الصبا، كنا - أنا وأقرانى - نقول عن شىء بعيد التحقق: "فى المشمش"، أو نقول:"إن شاء الله سنة ٢٠٠٠"!
كانت سنة٢٠٠٠ بعيدة، نراها فى مستقبل غير منظور، كنا نظن حينما تأتى ستمرح فوق رءوسنا السيارات الطائرة فى سماوات المدن، وكنا نعتقد أننا سنرتحل فى رحلات الشتاء والصيف بين الكواكب بسفن الفضاء!
جاءت سنة ٢٠٠٠، ومضت دونما أن تحل بالعالم كارثة توقف كل أوجه الحياة المعتمدة على أجهزة الحواسب فيما عرف حينئذ بأزمة (02yk)، وتلاها ٢١ عاما، ومازالت السيارات تسير على شوارع الأرض تتعثر فى الطرقات ولا تحلق فى السماء.
صار الفضاء منغلقا لا تنفذ إليه رحلات مأهولة لاستكشاف الكواكب رغم مرور ٥٢ عاما على أولى رحلات استكشاف القمر، ولم نعد قادرين حتى على الارتحال بين الدول صيفا ولا شتاء بالطائرات، بعد أن حرمنا من السفر وأحيانا من مجرد مغادرة المنزل، أصغر مخلوقات الله، وهو الفيروس المسمى بـ "كورونا المستجد" ثم "كورونا المتحور"..!
< < <
لا أعرف لماذا راودنى فى سن الصبا، شعور بأننى سأموت فى عام٢٠٢٠، وها هى السنة تلملم أوراقها، ومازلت قبل نهايتها بأربعة أيام على قيد الحياة!
الحق أننى كنت عند حافة الموت فعلاً، وربما سقطت منها إلى جرف الفناء منذ ثلاثين شهراً، بالتحديد فى  منتصف عام ٢٠١٨، حينما دهستنى علتان فى وقت واحد، هما سرطان متقدم فى الرئة وانسداد شبه تام فى أربعة شرايين بقلبى المعتل.
كنت فى حكم الهالك لولا أن امتدت يد الله وأمسكت بى قبل أن أهوى إلى قاع الجرف، واستطاع الأطباء الجراحون فى الخارج إنقاذ حياتى، وعدت إلى بلدى واسترددت عافيتى ولله الحمد، فمازال فى العمر بقية لحكمة إلهية، ولو ليوم أو شهر أو سنوات..!
ولم يحن بعد أوان اللقاء المرتقب الذى لا مفر منه مع قبضة القاسى ملك الموت عزرائيل، عبد الحى الذى لا يموت.
< < <
تلوح سنة ٢٠٢١ عند عتبات أيامنا، ولم تتغير أشياء كنا نظن منذ عقود، أنها سوف تزول فى غضون سنوات معدودة.
مضى ٥٣ عاما على عدوان يونيو ١٩٦٧، ومازالت الضفة الغربية والقدس العربية وهضبة الجولان تحت الاحتلال، ويكاد حلم الدولة الفلسطينية يتحول الى سراب.
مضى ٣٠عاما على غزو العراق للكويت ونقترب من حلول ٣٠ عاما على عملية عاصفة الصحراء، ومازال العراق يئن والأمة العربية تلعق جراحها وإيران فى غيبة حارس البوابة تتمطع فى العالم العربى من العراق الى اليمن الى جنوب لبنان، كأنما هى التى خرجت منتصرة من حرب لم تخضها لتحرير الكويت وتدمير العراق.
مضى ١٠ سنوات أو يكاد على انفجار الربيع العربي، ومازالت الغربان تنعق فى مروج سوريا وصحراء ليبيا وجبال اليمن، ومازالت تونس لم تحطم بعد قيود الاخوان التى تكبل معصميها، حتى مصر التى هى مصر رغم أنها تحررت من الاحتلال الإخوانى وانطلقت فى معركة العمران منذ ٦ سنوات، لم تتعاف تماما من آثار الربيع العربى.
< < <
ندخل العام الجديد إذن ومنطقتنا المضطربة فى حال غير سارة.
