للفنان: محمد نبوى
للفنان: محمد نبوى


كورونا بمقياس الزمن

أخبار الأدب

الأحد، 27 ديسمبر 2020 - 02:57 م

 

عبد الرحيم الماسخ

الزمن ما زال يسير، الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها، ولكل دورة من دورات الزمن أحياؤها القادرون على معايشتها واقعيا، فلن تتجاوزهم بسهولة،  وهم أنفسهم الذين سيعودون بعد ذلك للانطواء طى ما بعدهم من أجيال إلى النهاية، الأحياء من كل الأنواع جيلا بعد جيل إذا عبارة عن مراحل تمر مرحلة مرحلة، طالت المراحل أو قصرت فى ترتيب الحياة،  فإذا تكاملت الأجناس فى النوع الواحد، ودارت دورتها الكاملة مع دوران الزمن فلن تترك هناك خلفية تلاحق الاحتمالات من بعدها وتعادلها، ولو وجدت تلك الخلفية ما استمر انقراض أنواع أو أجناس تلو اخرى فى كل العهود، مع استنباط خلائق أخرى لم تكن من قبل، يتضح ذلك أكثر فى الأحياء الضخمة من الحيوان والنبات التى انقرضت، إذا التوازن الكونى بين الكائنات موجود منذ البداية، وإن اختل قليلا فى بعض الأحيان فبفعل فاعل سواء كان الفاعل طبيعيا قدريا كالزلزال والبراكين، أو بشريا بيئيا كالحروب بين الأنواع والأجناس الحية، ولأن الحياة مشاركة بين جميع الكائنات فهى محكومة بالاحتياجات الضرورية للأحياء، وبالطبع لكل كائن ما كان احتياجاته الخاصة،  فإذا كان الجميع يشتركون فى تنفس الهواء وشرب الماء وتناول الطعام لكن بطرق مختلفة، فمعظم النباتات تمتص الماء والمواد الغذائية البدائية المذابة به عن طريق الجذر وتتنفس عن طريق ثغور فى الأوراق،  فى حين أن معظم الحشرات تتنفس عن طريق مسام فى الجلد وتتغذى على أطعمة بسيطة عن طريق الفم، وغير ذلك.
فإذا حانت النهاية، ولكل مخلوق نهاية خاصة به، وإن تشابهت بعض النهايات، فلا راد لقضاء الله،  بالطبع هناك اختلافات جوهرية ما بين نهايات الأنواع المختلفة من الأحياء، منها النهايات المفرحة إنسانيا كموسم حصاد القمح والأرز والفاكهة، فهى مواسم خيرية يجنى الانسان فيها ثمار جهده بعد معاناة قد تطول،  ومنها نهايات محزنة إنسانيا كموت الناس وخاصة الأقربين أو ما يملك الإنسان من حيوانات نافعة.
المهم أن كل مولود سيموت، فلماذا يخاف الناس من النهاية رغم أنها حتمية؟  الإجابة: أن الموت فى حقيقته انتقال قسرى من المعلوم إلى المجهول، وهذا فى حد ذاته شىء مخيف، فالمجهول حاشد بالغيبيات، محفوف بالشكوك، والإنسان خيالى بطبعه خاصة وأن كل النصوص المقدسة التى تملك صكوك القبول لدى الناس من أتباعها فى ربوع الكون، وإن اختلفت مع بعضها عامرة بالوعد والوعيد، وبالطبع معظم الوعود فى تلك النصوص تنصب على الآخرة، إذن الموت حد فاصل بين حياتين حياة مستقرة مكشوفة للجميع وأخرى حتمية ولكنها غير مأمونة العواقب،  خاصة وأن كل نص له أتباعه المستسلمون له على حساب النصوص الأخرى!
فإذا كان ميكروب كورونا مفاجأة الصين للكون، ومفاجأة عام 2020 لكل ما بعده من السنين، فإن ذلك الوجع غير المفهوم من خلال رسوم بيانية تتوه فى خريطة الإنسان تزيد من رعب الآمنين، وتحاول الخروج بهم إلى ساحة قتال غير مرئية وغير مباشرة للاشتباك بعدو خفى وغادر، فهى بذلك أصبحت حربا غير مضمونة العواقب، العالم الغنى يستطيع أخذ احتياطيات استثنائية فى أى وقت غير مرهقة اقتصاديا، إذ أن لديه أمانا اقتصاديا طويل الأمد، كما أنه يمتلك بنية أساسية متينة تضمن له إدارة المنظومة الصحية فى حال العدوى بكفاءة واقتدار مهما كانت التكاليف، أما فقراء الناس فيكملون عشاءهم نوما ويكملون نومهم كوابيس. العمل المرهق المستمر بإرهاقه الكبير ودخله البسيط الذى لا يوفر سوى سكن غير صحى، فإذا هاجمت الأمراض المجهولة البسطاء  فما لهم من حيلة،  لقد اهتمت الجهات المسئولة لدينا بالحدث الجلل،  وأعطته جهدا جهيدا، ووجهت النصائح وأصدرت القرارات، وتحاول المتابعة الميدانية ليل نهار، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، أنا مثلا مريض بالسكر وأجريت عمليتين جراحيتين لاستئصال أجزاء من القدم السكرية، لكن حينما عرضوا على الراحة فى البيت اعتذرت عن عدم  الحصول على الاجازة الاستثنائية الصادر بها قرار رئيس الوزراء لماذا؟ لأنى لم أجد لى بديلا، وغيرى كثيرون، وفى الوقت نفسه هناك من تهافتوا على الاجازات، بينما العمل الذى نقوم به فى حاجة لكل عامل،  لذلك وجب على الجميع التكاتف فى محاولة إيجابية لتجاوز الحدث الطارئ، لقد وقعت فى مصر أحداث كبار من قبل، فاحتاجت لبنيها جميعا باعتبارهم عناصر إيجابية تملك المبادرة والنجدة،  فكان الشعب نسيجا مرنا ذا وعى سباق للواقع مستشرف للمستقبل، فلا فرق بين حرب العبور الى سيناء وفيروس كورونا، لأن الحرب ما بين مصر وكل دخيل هى نفسها، ووجوب الانتصار كحياة بديلها الموت لا قدر الله،  فإذا سأل سائل:  لكن ما المطلوب منا؟ أولا: عدم الخوف من المجهول، مادام فى أيدينا معلوم يدل عليه. ثانيا:  قبول النصيحة من أهل الاختصاص، فهم أدرى الناس بمكامن الخطر، ومن متابعتهم للعدوى فى موطنها الأصلى اكتسبوا مزيدا من الخبرات التى تمكنهم من المواجهة بأقل الخسائر. ثالثا: عدم الاستهتار المخل بمنظومة الدفاع المشترك،  فقد يأتى قليل من الاستهتار بنتائج سلبية كارثية،  فمصر إلى الآن نظيفة، ولكن نهرا جاريا قد يفسده قليل من السم، وماذا علينا لو صبرنا على الحرص والمراقبة مع عدم الإهمال فى أعمالنا الضرورية لتحقيق حياة كريمة مستقرة للأجيال؟ إن الكرامة الإنسانية ليست حزما من أصوات ترتفع من وقت لآخر ثم تخفت والسلام، ولا أمل بلا عمل، وقد حان وقت العمل من أجل مصر والعالم،  فمصر أم الدنيا،  وشعبها وإن تملكته خفة الدم فى بعض الشدائد فلأنه متفاءل بطبعه، لكثرة ما خاض من تجارب وتجاوز من أزمان، ولمن يتذكر لقد باشرنا كل حروبنا من قبل برحابة صدر، ومزيد من التشاور والتناصح وبالغناء المتفاءل والفكر الحر، فاجتزنا كل أزمة تاريخية، وكم من دروس كتبها الأجداد بحروف من نور، مازالت تتدارسها الأجيال إلى يومنا هذا، لتبقى مصر روحا حيا فى جسد الأرض إلى نهاية الزمن!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة