ضحايا كورونا
ضحايا كورونا


«المغسلين» لضحايا كورونا.. بطولات إنسانية مع الأكفان

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 01 يناير 2021 - 02:48 م

شيماء علي: أغلقت عيادة الأسنان وتفرعت لتغسيل موتى كورونا

هدى عبدالعزيز: أسافر في الفجر للإلحاق بتغسيل المتوفين المسافرين

عبدالله: شاركت في غسل وتكفين 50 حالة وفاة كورونا.

مسؤولة تطبيق "إكرام ميت": خوف الأبناء على أنفسهم من العدوى جعلهم يستأجرون سيارة لتوصيل والدتهم للمدافن دون مشاركة.

 شاهندة أبو العز

ليس الأطباء والممرضون وحدهم من يخشون الإصابة بفيروس كورونا المستجد وغيره من الأمراض والأوبئة المعدية التي يشهدها العالم على فترات زمنية مختلفة، "فمغسلو الأموات" هم الآخرون أصابهم الذعر وحالة من القلق بعد أنتشار جائحة كورونا بمصر، ذلك الحدث الجلل الذي يتحدث عنه جميع شعوب الأرض، لا أحد يعرف ما سوف يقابله عند الالتقاء بضحايا هذا الفيروس، وتراجع بعض القائمين على "غسل الموتى"، خوفاً من أن يصيبهم مكروه، فالموت هو الحقيقة الكبرى والمصير المحتوم الذى يخشاه الإنسان، لكن إيمانهم بأهمية عملهم ودورهم العظيم في تلك الحقبة الزمنية إعادتهم مرة أخرى إلى أرض المعركة.

"الأخبار المسائي" ترصد حكايات "مغسلو الأموات " وما يدور في من روايات في الغسل :

ظهرت فكرة تطبيق “إكرام ميت” على هواتف “الآندرويد” والذي يعرض خدمة تغسيل وتكفين الموتى المسلمين مجاني طبقا للسنة النبوية والشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة في جميع أنحاء الجمهورية، حيث حصد التطبيق منذ إطلاقه في أواخر 2018 حتى الأن نحو أكثر من ألف عملية تحميل من متجر "جوجل بلاي".

تحدثنا مع مسؤولة تطبيق " إكرام ميت" وما وضع الخدمة في الوضع الحالي في زمن انتشار الكورونا

تقول أسماء عفيفي أنها بدأت فكرة التطبيق بـ 70 مغسلا منذ سنة ونصف السنة، ولكن بعد انتشار جائحة كورونا في مصر، اعتذر مغسلو الموتى عن أداء مهمتهم خوفاً من العدوى أو الإصابة بالفيروس.

وتابعت عفيفي أنها لم تيأس في تذكريهم بثواب المغسل، وأهمية دورهم خلال تلك الفترة حتى رجعوا مرة أخرى عن قرار الاعتذار.

وأضافت عفيفي أنها قررت صنع الملابس الوقائية التي تستخدم في "غسل المتوفى" لتوفير نفقاتها على المتطوعين، حيث تقدم الخدمة بالمجان كاملة، موضحة أنها قامت بشراء أتواب من "الأفرول الطبي" ذات اللون الأزرق لتصنيع البدل، وشراء الجوانتي والكمامات والنظارات الوقائية والتي يستخدمها المغسل أثناء التغسيل إي متوفي بالكورونا.

"المتوفي بالكورونا ليس لديه أي ضررعلى المغسل، ويتم تغسيله كأي متوفى عادي لكن لا نتعامل مع أهل المتوفى" بهذه العبارة استكملت عفيفي حديثها قائلة أنها أعطت بعض التعليمات للمتطوعين من المغسلين لحماية أنفسهم من الإصابة وهي عدم التعامل مع أهل المتوفى إلا عن بعد بالإضافة إلى إرسال تصريح الدفن عبر "الواتساب"، وإذا أراد أحد من أفراد أسرته الوقوف على غسله عليه ارتداء البدلة الوقائية.

تعمل عفيفي في مجال تغسيل الموتى أكثر من 7 سنوات لم تر فيها قصص تقشعر لها الأبدان أكثر من اليوم وبعد انتشار ذلك الوباء.

تروي عفيفي "للأخبار المسائي" تفاصيل غسل  أحدى المتوفين بالكورونا، والذي يرجع إلى سيدة في الخمسينات من عمرها، توفاه الله في مستشفى خاص أثر إصابتها بالكورونا، حيث ظلت يومين داخل ثلاجة الموتى دون مغسل بسبب خوف البعض من تغسيل أجساد المتوفين بالكورونا، بالإضافة إلى عدم إغلاق أعينها لحظة الوفاة من قبل المستشفى.

وتستكمل عفيفي، أن بعد أخبارها بتلك الحالة والذهاب إليها رفض طاقم التمريض مساعدتها في إخراجها من الثلاجة، بالإضافة إلى رفض أبنائها الاثنين مساعدتها أو توصيل والدتهم إلى سيارة إكرام الموتى، خوفاً من العدوى قائلة "كان صعب عليا وأنا بغسلها وعينها مفتوحة وعيالها خايفين يقربولها ودفعوا فلوس لتأجير عربية لتوصيلها للمدافن بمفردها".

لم تكن حالة السيدة الخمسينية فقط التي صادفتها عفيفي، فشهدت أيضاً على خوف الأب والأخ من الإمساك بنعش ابنته المتوفيه بالكورونا، وقام أهالي المنطقة بتوصيل النعش بدلاً منهم.

منذ 4 سنوات قررت طبيبة الأسنان "شيماء علي" أخذ دورة تعليمية في أصول الغسل الشرعي عن طريق أحد الجمعيات الخيرية، لم تتوقع حينها أن تلك الدورة ستكون سبب في إغاثة بعض أقارب المتوفين الذين لم يسمع صوت بكاءهم أحد من "مغسلو الموتى" خوفا من إصابتهم بفيروس كورونا.

تقول شيماء أنها قررت أخذ دورة في أصول الغسل الشرعي منذ 4 سنوات بسبب قلة أعداد المغسلين الشرعيين للسيدات وعدم معرفة البعض الأخر كيفية الطرق الصحيحة للغسل، فكانت تخوض تلك التجربة كمساعدة لإحدى سيدات المغسلات المتطوعات.

مشاعر القلق والخوف من الإصابة بالعدوى كانوا يسيطرون على المشهد في بداية الأمر خصوصاً أنها أم لطفلة لم تتخط من العمر سنتين، لكن عملها كطبيبة أسنان وعلمها بالطرق الطبية والوقائية الصحيحة في التعقيم ودورات مكافحة العدوى جعلها لم تتردد في إغفال دورهم في تغسيل المتوفين بفيروس كورونا من السيدات.

وأضافت شيماء بعد انتشار الجائحة ووفاة أول حالة قررت أن تتطوع في الفرق المخصصة لغسل المتوفين من فيروس كورونا، لكن بدا الأمر في بدايته خفيفاً نوعاً ما فالأعداد كانت قليلة ويتم غسلها بداخل مستشفيات الحجر الصحي المخصصة.

وتابعت شيماء، أن بعد زيادة أعداد المصابين وحالات العزل المنزلي زاد معاها أعداد المتوفين المصابين في المنازل، لذلك قررت غلق عيادتها الطبية وتعليق جميع الحالات العادية والبقاء فقط على الحالات المرضى الطوارئ، لتفرغ لتلبية أقارب المتوفين.

تسببت مواعيد الحظر وتأخر خروج تصاريح الوفاة في عوائق أثناء تأدية شيماء عملها كمغسلة، فبعض الحالات تكون بعيدة عن بيتها الذي يقع في منطقة التجمع الخامس، مما يتطلب منها الخروج بعد مواعيد الحظر المسموح بها، مما جعلها تشارك في 4 حالات غسل لسيدات توفين بالكورونا بمنطقتها" حسبما ذكرت شيماء للأخبار المسائي.

وما بين الإجراءات الوقائية التي تخضع لها شيماء أثناء الغسل وبين عائلتها، تحاول شيماء الحفاظ على عائلتها وتقوية مناعتهم والبعد عنهم أثناء الرجوع من غسل أي حالة وفاة، ورش نفسها بالكحول والكلور بمجرد دخولها المنزل وعدم استخدام الملابس الوقائية سوى مرة واحدة.

وعلى جانب آخر يعمل "عبدالله أحمد" اسم مستعار في مجال تغسيل وتكفين الموتى منذ أكثر من 15 عاماً، لا يطلب خلال تلك السنوات سوى رضاء الله وثواب الغسل فهو يقوم بتغسيل الحالات وتكفينهم بالمجان.

يقول عبدالله أنه لم يتردد لحظة بالمشاركة في تلك الفترة المهمة والتي تحتاج تكاتف كل فرد من المجتمع للخروج من أزمة كورونا، فكانت آية "قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا" شعاره خلال 3 أشهر الماضية من انتشار الجائحة.

"أنا بستر مسلم لأجل ربنا يسترني" بهذه الكلمات استكمل عبدالله حديثه قائلاً أن دور مغسلي الموتى مهم خلال تلك الفترة خصوصا بعد تراجع عدد كبير من المغسلين خوفاً من الإصابة، متسائلاً إذا لم يقم بتغسيل الموتى المصابين بالفيروس خوفاً منهم، فماذا إذا أصابه الفيروس وتوفاه الله فلن يجد من يغسله؟..

شارك عبدالله في غسل أكثر من 50 حالة وفاة بفيروس كورونا، بينما كانت أصعب اللحظات التي مرت عليه عندما بكت الفتاة لعدم استطاعتها تقبيل وحضن والدها بعد وفاته ونقله إلى مثواه الأخير، حيث ألحت أكثر من مرة الدخول عليه دون مبالاة بوفاته بسبب الفيروس، لكن قوبل طلبها برفض.

ويروي عبدالله طريقة تغسيل موتى كورونا وطريقة تكفينهم كالآتي: أولا أقوم بإحضار كيس نظيف وألبسه لرأس المتوفى لضمان عدم خروج أي شيء من أنفه أو فمه أثناء الضغط على بطنه ثم أصب الماء على كامل جسده، ثم أقوم بتغسيله بالليفة والصابون، وأغسل وجهه من تحت الكيس، ثم أشطف جسده وأوضيه وأعممه بالماء والكافور، ثم انتقل بعد ذلك لمرحلة التكفين التي تشمل 3 طوابق يتخللهم مشمع.

وتابع عبدالله، سرد الإجراءات الوقائية التي يتابعها أثناء الغسل من ارتداء 5 جوانتيات في يده وكيس في قدمه وارتداء حذاء بلاستيكي، وارتداء غطاء للرأس ونظارة واقية للعين، وغطاءين للرأس.

رغم رفض أبنائها الـ 6 عملها كمغسلة في تلك الأجواء التي قد تعرضها للإصابة بفيروس كورونا، حاولت هي وزوجها إقناعهم بقولها هل إذا أصابها ذلك الفيروس وهي بالمنزل أو أصاب أباهم أثناء عمله، سوف يتركونهم دون أن يغسلا ؟!.

تعمل هدى عبد العزيز معلمة قرآن وفقه منذ 15 عاماً بإحدى الجمعيات الخيرية، تعلمت حينها أصول الغسل الشرعي، لكنها بدأت مشوار تغسيل المتوفين منذ 11 عاما فقط، لكن بعد انتشار جائحة كورونا جعل قيام مهمتها صعبة، لعدم إفصاح الأهالي بأن الوفاة بسبب الكورونا.

تقول هدى إنها تغسل بالمجان كعمل تطوعي، لكن بعد انتشار فيروس كورونا تقوم بشراء الأكفان أيضاً لتسهيل الأمر على المتوفى.

وتتابع هدى بأن عدم إفصاح أهالي المتوفى بأن سبب الوفاه كورونا تسببت في خوف البعض، فالأمر أشبه بالمسلسلات التراجيدية التي لم نرها إلا عبر التليفزيون، مبررة عدم إفصاح البعض عن سبب الوفاة، خوف الأقارب من اعتذار المغسل عن الحضور.

لم يمنع عمل الخير والبحث عن الثواب والأجر العظيم هدى من النزول في أوقات الفجر لتستطيع أن تلحق بالمتوفي وتغسله قبل السفر إلى المقابر ومثواه الأخير قائلة "كانت توجد حالة على طريق الإسماعيلية الصحراوي قررت أن أسافر إليها كي أغسلها وانا بيتي في المعادي".

وتروي هدى أصعب المواقف التي مرت عليها خلال 3 شهور الماضية قائلة: اتصل بي شاب والدته توفيت بسبب الكورونا يستغيث  ويبكي ويتوسل لي بأن آتي لأكفن وأغسل فلم يرد عليه أحد من المغسلين الآخرين بسبب تأخر الوقت"

ومن إحدى القصص لأخرى التي تشهد عليها  هدى هو رفض الأبناء الفتيات  لسيدة توفت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا تغسيلها خوفاً من العدوى، وعدم وجود مغسلة سيدة قرروا أن يأتوا بشباب من العائلة يقومون بتغسيلها، الأمر الذي فزع هدى عبدالعزيز عندما وصلت إلى المكان بعد اتصال أحد أفراد العائلة عليها.

اقرأ أيضا : الصحة الفلسطينية: تسجيل 1450 إصابة جديدة بـ«كورونا»


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة