محمد قناوي
محمد قناوي


محمد قناوي يكتب: وحيد حامد لم يمت

محمد قناوي

السبت، 02 يناير 2021 - 09:09 م

 

من الذي قال أن وحيد حامد مات ؟ صحيح أننا صحونا صباح  اليوم  علي خبر يقول أن " الانسان وحيد حامد وافته المنية فجر اليوم إثر أزمة قلبية،  اثناء تواجده فى العناية المركزة بأحد المستشفيات بالقاهرة والتي دخلها قبل ايام قليلة  إثر أزمة صحية طارئة " ؛ ولكن وحيد حامد الأديب والمفكر والفيلسوف وفلاح مصر الفصيح لم يمت .. فسيظل عمره طويلا في تاريخ الفن والثقافة بل في التاريخ المصري المعاصر ؛ وحيد حامد ليس مجرد مجرد سيناريست أو كاتب أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، بل كان ضمير هذه الامة وعاش طوال حياته هموم الوطن وحملها فوق رأسه؛ كان مواطنا مصريا وطنيا حتي النخاع عاش بين الناس واحس بهم وترجم احلامهم وامانيهم علي الشاشة ؛ التزم في أعماله بالحق والعدل وكان يقول دائما " كل قرش دخل جيبى من قلمى، ولم أتكسب أى شيء على الإطلاق، الإ بجهد حقيقى، وماكنتش مستنى حاجة من حد، لا عطية ولا منصب، وأنا بِعت نفسى للناس، وعشت وسطهم ".. هل كاتب وانسان بهذه المواصفات يمكن ان يموت ؟؛ من الممكن أن يرحل كجسد ولكن سيبقي ويبقي كل مشهد كتبه في فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني او اذاعي ؛ واضعا أما عينيه المواطن المصري وهمومه وامنياته واحلامه 
لا يمكن أن يموت من  يقول في فيلمه "الإنسان يعيش مرة واحدة"علي لسان بكري حارس المدرسة "الفنان علي الشريف" موجها حديثه لعادل إمام ويسرا قائلا :"الدنيا يا ولدي ليها وشين.. أبيض وأسود.. لما تبقى بيضا قدامك افتكر الأسود عشان تسلك، ولما تبقى سوده افتكر الأبيض عشان تقدر تعيش لبكرة .. وعلي لسان "حسن بهلول"- عادل امام-  في "اللعب مع الكبار" أنا عين الشعب .. مش عين الحكومة" ؛ وفي فيلمه "طيور الظلام " علي لسان شخصية فتحي نوفل يقول الكثير من الجمل الحوارية المحفورة منها : "القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل.. واحنا الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني"، وجملة أخرى محفورة يرددها الكثير من الناس :"البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت " وفي فيلمه "الراقصة والسياسي" قال علي لسان الراقصة سونيا -نبيلة عبيد- وهي تخاطب صلاح قابيل: "إيه حكاية رقاصة.. رقاصة.. ما احنا الاتنين زي بعض يا عبدالحميد.. كل واحد فينا بيرقص بطريقته.. أنا بهز وسطي وأنت بتلعب لسانك".
ولن نجد اعذب من العبارة التي قالها سيد غريب "أحمد زكي "المصور الفوتوغرافي البسيط الذي هاجر من بلدته إلى القاهرة مع أمه وابنته التي التحقت بكلية طب القصر العيني، وعاشوا تجربة لم تكن بسيطة عليهم:في فيلم"اضحك الصورة تطلع حلوة ": "كلمة أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز دا أكبر عقد"، ولا يمكن ان يكتب هذه الجملة الرنانة"أحنا في زمن المسخ " الا وحيد حامد في فيلم"عمارة يعقوبيان"؛ وما هذا الجمال في  كلمات قسم حلف اليمين في الوزارة  قالها أحمد زكي في فيلم "معالي الوزير": "أقسم بالله العظيم أن أحترم هذه الصدفة.. أن أحترم هذه الغلطة التي جعلتني وزيراً.. وأن أحسن استغلالها"
هو "وحيد حامد بس" ولن يكون أحد مثله فهو ليس مجرد كاتب وسيناريست ولا مؤلف سينمائى فقط؛ بل هو "الفلاح المصرى الفصيح"الذى أخذ على عاتقه مهمة مناقشة قضايا الوطن كمواطن مصرى غيور وشخص مهموم طوال حياته ببلده ووطنه وأبناء وطنه؛ فقد استطاع من خلال مشواره فى الكتابة للسينما والدراما والاذاعة والمسرح أن يضيف قيمة كبيرة إلى لقب "السيناريست"، فاكتسبت المهنة بفضله رونقاً وأهمية أكبر، وهو أيضاً منتج مهم، استطاع أن يحافظ على أصول المهنة، جميعنا نحفظ تاريخه ولا يمكن ان ننساه بداية من أول افلامه «طائر الليل الحزين» والذى طرح خلاله قضية مراكز القوى التى عانى منها المصريون فى حقبة الستينيات مرورا بـ «فتوات بولاق» و«غريب فى بيتى» و«أرزاق يا دنيا»، والفيلم السياسى «الغول» و«العربجى» و«التخشيبة» و«فى لم بنات ابليس» و«آخر الرجال المحترمين» الذى انتقد فيه بيروقراطية المجتمع والدولة ثم يقدم «الهلفوت» ويطرح خلاله اشكالية قهر الانسان؛ ثم «حد السيف» و«ملف فى الآداب» ثم يلتقى بعاطف الطيب وأحمد زكى ليقدم هذا الثلاثى الرائع واحدا من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية وهو فيلم «البرىء» بعده يقدم فيلما رومانسيا «كل هذا الحب» وفى نفس العام يقدم فيلماً سياسياً هو «ملف سامية شعراوى» ليعود للدراما الاجتماعية فى اطار بوليسى كوميدى فى فيلم «الدنيا على جناح يمامة»؛ ثم يقدم فيلما ذا طابع سياسى «الراقصة والسياسى» بعده «مسجل خطر» وفى اوائل التسعينيات يكون اللقاء الأول مع الثلاثى الشهير وحيد حامد، عادل امام، المخرج شريف عرفة ليقدموا عدداً من أهم الأفلام السياسية اولها «اللعب مع الكبار» ثم «الارهاب والكباب»؛ ثم «المنسى» 1993 الذى طرح فيه قضية من أخطر القضايا فى المجتمع وهى قضية التفاوت الطبقى بعدها يقدم الثلاثى «طيورالظلام» والذى قدم صرخة ضد فساد السلطة والجماعات الدينية التى تتاجر باسم الدين ثم فيلم «النوم فى العسل» الذى طرح قضية العدالة وغلبة القهر والظلم على غالبية الشعب وقدم «كشف المستور»، ثم «اضحك الصورة تطلع حلوة»؛ و«سوق المتعة» و«محامى خلع» و«ديل السمكة» الذى رصد التحولات الهائلة فى المجتمع بعدها قدم «معالى الوزير» تلاه «عمارة يعقوبيان» وكان آخر افلامه «دم الغزال»
وحيد حامد رجل علم أجيال واجيال كيف تحب السينما؛ علمهم كيف يحبون الوطن؛ علمهم كيف يكونوا غيورين على هذا الوطن ومهمومين بقضاياه لا يمكن ابدا أن يموت ابدا .

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة