د.خالد سالم
د.خالد سالم


نفتقر إلى المنهجية فى انتقاء الكتب المترجمة

خالد سالم: لايوجد مشروع للترجمة من الإسبانية إلى العربية

أخبار الأدب

الإثنين، 04 يناير 2021 - 11:05 م

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬بدأ‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬سالم‭ ‬مشروعه‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬الإسبانية‭ ‬للعربية‭ ‬بالتوازى‭ ‬مع‭ ‬مشروعه‭ ‬الأكاديمى‭ ‬فى‭ ‬تدريس ‭‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬وأدبها‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬أكاديمية‭ ‬الفنون،‭ ‬وانصب‭ ‬جل‭ ‬اهتمامه‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬بالتحديد‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬تعتبر‭ ‬فترة‭ ‬الأندلس‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬طرد‭ ‬الموريسكيين‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الفترات‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬فى‭ ‬قراءات‭ ‬توضيحية‭ ‬اعتمدت‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬الوثائق‭ ‬الإسبانية،‭ ‬لكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬فترات‭ ‬الالتباس‭ ‬التاريخى،‭ ‬وفى‭ ‬ذلك‭ ‬يسعى‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬رئيسية‭ ‬حول‭ ‬الشتات‭ ‬وملوك‭ ‬الطوائف‭ ‬والانهيار،‭ ‬ويُرجع‭ ‬إليها‭ ‬نهاية‭ ‬عصر‭ ‬مجيد‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬العربى‭ ‬الإسلامى‭.‬

فى‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬نحاول‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬أفكاره‭ ‬حول‭ ‬الترجمة‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافى‭ ‬العربى‭ ‬والإسبانى‭ ‬ومن‭ ‬رؤيته‭ ‬للمشروع‭ ‬الترجمى‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬والعقبات‭ ‬التى‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬الترجمة‭ ‬لنهضة‭ ‬حقيقية‭.‬

- أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وإسبانيا‭ ‬لا‭ ‬تزالان‭ ‬تمثلان‭ ‬كنزًا‭ ‬يجب‭ ‬اكتشافه‭ ‬ودراسته

تيار‭ "‬مابعد‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭" ‬يكاد‭ ‬لايعرفه‭ ‬أحد‭ ‬وربما‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬المتخصصين‭ ‬أنفسهم

- لايزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬يقتفون‭ ‬أثر‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬بينما‭ ‬انقرض‭ ‬كتابها‭ ‬ فى‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية

- ليس‭ ‬منطقيًا‭ ‬أن‭ ‬تتسيدالرواية‭ ‬ساحة‭ ‬الترجمة‭ ‬وتفصلهامساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬عن‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭  ‬الأخرى

كان‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬مشروع‭ ‬عظيم‭ ‬للترجمة‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬مشروع‭ ‬الألف‭ ‬كتاب‭.

- ‬ثم‭ ‬فى‭ ‬بدايات‭ ‬الألفية‭ ‬ظهر‭ ‬المشروع‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬وسلسلة‭ ‬الجوائز‭ ‬وآفاق‭ ‬عالمية‭ ‬كمشروعات‭ ‬حكومية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لدور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭. ‬كيف‭ ‬تقيم‭ ‬أداء‭ ‬هذه‭ ‬المشروعات؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تطويرها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬تمثل‭ ‬إحدى‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬والترجمة‭ ‬إحدى‭ ‬روافدها‭ ‬الرئيسية،‭ ‬فهى‭ ‬النافذة‭ ‬التى‭ ‬نطل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬لنغرف‭ ‬مما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬معارف،‭ ‬ودونها‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬كتلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تدرس‭ ‬الفلسفة‭ ‬ولا‭ ‬ترفدها‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬نسغ‭ ‬الحياة‭. ‬الترجمة‭ ‬بمثابة‭ ‬رحيق‭ ‬الزهور‭ ‬عندما‭ ‬يلثمه‭ ‬النحل‭ ‬ليحوله‭ ‬إلى‭ ‬غذاء‭ ‬شهى،‭ ‬غذاء‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬النسغ،‭ ‬فدون‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬يذبل‭ ‬المجتمع‭ ‬ويتكلس،‭ ‬يتراجع‭ ‬ويصير‭ ‬مفعولاً‭ ‬به،‭ ‬فيصبح‭ ‬عرضة‭ ‬للأمراض‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتستفحل‭ ‬فيه‭ ‬آفة‭ ‬التخلف‭. ‬

عندما‭ ‬واربت‭ ‬مصر‭ ‬أبوابها‭ ‬ونوافذها‭ ‬الموصدة،‭ ‬بفعل‭ ‬ظروف‭ ‬تاريخية‭ ‬واستعمارية،‭ ‬ببدء‭ ‬مشروع‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬النهضوى‭ ‬ومشروع‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوى‭ ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬المعارف‭ ‬الأوروبية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البعثات‭ ‬التعليمية‭ ‬فى‭ ‬عواصم‭ ‬أوروبية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فتحت‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عيوننا‭ ‬على‭ ‬الوارد‭ ‬الغريب،‭ ‬العجائبى،‭ ‬الراقى‭ ‬والمختلف،‭ ‬أخذ‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬يسجل‭ ‬قفزات‭ ‬نوعية‭ ‬على‭ ‬أصعدة‭ ‬عدة‭.

‬وبعد‭ ‬تمثل‭ ‬هذا‭ ‬الوارد‭ ‬الجديد‭ ‬بدأت‭ ‬يقظة‭ ‬تنويرية‭ ‬عربية‭ ‬قادتها‭ ‬القاهرة،‭ ‬ما‭ ‬تنبهت‭ ‬له‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬توجهها‭ ‬القومى‭ ‬فى‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬فبادرت‭ ‬بمشروع‭ ‬الألف‭ ‬كتاب‭ ‬الذى‭ ‬أداره‭ ‬ببراعة‭ ‬الدكتور‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة‭. ‬ظلت‭ ‬الساحة‭ ‬خالية‭ ‬لعقود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬الحقبة‭ ‬الناصرية،‭ ‬الدكتور‭ ‬جابر‭ ‬عصفور،‭ ‬وشرع‭ ‬فى‭ ‬النهوض‭ ‬بالترجمة‭ ‬مجددًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬الثقافة‭ ‬ثم‭ ‬مركز‭ ‬الترجمة‭ ‬الذى‭ ‬أسسه‭ ‬بروح‭ ‬قومية‭ ‬لهذا‭ ‬اختار‭ ‬له‭ ‬اسم‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة،‭ ‬ليشمل‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬متوسمًا‭ ‬استعادة‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬مصر،‭ ‬البلد‭ ‬المحورى‭ ‬والفاعل‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب،‭ ‬منذ‭ ‬تراجع‭ ‬دمشق‭ ‬الأموية‭ ‬وبغداد‭ ‬العباسية،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬قرطبة‭ ‬قصية،‭ ‬فى‭ ‬أطراف‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬رغم‭ ‬دورها‭ ‬الفاعل‭ ‬فى‭ ‬التنوير‭ ‬والتحضر‭.

‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬يمثل‭  ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الترجمة،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬التيقن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬فما‭ ‬عليه‭ ‬سوى‭ ‬إلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬أصدرها‭ ‬وعدد‭ ‬اللغات‭ ‬التى‭ ‬تُرجم‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭. ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظنا‭ ‬نحن‭ ‬المشتغلين‭ ‬بالدراسات‭ ‬الإسبانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬اللاتينية‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬ثم‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬أبوابهما‭ ‬للترجمة‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬لغة‭ ‬إحدى‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭.

‬وما‭ ‬نُشر‭ ‬من‭ ‬ترجمات‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬من‭ ‬إسبانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬يفوق‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬نُقلت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬عبر‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة‭ ‬والراهنة،‭ ‬فهذه‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬مشروع‭ ‬ترجمة‭ ‬وطنى،‭ ‬أى‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أدركنا‭ ‬أهمية‭ ‬المنتج‭ ‬الأدبى‭ ‬المنشور‭ ‬باللغة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬كتاب‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬يتسيدون‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ولوج‭ ‬الكولومبى‭ ‬جابرييل‭ ‬جارثيا‭ ‬ماركيز‭ ‬هذه‭ ‬الساحة،‭ ‬ومعه‭ ‬آخرون،‭ ‬وبقوة‭ ‬عبر‭ ‬رائعته‭ ‬امائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬ثم‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للأدب‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬وبالتالى‭ ‬ظهور‭ ‬تيار‭ ‬الوفرة‭ ‬أو‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭.

‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أسهم‭ ‬ويسهم‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬يضطلع‭ ‬بها،‭ ‬لكنه‭ ‬دائمًا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الاستدامة‭ ‬المادية،‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مشروع،‭ ‬وذلك‭ ‬بنشر‭ ‬أعمال‭ ‬يضمن‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تُباع‭. ‬لهذا‭ ‬فإذا‭ ‬ألقيت‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة‭ ‬ستجدها‭ ‬فى‭ ‬غالبيتها‭ ‬كتبًا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬العلوم‭ ‬والدراسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬نظريات‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬المسرح،‭ ‬وهو‭ ‬جنس‭ ‬أدبى‭ ‬لا‭ ‬يلاقى‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬لأن‭ ‬الناشر‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬هدف‭ ‬محدد،‭ ‬والمسرح‭ ‬لا‭ ‬يُدر‭ ‬ربحًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬يُقرأ،‭ ‬بل‭ ‬مصيره‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬صحيحًا‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنه‭ ‬يُقرأ‭ ‬أيضًا،‭ ‬والمسرح‭ ‬مرآة‭ ‬لأى‭ ‬مجتمع،‭ ‬مرآة‭ ‬ميتاتياترية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬أدبى‭ ‬آخر‭. ‬

- بالإضافة‭ ‬لذلك،‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬الإسبانية‭ ‬للعربية‭ ‬ينقصها‭ ‬التناول‭ ‬النظرى‭ ‬والتأسيس‭ ‬لها‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الترجمة»؟‭ ‬فرغم‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬مع‭ ‬أساتذة‭ ‬مثل‭ ‬محمود‭ ‬مكى‭ ‬وصلاح‭ ‬فضل‭ ‬وسليمان‭ ‬العطار‭ ‬وأجيال‭ ‬تالية‭ ‬من‭ ‬مترجمين‭ ‬كبار‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعالج‭ ‬نظريًا‭ ‬ولم‭ ‬تخصص‭ ‬كتبًا‭ ‬لتناول‭ ‬مشكلاتها‭ ‬الفنية‭ ‬ولم‭ ‬تتوافر‭ ‬معاجم‭ ‬كبيرة‭ ‬ومهمة‭ ‬لمساعدة‭ ‬المترجمين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.

- ‬بطريقة‭ ‬أخرى‭: ‬لماذا‭ ‬تعطل‭ ‬المشروع‭ ‬الترجمى‭ ‬النظرى‭ ‬من‭ ‬الإسبانية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالانجليزية‭ ‬والفرنسية؟

مشروع‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬الإسبانية‭ ‬لم‭ ‬يتعطل‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬مسبقًا‭. ‬وبداية‭ ‬اتصالنا‭ ‬الفعلى‭ ‬باللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬تأخرت‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬اللغتين‭ ‬الأخريين،‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬إذ‭ ‬اقتربت‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬سنابك‭ ‬جنود‭ ‬نابليون‭ ‬بونابارت‭ ‬عندما‭ ‬دنست‭ ‬الأزهر‭ ‬ومدافع‭ ‬فريزر‭ ‬فى‭ ‬الِاسكندرية‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭.

‬أى‭ ‬كانتا‭ ‬لغتى‭ ‬المحتل‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭. ‬أما‭ ‬الاتصال‭ ‬بالإسبانية‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬بالرعيل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الدارسين‭ ‬فى‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وكانت‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬تخصصات‭ ‬عدة،‭ ‬ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بعد‭ ‬افتتاحه‭ ‬المعهد‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬مدريد‭ ‬فى‭ ‬نوفمبرمن‭ ‬عام‭ ‬1950،‭ ‬إذ‭ ‬انتقى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬لدراسة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬فى‭ ‬جامعات‭ ‬مدريد،‭ ‬موليًا‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬لدراسة‭ ‬الأندلسيات،‭ ‬ثم‭ ‬لحقت‭ ‬بهم‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬الفنون‭ ‬وعلوم‭ ‬أخرى‭.

‬كان‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدارسين،‭ ‬بعد‭ ‬عودتهم‭ ‬من‭ ‬الدراسة،‭ ‬نواة‭ ‬الترجمة،‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬من‭ ‬الإسبانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬ظلت‭ ‬محدودة‭ ‬حتى‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬ثم‭ ‬تحررت‭ ‬بفضل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬وفرض‭ ‬أدب‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدب‭ ‬الفورة‭ ‬والواقعية‭ ‬السحرية‭. ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬أخذت‭ ‬أقسام‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬تكثر‭ ‬وتتغير‭ ‬مناهج‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬فخرج‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬وكبير،‭ ‬درس‭ ‬معظم‭ ‬أعضائه‭ ‬فى‭ ‬إسبانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وعادوا‭ ‬مسلحين‭ ‬بما‭ ‬نهلوه‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭.

‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬آخرين‭ ‬درسوا‭ ‬اللغة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الجامعة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬نهلوا‭ ‬من‭ ‬ترجمات‭ ‬عن‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭. ‬وأخذ‭ ‬الرعيل‭ ‬الثانى‭ ‬والثالث‭ ‬يملأ‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬بترجمات،‭ ‬ما‭ ‬أحدث‭ ‬طفرة‭ ‬فى‭ ‬الكم‭ ‬والنوع،‭ ‬لكن‭ ‬الترجمات‭ ‬ظلت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬حبيسة‭ ‬السرد‭. ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ترجمات‭ ‬للشعر‭ ‬لكنها‭ ‬اقتصرت‭ ‬على‭ ‬أسماء‭ ‬بعينها،‭ ‬أبرزها‭ ‬الشاعر‭ ‬التشيلى‭ ‬بابلو‭ ‬نيرودا‭ ‬وأسطورة‭ ‬الشعر‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬فدريكو‭ ‬جارثيا‭ ‬لوركا‭. ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬تُرجم‭ ‬قبلها‭ ‬نادرًا،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬روايات‭ ‬تيار‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬ومعها‭ ‬بعض‭ ‬حائزى‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬من‭ ‬إسبانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬واهتم‭ ‬المترجمون‭ ‬الجدد‭ ‬بهذا‭ ‬المنتج‭ ‬المغرى،‭ ‬سريع‭ ‬الانتشار،‭ ‬والأسهل‭ ‬أيضًا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قارناه‭ ‬بالدراسات‭ ‬والنظريات‭ ‬النقدية‭ ‬والمسرح‭ ‬والشعر‭.

‬أريد‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬أنبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صلتنا‭ ‬بالترجمة‭ ‬عن‭ ‬الإسبانية‭ ‬حديثة‭ ‬مقارنة‭ ‬بلغات‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنه‭ ‬حتى‭ ‬يتحرر‭ ‬المترجم‭ ‬من‭ ‬نير‭ ‬آخر‭ ‬الصيحات‭ ‬والأكثر‭ ‬مبيعًا،‭ ‬السرد،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نعانى‭ ‬من‭ ‬أسرها‭. ‬لهذا‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬ترجمات‭ ‬لكتب‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الرواية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬تجارب‭ ‬محدودة‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الشعر‭ ‬ويليه‭ ‬المسرح‭ ‬فى‭ ‬المؤخرة‭. ‬وتأخر‭ ‬الاهتمام‭ ‬بكتب‭ ‬الدراسات‭ ‬ونظريات‭ ‬النقد‭ ‬والترجمة‭. ‬لقد‭ ‬ترجمتُ‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬نظريات‭ ‬المسرح‭ ‬والنقد‭ ‬عن‭ ‬الإسبانية‭ ‬ولسوء‭ ‬الحظ‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بالانتشار‭ ‬المرجو‭ ‬لها،‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬الناشر‭ ‬والقارئ،‭ ‬وظلت‭ ‬أسيرة‭ ‬دائرة‭ ‬أساتذة‭ ‬المسرح‭ ‬فى‭ ‬أكاديمية‭ ‬الفنون‭. ‬بيد‭ ‬أننى‭ ‬آمل‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬نشرها‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬النوعى‭ ‬الذى‭ ‬يهتم‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الدسمة،‭ ‬عسيرة‭ ‬الهضم‭.‬

- بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يركز‭ ‬مشروع‭ ‬الترجمة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأدبى‭ ‬مع‭ ‬استثناءات‭ ‬نادرة‭ ‬لترجمة‭ ‬التاريخ‭ ‬والعمارة،‭ ‬وبعض‭ ‬الكتب‭ ‬النقدية‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭. ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬تظن‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬فى‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬وحدها‭ ‬أم‭ ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬الترجمة‭ ‬أو‭ ‬المترجم؟‭ ‬فصّل‭ ‬لى‭ ‬رأيك‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النقص‭ ‬فى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬كتب‭ ‬اسبانية‭ ‬فكرية‭ ‬وعلمية‭ ‬وفلسفية‭ ‬تتمتع‭ ‬بالجودة‭ ‬والجدية‭.‬

‭‬الواقع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬مشروع‭ ‬للترجمة‭ ‬من‭ ‬الإسبانية‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬فجلها‭ ‬جهود‭ ‬ومقترحات‭ ‬شخصية‭ ‬حسب‭ ‬ميول‭ ‬المترجم‭ ‬ورؤيته‭ ‬للعمل‭ ‬أو‭ ‬السير‭ ‬وراء‭ ‬االموضة .

‬دور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬تفضل‭ ‬الرواية‭ ‬عند‭ ‬تقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬ترجمة‭ ‬إليها‭. ‬أى‭ ‬أننا‭ ‬نفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المنهجية‭ ‬فى‭ ‬انتقاء‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬تُتَرْجم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭. ‬وعندما‭ ‬يُراد‭ ‬إضفاء‭ ‬صبغة‭ ‬امشروعب‭ ‬على‭ ‬مقترحات‭ ‬الترجمة‭ ‬تتحكم‭ ‬الأهواء‭ ‬الِشخصية‭ ‬فى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬كان‭ ‬للدكتور‭ ‬على‭ ‬منوفى‭ ‬محاولات‭ ‬للتغريد‭ ‬خارج‭ ‬السرب‭ ‬بترجمة‭ ‬بعض‭ ‬كتب‭ ‬العمارة‭ ‬والآثار‭ ‬والحياة‭ ‬النيابية‭ ‬والمواطنة،‭ ‬لكن‭ ‬الموت‭ ‬لم‭ ‬يمهله‭ ‬لترى‭ ‬ترجماته‭ ‬النور‭. ‬كان‭ ‬منوفى‭ ‬نبيهًا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬وصاحب‭ ‬أفكار‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬التجديد‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬النمطى‭.

‬الانطباع‭ ‬السائد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إسبانيا‭ ‬وأميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬ليس‭ ‬فيهما‭ ‬سوى‭ ‬الرواية،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬كتب‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬كافة‭ ‬مجالات‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬نقدية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وفلسفة‭ ‬وسياسة‭ ‬وفكر‭ ‬وتاريخ‭... ‬إلخ‭.

- ‬وهنا‭ ‬أتساءل‭:كم‭ ‬كتابًا‭ ‬ترجمنا‭ ‬عن‭ ‬شعوب‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وحضاراتها‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬كريستوفر‭ ‬كولومبس‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الجديد؟‭ ‬كانت‭ ‬عندهم‭ ‬حضارات‭ ‬راقية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬آثارها‭ ‬شاهدة‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وهناك‭ ‬دراسات‭ ‬كثيرة‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬آدابها‭ ‬وآثارها‭ ‬بالإسبانية‭ ‬وبلغات‭ ‬أخرى‭. ‬

حتى‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الأدب،‭ ‬يبدو‭ ‬كذبًا‭ ‬أن‭ ‬القارئ‭ ‬العربى‭ ‬يعرف‭ ‬أدب‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬انتقاء‭ ‬لتيار‭ ‬أدبى‭ ‬وإهمال‭ ‬لكتابات‭ ‬أخرى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لإهمال‭ ‬أجيال‭ ‬تالية،‭ ‬والمتخصصون‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المهمة‭ ‬لم‭ ‬تترجم‭ ‬بعد‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تيار‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‮»‬‭ ‬نادر‭ ‬فى‭ ‬السوق‭ ‬العربى‭.

-كيف‭ ‬تنظر‭ ‬لتجاهل‭ ‬الأدب‭ ‬اللاتينى‭ ‬الجديد؟

‭ ‬بالفعل‭ ‬تيار‭ ‬اما‭ ‬بعد‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬أحد‭ ‬وربما‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬المتخصصين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬أعنى‭ ‬هنا‭ ‬تيار‭ ‬ماكوندوMcOndo،‭ ‬وهى‭ ‬كلمة‭ ‬مركبة‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬الأميركية‭ ‬السريعة،‭ ‬ماكدونالدز،‭ ‬وقرية‭ ‬ماكوندو‭ ‬التى‭ ‬خلدها‭ ‬ماركيز‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ ‬الشهيرة‭ ‬امائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة،‭ ‬أى‭ ‬المراوحة‭ ‬بين‭ ‬سمة‭ ‬العصر‭ ‬وهى‭ ‬السرعة‭ ‬والوجبات‭ ‬السابقة‭ ‬الإعداد،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وموقف‭ ‬كتاب‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬وكتابها،‭ ‬ودعوتهم‭ ‬للاهتمام‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬يومى‭ ‬وحضرى‭.

‬هذا‭ ‬الإهمال‭ ‬من‭ ‬جانبنا‭ ‬ربما‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬تمسكنا‭ ‬بالماضى،‭ ‬فيصعب‭ ‬علينا‭ ‬التخلص‭ ‬منه،‭ ‬ولعلك‭ ‬تذكر‭ ‬أننا‭ ‬ظللنا‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬البنيوية‭ ‬والتفكيكية‭ ‬ومدارس‭ ‬نقدية‭ ‬أخرى‭ ‬بينما‭ ‬العالم‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تجاوزها‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭. ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬يقتفون‭ ‬أثر‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬نموذجًا‭ ‬للكتابة‭ ‬بينما‭ ‬انقرض‭ ‬كتابها‭ ‬فى‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭.

‬إذًا‭ ‬المشكلة‭ ‬عندنا‭ ‬وليست‭ ‬فى‭ ‬ضعف‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬تيار‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭. ‬وربما‭ ‬يتحمل‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬مسئولية‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الملتبس‭ ‬والمتكلس‭ ‬المختصون‭ ‬فى‭ ‬أدب‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬ينقلوا‭ ‬الصورة‭ ‬الراهنة‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬القارة‭ ‬ولم‭ ‬يهتموا‭ ‬بنتاج‭ ‬تيار‭ ‬ماكوندو‭. ‬بيد‭ ‬أننى‭ ‬قد‭ ‬ألتمس‭ ‬العذر‭ ‬لهم‭ ‬لزخم‭ ‬وطغيان‭ ‬سرد‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬متلقين‭ ‬فى‭ ‬السوق‭ ‬العربية،‭ ‬والسوق‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تحدد‭ ‬اتجاه‭ ‬البوصلة‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬المكسب‭ ‬والخسارة‭. ‬

- أحب‭ ‬أن‭ ‬أتوقف‭ ‬عند‭ ‬الوضع‭ ‬الملتبس‭ ‬والمتكلس‭ ‬للمتخصصين‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬لأسألك‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الترجمة‭ ‬كفن‭ ‬ودراسة‭ ‬والأكاديمية‭ ‬كبحث،‭ ‬وهل‭ ‬تظن‭ ‬أن‭ ‬التدريس‭ ‬الجامعى‭ ‬ضمانة‭ ‬لخلق‭ ‬نص‭ ‬مترجم‭ ‬جيد؟

‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬عندنا‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بالالتحاق‭ ‬بأحد‭ ‬أقسامها‭ ‬فى‭ ‬الجامعات،‭ ‬والدراسة‭ ‬فى‭ ‬إسبانيا‭ ‬تتم‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬منح‭ ‬دراسة‭ ‬الدكتوراه‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أدوات‭ ‬المترجم‭ ‬الجيد‭ ‬هضم‭ ‬اللغة‭ ‬جيدًا‭ ‬والتعايش‭ ‬معها،‭ ‬مع‭ ‬المتحدثين‭ ‬بها،‭ ‬فهناك‭ ‬أمور‭ ‬يصعب‭ ‬إدراكها‭ ‬دون‭ ‬استيفاء‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭.

‬وإذا‭ ‬واصل‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬تدريس‭ ‬الأدب‭ ‬واللغة‭ ‬فقد‭ ‬فتح‭ ‬لنفسه‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيحة‭ ‬ليبدأ‭ ‬الترجمة‭. ‬هناك‭ ‬مترجمون‭ ‬جيدون‭ ‬لم‭ ‬يلتحقوا‭ ‬بأقسام‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬فى‭ ‬الجامعة،‭ ‬ولعل‭ ‬المثال‭ ‬الذى‭ ‬يستحق‭ ‬الذكر‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬الراحل‭ ‬صالح‭ ‬علمانى‭ ‬الذى‭ ‬سافر‭ ‬لدراسة‭ ‬الطب‭ ‬لكنه‭ ‬ترك‭ ‬الطب‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬ثم‭ ‬تركه‭ ‬أيضًا‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬ويبدأ‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬مترجمى‭ ‬الإسبانية‭ ‬غزارة‭ ‬فى‭ ‬الإنتاج‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬كله‭. ‬هناك‭ ‬آخرون‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬أحسنوا‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬الإسبانية‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬الدكتور‭ ‬طلعت‭ ‬شاهين‭ ‬وأحمد‭ ‬حسان،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬آخرين‭ ‬لهم‭ ‬تجارب‭ ‬جيدة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭. ‬

- بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬علاقتنا‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬تأخر‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الإسبانية،‭ ‬ألا‭ ‬يبدو‭ ‬ذلك‭ ‬غريبًا‭ ‬برغم‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭/‬الإسبانى‭ ‬المشترك‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الأندلسي؟‭ ‬لماذا‭ ‬خفت‭ ‬اهتمامنا‭ ‬بهذا‭ ‬الجانب‭ ‬التاريخى؟‭ ‬وما‭ ‬الطريقة‭ ‬لترميم‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الثقافية؟

‭‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬الطابور‭ ‬الخامس‭ ‬بالمعنى‭ ‬الإيجابى‭ ‬للتعبير‭ ‬ذوهو‭ ‬إسبانى‭ ‬فى‭ ‬الِأصل‭-‬ ،‭ ‬أى‭ ‬أجزاء‭ ‬الجسور‭ ‬التى‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وتساند،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬تشكلت‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬متأخر،‭ ‬وهنا‭ ‬أقصد‭ ‬خريجى‭ ‬أقسام‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬فهذه‭ ‬الأقسام‭ ‬نفسها‭ ‬حديثة‭ ‬العهد،‭ ‬وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بلدًا‭ ‬كمصر،‭ ‬بثقلها‭ ‬السياسى‭ ‬والثقافى،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬قسم‭ ‬للغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬فُتح‭ ‬فى‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى،‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬كلية‭ ‬الألسن‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬قسم‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬معهد‭ ‬اللغات‭ ‬والترجمة‭ ‬فى‭ ‬الأزهر‭-‬تحول‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬كلية.

‬جاءت‭ ‬الأقسام‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لاحقًا،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬سباقًا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬نظرًا‭ ‬لظروف‭ ‬الجوار‭ ‬وحضور‭ ‬إسبانيا‭ ‬فى‭ ‬شمالى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربى‭ ‬حتى‭ ‬الخمسينيات‭. ‬الجسور‭ ‬الجادة‭ ‬التى‭ ‬سبقت‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كانت‭ ‬بمبادرات‭ ‬شخصية،‭ ‬مثل‭ ‬إنشاء‭ ‬المعهد‭ ‬المصرى‭ ‬للدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬فى‭ ‬مدريد،‭ ‬منذ‭ ‬سبعين‭ ‬عامًا،‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬إذ‭ ‬أدرك‭ ‬ضرورة‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬الأندلسى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لفت‭ ‬نظره‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المستعرب‭ ‬الشاب‭ ‬سنتئذ‭ ‬إميليو‭ ‬جارثيا‭ ‬جوميث،‭ ‬الذى‭ ‬عاش‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬العشرينات‭ ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬وترجم‭ ‬مادة‭ ‬كتابه‭ ‬المشهور‭ ‬اقصائد‭ ‬عربية‭ ‬أندلسية،‭ ‬فجمعته‭ ‬صداقة‭ ‬بعميد‭ ‬الِأدب‭ ‬العربى،‭ ‬وتوطدت‭ ‬فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬االشرق‭ ‬والغربب‭ ‬حضرا‭ ‬دوراته‭ ‬فى‭ ‬باريس‭ ‬ومعهما‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الإسبانى‭ ‬المعروف‭ ‬أورتيجا‭ ‬إى‭ ‬جاسيت،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬ضفتى‭ ‬المتوسط‭.

‬وهناك‭ ‬ولدت‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬المعهد‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬مدريد،‭ ‬ونفذها‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬فى‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬1950‭. ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬المعهد‭ ‬بمكتبته‭ ‬العامرة‭ ‬ومحاضراته‭ ‬الراقية‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬فاعلاً‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬فى‭ ‬العلاقات‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسبانيا‭ ‬ثم‭ ‬خفت‭ ‬ضوؤه‭ ‬لظروف‭ ‬يعرفها‭ ‬الجميع‭. ‬

اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬فى‭ ‬الساحة‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬المشتغلين‭ ‬بالدراسات‭ ‬الإسبانية‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬والمستعربين‭ ‬فى‭ ‬إسبانيا،‭ ‬يجب‭ ‬السعى‭ ‬لتطوير‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬وتحسينها‭.

‬وهنا‭ ‬يصبح‭ ‬ضروريًا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستعراب‭ ‬الإسبانى‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬أبرز‭ ‬فى‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬فهناك‭ ‬أقسام‭ ‬دراسات‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الإسبانية‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬مستعربون‭ ‬يضطلعون‭ ‬بدور‭ ‬مهم‭ ‬ببحوثهم‭ ‬ونشاطاتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬ومناظراتهم‭ ‬فى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لدحض‭ ‬الافتراءات‭ ‬التى‭ ‬تُلصق‭ ‬بالعرب‭ ‬وبالمسلمين‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬طريقًا‭ ‬محفوفًا‭ ‬بالصعاب‭ ‬والألغام‭ ‬السياسية‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬الكلمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬السياسة‭ ‬والتمثيل‭ ‬الدبلوماسى،‭ ‬رغم‭ ‬ضبابية‭ ‬الطقس‭ ‬بسبب‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭.

‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الإسبانى‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬ويعترف‭ ‬بقربه‭ ‬منا‭ ‬نظرًا‭ ‬للظروف‭ ‬التاريخية‭ ‬والجغرافية‭ ‬المشتركة،‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬فى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬امسرح‭ ‬الهجرةب،‭ ‬أى‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭ ‬التى‭ ‬تعالج‭ ‬مسألة‭ ‬المهاجرين‭ ‬فى‭ ‬إسبانيا‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬فأمام‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الإسبانية،‭ ‬وهى‭ ‬طبيعية‭ ‬تتمثل‭ ‬فى‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى،‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭ ‬تتخذ‭ ‬خطابًا‭ ‬مؤيدًا‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربيين،‭ ‬وتذكر‭ ‬الإسبان‭ ‬بماضيهم‭ ‬القريب‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يهاجرون‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمرت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ (‬1936-1939‭) ‬البلاد‭.

‬وهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يمتد‭ ‬ليصل‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬جذوره‭ ‬المترسخة‭ ‬فى‭ ‬الثقافة‭ ‬الأدبية‭ ‬الإسبانية‭ ‬فى‭ ‬ما‭ ‬سُمى‭ ‬بالقصة‭ ‬الموريسكية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬المؤلف‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬المهزوم،‭ ‬الموريسكيين،‭ ‬ويظهر‭ ‬نبلهم‭ ‬وأخلاقهم‭ ‬الحميدة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مخالف‭ ‬لطبيعة‭ ‬المنتصر‭ ‬فى‭ ‬كافة‭ ‬الصراعات‭. ‬

- لو‭ ‬كنت‭ ‬مسئولا‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬مختصة‭ ‬بالترجمة،‭ ‬ما‭ ‬المشروع‭ ‬الذى‭ ‬ستعمل‭ ‬عليه؟

‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نولى‭ ‬اهتمامًا‭ ‬خاصًا‭ ‬لعملية‭ ‬انتقاء‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬نترجمها،‭ ‬بعد‭ ‬إجراء‭ ‬حصر‭ ‬لكافة‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬لغة‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬كافة،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مستعصيًا،‭ ‬وذلك‭ ‬تفاديًا‭ ‬لإصدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬لكتاب‭ ‬بعينه‭. ‬أى‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الترجمة‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬كليات‭ ‬اللغات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭.

‬وكذلك‭ ‬وضع‭ ‬أولويات‭ ‬للترجمة،‭ ‬فليس‭ ‬منطقيًا‭ ‬أن‭ ‬تتسيد‭ ‬الرواية‭ ‬ساحة‭ ‬الترجمة‭ ‬وتفصلها‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬عن‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬الأخرى‭. ‬والمهم‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬مترجمة،‭ ‬فاللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬تتطلب‭ ‬نقل‭ ‬معارف‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬العلم‭ ‬والفكر،‭ ‬ومسألة‭ ‬الحريات،‭ ‬ولا‭ ‬أعنى‭ ‬هنا‭ ‬الحرية‭ ‬السياسية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬الجمعية‭ ‬والفردية،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬والمساواة.

‭‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬فى‭ ‬استحداث‭ ‬نهضة‭ ‬والتماشى‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬الذى‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬بينما‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يتلمظ‭ ‬لنا‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بشرط‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الشللية‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬الأعمال‭ ‬الواجب‭ ‬ترجمتها،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعى‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬متقدمة‭ ‬له‭ ‬الرأى‭ ‬النهائى‭ ‬فى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬المقترحة‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭.‬

وهذا‭ ‬الشخص‭ ‬نفسه‭ ‬تجده‭ ‬فى‭ ‬لجان‭ ‬عدة‭ ‬أخرى‭ ‬كترقيات‭ ‬الأساتذة‭ ‬وما‭ ‬شابهها‭. ‬وهنا‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬كذلك،‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لعقد‭ ‬دورات‭ ‬لاعداد‭ ‬المترجم،‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أتقن‭ ‬لغة‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة،‭ ‬ويشكل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭  ‬منهجية‭ ‬أدائه‭ ‬ضمانًا‭ ‬لاستمرارها‭. ‬لدينا‭ ‬أساتذة‭ ‬ومترجمون‭ ‬كثيرون‭ ‬يمكنهم‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭.

‬وكان‭ ‬لى‭ ‬ولزملاء‭ ‬آخرين‭ ‬تجربة‭ ‬إيجابية‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬عبر‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭. ‬وهذا‭ ‬يحملنا‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬إعداد‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬فى‭ ‬الاختصاصات‭ ‬كافة‭ ‬بغية‭ ‬إفساح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الشباب‭ ‬النابغين،‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬استعداد‭ ‬فطرى‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬يتجلى‭ ‬فى‭ ‬قاعات‭ ‬الدرس‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭. ‬ولدىّ‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الطلاب‭ ‬الذين‭ ‬أظهروا‭ ‬هذا‭ ‬الاستعداد‭ ‬ومددت‭ ‬لهم‭ ‬يد‭ ‬العون‭.

‬مشكلة‭ ‬المشكلات‭ ‬كلها‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬التمويل،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حلها‭ ‬بشكل‭ ‬استراتيجى،‭ ‬أى‭ ‬وضع‭ ‬قنوات‭ ‬تضمن‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الترجمة‭ ‬العامة‭ ‬بالاستمرار‭ ‬فى‭ ‬أداء‭ ‬دورها‭ ‬بإيقاع‭ ‬لا‭ ‬تتخلله‭ ‬مطبات‭ ‬وعثرات،‭ ‬وقد‭ ‬نحلها‭ ‬جزئيًا‭ ‬بييع‭ ‬الكتبEBOOK‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭.

‬هذه‭ ‬مسائل‭ ‬يعلمها‭ ‬العاملون‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬ولديهم‭ ‬الحلول،‭ ‬لكن‭ :‬من‭ ‬ينفذ؟‭  ‬مصر‭ ‬بلد‭ ‬كبير،‭ ‬فيه‭ ‬قدرات‭ ‬كبيرة،‭ ‬بعضها‭ ‬فذ،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعى‭ ‬فى‭ ‬شعب‭ ‬قدم‭ ‬الكثير‭ ‬للإنسانية‭ ‬طوال‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتراجع‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة‭ ‬الفورية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أشارك‭ ‬فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬المترجمين‭ ‬الفوريين‭ ‬مصريون،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فقلما‭ ‬تجدهم‭ ‬فى‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭. ‬وهذا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬معهد‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬متخصصة‭ ‬فى‭ ‬تدريس‭ ‬الترجمة‭ ‬الفورية‭.

‬هذا‭ ‬دون‭ ‬الخوض‭ ‬فى‭ ‬ضعف‭ ‬مستوى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لدى‭ ‬خريجى‭ ‬أقسام‭ ‬اللغات‭. ‬كيف‭ ‬يستوى‭ ‬النص‭ ‬المنتج‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المترجم‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬لغته‭. ‬حجج‭ ‬الطلاب‭ ‬كثيرة‭: ‬تردى‭ ‬مناهج‭ ‬تعليم‭ ‬العربية،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬تقسيم‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬تعليمية،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬خاصة‭ ‬ولغات‭ ‬ودولية‭ ‬وأزهرية‭ ‬وحكومية‭....‬إلخ‭ ‬مزق‭ ‬أوصال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فأخرجت‭ ‬لنا‭ ‬المدارس‭ ‬طلابًا‭ ‬مشوهين‭ ‬ومشوشين‭ ‬لغويًا‭.

‬إننى‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بأننا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬الهدف‭ ‬الأوحد‭ ‬لمؤامرات‭ ‬عالمية‭ ‬لكننى‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وعاء‭ ‬الأمة‭ ‬الحضارى،‭ ‬تتعرض‭ ‬لأشرس‭ ‬مؤامرة‭ ‬تنفذ‭ ‬بأيادٍ‭ ‬محلية‭ ‬لطمسها‭ ‬بإحياء‭ ‬لغات‭ ‬محلية‭ ‬شبه‭ ‬ميتة‭ ‬وتعظيم‭ ‬اللهجات،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬نكتفى‭ ‬بمقولة‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحفظها‭ ‬من‭ ‬الضياع‭ ‬لكونها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬بينما‭ ‬تركنا‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬للعابثين‭ ‬بها‭ ‬ولدعاة‭ ‬الشعوبية‭. ‬

-‭ ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬الجانب‭ ‬التعليمى‭ ‬والأكاديمى‭ ‬فى‭ ‬اللغات؟

‭‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لتوسيع‭ ‬وتعميق‭ ‬تدريس‭ ‬اللغات‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الاعدادية‭ ‬والثانوية،‭ ‬ليشمل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللغات،‭ ‬كالإسبانية‭ ‬والصينية‭ ‬والألمانية‭ ‬والإيطالية‭.  ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الطالب‭ ‬الذى‭ ‬يدخل‭ ‬أقسام‭ ‬اللغات‭ ‬فى‭ ‬الجامعة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬دراسة‭ ‬اللغة‭ ‬فى‭ ‬الثانوية،‭ ‬والطالب‭ ‬الذى‭ ‬يلتحق‭ ‬بهذه‭ ‬الأقسام‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬دراسة‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬المدرسية‭.

‬وبكلمات‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬تجربتى‭ ‬فى‭ ‬الجامعة،‭ ‬فإن‭ ‬الطالب‭ ‬الذى‭ ‬درس‭ ‬اللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬زميله‭ ‬الذى‭ ‬التحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬ولم‭ ‬يدرسها‭ ‬مسبقًا‭. ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬الأربعة‭ ‬فى‭ ‬الجامعية‭ ‬ليست‭ ‬كافية،‭ ‬وهذه‭ ‬الهوة‭ ‬تتضح‭ ‬فى‭ ‬أقسام‭ ‬كالفرنسية‭ ‬والإنجليزية،‭ ‬إذ‭ ‬سبق‭ ‬لطلابها‭ ‬أن‭ ‬درسوهما‭ ‬فى‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الجامعة‭.  ‬

- أخيرًا،‭ ‬كيف‭ ‬تقيم‭ ‬جوائز‭ ‬الترجمة‭ ‬فى‭ ‬مصر؟

‭‬جوائز‭ ‬الترجمة‭ ‬يجب‭ ‬اعادة‭ ‬هيكلتها‭ ‬بموضوعية،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الذاتية،‭ ‬لضمان‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يستحقها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬قيمتها‭ ‬المادية‭ ‬أسوة‭ ‬بدول‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية‭. ‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة