للفنانة: لينا أسامة
للفنانة: لينا أسامة


سانت مارى

أخبار الأدب

الأحد، 27 ديسمبر 2020 - 03:11 م

 

أحمد الرسام

بَدَتْ لى فجأة فأعجبتنى كثيرًا، وكدتُ أرفرف حينما رأتها عينى، حيثُ كنتُ فى شارع شبرا، ماشيًا وحدى أفكرفى قلبى، حتى جذبتنى وخيل لى أنها لألأت شارع شبرا من حولى، وصرتُ أترنح فى خُطُواتى، إنها جميلة كأنها خُلقت كى تكون حبيبتى، عودها عود، وقَدها قد، فقد بدلت كل اتجاهاتى. وبينما أنا أتتبعها ــ لعلى أظفر بها ــ إذ حجب رؤيتى رجلٌ وامرأةٌ وشابٌ وليس لى من الرجل مانعٌ يمنعنى، وإنما من تلك المرأة التى هى كما البقرة التى لا مرعى لها إلا أمام ناظرى، وقد حاولت أن أتجاوزها فإذا ابنها الشاب يحول بينى وبين التى أعجبتنى، إذ كان أقرب إلى الخروف، ولا يختلف طبعًا إلا فى اللحم والشحم. شيء حيرنى كثيرًا، وضايقنى، ولكنى عرفت أن أزحزح بصرى، وظللت أقتفى هذه التى قرَّت عينى بها، فلعلى أستطيع أن أكلمها وتكلمنى، أراسلها وتراسلنى، ثم إنى شردتُ قليلًا وأنا شغوف، فلم أكن فى طبيعتى، فلمّا دنوتُ منها قلتُ فى إعجابٍ وشوقٍ:
ــ أنا...    
فقاطعنى رجلٌ كان شيخًا كبيرًا، عابسًا إذ قال لى:
ــ وحياة النبى يا حبيبى ساعدنى أعدى الشارع.
أسدد نظرة عليها، أتأملها وأتأمل شارع شبرا قليلًا، وآخذه طبعًا من يده وأنا أتأفف:
ــ أمرى لله.. تعال..
ــ ابن بنتى هرب منى ابن العفريت..وجرى مني..وأنا نظرى ضعيف.. ضعيف..
ــ لا، فعلًا ابن عفريت.
ــ شيطان.. شيطان وعنده 11سنة يا ابنى.
ــ ربنا يهدى..
وكاد يقف فى نصف الشارع ويقول لى:
ــ آه، قعدنى هنا فأنا تعبت.
أمهلنى لحظات، إلا أن أمر به فى سلامٍ وأقول لنفسى عنه:
ــ صحيح رجل بارد!!
والتفتُّ إلى الطريق مسرعًا فى خُطُواتى فيُوقفنى كهلٌ يَلوث عنقه فى لاثة مُشجرة، ويمسك فى يده عصا سوداء، كان يرتدى الصوف ولا يزال الخريف جميلًا، ثم يسألنى عن شارع خلوصى. سألنى بلكنةٍ تختلف بالطبع عنى وإجابتى تطول منى إلى أن كادت تبلغ شارع خلوصى ذاته، فلو أنى ذهبت معه لكان أقصر لى، فلم يفهمْ فأنفخ فى وجهه، وأتركه دونما أن أعيد عليه الجواب مرة أخرى. اضطررتُ أن أجرى مسرعًا خطوتين، فتعثرت فى طفلٍ صغيرٍ وما كان لى ذلك، فنهرنى أبوه أما الأم فحملت ابنها على ذراعيها خوفًا منى، وكأننى خاطف له، أو سفاح، أتركها وأعتذر لهما ذاهبًا وراء التى فى عينى، لا تفارقنى، فاصطدمت بدراجة يركبها صبيَّان صغيران، فوقع كلاهما علىَّ والدراجة، وما أصابنى الأمر فى ذلك، فأسمع اسمى يتردد:
ــ عبد العزيز.. عبد العزيز..
وتحركت أذناى يسارًا ويمينًا، الصوت يشبه صوت أمى، حاد ومرتفع، ثم انقطع عنى، ولكنى لم أعبأ به، فغلبتنى عينى لحظة، والبنت تختفى وتضيع منى، فأبحث عنها بين الناس مثل المجنون، ثم أفزع وأنا أجرى فى كل نحو، فقد دارت رأسى من الارتباك، فإذا بى أتفاجأ بها وهى تنحنى داخل ممر كنيسة سانت مارى، لا.. قصدى سانت تريزا.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة