بقلم: دينا توفيق
بقلم: دينا توفيق


يعانون الاضطهاد والاعتداء الجسدى والتمييز والتنمر والقمع

«الغجر».. وصمة عار فى جبين أوروبا!

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 03 يناير 2021 - 03:41 م

غرباء مهاجرون.. يجُوبون العالم كما يشاءون.. يطوفون الحقول، يصعدون الجبال؛ هائمون على هذه الأرض، يصارعون من أجل الاندماج والبقاء.

هويتهم وثقافتهم ولغتهم، كانت الموانع التى رفضت المجتمعات الأخرى تقبلها، ما جعل حياتهم تسودها المعاناة.. هؤلاء هم ∩الغجر∪ أو ∩الروما∪ كما يطلق عليهم فى أوروبا؛ هاجروا من شمال الهند حتى وصلوا إلى دول البلقان وباتوا يشكلون أكبر أقلية عرقية بالقارة العجوز.

10‭ ‬ـ‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬فى‭ ‬أوروبا .. 80‭ % ‬ يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر..22‭ %  ‬ منهم‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬الفراش‭ ‬دون‭ ‬طعام  ..  30‭ % ‬ بدون‭ ‬مياه‭ ‬أو‭ ‬كهرباء..40‭ % ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬مراحيض  .. 4‭ % ‬ تم‭ ‬طردهم‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬بالقارة.. 26‭ % ‬ منهم‭ ‬يعيشون‭ ‬فى‭ ‬منازل‭ ‬سيئة  ..  39‭ % ‬ تعرضوا‭ ‬لمضايقات‭ ‬بدوافع‭ ‬الكراهية ..88‭ % ‬ تعرضوا‭ ‬لاعتداءات‭ ‬جسدية .. 78‭ % ‬تعرضوا‭ ‬للتنمر

23‭ % ‬يتعرضون‭ ‬للتمييز‭ ‬أثناء‭ ‬بحثهم‭ ‬عن‭ ‬عمل .. 25‭ % ‬لم‭ ‬يكملوا‭ ‬تعليمهم‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليه

اليوم يعيش ما يقدر بنحو عشرة إلى اثنى عشر مليوناً من الروما فى أوروبا؛ 70% منهم فى  وسط وشرق القارة؛ حيث يشكلون ما بين 6 و10% من السكان. وهناك أيضاً أقليات من الروما فى  أوروبا الغربية؛ فى إسبانيا يصل عددهم بين 600 ألف إلى 800 ألف، وفى  فرنسا والمملكة المتحدة؛ 300 ألف من الغجر، و30 ألفاً فى  بلجيكا. ومنذ أن جاءوا إليها قبل أكثر من ستة قرون؛ عانوا الاضطهاد والتمييز، وتم استهدافهم حتى أجبروا على العيش فى  فقر اقتصادى وعانوا من ارتفاع معدلات البطالة وعزلة اجتماعية وحرمان من التعليم، كما حُرموا من حقوقهم فى  السكن والرعاية الصحية، ويتعرض الكثير منهم للإخلاء القسرى  والاعتداء العنصرى وسوء المعاملة على أيدى الشرطة.

وأثبت الدراسات أن الغجر فى أجزاء من أوروبا لا يزالون منبوذين ويتم النظر إليهم على أنهم مصدر للموسيقى والرقص فقط، لكنهم لديهم جذور قديمة تعود إلى أكثر من ألف عام. وكشف تحليل جينى  لـ 13 مجموعة من الغجر فى  جميع أنحاء أوروبا، نُشر فى  مجلة ∩Current Biology∪  أن وصول أسلافهم إلى القارة من شمال الهند كان منذ ما يقرب من 1500 عام؛ ووصل السكان الأقدم إلى البلقان، بينما جاء الانتشار للخارج منذ تسعة قرون، وفقاً للباحثين فى معهد ∩علم الأحياء التطوري∪ فى إسبانيا. وتشير إليهم المراجع الأوروبية على أنهم المجتمعات البدوية المتجولة التى كانت معروفة بموسيقاها ومهاراتها مع الخيول؛ وصلوا إلى إسبانيا فى القرن الخامس عشر أو قبل ذلك، وغالباً ما يقودهم شخص يلقب بـ∪الكونت∪ أو ∩الدوق∪، واستمروا فى  العيش على الرغم من محاولات طردهم أو سجنهم ورفضوا التخلى عن لغتهم وثقافتهم. 

وتعد مجتمعات الغجر من أكثر المجموعات التى تتعرض للتمييز والحرمان فى أوروبا، يشعر 45% من مواطنى الاتحاد الأوروبى بعدم الارتياح من وجود الغجر، ويواجه الأخير الكراهية والانتهاكات لحقوق الإنسان مما يجعل حياتهم اليومية صراعاً من أجل القبول والاندماج. ووفقاً للمجلس الأوروبى، يعيش الملايين منهم فى أحياء فقيرة منعزلة دون الحصول على الكهرباء أو المياه الجارية، مما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض. ويُحرم الغجر من الحصول على سكن لائق، ويُطردون من دون سابق إنذار ويتركون عرضة للهجوم من قبل المتحيزين. كما إنهم محرومون من سوق العمل ومن فرص الحصول على تعليم. يتعرض أطفال الغجر للتنمر فى  المدرسة، أو إرسالهم إلى مدارس مخصصة للأشخاص الذين يعانون من صعوبات فى التعلم، فيما تم إصابة نساء الروما بالعقم عمداً، حتى لا يتلقوا المنح الحكومية على المواليد.

وعلى مدى ألف عام، لم ينتقل الغجر من أجل الترفيه، بل من أجل البقاء. إلا أن التاريخ نسى  ما حدث لهم، وتعرضهم للاستعباد والاضطهاد والإبادة الممنهجة من قبل بعض الأنظمة الفاشية فى القرن العشرين، ما جعل العديد منهم مهمشين؛ لقد تم سجنهم فى إسبانيا واستعبادهم فى رومانيا. وبلغت ذروة الاضطهاد والعنف خلال الحرب العالمية الثانية فى الإبادة الجماعية لأكثر من نصف مليون من الغجر فى معسكرات الاعتقال النازية فى  ∩بوراجموس∪، وهى كلمة تعنى  ∩التهام∪ فى لغة الروما. حتى يومنا هذا− فى  الثانى  من أغسطس− يتم إحياء ذكرى اليوم الذى  قُتل فيه الآلاف من الغجر فى غرف الغاز فى معسكر اعتقال ∩أوشفيتز∪، أحد أكبر معسكرات الاعتقال والإبادة النازية. وحاولت الأنظمة الشيوعية التى تلت ذلك القضاء على لغتهم وثقافتهم، حتى فى كل البلدان الأوروبية تاريخ من العنف والتمييز الذى  تجيزه الدولة ضد الغجر؛ إنهم يعانون من وحشية الشرطة، وإحراق منازلهم من قبل الغوغاء الغاضبين. وذكر الحقوقى  ∩روبرت كوشين∪ من المركز الأوروبى لحقوق الغجر فى  المجر: ∩لا يزال هناك تمييز واسع النطاق وهذه هى الأقلية الأكثر تهميشاً فى أوروبا∪. كما استهدفت كلا من فرنسا، خلال رئاسة الرئيس الفرنسى الأسبق ∩نيكولا ساركوزي∪، وإيطاليا تحت قيادة رئيس وزرائها السابق ∩سيلفيو برلسكوني∪، مجتمعات الغجر بسياسات الإخلاء القسرى، بينما استمر التمييز طويل الأمد فى معظم أنحاء أوروبا الشرقية. لا يقتصر الإخلاء القسرى حتى يومنا هذا على فقدان المنزل فقط، بل يشمل أيضاً فقدان الممتلكات والاتصالات الاجتماعية والوظائف والأماكن المدرسية.

كشفت دراسة استقصائية أجرتها ∩وكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية∪ (FRA) عام 2019، أن الغجر فى دول غرب أوروبا؛ بلجيكا وفرنسا وإيرلندا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة، يواجهون أيضاً مشاكل التهميش والتمييز. شمل الاستطلاع مقابلات مع ما يقرب من 4700 من الغجر، وجمع معلومات عن أكثر من 8200 فرد يعيشون فى منازلهم. أظهرت النتائج أن 93% من الغجر تعرضوا لمضايقات بدوافع الكراهية، و88% للاعتداءات الجسدية. تظهر الدراسة أن واحدا من كل 10 مشاركين (11%) فى  الاستطلاع أوقفتهم الشرطة خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية بسبب كونهم من الغجر، وهذا يثير مخاوف بشأن التنميط العرقي. فيما تعرض 4% منهم إلى الاعتداء الجسدى من قبل الشرطة بسبب خلفيتهم الغجرية. 

ولفتت الدراسة إلى أن طفلين فقط من بين كل ثلاثة أطفال من الغجر فى مرحلة التعليم المبكرة. بينما أنهى ثلثا الغجر الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا تعليمهم الثانوى فقط. أما عدد الذين أكملوا التعليم العالى فشىء لايذكر. ويعانى  49% من الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا من صعوبة فى  القراءة 56% فى الكتابة مقارنة بالمستجيبين الأصغر سنًا (20% و 27% على التوالى). واحد من كل أربعة تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا (25%) لم يكملوا تعليمهم لأنهم كانوا يبحثون عن عمل أو يحتاجون إليه. كما يعانى الغجر من ارتفاع معدلات البطالة.

 وأظهرت الدراسة أن 23% من الأطفال يعيشون مع أسر غير قادرة على تحمل النفقات الأساسية، مثل الطعام الصحى أو التدفئة؛ حتى أن 22% منهم يذهبون إلى الفراش دون طعام. 4% تم طردهم من منازلهم، علاوة على ذلك، 30% لا يمكنهم الحصول على المياه الجارية أو الكهرباء، 40% لا يمتلكون مراحيض. بينما يتعرض 33% منهم إلى التمييز عند التعامل مع المتاجر و23% أثناء بحثهم عن عمل. 

ولم يقتصر التمييز والعنصرية ضد الروما عند هذا الحد، بل تفاقم مع تفشى جائحة كوفيد 19، الذى زاد من معاناتهم الصحية والمعيشية. تظهر نشرة ∩وكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية∪  فى سبتمبر الماضي، عن فقد العديد من الروما لمصدر دخلهم، وزادت التجمعات ومشاكل الرعاية الصحية بسبب إغلاق الحدود، ما بات يشكل خطراً مع انعدام الصرف الصحى ووسائل الحياة الآدمية؛ وهذا يجعل التباعد الاجتماعى أو غسل اليدين أمراً بالغ الصعوبة، ويعرضهم لخطر الإصابة بالمرض. فى  بعض البلدان، نصف الروما فقط لديهم تأمين صحي؛ علاوة على ذلك، يواجه الكثيرون التمييز عند الوصول إلى المستشفيات. كما ترك الإغلاق الباعة الجائلين عاطلين عن العمل وفقدان الوظائف، نظرا لأن الروما لم يكونوا جزءاً من الاقتصاد الرسمى قبل الوباء، فلا يمكنهم الحصول على الدعم أو المطالبة بمزايا الرعاية الاجتماعية، ما زاد من الفقر وخطر سوء التغذية. لم ينته التمييز ضدهم بل ازداد خطاب الكراهية أثناء الوباء أيضاً، حيث تم إلقاء اللوم عليهم فى نشر الفيروس، على الرغم من عدم إعلان العديد من الدول الأوروبية عن عدد حالات الإصابة بكوفيد−19 بين مجتمعات الروما بشكل محدد، ولم يتم تحديد بؤر تفش كبيرة فى أى من مستوطناتهم فى القارة. 

ومع مطلع الشهر الحالي، أدارت كلية ∩لندن للاقتصاد والعلوم السياسية∪ حلقة نقاشية حول دور الاتحاد الأوروبى فى منع العنصرية تجاه الغجر، والتى كشفت عن إخفاقات الاتحاد فى  معالجة التمييز ضدهم. وترأست المناقشة الأستاذ المساعد فى  القومية بكلية لندن للاقتصاد ∩جينيفر جاكسون بريس∪، وضمن المتحدثين أول عضو انتخبت من ألمانيا لعضوية البرلمان الأوروبى ∩روميو فرانز∪، ورئيس قسم دراسات الروما، والمدير الأكاديمى لبرنامج روما لإعداد الخريجين فى جامعة أوروبا الوسطى فى بودابست، المجر ∩أنجيلا كوكزي∪. 

وقال فرانز، ∩هناك تمييز وإقصاء اجتماعى وفصل عنصرى يواجهه الغجر. إنهم يواجهون محدودية فرص الحصول على تعليم جيد وصعوبات فى الاندماج. كما أنهم يعانون من البطالة وعدم استقرار العمالة.∪ وأضاف ∩بدون التزام أكبر من حكومات الاتحاد الأوروبي، لن يتغير الكثير بالنسبة إلى الروما، ويؤكد أن الوقت قد حان لبدء عملية جادة للتقييم، والاعتراف باضطهادهم وتعزيز مكافحتها.∪

فيما أوضحت كوكزى عن وجود ∩فجوة عرقية∪، بين الغجر والمجتمعات فى أوروبا؛ حيث كشفت وكالة الحقوق الأساسية فى  أوروبا عام 2016، أن ما يقرب من 80% من الروما، فى  الدول التسع الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى التى تضم أكبر عدد منهم، يعيشون تحت خط الفقر، وفى  الوقت نفسه تتحدث حكومات هذه الدول عن ∩حقوق الإنسان∪. 

ووفقاً لدراسة أجريت بين ديسمبر 2019 ويوليو 2020، بعنوان ∩الكراهية: منتظمة مثل المطر∪ وكشفتها صحيفة ∩الجارديان∪ البريطانية، فهناك علاقة بين حوادث الكراهية وضعف الصحة العقلية، ومحاولات الانتحار فى مجتمعات الغجر، وتتمثل هذه الحوادث فى إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعى 87%، والتنمر على أفراد الأسرة 78%، والكراهية العرقية بعد التقارير الإعلامية 82%.

تدعو الوكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية الدول الأعضاء إلى تنفيذ تدابير الإدماج التى  أوصى بها مجلس الاتحاد الأوروبى منذ عام 2013، ومنها أن يتمتع الروما بفرص متساوية من أجل الحد من الفقر وتوليد فرص العمل وغيرها من خطط الإدماج الاجتماعي. كما يتم العمل على توفير وسطاء الصحة والتعليم، الذين يقدمون الخدمات الأساسية للروما أثناء الوباء، لا سيما أن عدد الإصابات يرتفع مرة أخرى فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة