للفنانة: ايناس ضاحى
للفنانة: ايناس ضاحى


الحكايات الشعبية وقصص الأطفال والشباب الصغير

أخبار الأدب

الأحد، 27 ديسمبر 2020 - 02:56 م

يعقوب الشارونى

من أهم القضايا التى تواجهنا عند بحث موضوع الاستفادة من مادة الحكايات الشعبية فى كتابة قصص للأطفال والشباب الصغير، هى: هل يلتزم كاتب الأطفال بكافة عناصر الحكاية الشعبية، وبترتيب هذه العناصر، ودلالاتها، أم أن من حقه، بل من واجبه أحيانا، أن يغير فيها، تحقيقا لأهداف الكتابة للصغار؟
وللإجابة عن هذا التساؤل، لابد أن نضع تساؤلاً آخر، هو: هل الشكل الذى وصلت به إلينا الحكاية الشعبية، هو شكلها الذى كانت عليه فى أصلها؟ فإذا كانت الحكاية الشعبية، من خلال مسيرتها الشفاهية، عبر الزمان والمكان، قد داخلها تغيير قليل أو كثير، فإن هذا يعطى كاتب الأطفال الحق نفسه الذى أعطاه المجتمع أو المستمعون للقاص الشفوى، ولنفس الأسباب.
هنا نجد فريدريش فون دير لاين يقول فى كتابه «الحكاية الخرافية»:  «يجب أن نحذر أنفسنا من القول إن الحكايات الخرافية جميعها ترجع إلى عصر قديم، فبعض هذه الحكايات لم تتخذ صورتها التى تبدو عليها إلا فى عصور متأخرة، إذ أن الخيال اليقظ الذى يمتلكه القصاصون الموهوبون، والمتعة فى التشكيل والتزيين، بل القصد إلى التعليم أحيانًا، كل هذا غَيَّرَ من شكل الحكاية الخرافية».
ثم يُشير الكاتب نفسه إلى «أهمية بحث نشاط القاص فى عملية الخلق والتنقيح، وإلى الطريقة التى تعيش بها الحكاية الخرافية فى عالمها الخارجى، وإلى كيفية تأثيرها فى السامعين، وخضوعها تمامًا عند روايتها لعوامل التأثير والمفاجأة».
كما يقول: «وليس فى وسع كل شخص أن يقوم بعملية الرواية، إنما الشخص الذى يجمع بين موهبة الحفظ ومتعة الرواية فى آن واحد، أى أنه الشخص الذى يمتلك طاقة فنية تعادل تلك الطاقة التى يمتلكها كاتب القصة..».
ويقول الدكتور عبد الحميد يونس أستاذ الأدب الشعبى، فى كتابه «الحكاية الشعبية»: «ومن خصائص الحكاية الشعبيـة، أنهـا تتسـم بالمرونة، وأن هذه المرونة تجعلها قابلة للتطور، بحيث تُضاف إليها أو يُحذف منها أو تُعَدّل عباراتها ومضامينها وعلاقاتها على لسان الراوى الجديد، تبعًا لمزاجه أو موقفه أو ظروف بيئته الاجتماعية».
وتطبيقا لمبدأ المرونة، يقول الدكتور عبد الحميد يونس فى نفس الكتاب، بعـد أن استعرض الأصول الهندية لكتاب «كليلة ودمنة»: «هذا كله لا يحول بيننا وبين الاعتراف بفضل عبد الله بن المقفع، لا فى نقله هذا الأثر الأدبى النفيس فقط، ولكن فى صياغته، مع الاحتفاظ بتقاليد الخرافة فى السرد القصصى المحبب إلى النفوس، والذى تـُـصَوَّر فيه البهائم والطير كائنات عاقلة مُفكّرة ومُدبّرة، تخضع لنوازع الغرائز وشهوات النفوس، خضوعها إلى الاعتبار بالأحداث، والاحتكام إلى الضمير، والرغبة فى التفلسف، واستخلاص العظة أو المثل من المواقف والحكايات».
كما يقول دير لاين عن كتاب «حكايات الأطفال والبيوت» للأخوين جريم، وذلك فى كتابه «الحكاية الخرافية»: «كان يعقوب جريم يطلب دائمًا لحكايته الخرافية أن تكون قدر الإمكان ذات معالم كاملة. وكم كان يود لو أنه استطاع أن ينشر الحكايات الخرافية فى صورتها الأصلية لو كان ذلك ميسرا. ذلك لأنه كثيرًا ما كان يجمع بين أجزاء كثيرة من الحكاية الخرافية، ثم يقارن بعضها ببعض، ويؤلّف بينها فى شكل حكاية مكتملة، بعد أن ُيسْقِط كلما هو بعيد عن بنيتها العضوية، وبذلك يخلق من الصيغ العديدة غير الكاملة حكاية مكتملة».
أما عن الصيغة اللغوية للحكاية الخرافية، فمصدرها وليم جريم، فقد كان يقوم بتهذيب لغة حكاياته من طبعةلأخرى، فنجدها دائمًا تزداد سحرًا وعمقــًا، كما تزداد متعة وبساطة».
وهو إذ فعل ذلك، لم يتكلف تغيير الحكايات الخرافية، وإنما كان يهدف إلى أن يحكى الحكاية الخرافية وفقًا لأحكامها، إذ كان يشعر حقًّا بمشقة كبيرة  فى نقل الحكاية من بنيتها الروائية الشفوية إلى صيغة مكتوبة تظل تحتفظ للحكاية الخرافية بحيويتها وشكلها الخاص».
وهكذا نجد أن وليم جريم يختفى كُـلِّية وراء عمله، فكثيرًا ما تبدو لنا حكاياته وكأنها لم تجد الأديب الذى طبعها بطابعه، ولاءم بين أجزائها، وإنما تبدو لنا وكأنها تخرج من أفواه الشعب مباشرة».
ولعل هذا هو السر فى النجاح الفريد الذى أحرزه الأخوان جريم، من حيث ان حكاياتهما الخرافية تمتلئ بالعناصر الفنية ويكتمل فنــَّها، بالإضافة إلى ما تتميّز به من بساطة وقــُرب من روح الشعب».
كما يقول: «وإذا كان لابـد للحكايـة الخرافيـة مـن أن تصمد أمام ذوق العصر، فلا بـد من أن تحتوى على مغزى، ولا بد أن يصبح اللا معقول فيها معقولاً، كما لابد أن ينتظم الخلط فى شكل شائق منظم».
كما يقول: جمع موزويس الأستاذ بجامعة فايمر الحكايات الخرافية من الشعب، وحكاها ثانية بطريقة ساخرة، ثم جعل ما فيها من عناصر خيالية وأمور خارقة للطبيعة تظهر بوصفها مجرد شىء عرضى، كما حاول بعد ذلك أن يضمنها مغزى، بأن أضاف إليها مُثلاً أخلاقية يُقتدى بها، تمامًا كما صنع شارل بيرو الفرنسى من قبل. ومع ذلك فيمكننا أن نقرأ اليوم حكايات موزويس، وذلك لأن جوهرها صادق، كما أن الإنسان يحس فى وضوح بما فيها من نغمة شعبية، إلى درجة أن الأسلوب الساخر والحكمة المقحمة لا يسيئان إليها إلا قليلاً».
لكل هذا يقول الدكتور عبد الحميد يونس فى دراسته حول «التراث الشعبى وأدب الأطفال» (الحلقة الدراسية حول مسرح الطفل - الهيئة العامة للكتاب - مصر): «عندما نفكر فى ثقافة الطفل باعتبارها الخطوة الأولى فى ثقافة المواطن وثقافة الشعب، فإن الواجب يقتضينا أن نبادر إلى جمع الحواديت التى يقدمها الكبار للصغار بطريقة عفوية، وأن نعين الحياة على الانتخاب، وعلى تخليصها من الرواسب، ومن الإمعان فى الخرافة وعوامل الجمود. ولن نكون بذلك مناقضين لمنهج التراث الشعبى، ذلك لأن الحياة تختبر الأشكال والمضامين، وتحذف وتضيف، وتُعَدِّل وتنسخ، حتى يظل هذا التراث مسايرًا لمقتضيات الحياة المتطورة أبدًا».
ولابد من التسليم بتحفظ واحد، هو الحرص على أصالة الحكاية الشعبية، وهى الأصالة التى جعلت من هذا الشكل أثرًا يجمع مقتضيات التعبير الأدبى، إلى جانب قيامه بالوظائف الأساسية فى التربية الفردية والاجتماعية».
لهذا نرى أنه، كما كان القاص يراعى وهو يروى قصصه شفاهة، مستوى السامعين وبيئاتهم واهتماماتهم وما يقبلونه وما يرفضونه، كذلك فإنه، عندما نعيد رواية القصص الشعبى للأطفال، فإنه من حق كاتب الأطفال، أن يفعل ما فعله الراوى الشعبى من قبل، وذلك بأن يراعى الاعتبارات التربوية، واهتمامات الأطفال وبيئاتهم، وقدراتهم على الاستيعاب.
ومن مقتضى هذا أيضا، أن الحكاية الشعبية الواحدة، يُمكن أن نحكيها فى  صياغات مُختلفة، بما يناسب استعداد الأفراد فى مختلف مراحل العمر لتقبلها، والاستفادة منها فى تكوين شخصياتهم، وممارسة حياتهم اليومية، ومُعايشة القضايا والاهتمامات المُعاصرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة