هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

على المغربي.. صحفى بدرجة إنسان

هشام مبارك

الأربعاء، 30 ديسمبر 2020 - 09:41 م

عندما التحقت بدار أخبار اليوم فى منتصف الثمانينيات كان اسم علي المغربى وقتها كما يقول المثل الصعيدى "زى الطبل"، يتردد فى جميع جنبات الدار كواحد من أهم الصحفيين فى الأخبار، وظل على هذه السمعة حتى وافته المنية منذ أيام قليلة مضت. لم أتعامل مع إنسان فى حياتى لم تغيره الأيام مثلما كان الحال مع هذا الرجل الذى ظل على تواضعه وبساطته الشديدة رغم نجوميته كواحد من أهم المحررين الاقتصاديين الذين تولوا تغطية أخبار وزارة التموين حتى فاقت شهرته فيها شهرة من تولوها من الوزراء على مدار تاريخها. كان أى وزير جديد للتموين قبل أن يجلس جيدا على كرسيه وقبل أن يتعرف على كبار معاونيه يحرص أولا على التعرف على على المغربى ذلك الصحفى الكبير الذى لا يوجد بشر أو حجر داخل مبنى الوزارة لا يعرفه حق معرفته حيث ذاع صيته بعد أن حقق فى هذا المجال العديد من الخبطات الصحفية. وقد اشتهر عن وزراء التموين ألا يبدأ أى منهم مؤتمره الصحفى قبل أن يتأكد من وصول على المغربى لمقر المؤتمر مما كان يتسبب فى غيرة الزملاء فى الصحف الأخرى.

فى بداية عملى بالقسم الاقتصادى فى الأخبار كان القسم تحت إشراف جميل جورج أستاذ الجيل وأحد رموز الصحافة الاقتصادية متعه الله بالصحة والعافية،بينما كانت إدارة القسم مناصفة بين أستاذين كبيرين هما على المغربى ومحمد العتر رحمهما الله تعالى، ثلاثة أيام لكل منهما.

تعرفت خلال هذه الفترة عن قرب على على المغربى الصحفى والإنسان الذى أثبت خطأ النظرية التى تقول إن أى صحفى أو أى ناجح فى أى مجال لا يصل للقمة إلا وكان له ضحايا ربما من أقرب الناس الذين وقفوا إلى جواره وساندوه. فأثبت على المغربى أنه ليس بالضرورة أن تفقد إنسانيتك لتكون صحفيا مرموقا يشار لك بالبنان، وأنه لا تعارض أبداً بين نجاحك كصحفى بارز وبين أن تعترف دائما بفضل من سبقوك وتحفظ عليهم مكانتهم مع إعطاء الفرصة للجدد من الزملاء ليكبروا معك.هكذا كان يتعامل على المغربى معنا منذ الأيام الأولى لنا فى بلاط صاحبة الجلالة على أننا كبار فى الصحافة وكان دائما يردد أن الكبير حقا هو من يحتضن زملاءه الجدد ويأخذ بأيديهم لا أن يحاربهم ويحبطهم حتى يرحلوا قبل أن يبدأوا. لا أنسى أبدا أول مؤتمر حضرته معه بعد أيام قليلة من دخولى الأخبار،حيث فوجئت به وكان هو من يدير المؤتمر يطلب منى أن ألقى كلمة.أسقط فى يدى طبعا وتلعثمت جدا ولا أدرى ماذا قلت وهل له علاقة بالموضوع أم لا ومع ذلك وطوال الطريق فى عودتنا لمقر الجريدة كان على المغربى يمتدح كلمتى ويؤكد أنها أصدق ماقيل فى المؤتمر كله وكيف أن الجميع كان معجبا بها!

تتلمذت على يد على المغربى طيلة خمس وثلاثين سنة هى عمرى فى بلاط صاحبة الجلالة،لم أضبطه مرة طيلة هذه السنوات متلبسا بالخوض فى سيرة أحد، وأشهد أنه إذا تصادف وجوده مرة فى مجلس ووجدنا نتكلم عن أحدهم كان ينهرنا بشدة وينبهنا لخطورة الغيبة فإذا حاولنا التخفيف من وطأة الأمر وإغراءه هو شخصيا لأن يشاركنا فى النميمة كان يغادرنا من فوره حتى لو كان مختلفا مع من كنا نتكلم عنهم.كان صحفيا راقيا بمعنى الكلمة وشخصية متحضرة لم تضعف أو تهتز بينما كان تلاميذه يتسابقون للحصول على المناصب كان يضحك ويقول إن منصب الصحفى الحقيقى هو فى مكانته بين قراء الجريدة الذين ينتظرونها يوميا ويدفعون مقابل أن يجدوا فيها ما يهمهم من أخبار وموضوعات تناقش همومهم ومتاعبهم وتبحث لها عن حلول، فالصحفى يكفيه أن يكون صحفيا،وقد كان على المغربى مثالا حيا لذلك الصحفى الذى لم يتخل عن الناس لحظة واحدة.

كان على المغربى واحدا من أخف الصحفيين ظلاً.لا أدرى لماذا لم يتجه للكتابة الساخرة وهو يمتلك أدواتها،واشتهر بين أبناء جيله بالعديد من المداعبات التى دوّنها فى واحد من أشهر كتبه عن مقالب فى شارع الصحافة كما ترك على المغربى للمكتبة العربية مجموعة كبيرة من الكتب الصحفية والدينية حيث كان عاشقا للحرمين الشريفين ونقل للقراء مشاعره فى تلك البقاع المقدسة.

رحم الله أساتذتى فى القسم الاقتصادى فى الأخبار الصحفى الإنسان أستاذى على المغربى وأستاذى الكبير محمد العتر وكل الذين علمونا قبل رحيلهم أن نحب هذا المكان ولا نتصور حياتنا بعيدا عنه،وسنظل بإذن الله على العهد حتى نلحق بهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة