الحارس الثامن
الحارس الثامن


الحارس الثامن

أنور كامل .. السريالى الأخير

أخبار الأدب

الخميس، 31 ديسمبر 2020 - 03:22 م

 

أنور كامل

«كتبت هذه المسرحية بين القاهرة وتورينو  فى أواخر ١٩٦٦ وأوائل ١٩٦٧، قرأها توفيق الحكيم فى أواخر ١٩٦٨، ذكر لى فى ذلك الوقت أنه قرأها فى جلسة واحدة، أضاف أن مضمونها معقول وشكلها لا معقول. كذلك ذكر أن المؤثرات والحركات فيها محكمة، أوصانى بأن يكون مخرجها هو كرم مطاوع، أعطيته نسخة منها ولكن يبدو أنه نسيها فى زحمة عمله، ربما كان السبب هو أن الظروف لم تكن تسمح آنذاك بعرضها.. ظلت المسرحية بلا نشر أو عرض.
بهذه السطور قدم أنور كامل مسرحيته «الحارس الثامن» التى لم تنشر حتى الآن وننشر هنا مقاطع منها».

إهداء

إلى الخير العميم
إلى نهر لا وجود له فى عالمنا
جف
حين أصابته لفحة من كائن عجيب ذى عيون معوجة
يقال فى الأساطير إنها طفحت على ظهر الأرض من مستوى سابع

إلى المخرج

الزمان: زمان ما غير مرتبط بماض معين أو حاضر معين.
المكان: مكان ما غير مرتبط ببلد معين أو برقعة معينة من الأرض.. كل ما هو مطلوب أن يكون مطلا على نهر وأن تكون به شجرة ضخمة يابسة.
الضوء: داكن. بلا أشعة، وسط بين النور والظلمة، فضى منطفئ.
الملابس: مبتكرة. لا تنم عن عصر معين.
الديكور: بسيط للغاية، كل ما هو مطلوب أن يعبر عن ضخامة الشجرة وتيبسها مع تجرد كامل فى المكان.
الموسيقى: أشبه بأصوات مستمدة من الجذب والدفع والالتحام والانفصال واللمس والاحتكاك والطرق والسكون والدبيب والمشى والعدو والنفخ والشفط والتفريغ والملء والهدم والبناء... .إلخ.
الأداء: سريع الإيقاع.. تزداد سرعة إيقاعه فى بعض المواقف وتقل فى بعضها الآخر تبعا للسياق. الوجوه عليها جهامة لا تبتسم أبدا حتى ولو قهقه الجمهور. كل ما يدور مفرط فى الجد دلالة على أن أحداثا بالغة الخطورة تجرى فوق الخشبة.

الحارس الثامن

شجرة شامخة على حافة نهر.. سميكة
الجذع إلى حد مذهل.. متفرعة الأغصان
حتى لتكاد تغطى المكان كله.. ليس بها
ورقة واحدة أو زهرة واحدة أو ثمرة»
واحدة..  لا يرى سوى جزء من صفحة
النهر على الجانب الأيمن للجمهور وجزء
من الطريق الممتدة فى محاذاة الشاطئ
يظهر من وراء الشجرة من الناحية
اليسرى جزء من جسم إنسان يرجح
أنه لفتى فى صدر الشباب يختفى ويعود
إلى الظهور أكثر من مرة. بين الحين
والحين يسمع همس غير واضح.. وفجأة
تسمع جملة من شفتين نسائيتين غير
مرئيتين.. يرجح أنها لفتاة فى صور
الشباب.
الصوت: «فى بداية انفعال»: جئت إلى هنا لأجدد حياتى! «تظهر من وراء الشجرة من ناحية النهر فتاة مليئة بالحيوية».
الفتاة:  «فى انفعال أشد» : أجل ! جئت إلى هنا لأجدد حياتى ».
«يظهر من وراء الشجرة ومن الجهة المقابلة فتى ملى ء بالحيوية»
الفتى: «فى انفعال مماثل»: «وأنا أيضا جئت إلى هنا لأجدد حياتى».
«صمت. يخف الانفعال» ولكن أليس غريبا حقا أن نجىء إلى هنا لنجدد حياتنا؟!»
الفتاة: «فى هدوء نسبى «: وما الغريب فى هذا؟
الفتى «فى هدوء مماثل»: أيمكن أن تتجدد الحياة فى هذا المكان؟
الفتاة: الحياة تتجدد فى كل مكان.
الفتى : وفى كل زمان. إلا تحت هذه الشجرة.
الفتاة: ولماذا لا تتجدد الحياة تحت هذه الشجرة؟
الفتى : لأنها ميتة.
الفتاة: «فى بداية انفعال»: من قال إنها ميتة؟
الفتى : «فى هدوء نسبى » : ألم تفقد مظاهر حياتها؟
الفتاة: «فى انفعال أشد»: حياتها فى الداخل.
الفتى : ألم تفقد أوراقها؟
الفتاة: «فأشد»: حياتها فى الداخل.
الفتى : ألم تفقد أزهارها؟
الفتاة: «فأشد»: حياتها فى الداخل.
الفتى : ألم تفقد أثمارها؟
الفتاة: حياتها فى الداخل.
الفتى : «فى انفعال مفاجئ»: أى داخل؟ إن شجرة فقدت أوراقها وأزهارها وأثمارها لا يمكن أن تكون حية. لا فرق فى الحياة بين الداخل والخارج. الحياة لا يمكن أن تكون إلا فى الداخل والخارج فى وقت معا».
الفتاة: «تصرخ»: هراء.
الفتى : ماذا تقولين؟
الفتاة: أقول هراء. نحن أيضا نرتد إلى داخلنا حماية لأنفسنا من فزع الكوارث.
الفتى : «فى تعجب»: الكوارث؟! أية كوارث؟!
الفتاة: «تدير بصرها فى الأرض وفى السماء. يقترن صوت النبوءة على لسانها بما يشبه النحيب»: إنى أرى فى البر كارثة. «تسمع أصوات تشقق وتفجر متلاحقة يصحبها وهج من بعيد».
الفتى : «يدير بصره فى الأرض» : لست أرى فى البر كارثة.
الفتاة: «ترسل بصرها على امتداد النهر»: «إنى أرى فى البحر كارثة» «تسمع أصوات أمواج متلاطمة مع تكسر على صخور الشاطئ وسقوط أجسام ثقيلة على صفحة الماء».
الفتى : «يرسل بصره على امتداد النهر»: أين البحر؟ ليس هذا ببحر.
الفتاة: وراء النهر بحر. إنى أرى البحر.
الفتى : لست أرى لا فى النهر ولا فى البحر كارثة.
الفتاة: «تدير بصرها فى الفضاء»: إنى أرى فى الجو كارثة .. «تسمع أصوات جوية يصحبها أزيز وقذف ووميض».
الفتى : «يدير بصره فى الفضاء»: لست أرى فى الجو كارثة.
الفتاة: الكوارث تحيط بكم أيها الغافلون من كل جانب.
الفتى : تصنعون الكوارث بالحمى التى طرأت على أذهانكم.
الفتاة: الكوارث موجودة أيها البلهاء على مختلف الأبعاد.
الفتى : لكنها ليست سوى مجرد شجرة.
الفتاة: أى فرق بين إنسان وشجرة؟ أنا؟ ما أنا إلا شجرة وأنت؟ ما أنت إلا شجرة. وهو؟ «يسمع نباح من بعيد».
الفتى : هل هو أيضا شجرة؟
الفتاة: أجل! ما هو إلا شجرة «يتكرر النباح». الكل شجرة. منطق واحد يتحكم فى الجميع  «تصحب الحوار التالى  حركات جسدية تشبه الحركات العادية ولكنها ليست حركات عادية، وتشبه الرقص ولكنها ليست رقصا».
الفتى : غدا تنبت الجذور من قدمى ّ.
الفتاة: وتغوص فى أعماق الأرض.
الفتى : غدا تتفرع الأغصان من جوانبى .
الفتاة: وتعلوك الأوراق والأزهار.
الفتى : غدا تكلل رأسى هالة من الثمر.
الفتاة: ويقطفه الناس من ثمرك.
الفتى : سيلجأون إلى ظلى .
الفتاة: ستبقى مزروعا فى الأرض!
الفتى : الكل مزروع فى الأرض.
الفتاة: أنا صاعدة ضد الجذب! «تتوقف الحركات الجسدية».
الفتى : هل جئنا لهذا الجدل؟ كنا نبتغى تجديد الحياة.
الفتاة: تحت هذه الشجرة؟
الفتى: أيتها الحمقاء!
الفتاة: لست حمقاء.
الفتى: هذه الشجرة جفت.
الفتاة: ولكنها حية «يتخلل الجدل السريع التالى نباح يسمع من بعيد».
الفتى: ميتة.
الفتاة: حية.
الفتى: ميتة.
الفتاة: حية.
الفتى: ميتة.
الفتاة: حية «يتوقف النباح».
الفتى: «فى عنف»: أف! حياة الشجرة لا تكون إلا بالورق والزهر والثمر.. أنا لا يمكن أن أتصور أن بداخل هذه الشجرة ورقا وزهرا وثمرا.
الفتاة: بل بداخلها ورق وزهر وثمر.
الفتى: سأثبت لك «يدير بصره فى الأرض».
الفتاة: أتبحث عن شى ء؟
الفتى : كان هنا ذراع من الصلب.
الفتاة: لن تجد فى هذا المكان ذراعا من الصلب.
الفتى  «وقد وقع بصره على شى ء» : هذه قطعة من الحجر.
«يلتقط قطعة الحجر ويضرب بها جذع الشجرة ضربات شديدة متوالية. يسمع صوت ارتطام حجرين أصمين».
الفتاة: أسمعت؟
الفتى: سمعت.
الفتاة: ماذا سمعت؟
الفتى : سمعت صوت الحجر.
الفتاة: أما أنا فسمعت صوت الشجرة.
الفتى: صوت الموت.
الفتاة: صوت الحياة «يتخلل الجدل السريع التالى نباح يسمع من بعيد».
الفتى: الموت.
الفتاة: الحياة.
الفتى : الموت.
الفتاة: الحياة.
الفتى: الموت.
الفتاة: الحياة «يتوقف النباح».

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة