أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

عشاء فى جهة أمنية...!

أسامة عجاج

الأربعاء، 30 ديسمبر 2020 - 09:07 م

 

مع كل مهمة صحفية، هناك أبعاد أخرى، بعضها يتسم بالغرابة أو الطرافة، وتبقى فى الذاكرة، قد نعود لها بالحكى فى المناسبات أو بالكتابة أحيانًا أخرى.

قمة الخرطوم العربية فى عام ٢٠٠٦، كانت إحدى القمم الاستثنائية فى تغطياتى الصحفية، خاصة أنها الأولى لى ضمن زملاء أعزاء لصحيفة الأخبار بعد انتقالى إليها من مجلة "آخر ساعة"، وهم المغفور له بإذن الله بدر الدين أدهم، والعزيز سيد النجار، تحت إشراف الكاتب الصحفى الكبير محمد بركات رئيس التحرير فى ذلك الوقت متعهما الله بالصحة والعافية.

أغرب تكريم

شهدت قمة الخرطوم غيابا كبيرا لعدد من الزعماء العرب، ومنهم الرئيس الراحل حسنى مبارك، لأسباب أمنية، وكما جرت العادة فى مثل هذه المناسبات يقام حفل تكريم للإعلاميين المكلفين بتغطية القمة، أحيانًا معًا القادة وأخرى بشكل منفصل، وكان الحفل مفاجأة، فالدعوة على العشاء لم تأت من وزارة الإعلام السودانية المعنية بمتابعة عمل الصحفيين، ولكنها جاءت من رئاسة جهاز المخابرات العامة السودانية، وفى مقرها فى وسط العاصمة الخرطوم. أثار أمر استغراب الدعوة الجميع فقد تكون المرة الأولى التى يدخل الكثير منهم مقرات أمنية فى بلادهم فما بالك بدولة أخرى، وإن كان هناك حرص على تلبيتها.

أثار الأمر فضولى فتساءلت عن أسبابها، وقيل لى من بعض الزملاء السودانيين، إنها محاولة من الجهاز لتعزيز صورته الجديدة، بعد أن تمت إعادة هيكلته قبل حوالى عامين من القمة، أى فى عام ٢٠٠٤، بعد توحيد جهازى الأمن الوطنى المعنى بالأمور الداخلية والمخابرات العامة، وساحة عملها الخارج، تحت اسم جهاز الأمن والمخابرات العامة برئاسة الفريق صلاح محمد عبدالله قوش، الذى أراد تعزيز فكرة التواصل مع المجتمع السوداني، مع احتفاظه بسرية عملياته. بالطبع كان التواجد الإعلامى العربى والدولى الكبير لتغطية القمة، فرصة لتعزيز تلك السياسة.

أطول زيارة

اختلفت زيارتى الوحيدة إلى الصومال فى ثمانينيات القرن الماضى،عن كل زياراتى لمعظم الدول العربية، فقد جرت العادة على أن مدتها لا تتجاوز أسبوعا، ولكنها هذه المرة امتدت إلى ثلاثة، والأمر يعود إلى علاقة صداقة جمعتنى مع وزير خارجية الصومال محمد على حامد، وكان يجيد العربية فهو خريج حقوق الإسكندرية، وزرته فى شقته الخاصة فى الدقى أكثر من مرة،فدعانى لزيارة بلاده، وإجراء حوار مع الرئيس الصومالى الأسبق مجمد سياد برى، وهو ماحدث بالفعل، ولكنها حفلت بالعديد من الأحداث الطريفة، حيث التقيت بالرئيس فى اليوم التالى لوصولى، ففوت علىّ الفرصة للقاء كبار المسئولين، وزير الدفاع أو الإعلام مثلا، حيث اعتدنا على أن يكون حوارا على هذا المستوى، هو مسك الختام لأى مهمة صحفية ناجحة، استقبلنى الرئيس فى قصره فى وسط العاصمة مقديشو، الحوار جرى فى حديقة القصر، وعندما حان وقت أخذ الصورة الرسمية، انتقلنا إلى غرفة بسيطة جدا، فتحها الرئيس بنفسه، ويبدو أنه يقضى فيها جزءا من الليل مما أثار دهشتي، البساطة هى السمة الرئيسية على الغرفة، حيث يتواجد بها أثاث قليل، سرير متواضع وعدد من الكراسى وجهاز عرض أفلام فيديو.

فى الحوار حدثنى الرئيس برى عن خطته لتعريب التعامل فى المصالح الحكومية، رغم أنه يتحدث معى باللغة الصومالية، وقام وزير الخارجية محمد على حامد بدور المترجم، ومع ذلك نجح الرجل فقط فى مشروع كتابة اللغة الصومالية، التى تنطق ولا تكتب، عموما وفى النهاية دعانى الرئيس لمرافقته إلى جولة له فى أقاليم الصومال، فرحبت بالفكرة، فهى فرصة صحفية لترى بلادا بعيون رئاسية، مر يومان دون أن يتواصل معى أحد حول ترتيبات الرحلة، وكانت المفاجأة المذهلة أن الرجل بدأ جولته، فكان علىّ أن أنهى رحلتى، فإذا بوزير الخارجية محمد على حامد يبلغنى بأن تعليمات الرئيس بانتظاره لحين عودته من الجولة، دون تحديد موعد لتلك العودة، قبلت ذلك على مضض، اعتقاداً منى أن الجولة ستستغرق عدة أيام.

لم أجد ما أفعله سوى الذهاب يوميًا إلى المركز الثقافى المصرى، وكان بالصدفة أمام فندق إقامتى للقراءة، أو زيارة إلى مقر السفارة المصرية فى انتظار الحقيبة الدبلوماسية، التى تضم صحف الأسبوع، أو لقاء الزميل الصحفى محمد الشناوى مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى مقديشو. تمر الأيام بطيئة، وأتواصل بصفة شبه يومية بالوزير، لمعرفة موعد عودة الرئيس دون إجابة، مع استمرار تعليمات الرئيس بانتظاره، استمر الحال حوالى ٢٠ يوما، حيث انتهت قدرتى على التحمل، فأكدت للوزير أننى سأسافر مساء نفس اليوم، وكان موعد إقلاع الطائرة ليلا، ولكنه استمهلتنى يوما واحدًا فقط لحسم الأمر مع الرئاسة، فوافقت. والمثير فى الأمر أن الطائرة التى كنت سأعود بها إلى القاهرة إذا أصررت على موقفى، تم خطفها إلى مطار جدة، ولم تنته الرحلة الأطول سوى بعودتى إلى منزلى بعد ثلاثة أسابيع.

هناك فرق

مبكرًا تعرفت على حقيقة،وجود تباين كبير بين أداء الصحفيين العرب والأجانب، يعود الأمر إلى مشاركتى فى تغطية المؤتمر الصحفى للمغفور له بإذن الله الأمير بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودى، فى ذلك التوقيت، وكان فى أغسطس ١٩٨٧، ضمن وفد صحفى مصرى كبير، كان الأول الذى يزور السعودية بعد قطع العلاقات بين البلدين، المشاركين فى المؤتمر عدد كبير من جهات إعلامية من كافة أنحاء العالم، حيث قدم الأمير نايف الرؤية السعودية لأحداث مكة، عندما تظاهرت أعداد حاشدة من الحجاج الإيرانيين، واتجهوا إلى المسجد الحرام رافعين شعارات الثورة الإيرانية وصور الخميني، والهتاف ضد امريكا وإسرائيل، وتسببت الحشود فى قطع الطرق، حيث تصدت قوات الأمن السعودية للمتظاهرين الإيرانيين، وكانت النتيجة استشهاد مقتل وإصابة المئات من الحجاج من دول مختلفة، ومن قوات الأمن.

شهدت وقائع المؤتمر الذى تم عقده فى جدة وأسئلة الصحفيين التباين الواضح بين الأجانب، وبين العرب، بين من يبحث عن "المعلومة"، التى جمع حولها الكثير قبل المؤتمر، ويريد استكمالها وهذا واضح من خلال سؤال للأمير من أحد الصحفيين الأجانب، حول حقيقة ماحدث خلال الفترة الزمنية المقدرة بساعة أو أقل، أما الصحفيون العرب فقد جاء بعضهم إلى المؤتمر سعيا "لتسجيل موقف" وأتذكر أن أحد الزملاء من السودان، وقف قائلا "باسم الشعب السودانى أعلن تنديدى بالمظاهرات الإيرانية، والسلوك الهمجى للحجاج الإيرانيين، الذى يخالف أصول الشرع وحرمة المكان"، رئيس تحرير صحيفة العرب التى تصدر فى لندن أحمد الهونى جاء عليه الدور، أراد توسيع دول التمويل الخاص بصحيفته، فوقف يقول: "أرجو ان تنتهى حالة الشك والريبة فى النظر إلى توجهات الصحف العربية فى الخارج، نحن داعمون لك، معبرون عن مواقفكم"، وأنهى كلمته بالقول "افتحوا لنا عقولكم وقلوبكم "، مما أثار استغراب كل الحاضرين لدرجة أن أحد الظرفاء من الصحفيين،علّق بعد المؤتمر: "لقد نسى الرجل أن يقول افتحوا لنا جيوبكم "، وكان المؤتمر هو الأغرب فى مسيرة حياتى الصحفية.

 كتاب العمر

الدكتور محمد هانى حافظ رئيس الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلي، وهو صاحب إبداع ثلاثى الأبعاد، فى الطب والأدب وكتابة الشعر. الدكتور هانى يمثل وجهًا آخر لأطباء عشقوا الأدب، قد يكون ليس أولهم، فقد سبقه كثيرون أشهرهم يوسف إدريس، ولكنهم انحازوا للأدب وهجروا الطب، على عكس الدكتور هانى الذى يعتبر أحد أهم الأطباء العرب فى مجاله، حريص على متابعته مرضاه ومنهم نسبة معتبرة من العرب، بما يتمتع من قدرات علمية ومزاياه إنسانية، ومع ذلك ظل حريصًا على ممارسة هواية الكتابة، حيث أهدانى منذ أيام كتابه الثالث "فصول من كتاب العمر"، بعد الأول تحت عنوان "زورق الأحلام" والذى مثل تجربته الأولى لمشاركة القارئ خواطره وتأملاته، ولم يختلف عن إصداره الثاني، والذى حمل عنوان "حكيم عبر الحدود"، والذى جسد نوعا مختلفا من أدب الرحلات، وفى كتابه الأخير اتخذ الإطار الزمنى حاكمًا فى الكتابة، حيث جمعها عبر مراحل زمنية خلال العقود الخمس الماضية، مقسمًا كل مرحلة إلى عشر سنوات، وبدأت ذات يوم فى أوائل السبعينيات،عندما كان عمره خمسة عشر عامًا، بقصيدته الأولى حيث لاقت إعجابا وإشادة من مدرسه للغة العربية، الذى أوصاه بالقراءة، ثم القراءة، وتنتهى فى فبراير من العام الماضى وتجمع بين الخواطر والتأملات، حيث يمزج مابين أدب الرحلات، ومن ذلك فقراته عن بيروت والعاصمة الأردنية عمان وواشنطن وكينيا، وبين الإبحار فى التاريخ ومن ذلك حديثه عن خامس الخلفاء الراشدين وابن سينا شاعرا، وظنى ان شخصية الدكتور محمد هانى حافظ هى اقرب لابن سينا، حيث يجمع بينهما العمل فى الطب، والموهبة الشعرية، التى تظهر فى نهاية كل فقرة من فقرات الكتب الثلاثة.

معركة الهوية

هالة فؤاد مدير تحرير مجلة آخر ساعة، نموذج فريد للجدية الشديدة فى العمل، والتميز فى الأداء، منذ أن عرفتها كزميله تخطو خطواتها الأولى فى المجلة، ذات يوم فى ثمانينيات القرن الماضي، حيث أصبحت وفى زمن قياسي، أحد نجوم قسم التحقيقات الصحفية وأبرزهم، ومع ذلك فهى صاحبة قضية عملت عليها بالتوازى مع جهدها الصحفى الملحوظ، وهى تقديم رؤية مختلفة للصراع العربى الإسرائيلي، وفى القلب منه الفلسطينى، ليس كما اعتدنا من منظور سياسي، ولكن من منظور مختلف تماما، وهو صراع الهوية، كما هو واضح فى كتابها قبل الأخير "الفلكلور الفلسطينى بين السرقة الإسرائيلية وتحديات طمس الهوية"، وهو الثالث فى هذا المجال، فقد سبقه كتاب "مصريون وإسرائيليات − الزواج المحرم" فى عام ٢٠٠٨ وفى نفس العام جاء الثانى "حصاد الكراهية − صورة العربى فى الأدبيات الاسرائيلية".

وترصد الكاتبة هالة فؤاد فى كتابها الفلكلور الفلسطينى حقيقة المعركة الدائرة، بين القدرات الجبارة لآلة إسرائيل الإعلامية والثقافية والدعائية، وبين الصمود الفلسطينى للحفاظ على هويته، على ماضيه وحاضره ومستقبله الذى يتعرض ليس فقط إلى بناء المستوطنات، وضم الأراضى الفلسطينية وتهويد القدس، ولكن لإنهاء أى وجود تراثى فلسطيني، حيث ترصد نوعيات من ذلك الفلكلور الدبكة والأغانى والأمثال الشعبية وألعاب الأطفال وحتى المطبخ الفلسطيني، وجميعها يتعرض لسرقة مفضوحة من إسرائيل، ومحاولة السطو عليها والادعاء بأنها الأصل والأساس فى كل ذلك. أما موهبة هالة فؤاد الإبداعية مع موهبتها الصحفية، فتراها فى كتبها الأخرى "الشوارع فى الرواية العربية" "وقلوب حائرة" والأخير "شخابيط مشاعر".

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة