الجمعة، 01 يناير 2021 - 07:08 م

هشام عطية

فى إحدى ليالى العزلة الكورونية الاجبارية التى فرضها على حكم جائر من مستر كوفيد بلا نقض اواستئناف، من فرط حالة الهزال التى اصابنى بها كوفيد اللعين غفوت غفوة قطعت كل صلة لى بالحياة ظننت معها أن روحى فاضت لبارئها وأننى غصت فى نهر الابدية ورفع عنى غطائى فى تلك اللحظة فبصرى حديد!!
رأيت فيما يرى الميت من بكونى بصدق حزنا على رحيلي، كنت أود أن اواسيهم ولكننى كنت على يقين اننى فى العالم الاخر وأن الأموات لا يعودون!
هالنى اللامبالاة المدهشة التى رسمت وجوه بعض من كنت أعتقد فى حياتى أننى أمثل أهمية ما لديهم واستغربت قدرتهم الفائقة على التجاوز وتجفيف احزانهم العابرة على رحيلى بمناديل النسيان.. غير أن انشغالى بمن حزن ومن أصبحت لديه فى لحظات نسيا منسيا لم يمنعنى من التفكير فى قدر مخبوء ينتظرنى وهولحظة الحساب وباحساس طالب يحاول تحصيل ما فاته قبل الامتحان بخمس دقائق رحت اتسلق شجرة الذاكرة افتش فى اعوامى الخمسين التى مضت أمامى كلمح البصر أبحث عن ما قدمت يداى وهل يشفع لى ما قدمت فى أن انجومن عذاب اليم أو يطعمنى للهلاك؟!
وفى منطقة رمادية تأرجحت بين الشك واليقين وكنت انتظر فيها لحظة ان يقرأ كتابى وجبال الخوف تجثم فوق قلبى.. فى هذا الموقف العصيب الذى يذهل كل مرضعة عما أرضعت تراءت امامى عقودى الخمسة التى عشتها على ظهر الدنيا وبدا لى ان عمرى شهاب لمع سريعا فى السماء ثم احترق وهوى وايقنت بأنى بأعمالى مهما صلحت فأنني قريب من النار لولا ان يدركنى عفو الله وغفرانه. ووجدتنى غارقا فى بحور من تساؤلات بلا أجابات كان اصعبها هل هذه الدنيا الفانية تستحق من البشر كل هذا التكالب والمكابدة والشقاق؟!
اذا كنا ندرك جميعا ان ساعة الحساب آتيه لاريب فيها وان الآخرة نجاة اوهلاك فمن اين جاء البشر بهذه القلوب القاسية ليتقاتلوا ويتباغضوا ويتظالموا ويعصوا ويغضبوا رب يوم الحساب! مرت ثوان معدودات كانت كأنها الدهور ويد ابنى عمر تهزنى وعلامات الفزع ترتسم على وجهه: بابا مما تتألم ولماذا تصرخ؟ استيقظت لحظتها مدركاً اننى مازلت حيا أرزق وأن من محاسن كوفيد اللعين القليلة انه منحنى فرصة مشاهدة بروفة جنرال ليوم الحساب وأن الدنيا الفانية التى نحيا على ظهرها أمام مهابة وجلال وقسوة هذا اليوم حقا لا تساوى جناح بعوضة!!