إسرائيل تعربد بلا رادع، وتغيرت  معادلة الأرض مقابل السلام، إلى الحماية مقابل التطبيع..!
إيران متفائلة بإدارة أمريكية جديدة لا تنتهج سياسة خشنة فى التعامل مع الخطر الجيواستراتيجى الذى تشكله على المنطقة، ومن ثم فلا تجد أى غضاضة فى استمرار تمددها على الأرض العربية.
تركيا تجيد لعبة توازن المصالح وتبادل المنافع مع جارتها اللدودة روسيا، ومع حليفتها على الناحية الأخرى  من العالم، وبالتالى فلن تغير سياستها فى ملء الفراغ من دول العالم التركى شرقاً، إلى شمالى  العراق وسوريا غرباً، إلى قطر جنوباً.
العالم العربى مستمر فى تخبطه وسط رياح الخماسين التى لم تهدأ بعد فى الربيع الذى طال عشر سنوات كاملة، وفى ظل الرؤية المنعدمة تقريبا بصرياً وذهنياً، لا تبدو فى أفق  العام الجديد حلول متوقعة للأزمات فى اليمن وسوريا وليبيا، وبالقطع لا يبدو حل عادل للقضية الفلسطينية، مادمت كعالم عربى غير قادر على الضغط لتحقيقه بالوسائل الدبلوماسية والاقتصادية وبالردع العسكرى، ومادمت كعالم عربى تنثر أوراق الضغط  على ساحات الرقص السياسى..!
أما الولايات المتحدة، فمازالت هى نفسها التى تهيمنت على العالم منذ إدارة ترومان وحتى إدارة بايدن على مدار ٧٠ عاما، مناصفة مع الاتحاد السوفييتى لمدة ٤٠ عاما، ومنفردة تقريبا على مدى ٣٠ عاما مضت.
الذين سعوا لاسترضاء ترامب بالمواقف السياسية سيسعون لكسب رضاء بايدن فى مواقف أخرى سياسية.
الذين يتعشمون فى قرارات من بايدن تجاه اسرائيل أقل انحيازا من تلك التى اتخذها ترامب، سيخيب أملهم مبكرا، فسوف يكون المطلوب يهوديا من بايدن ان يبنى فوق ما بناه ترامب من أجل اسرائيل.
< < <
العام الجديد يقدم خطواته الاولى نحونا، ولا يبدو ان قدمه سيكون خيرا من سابقه المشئوم.
وبرغم اللقاحات التى توصلت اليها عدة شركات لمنع العدوى بفيروس كورونا المستجد، والمتوقع ان يجرى انتاجها على نطاق واسع فى مطلع العام الجديد، فإن تحور الفيروس الى سلالات جديدة أوسع انتشاراً وأكثر عدوى، وربما أشد فتكا، لاشك انه سيؤدى الى إحداث ربكة لدى شركات الدواء  المنتجة للقاحات، لسرعة البحث  فى مجابهة الفيروس المتحور.
ومع حلول نهاية العام، بدأت دول فى إعادة القيود مجددا على الدخول اليها من مواطنى الدول التى شهدت اول موجة للفيروس المتحور، أو ما كان يعرف بالموجة الثانية لفيروس كورونا.
فى الوقت ذاته، شرعت شركات الطيران فى إلغاء  رحلاتها إلى مقاصد بعينها بدأ فيها تفشى الفيروس المستجد أى زادت بها اعداد المصابين، ولجأت الى تقليص رحلاتها على نطاق واسع بعدما انخفضت أعداد المسافرين خشية تعرضهم للحصار عند إغلاق المطارات.
ربما لن تحتمل اقتصادات الدول غلقاً كاملاً للأنشطة على غرار ما حدث بعض الوقت فى العام الماضى بدول كثيرة، لكن لا يمكن إغفال هذا الاحتمال، أو على الأقل قيام بعض الدول بغلق جزئى للاقتصاد يستمر لمدة غير محددة فى حالة تفشى الجائحة على نطاق واسع، وهو ما يهدد بتقويض لاقتصادات دول متوسطة وكبيرة، وتحويل مئات الملايين إلى عاطلين بلا عمل.
ولا جدال ان جائحة الكورونا ومخاطر انتشارها هما أخطر تحد يجابهه العالم فى هذا العام الذى كان الكل يأمل ان يكون أفضل من عام ٢٠٢٠.
< < <
فى مصر.. لا يختلف الحال إزاء جائحة كورونا والمخاوف من تفشيها عن باقى دول العالم.
الأيام الأخيرة شهدت زيادة لا يمكن إنكارها فى عدد المصابين والمتوفين، لكن مجرد نظرة من حولنا تؤكد أن حالات الاصابة أعلى فى معدلها اليومى عما كانت فى الربيع الماضي، سيما أن أغلب المصابين يعالجون فى المنازل بالبروتوكول العلاجى الذى أعلنت عنه وزارة الصحة.
ولعلنا لاحظنا فى جولة الرئيس السيسى الميدانية أمس الأول على محاور شرق القاهرة، كيف أنه أشار للمواطنين الذين احتشدوا للترحيب به، إلى ضرورة وضع الكمامات حتى فى الأماكن المفتوحة للإقلال من مخاطر العدوى.
تقديرات الحكومة المصرية تقول إن معدل التنمية فى العام المالى الحالى لن يقل عن 3.5٪، غير أن انتشار الفيروس فى موجته الثانية،من شأنه أن يؤدى الى خفض أعداد العاملين بالمنشآت الإنتاجية وكذلك الإدارية، أو الإغلاق الجزئى لها، مما سيؤدى إلى تراجع الإنتاج فى مختلف القطاعات ومن ثم انخفاض معدل النمو عما هو منتظر.
ومع ذلك، فإن حصول الحكومة على 20مليون جرعة من اللقاح المضاد للعدوى بحلول الربيع المقبل، من شأنه وفقاً لما هو معلن الحد من أعداد المصابين الجدد بالفيروس، وتقليل احتمالات الاصابة لأولئك الذين يتعرضون للاختلاط بسبب ظروف عملهم.
< < <
برغم جائحة كورونا، تستعد الحكومة للانتقال إلى مقارها فى العاصمة الإدارية فى النصف الثانى من العام الجديد، وهو عمل إدارى وفنى ضخم، إذ يشمل أجهزة رئاسة الجمهورية ووزارات الدولة وبعض هيئاتها بجانب البرلمان بمجلسيه.
ويتواصل العمل فى مشروعات العمران والتشييد الكبري، وأهها المدن الجديدة وخطوط السكك الحديدية الجديدة، بطموح عال يستهدف رفع معدلات الإنجاز لتقترب إلى ما كانت عليه قبل ظهور الفيروس.
على أن التحديات التى تجابهها البلاد فى مسعاها لاستعادة وتطوير دورها الاقليمى وجهودها لتحقيق الاستقرار والسلام والحفاظ على السلامة الاقليمية لدول الجوار العربى وبالأخص ليبيا، ليست خافية على أجهزة الدولة المعنية.
وربما يشهد مطلع العام الجديد انعقاد قمة لهيئة مكتب الاتحاد الأفريقى بشأن أزمة سد النهضة قبيل انتهاء مدة الرئيس الحالى للاتحاد وهو جنوب أفريقيا، ومازالت مصر تفضل الحل السياسى لهذه الأزمة التى تتصدر اهتمامات وأولويات الدولة المصرية، عن اللجوء إلى الخيارات الأخرى والسيناريوهات المصنفة تدريجيا كأدوات.
< < <
أما عن أهم الملفات السياسية التى ستشهد انطلاقة جديدة فى العام الجديد برغم انتشار فيروس كورونا، فهو ملف الإصلاح السياسى الذى  بدأ فى العام الماضى بإجراء التعديلات الدستورية، وظنى بعدما جرى  تشكيل مجلسى البرلمان فى خريف هذا العام أنه سيتواصل بخطوات أوسع فى السنة الجديدة.
 لكن لهذا حديثاً يطول، وأفكاراً لابد أن تطرح، وتوقعات نرجو أن تتحقق.
والحوار مستمر بإذن الله.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة